الإرهابيون وفتاواهم التكفيرية... !!!

(2)

منشد مطلق المنشداوي

 منذ أيام تم نشر خطاب منسوب لأسامة بن لادن يتحدث فيه بلغة الواعظ حيناً , وبلغة المحلل السياسي حينا آخر , الخطاب لم يأتِ بجديد من ناحية المضمون , إذ أن اقل صحفي في العالم قال أكثر مما قاله بن لادن في خطابه الأخير في وصف حالة العراق المزرية والتي هم السبب الأكبر بما يحصل فيها. وكما هو حاله دائماً يُوضح هذا الشريط الآتي : -

 أولا : ظهور بن لادن من بعد هذه الغيبة الطويلة , وتقديم نفسه واعظا وداعيا، على الرغم من انه غير مؤهل لمثل ذلك سواء هو أو الظواهري أو أي من قادة التنظيم.

ثانياً : كان الأولى به أن يعمل على الوعظ والإرشاد تجاه أنصاره وما فيهم من سوء الأخلاق من شتم وسباب وطعن بالأعراض والأنساب لمن خالفهم الرأي , والعمل على تربيتهم على أخلاق النبوة التي يدعون العمل بها. كان الأولى به أن يفكر في السرداب المتواجد فيه والذي لا يعلم مكانه إلا الله , أو لعله لم يقتنع أصلا بالأفكار التي يدعوا بها ؟؟!!... فلو كان مجاهداً وكما يدعي مناصروه من إن مقتله لا يعني شيء لأنه زرع الأفكار والمبادئ وحسب زعمهم.. ولو كان كذلك لماذا الاختباء في الكهوف... !!!.

كان الأولى به وهو الطاعن بالسن , أن يعمل على حقن الدماء المسلمين لا سيما في العراق , والقاعدة تنتهك وتفعل ما تفعل بالعراقيين دون حرمات للإنسان.

اثبت لنا وللجميع بما لا يدع مجالا للشك , بان المسيطر الآن على التنظيم هو الظواهري الاقصائي التكفيري (فيصح تسميتها بعد الآن بقاعدة الظواهري أو القاعدة الظواهرية) , وان دور بن لادن من بعد تنحيته من قبل الظواهري (كما فعل مع عبد الله عزام وغيره) لا يتعدى في المرحلة الراهنة , كونه واعظا ومرشدا  طبعا بحدود) من وراء حجاب لا حول له ولا قوة في إدارة شؤون التنظيم).

فكم من الدماء أريقت وكم من الأبرياء والأطفال والشيوخ والعجزة والنساء الذين قُتلوا أو شُردوا أو طُردوا باسم " القاعدة " ؟! أيسرك أن تلقى الله تبارك وتعالى تحمل هؤلاء الناس على ظهرك وهم يعدون بمئات الآلف أو بالملايين ؟!.

وكيف ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِى عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِى لِمَنْفَعَةٍ ".

هذا الدين الذي يرعى حرمات الدماء حتى الطيور والحيوانات لايمكن أن يقبل بقتل الأبرياء أياً كانت الأسباب وأياً كانت الدوافع ألم تقرأ قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي الذي أحرق بيتاً من النمل - يقول صلى الله عليه وآله وسلم " نَزَلَ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِي النَّارِ - قَالَ - فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً ". إن الله تعالى أوحى لذلك النبي أمن أجل نملة واحدة قرصت أحرقت قرية من النمل تسبح الله عز وجل ؟ ! فكيف بالناس والبشر ؟!

من المسؤول عن شباب كثير من المسلمين وعن فتيان مازالوا في مقتبل أعمارهم يعيشون في نشوة الحماس وفي بداية الالتزام ذهبوا في طريق لا يعرفون نهايته وربما ضلت بهم هذه السبل وهذه الطرق؟!.

ألم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل المنافقين الذين نزل الخبر من الله بأنهم في الدرك الأسفل من النار وعلل -صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله " لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ". وهل فعلاً تتبع قاعدتكم نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأنتم تقتلون كل يوم باسم الدين الذي هو براء منكم ومن أفعالكم فهناك فرق بين من قتل وبين من أحيا وربنا سبحانه يقول : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) " المائدة : من الآية32 "، فإحياء نفس واحدة بالعلم أو بالإيمان هو الفتح المبين وهو الأجر العظيم.

 هذا إذا كنت صادقين بإيمانكم ونهجكم وأنتم تفجرون آل بيت الرسول صلى عليه وسلم بنهجكم التكفيري. وغايتكم في هذا العمل هو المزيد من الجثث من رجال الشرطة، من رجال الجيش، من عوام المسلمين، من الأبرياء الذين يقتلون أحياناً ويُقال : يبعثون على نياتهم ؟ !، على الرغم من أن حديث رسول الله كان يتحدث عن فقط وفي حالة واحدة عن هدم الكعبة..

وحتى لو افترضنا أن الجواب... نعم هم يُبعثون على نياتهم، لكن الشأن كيف نُبعث نحن وبأي وجه نلقى ربنا عز وجل حينما نلقاه بمثل هذا العدد الكبير من الدماء التي نُزفت وسُفكت ربما تحت مظلتنا شئنا أم أبينا أردنا أم لن نرد ؟ !.

 ولو أفترضنا أيضاً صدقكم في نشر الدعوة فهل إن هَمَّ إيصال الرسالة إلى الناس هَمَّ الدعوة هَمَّ التأثير على الآخرين وتغيير قناعات الآخرين أهم وأعظم من هَمَّ قهر الناس وأخذهم بالقوة والشدة ولقد بعث الله نبيه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - هادياً ولم يبعثه جابياً كما قيل.

عن تنشيط كثير من أفكار التكفير والتفجير والقتل والتي شاعت داخل الأسرة الواحدة وبموجبها أصبح الابن يُكفّر أباه أحياناً ويُكفّر أخاه وربما قتل قريبه بدم بارد وربما تقرّب إلى الله بمثل هذا المعنى بدلاً من أن تظلل هذه الأسرة المسلمة روح السكينة والإخاء والإيمان !. من المسؤول عن شباب تركوا أمهات يعانين الألم أو تركوا زوجات محزونات أو تركوا أطفالاً أو صغاراً يطول بهم الانتظار والسؤال أين أبي ؟ أين أبي ؟

ولكن لا مجيب وقد يكون الأب قتيلاً وقد يكون ضائعاً مجهولاً لا يُدرى أين انتهت به خطواته.

من المسؤول.. ؟

ألا يسعك أيها المجرم ما وسع سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام الذي بعث رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) " الأنبياء: من الآية 107".

-أين الرحمة في قتل الناس !. 

-أين الرحمة في التفجير والتفخيخ !.

-أين الرحمة في استهداف للإنسانية !.

- أين الرحمة في تحول كثير من بلاد المسلمين إلى مناطق للحرب والقتال !.

 لقد فتح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-  الجزيرة ودانت له كلها دون مجازر بل الذين قتلوا على مدى وجود الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - على قيد الحياة على مدى ثلاث وعشرين سنة يُعدون نحو مائتين أو أقل من ذلك وقد يكون من قتل من المسلمين أضعاف من قتل من أعدائهم....

هل اختصرنا الإسلام في طلقة أو رصاصة أو بندقية ؟

وهل تحولت الوسيلة إلى غاية ؟

وللأسف لم نسمع صوت العلماء والمخلصين والناصحين والمؤمنين وعبّاد الأسحار والليل والذاكرين الله تعالى كثيراً الذين يصيحون ويقولون كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما أخطأ خالد بن الوليد وهو القائد الأعلى للجيش الإسلامي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " اللَّهُمَّ إني أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ " وقالها كلمة مدوية لازلنا نسمعها اليوم بعد ألف وأربعمائة سنة، وكثير من هؤلاء بل جلهم يقولون : " اللهم إنا نبرأ إليك مما يصنع هؤلاء القتلة ومن يتسمى باسمه أو يعمل تحت لوائه "، وأذكرك بقول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأسامة بن زيد حين قتل رجلاً من الحرقات من جهينة في المعركة بعد ما قال لا اله إلا الله فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رسول الله إنما قالها تعوذاً أو خوفاً من السيف فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم : فكيف تصنع بلا اله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال : استغفر لي يا رسول الله قال : كيف تصنع بلا اله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ".

فيا أيها القتلة ماذا تصنعون بلا اله إلا الله إذا حاجتك يوم القيامة...

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 26 آذار/2008 - 18/ربيع الاول/1429