ازمة فيلم فيلدرز: هل تنجو اوربا من التطرف اليميني؟

شبكة النبأ: خلّفت حملات الاساءة للإسلام التي شنّها وما يزال اليمين المتطرف في اوربا، ردود افعال كبيرة جدا خاصة فيما يتعلق بزيادة الهوة بين المجتمَعَين الغربي والاسلامي، ووجهت تلك الإفعال المُهينة ضربة قاصمة لكل الجهود الدولية الرامية الى توحيد الخطاب الانساني ضمن استراتيجية تقارب الأمم وحوار الحضارات.

ولكن هل استخلصت اوروبا اي دروس من سلسلة المصادمات العنيفة المستمرة بين حرية التعبير وتجاوزات بحق المسلمين ومعتقداتهم؟

ربما نعرف الاجابة في الاسابيع المقبلة فيما تستعد هولندا لبث السياسي اليميني خيرت فيلدرز الذي وصف القرآن بانه كتاب "فاشي"، فيلما قصيرا يتوقع ان يتضمن انتقادات حادة للاسلام. ويوجه اساءة مباشرة لشخص النبي محمد (ص).

التجارب السابقة غير مشجعة ففي عام 2004 طعن متشدد اسلامي هولندي شاب مخرجا حتى الموت لتقديمه فيلما يهاجم معاملة المرأة في الاسلام. واثارت رسوم مسيئة للنبي محمد موجة غضب من المسلمين في جميع انحاء العالم في 2006 لا زالت مستعرة حتى الان.

واحتاط الهولنديون للأمر من جميع نواحيه ففي الاسبوع الماضي رفعوا حالة التأهب تحسبا لعمل ارهابي خشية وقوع هجوم ردا على فيلم فيلدرز.

وموخرا حذر رئيس الوزراء يان بيتر بالكننده زعماء اوروبيين من ردة فعل غاضبة محتملة ضد مصالح اوروبية. وصرح بالكننده "سنواصل اطلاع بعضنا بعضا على الوضع حتى يمكننا التحدث بصوت أوروبي واحد عندما يعرض الفيلم."

وقال محللو شؤون امنية ان الحكومة لديها ميزة اساسية هذه المرة الا وهي انها علمت بالفيلم منذ شهور واستغلت الوقت لمحاولة الوصول للجالية الاسلامية في الداخل واتخذت خطوات دبلوماسية في الخارج.

ويقول بيتر نيومان من المركز الدولي للدراسات الراديكالية والعنف السياسي في لندن "اهم درس استخلصناه من الدنمرك هو ضرورة وجود قنوات اتصال مع الطائفة المسلمة في بلدك. امر مهم ان يوجه المسلمون دعوات للهدوء ويعملوا على الا يتفاقم الوضع."

يقول ادوين بيكر من معهد كلينجندايل وهو مركز بحثي في هولندا ان ائمة محليين وشبانا مسلمين من بين من حاولت السلطات كسبهم لجانبها.

وتابع "تتخذ الكثير من الاجراءات الوقائية. هناك الكثير من الافراد والحركات والمنظمات ممن يدلون ببيانات فعليا تقول "حافظوا على وقاركم لا تعطوه (فيلدرز) الفرصة لتحقيق ماربه."

وتلك تحديدا نصيحة الاكاديمي السويسري طارق رمضان احد ابرز المثقفين المسلمين في اوروبا لمسلمي هولندا.

وصرح رمضان لرويترز انه، لا يتوقع أزمة جديدة على نفس النطاق الذي اثارته الرسوم الدنمركية المسيئة ولكن الخطر يكمن في ان يسبب الفيلم انقساما في المجتمع يحقق اهداف فيلدرز ومتشددين اسلاميين على حد سواء.

وتابع رمضان "فيما يخص فيلدرز فان هذا ما يريده بالضبط.. يريد استقطابا. الاسلام لا يتناسب مع الغرب وقيمنا.. هذا ما يقوله وأسامة ( ابن لادن) هذ ما يريده تحديدا. نصيحتي (للمسلمين) ان ينظروا للامر من منظور نقدي حضاري ويقولون.. لا يعجبنا.. وان يمضوا قدما متجاهلين اياه."

ورغم التوترات فان هناك بعض المؤشرات الايجابية فقد اثارت القضية اهتماما بالاسلام بين بقية المواطنين الهولنديين وزاد عدد زوار المساجد من غير المسلمين وكما اثار جدلا ذا مضمون ارقى في وسائل الاعلام على حد قول بوب دي جراف من جامعة لايدن في هولندا.

وقال "لا يمكن استبعاد امكان ان ترتكب مجموعة صغيرة او فرد واحد عملا عنيفا بسبب الفيلم. ولكن انا شخصيا اثق بأن مثل هذا العمل في هذا الوقت لن يكون له نفس التأثير الدائم" مثل ازمات سابقة كمقتل المخرج تيو فان جوخ في عام 2004.

ولجأت الحكومة لاساليب تكتيكية للحد من الضجة المحيطة بالفيلم وابلغت فيلدرز ان عليه ان يتحمل شخصيا تكلفة الاجراءات الامنية اذا اراد عقد مؤتمر صحفي للترويج للفيلم. ولم توافق اي محطة تلفزيونية على بثه ويتوقع ان يبث على الانترنت في 28 مارس اذار الجاري.

ويعتقد بعض المحللين ان التحدي الاكبر ربما يكون كيفية تعامل هولندا مع اثار عرض الفيلم في الخارج نظرا لان الاحتجاجات بدأت بالفعل في باكستان وافغانستان.

انقسام في هولندا

وتشهد هولندا انقسامات عميقة حول الاسلوب الذي يجب اتباعه لانتقاد الاسلام ان كانت هناك حاجة لذلك،

واستبعدت حكومة اليسار الوسط المدافعة عن حرية التعبير في الخارج والتي تحظى بدعم الطبقة السياسية حظر فيلم النائب غيرت فيلدرز.

وكانت الكنائس البروتستانية والكاثوليكية اول من تدخل في القضية ودعت النائب الهولندي الى الامتناع عن بث هذا الفيلم.

وانتقد اسقف اوترخت (وسط) غيرهارد دي كورت "اللغة السوقية" التي يستخدمها النائب ووصف بها المسلمين بانهم "متخلفون" والنبي محمد بانه "همجي".

واضاف "من خلال تبادل الشتائم لا نصل الى نتيجة (...) وكعضو في البرلمان يحق له التعبير عن قلقه. انا ايضا اشعر بالقلق من بعض العناصر الاسلامية (...) لكن علينا ان لا نتجاوز الحدود وان نستخدم لغة سليمة".

وقال فؤاد لاروي الكاتب المغربي المقيم في امستردام منذ تسعينات القرن الماضي "علينا ان لا ننسى اننا شهدنا هنا حرب اديان في القرن السادس عشر. لقد اقتتل الكاثوليك والبروتستانت. والسلام ارسي على اساس ركائز (طائفية) يسمح لكل فرد فعل ما يحلو له في بيته لكن من دون انتقاد الاخرين".

وفي تلك الحقبة بدأت انشقاقات تظهر في النموذج المثالي للتسامح الهولندي المتعدد الثقافات.

واضاف "ان فريتس بولكشتاين (المفوض الاوروبي السابق) هو اول من قال ان المسلمين غير قابلين للاندماج في المجتمع. واثارت هذه القضية جدلا لكنها لم تصل الى حد الاهانة كما هو الحال اليوم".

ويرى استاذ الفلسفة توماس ميرتنز انه "لم يعد في امكان النائب ان يختبىء وراء حجة حرية التعبير". واضاف "عندما يقول وايلدرز ارى ان ثقافتنا افضل بكثير من تلك الثقافة الاسلامية الرجعية لا يسعني سوى تذكر حقبة الثلاثينات. اذا قلنا ان الثقافة اليهودية رجعية سيندرج ذلك في اطار القدح والذم والتمييز. لست افهم لماذا لم تلاحقه النيابة العامة بعد". وبحسب الباحث بول شيفر فان النقاش ليس متينا بسبب "ضعف الاحزاب السياسية المعتدلة".

وقال "في الجوهر قلة هم السياسيون الذين يعرفون كيف يواجهون تصريحات وايلدرز والذين لديهم وجهة نظر مدعومة بحجج قوية. انه حقا امر مؤسف لان المتطرفين هم المسيطرون".

وخلص الى القول "من الصعب اتخاذ موقف من الاسلام يتجاوز الانقسامات السياسية التقليدية بين اليمين واليسار لان الاحزاب منقسمة".

حلف الاطلسي يطلب الدعم الافغاني بشأن الفيلم المثير للجدل

وقال أكبر قائد لعمليات حلف شمال الاطلسي ان الحلف يشعر بالقلق بشأن ردود الفعل المحتملة لعرض فيلم هولندي ينتقد القران وناشد الزعماء الافغان تقديم الدعم.

وقال القائد الاعلى لقوات حلف الاطلسي في أوروبا جون كرادوك ان المتمردين ومؤيديهم يمكن أن يستغلوا الفيلم لتأجيج الغضب ضد قوات الحلف في أفغانستان لاسيما الفرقة الهولندية البالغ عدد أفرادها 1650 جنديا في الجنوب. بحسب رويترز.

واضاف "نعم .. أعتقد أن من المثير للقلق ... أنهم سيصبون جام غضبهم على كل هؤلاء الناس .. مثل الهولنديين في (اقليم) ارزكان."

وأضاف في بيان صحفي بمقر قوة المعاونة الامنية الدولية البالغ قوامها 43 ألف جندي بقيادة حلف الاطلسي في العاصمة الافغانية كابول "تكمن المشكلة في المتشددين. يريدون استغلال هذا كنقطة التقاء لصالحهم.

"ناشدنا القيادة (الافغانية) .. لا تحملوا الجنود المسؤولية .. هذا ليس عدلا... أعتقد أن الزعماء فهموا ذلك."

واحتج نحو 15 الف شخص في افغانستان في مطلع الشهر الحالي وأحرق بعضهم الاعلام الهولندية والدنمركية احتجاجا على فيلم فيلدرز وتنديدا باعادة نشر الرسوم الساخرة للنبي محمد في صحف دنمركية.

تظاهرة استنكار في امستردام

وتظاهر اكثر من الف شخص في وسط امستردام للتنديد بتصريحات النائب اليميني المتطرف غيرت فايلدرز المعادية للاسلام.

وضمت التظاهرة التي نظمت بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري نحو 1300 شخص حسب الشرطة وخمسة الاف حسب المنظمين. وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها خاصة "اوقفوا الهجوم على المسلمين".

وقال ريني دانين منظم اللجنة الهولندية بيكنت كلور (هولندا تظهر الوانها) لفرانس برس "انها المرة الاولى منذ عشر سنوات التي تنظم فيها مثل هذه التظاهرة الكبرى ضد العنصرية".

واضاف ان "تصريحات غيرت فالدرز العنصرية هي التي جعلت هؤلاء الاشخاص يشعرون بالحاجة الى التواجد هنا".

وابدت دول مثل باكستان وايران وافغانستان واندونيسيا ومصر استنكارها لتصريحات هذا النائب وهدد برلمانيون ايرانيون بمقاطعة هولندا اقتصاديا.

شركة أمريكية تعلق موقعاً كان مخصصاً لبث فيلم "مسيء" للقرآن

من جهة اخرى أعلنت شركة أمريكية تقدم خدمات استضافة المواقع الإلكترونية على الانترنت ، أنها علقت الموقع الذي كان مخصصاً لبث فيلم أعده النائب الهولندي، غيرت ويلدرز، واعُتبر مسيئاً للإسلام بعدما "تلقت عدة شكاوى" تتعلق بمحتوياته من قبل الزوار.

وقالت الشركة إن محتويات الموقع قد تناقض سياستها الخاصة بالاستخدام الصحيح لشبكاتها، في تطور جديد على صعيد ملف الفيلم الذي فجّر الإعلان عنه، بالتزامن مع أزمة الرسوم، غضباً عارماً انعكس تظاهرات واسعة في العديد من الدول الإسلامية ورتب مخاطر متعلقة باحتمال شن هجمات انتقامية. بحسب CNN.

ولفتت الشركة التي تحمل اسم "نتورك سولوشن" إلى أنها ستعلق عمل الموقع بانتظار فتح تحقيق حول موافقته لسياساتها حول النشر "بعد تلقيها العديد من الشكاوى" وذلك من خلال رسالة عُرضت على صفحة الموقع عينه.

ولم يتح لشبكة CNN الحصول على تعليقات من مدراء "نتورك سولوشن" حول الخطوة، علماً أن سياسة الشركة، كما يرد في موقعها، "تحظر بث المحتويات المسيئة أو المنفرة أو التي قد تسبب تهديداً قانونياً أو تعزز الكراهية وتخرق القانون."

وكانت وزارة الداخلية الأمريكية قد أصدرت تحذيراً قبل أيام أشارت إلى أن بث فيلم ويلدرز الذي يحمل عنوان "فتنة" قد يولّد شغباً وتظاهرات واسعة.

وقد سبق لويلدرز، وهو نائب في البرلمان عن حزب "الحرية" المحافظ أن وعد بعرض الفيلم على شبكة الانترنت في أبريل/نيسان المقبل، مما فجّر مظاهرات غاضبة في العديد من الدول الإسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 25 آذار/2008 - 17/ربيع الاول/1429