بينما ينشغل أحرار الأمة بالتصدي لعملية تهويد القدس واجتثاث الشعب
الفلسطيني من أرضه نرى البعض الآخر يمسي ويصبح ولا هم له إلا منع
(تشييع غزة) ومحاصرة النفوذ الإيراني فيها!!.
يروي شاعرنا المصري أبو الرقعمق: كان لي إخوان أربعة كنت أنادمهم
أيام الأستاذ كافور الاخشيدي فجاءني رسولهم في يوم بارد وليست لي كسوة
تحصنني من البرد فقال: إخوانك يقرأون عليك السلام ويقولون لك قد
اصطبحنا اليوم وذبحنا شاة سمينة فاشتهي علينا ما نطبخ لك منها فكتبت
إليهم:
إخواننا قصدوا الصبوح بسحرة * فأتى رسولهم إلى خصوصا
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه * قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
فذهب الرسول بالرقعة ثم عاد ومعه أربع خلع وأربع صرر في كل صرة عشرة
دنانير فلبست إحداها وسرت إليهم.
يمكن القول إذا أن الناس أيام الأستاذ كافور الخصي كان لديهم قدرة
على الفهم والتمييز في حين أنهم في زماننا هذا يصرون على التعامي عن
رؤية كل ما لا يوافق أهوائهم.
كيف يمكن لمن ترتعد فرائصه من شدة الخوف أو البرد أن يستمتع بالطعام
مهما كانت الشاة سمينة؟!.
فارق جوهري آخر بين زماننا وزمان الأستاذ كافور أن الحُلل التي
أرسلت للشاعر طويل اللسان لم تكن بحزام مفخخ فلبسها آمنا وذهب للوليمة
العامرة وعاد منها سالما يجمع بين الشبع والدفء ليواصل كتابة شعره
الممعن في السخرية من كل شيء.
يوم الخميس 6 مارس 2008 وقع حادثان:
الأول هو استشهاد 54 وجرح أكثر من 100 آخرين في انفجار قنبلتين بشكل
متتال في حي الكرادة في بغداد، تسببت الأولى في ايقاع عدد من الضحايا،
ثم انفجرت الثانية بعد أن تجمع الناس في مكان الحادث للمساعدة في إنقاذ
ضحايا الإنفجار الاول، مما تسبب في ايقاع المزيد من الشهداء والجرحى.
الثاني هو قيام مجاهد فلسطيني بقتل ثمانية إسرائيليين في هجوم على
مدرسة دينية للمتشددين الصهاينة في القدس الغربية مساء يوم الخميس
نفسه.
الضربة التي تلقتها إسرائيل لم تتجه نحو سوق شعبي يأتي إليه الفقراء
ليشتروا ما يسد رمقهم كما هو حال ضحايا بغداد المستهدفين دوما من قبل
تنظيم قاعدة العروبة, بل وجهت إلى قلب الحركة الصهيونية كما وصفته
الجيروزاليم بوست وهو الذي رعى حركة الاستيطان في الأراضي العربية
المحتلة وأن هؤلاء هم الأكثر رفضا لإبرام أي تسوية تستجيب للمطالب
العربية.
الرابط بين الحدثين هو (إيران)!!.
فالذين ذهبوا ضحايا الأعمال الإرهابية التفجيرية في العراق هم
(عملاء إيرانيون دخل الملايين منهم إلى العراق بمساعدة الغزاة
الأمريكان بعد أن ارتدوا ملابس عراقية وتعلموا اللغة العربية بلكنة
عراقية بتكليف من فيلق القدس الإرهابي التابع للحرس الثوري)!.
أما الذين قَتلوا فيلق الحاخامات "قلب الحركة الصهيونية" فقد فعلوا
ذلك بمساعدة إيران من أجل (إفشال عملية السلام الناجحة والتي أعادت
أغلب الأرض الفلسطينية لأصحابها وأقنعت إسرائيل بالتخلي عن سلاحها
النووي), كما قال خبير الجماعات في قناة التعلب فات!!.
المشاهد التي بثتها الفضائيات للجمهور الفلسطيني المحتفي بهذه
العملية التي رأى فيها ثأرا من المجازر التي ارتكبها الإسرائيليون في
غزة تكشف أن المنظومة العربية السياسية والإعلامية تعيش في عالم منفصل
كليا عن الواقع مثلما وصفهم شاعرنا أبو الرقعمق!!.
ما زال النظام العربي المتحالف مع الولايات المتحدة في العالم بأسره
عدا العراق يقف متخشبا أمام ما يجري في هذا البلد مكتفيا بالدور
(البناء) لتنظيم قاعدة العروبة في بلاد الرافدين في انتظار (عودة الإبن
الضال) إلى احضان أهله الذين نبذوه بعد أن أصبح مختلفا عنهم (وكفى بذلك
إثما مبينا!) متجاهلين أن حركة التاريخ وتطور الأحداث لا يمكن إيقافها
وأنهم إن لم يملئوا هذا الفراغ ملأه غيرهم وقد حدث هذا بالفعل!!.
العرب باتوا يخافون على ما يسمونه بعملية السلام أكثر من خوفهم على
مصالح شعوبهم ويحاربون (من يسعى لإفشالها) وما زالوا يبذلون الغالي
والنفيس لمحاصرة ما يرونه خطرا آتيا من الشرق تاركين الصهاينة يصولون
ويجولون ويقتلون ويدمرون!!.
نسي القوم (تهويد القدس) وأصبح شغلهم الشاغل هو الخطر الداهم الذي
يمثله (تشيع غزة!!) وكأن غزة هي رمانة الميزان في (الصراع التاريخي بين
الشيعة والسنة)!!.
جاءت الأحداث الأخيرة في غزة والقدس لتثبت أن إعلام العرب المتغافل
عن تهويد القدس يعيش خارج الزمان والمكان وأنه يبيع للناس بضاعة كاسدة
لا تجد من يشتريها سوى بعض المرتزقة الذين ارتبطت مصالحهم بهذا الدجل
وتلك الشعوذة.
المسيانزم والتدين العنصري الفاسد!!
يقول أمير ميزروخ في الجيروزاليم بوست: أن الهجوم الذي تعرض له
هؤلاء الحاخامات قد جرى تفسيره في إطار نبوءة توراتية وردت في سفر
أشعياء (وَيَأْتِي الْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى التَّائِبِينَ
عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ) 20 بمعنى أن
المسيح الذي لم يبعث بعد من وجهة النظر اليهودية لن يأتي إلا للتائبين
عن المعصية التي هي من وجهة نظرهم التخلي عن أرض اليهود لأعدائهم
العرب!!.
الآن امتلأت المنطقة والعالم بتدين سياسي فاسد يقوم على منطق
العنصرية والاستعلاء على خلق الله من دون قراءة ولا تمعن في جوهر الدين
ونصوصه.
إنه نفس المنطق الذي يشترك فيه العنصريون الصهاينة مع أولئك الوحوش
الذي يقتلون الشعب العراقي على الهوية المذهبية وهو منطق تباركه وتتستر
عليه بعض النخب السياسية والإعلامية العربية.
وبينما تتستر الولايات المتحدة على جرائم الصهاينة في غزة وترفض
إدانتها يتستر هؤلاء على ما يرتكبه العنصريون العرب في العراق وربما
غير العراق لو أتيحت لهم الفرصة.
هل قرأ الصهاينة العنصريون كل ما جاء في سفر أشعياء قبل أن يعلنوا
أنفسهم شعب الله المختار الذي يحق له معاقبة وإبادة كل من عداهم ويرون
أن إعادة الحق لأصحابه ذنب يعاقب عليه الله؟.
اِسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ يَا قُضَاةَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى
شَرِيعَةِ إِلهِنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ: رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ
وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً.
مَلِلْتُ حَمْلَهَا. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ
عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ.
أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا. اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا
شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ
الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ.
انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ
الأَرْمَلَةِ. إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ
الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ
بِالسَّيْفِ». لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ. كَيْفَ صَارَتِ
الْقَرْيَةُ الأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقًّا. كَانَ الْعَدْلُ
يَبِيتُ فِيهَا، وَأَمَّا الآنَ فَالْقَاتِلُونَ. رُؤَسَاؤُكِ
مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ
لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ.
لا أدري لماذا لا يقرأ الصهاينة هذا الخطاب ويمعنوا فيما جاء فيه
بعد أن تلوثت أيديهم بدماء الأبرياء.
لماذا لا يستجيبون لنداء إيمانهم إن كانوا حقا مؤمنين: كُفُّوا عَنْ
فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ.
انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ
الأَرْمَلَةِ؟!.
إنه تدين فاسد رغم كثرة الصلاة التي لا تسمع ولا ترفع إلى رب السماء
ورغم كثرة الاغتسال الذي لا يمكن له أن يمحو الجرائم أو يزيل آثار
الدماء التي أسالها هؤلاء والسائرون على دربهم من أدعياء الإسلام.
تريدون منع تهويد القدس وإيقاف العدوانية الصهيونية؟!
يقولون لك منع تشييع غزة ومحاصرة النفوذ الإيراني!!.
تريدون إصلاح الفكر الديني ومحاصرة الفكر الإرهابي القاعدي؟!.
يردون عليك بمزيد من أعمال القتل الطائفي والمزيد من البث العنصري
التكفيري!!.
إلى أين يذهبون بنا وبأنفسهم وأي مصير ينتظرنا وينتظرهم؟!.
إنها الهاوية......
[email protected]. |