في الذكرى الخامسة للحرب: لاخيارات سهلة في العراق

شبكة النبأ: اعتبر مسؤولون امريكيون وعراقيون مختصون ان العراق الجديد لم يزل في "طور التكوين" رغم مرور خمس سنوات على اجتياح القوات التي قادتها الولايات المتحدة له وتغيير النظام السابق. ورأى هؤلاء ان البلد لايزال منفتحا على احتمالات كبيرة، على الرغم من انخفاض مستويات العنف.

وأفردت صحيفة واشنطن بوست مساحة بارزة على صفحاتها لتورد آراء هؤلاء المسؤولين والمختصين بشأن التحولات التي طرأت على الأداء السياسي في العراق، وذلك في مناسبة الذكرى الخامسة لبدء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق، والتي توافق اليوم (19) من آذار/ مارس.

ونقلت الصحيفة عن السفير الأمريكي في بغداد رايان كروكر (58 عاما) قوله إن أي مقياس للمشروع الأمريكي في العراق ينبغي أن يتضمن الثمن المحتمل الذي يتمثل بـ "صدمة دولة فاشلة"، مضيفا بأن تكلفة ذلك "ستكون كبيرة للغاية بالنسبة لنا جميعا. ومن المهم جدا أن نبذل كل ما بوسعنا بحدود المعقول، كي نتأكد من أن ذلك لن يحدث."

واعتبر كروكر أنه يمكن بروز العراق "كدعامة استقرار" في منطقة الشرق الأوسط، مشددا على أن ذلك " أحد الأسس المنطقية" للغزو.

وتقول الصحيفة إن رئيس البعثة الأمريكية في العراق كروكر، الذي تولى منصبه منذ آذار/ مارس (2007)، يلمس الآن وجود "دوامة فاصلة" يجد فيها المناخ السياسي أن "لا مصلحة في العنف."

وفي تقييمه للسياسيين العراقيين، وما إذا كانوا يستطيعون بلوغ الاستقرار في البلاد، يقول السفير الأمريكي " إننا وصلنا إلى النقطة التي يمكننا فيها أن نتوقع رؤية قادة العراق، وهم يعالجون قضايا تزداد تعقيدا؛ وهذا ما يقولون إن بمقدورهم فعله، ومن المؤكد أن هذا هو الطريق الذي ندفعهم إليه."

وتسأل الصحيفة كروكر بشأن بقاء احتمالات انفجار فتنة طائفية واسعة النطاق، واتساع رقعة الحرب وعودة ظهور ما اسمته بـ "المتطرفين السنة"، فيجيب أن "مع قضايا بهذا الحجم، فلربما يتصل السؤال بما لايمكنك تخيله أكثر من اتصاله بما أنت عليه الآن."

ويريد كروكر "بعض التعزيز والتأمل"، بعد إعادة القوات الإضافية الأمريكية إلى ديارها، في تموز/ يوليو المقبل، فهذه المدة قد تعني "تجميدا مؤقتا" للإنسحاب الأمريكي.

وليس بوسع السفير الأمريكي القول كم سيتطلب ذلك من الوقت، إذ يرى أن "الأمر ليس مجرد تقييم الظروف"، ويضيف "عليك أن تحاول وتفكر في كيف ستتغير الأحوال إذا لم نكن موجودين (في العراق)..؟، فغيابنا جوهري بمستوى حضورنا."

أما عادل عبد المهدي، أحد نائبي رئيس الجمهورية في العراق، فقالت عنه (واشنطن بوست) إن القوات الأمريكية "اعتقلته بعد أقل من شهر على الغزو، عندما كان خارجا من اجتماع في القصر الجمهوري مع منفيين آخرين عائدين إلى البلاد، وتعرض للدفع والإهانة.. واحتجز لمدة (24) ساعة تقريبا".

وتتابع الصحيفة قولها "إن السنوات الخمس اللاحقة جاءت لهذا القائد الشيعي بلحظات أسوأ مما تعرض إليه على يد الجنود الأميركيين، وهو يعد نفسه مقاتلا من أجل حرية العراق أكثر منه سياسي. ويقول إنه نجا مما معدله أربع محاولات اغتيال في السنة".

وتشير الصحيفة إلى أن عبد المهدي، وهو قيادي بارز في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، كان "مرشحا لرئاسة الوزراء حتى لحظة إسناد المنصب إلى نوري المالكي"، وتضيف أنه "بعد التفجير الثاني لمرقدي الإماميين العسكريين في سامراء، في حزيران/ يونيو الماضي، ووسط عنف طائفي شل الحكومة العراقية، استقال عبد المهدي من منصبه (كنائب لرئيس الجمهورية حاليا)، إلا أنه عاد فيما بعد".

ويقول عبد المهدي إلى واشنطن بوست "كل شيء انفجر في العام (2003). لم يكن هناك شيء في مكانه. مضت بنا الأمور إلى ذروتها، وحدث تغير جذري."

ويضيف "الآن الناس يجلسون في غرفة واحدة حول طاولة واحدة، يتناقشون بقضايا غاية في التعقيد مثل الفيدرالية والديمقراطية."

ويرى عبد المهدي أن ما يحتاجه العراق الآن هو "صياغة أفكار جديدة، وإيجاد السبل لإضاءة الشوارع، واستخراج النفط من الأرض، وبناء الجيش العراقي ليتولى المسؤولية من الجنود الأميركيين."

ويمضي قائلا "نحن الآن نحاول تكييف أنفسنا مع وضع جديد، وهذا لن يحتاج إلا إلى الوقت. فالسنّة والشيعة والأكراد والتركمان يحاولون الآن العمل سوية، وكان هذا حلما في العراق. لكنه الآن حقيقة."

ويقول نائب الرئيس العراقي للصحيفة الأمريكية "إننا الآن نتحدث... ونتفق أن هذا ليس كافيا. إلا أن الأمور تمضي نحو الأفضل. فقبل عام من الآن كان الناس يتقاتلون. أما الآن فهم يتقاتلون بالكلام، وهذا أفضل بكثير من القتال بالسلاح."

وتتابع الصحيفة استطلاعها الآراء، وتقول "إن توصيات مجموعة دراسة العراق (Iraq Study Group) قُدِّمت، باحتفاء كبير، إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش، في كانون الأول/ ديسمبر من العام (2006)، وكانت غايتها المساعدة في جمع أمة بعثرتها المواقف من الحرب في العراق بقسوة".

ويذكر لي هاملتون، الذي ترأس المجموعة الدراسية مع وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر، إن بوش " لم يغتنم الفرصة بالبدء في إنسحاب مشرف" من العراق.

ويقول هاملتون (77 عاما) " لم أشعر أبدا أنه اهتم بالتقرير"، ويضيف "هم أساسا لم يتفقوا مع ما جاء في التقرير ، إلا أن أصداءه في البلاد منعتهم من رفضه كله. لكنهم في الحقيقة لم يأخذوا بالخطوط الكبيرة التي جاءت بها التوصيات."

وكانت مجموعة دراسة العراق قدمت عشرات التوصيات، من قبيل تبني ديبلوماسية أكثر خشونة في المنطقة، وتدريب أكبر للقوات العراقية، ورهن مساعدة العراقيين بشروط تتصل بتنفيذ نقاط سياسية.

ويضيف هاملتون للصحيفة إنه وأعضاء المجموعة الآخرين قضوا "ساعات.. وساعات وساعات" في محاولتهم التوفيق بين وجهات نظرهم المتباينة، إلا أنه لم ير "جهودا موازية لذلك" من جانب بوش والقادة الآخرين، الذين رحّلوا المشكلة فعليا إلى الرئيس القادم للبلاد.وتكونت المجموعة من عشرة مسؤولين في حكومات أمريكية سابقة، ومن كلا الحزبين: الديمقراطي والجمهوري، من بينهم وزير الخارجية الأسبق بيكر، أما هاملتون فهو ديمقراطي بارز وعضو كونجرس سابق عن ولاية إنديانا.

وتتقل واشنطن بوست إلى ميجن أوسلفيان (Meghan O'Sullivan)، المستشارة لدى الرئيس بوش، وتقول الصحيفة عنها إنها "ما كانت لتخدع نفسها بشأن الوضع في العراق عندما ساعدت الرئيس بوش في صياغة استراتيجية جديدة، سميت فيما بعد بـ ( الاندفاع Surge)".

وتقول ميجن "كانت الحرب تنحدر نحو مسار سيء، فبدت فكرة إرسال قوات إضافية ونقل التركيز إلى حماية أمن المدنيين، محاطة بالشكوك. إلا أن هذه الفكرة وفرت، في نهاية المطاف، فرصة للنجاح."

وتذكرت المستشارة تلك اللحظات قائلة " الخيارات الأخرى كلها كانت تدور على طريقة التعامل مع الهزيمة."

وتعلق الصحيفة بقولها "إن قلة قليلة كانوا قريبين جدا من مشروع العراق بمستوى أوسلفيان (33 عاما)، الحاصلة على شهادة من جامعة أوكسفورد، والتي توجهت إلى بغداد بعد الغزو لتخدم في سلطة الاحتلال المؤقتة، وساهمت في كتابة قانون ( إدارة الدولة) المؤقت، الذي أدى بدوره إلى صياغة دستور جديد للعراق".

وذكرت الصحيفة الأمريكية أنه "بسبب الوضع الأمني، كانت  أوسلفيان تنسل إلى خارج المنطقة الخضراء مغطيّة رأسها، لتلقي قادة العراق الجدد قبل أن تعود إلى واشنطن كمستشارة لبوش في شؤون الأمن القومي".

تشير أوسيلفيان إلى أنه مع تناقص العنف، عاد "التفاؤل الحذر"، وتضيف قائلة "في العام (2006) لم يكن لدى العراقيين أمل كبير. وما اسمعه الآن أنهم استعادوا أملهم المفقود."

لكنها تعترف بوجود "تحديات كبيرة ودروس مستقاة، وتقول "هناك دروس كثيرة.. كثيرة، والتجربة كانت كبيرة جدا بالنسبة لنا جميعا، لكل المعنيين بالملف العراقي.. وتعلمت أنا أن ليس هناك خيارات سهلة مع الوضع في العراق.. فلكل خيار تبعاته السلبية الخطرة، فكلها تجر نتائج معقدة وتبعات غير مقصودة أصلا."

ومن بين الدروس التي تعلمتها أوسلفيان أن الولايات المتحدة "ينبغي أن تكرس ما يكفي من القوات، وما يكفي من الوسائل المدنية، كي تتمكن من مجاراة طموحها" في العراق.

وتضيف قائلة "ما من بديل لتوفير الأمن. لقد تعلمنا ذلك بصعوبة كبيرة."

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 22 آذار/2008 - 14/ربيع الاول/1429