السيستاني رجل تقاسمته الأحزاب!

ياسر محمد/ القطيف

 يحتاج بلد كالعراق إلى تضافر الجهود واجتماع القوى السياسية والرموز الدينية والتكتلات الحزبية لبنائه وإعادة تشييده بعد أن أرجعه البعث والانقلابات المتتالية مئة سنة إلى الوراء على أقل تقدير، فلم تعد البنية التحتية والطراز العمراني نموذجاً لبلد يعيش القرن الحادي والعشرين، حيث الطبيعة الخضراء مغيبة ووسائل النقل البدائية حاضرة للتنقل وافتقاره المرافق الخدمية العامة المتواجدة في أي بلد نامي.

عاش العراق سنين طويلة تحت رحمة الأحزاب والتيارات الفكرية المتعددة، فمنها ما تعمل لشأن سياسي ومنها ما يهدف منها لأن تكون مساراً لعرقلة العمل الإسلامي والحد من انتشاره.

«إن ظاهرة التعدد الحزبي في الوسط الإسلامي العراقي وإن كانت قد تراكمت كمحصلة خلال نصف القرن الماضي إلا أنها بالنهاية تحولت هي الأخرى إلى أزمة واضحة المعالم، إذ بقدر ما إن ظاهرة التعددية الحزبية تكرّس من جانب مناخاً صحيا، فإنها في جانب آخر لها مشكلاتها الفكرية والتنظيمية والميدانية التي قد تعيق بالنهاية العمل الإسلامي أو تؤثر في حركته بشكل من الأشكال» (1).

ومع سقوط البعث الحاكم في العراق عملت الحركات والأحزاب السياسية لاحتلال موقع قيادي في إدارة زمام الأمور والتنافس للحصول على الوزارات القيادية في الدولة حاملة معها – كما يفترض – هم بناء الدولة وتطوير مرافقها للرقي بالمواطن العراقي وتعليمه أكاديمياً ليكون واحداً من صناع القرار والتغيير في المستقبل القريب، فعادت الحركات المعارضة إلى مسقط رأسها ونشأت تكتلات وحزبيات جديدة في الوسط العراقي واتحدت قوى سياسية وفكرية من الأقليات الموجودة إلا أنها لم تكن تسعى سوى لمصالحها الشخصية والحزبية في احتلال الموقع والزعامة المرموقة في مجالات الحكومة التشريعية غالباً.

وقد كان للشيعة النصيب الأكبر في إدارة سدة السلطة والتحكم  بزمام الأمور إلا أنهم لم يستفيدوا من الفرصة السياسية بالشكل الصحيح، إذ كان الهم الأكبر للقوى العراقية برمتها والشيعية بالخصوص التسابق مع الزمن للاستحواذ على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان والوزارات الحكومية دون وجود أي خطة واضحة المدى للأحزاب الحاكمة لبناء المواطن العراقي.

في مراحل ومحطات تاريخية متفرقة، كان للمرجعية الشيعية اهتماماً ورعاية لشعب العراق ومستقبله مع اختلاف رؤيتها ومنهجيتها في دفع الجماهير نحو الهدف المطلوب، وقد كانت مرجعية الشهيد الصدر الثاني  «قدس سره» واحدة من المرجعيات التي حركت الجمهور العراقي  في واحدة من المحطات الهامة في تاريخ العراق ألا وهي الانتفاضة الشعبانية.

 استمرت المؤسسة المرجعية المستقلة بعد تهاوي البعث في مواصلة تحركها الداعم للشعب ممثلة بالشكل الواضح في آية الله العظمى السيد السيستاني «دام ظله» الذي أعطى نفسه ومجهوده للعراق أجمع معتبراً نفسه كما تفضل في غير مرة بأنه «خادم لكل العراقيين»، إلا أن المتتبع والمشاهد للساحة العراقية عن كثب يجد كيف استغلت الأحزاب السياسية الشيعية ما يحظى به المرجع السيستاني من جماهيرية والتفاف للمواطنين من حوله لغرض الاستئثار بأكبر عدد من المؤيدين وعلى مدى مطلق دون العمل الجاد للبناء والتعمير، ويشاهد الزائر للعراق مدى إقحام تلك الأحزاب للمرجعية الدينية حتى في خلافاتها السياسية في أمور وتحركات بعيدة عن دراية المرجعية. «ومما يبعث على الأسف والأسى أن (الآخر اللاديني) قد سبقنا في التفكير والتخطيط لهذا الأمر – بناء العراق- ، حتى قيل إن الغربيين يخططون لبناء خمس وعشرين ألف مدرسة في أنحاء العراق ، بمعنى أن الخطة الغربية بهذا الصدد ستستوعب حوالي خمسة ملايين طالب ـ جلّهم من الشباب الشيعة بطبيعة الحال ـ وبالطبع، فإن الغربيين لديهم من الإمكانات المادية ما تمكّنهم من تنفيذ هذه الخطة الثقافية الرهيبة..»(2).

ومع حاجة جميع الأحزاب للغطاء الشرعي، لعبت الأحزاب الشيعية الكبرى لعبتها السياسية في تجربتها الأولى، فكان الالتصاق أو إلصاق المرجعية – بالأحرى- بمشروعاتها السياحزبية هدفاً بيناً في الإعلام والبث الدعائي المتكرر. وبرأيي أن جميع القوى السياسية في العراق لم تستثمر المرجعية والحوزة الدينية فكرياً لتأسيس وتنشئة جيل يعي المتغيرات الحياتية من حوله، حيث أُشبع المواطن العراقي حتى الحلقوم من الأحاديث السياسية والشقاقات الحزبية وهذا ما سيؤدي بشكل أو آخر إلى انخفاض شعبية الأحزاب الدينية ووصول العلمانيين إلى إدارة الأمور في الانتخابات القادمة ولا ضير في ذلك مادامت ستعمل لأجل رفاه وإنعاش المواطن والوطن مع إعطاءه حرية الممارسة الدينية بكافة أشكالها.

.................................

(1) رؤوف، عادل – العمل الإسلامي في العراق بين المرجعية والحزبية.

(2) الشيرازي، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني – العراقيون ومواصلة اليقظة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 20 آذار/2008 - 12/ربيع الاول/1429