لا يحزن البعيدون عن المناصب

محمد علي جواد

 انفجرت القنبلتين بأيدٍ غادرة في منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد وسط زحام المارة والمتسوقين في هذه المنطقة الشعبية وفي الساعات القريبة من إسدال الليل ظلامه على نهار يوم الخميس حيث يكون الناس مقبلين على ليلة الجمعة ونهارها، تظلهم أجواء تعد بالأمن والاستقرار وابتعاد شبح الإرهاب والقتل.. إلا أن القنبلتين المزروعتين في مكان ما بعيداً عن الخدر واليقظة حصدت أكثر من ستين شهيداً وعشرات الجرحى، والحصيلة في تزايد مع مرور الأيام..

أول رد فعل رئيس الحكومة نوري كامل المالكي كان كما يلي:

(إن هذا الحادث يؤدك مدى الكراهية التي يكنّها هؤلاء المجرمون لأبناء الشعب العراقي).. بموازاة هذا الموقف والرد جاء في وكالة (رويترز) البريطانية للأنباء قراراً أمريكياً سبق الانفجار بساعات قض بسحب لواء كامل مكون من ألفين جندي أمريكي من العاصمة بغداد، في إطار الخطة الأمريكية بشأن خفض عدد القوات الأمريكية من العراق.

الاستنتاج البسيط من هذا الحادث هو عجز غير الأمريكيين على إحلال الأمن والاستقرار في بغداد وعموم العراق وأيضاً الحفاظ عليه كانجاز في الساحة السياسية.

وبصرف النظر عن هوية الأيدي الآثمة التي فجرت تلكما القنبلتين لأن النتيجة واحدة وهي إثارة كراهية الإنسان واشمئزازهم، ونحن نتفق مع السيد المالكي على هذه الحقيقة البديهية، لكنّا نبحث في الوقت نفسه الطرف المقابل للكراهية وهيالحب والمودّة، فأين تكمن وكيف يحصل عليها العراقييون؟.. خلال الفترة الماضية عدّ الكثير من السياسين التجربة الديمقراطية مكمناً للسعادة، وليس أمام العراقيين سوى خوض هذه التجربة بالتقدم صوب صناديق الاقتراع وانتخاب (275) نائباً لبرلمان يكون ممثلاً للشعب وساعياً ـ ما أمكنه ـ للتعويض عما لحق بهذا الشعب من حرمان وإذلال وتخلف، لكن ما برحت هذه الإنفجارات وأشكال أخرى من الأعمال الإرهابية ـ الإجرامية تفعل فعل القشّة التي تقصم ظهر البعير وتطرحه أرضاً، لتضاف إلى مسألة الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء.

لنقل بكل ثقة بأن الحكومة تفعل ما بوسعها لتوفير أفضل السبل لحياة كريمة العراقيين، فثمة مشاريع منجزة على الأرض وأخرى قيد الإنشاء والقوات المسلحة تنتشر في كل مكان لتنفيذ خطط الأمن وفرض القانون والعمل في كل الميادين على قدم وساق، لكن كل ذلك لا يعدو أن يكون تحصيلاً حاصلاً، فكما أن الناس في منطقة الكرادة المنكوبة مؤخراً على سبيل المثال لا الحصر، يعدون انفجار القنبلتين وسط المارة المتسوقين ليلة الجمعة دلالة على الكراهية، فهم ينظرون إلى كل المنجز وغيره من المشاريع والخطط الحكومية بأنه تأدية الواجب، أما المطلوب فهو الاستمرارية ودوام النجاح، فالحياة مستمرة كما قدّر لها الله تعالى ووفر للإنسان كل السبل الكفيلة للعيش الكريم..

وقد لاحظ الناس خلال السنوات الماضية إن من انتخوبهم عجزوا على إطلاق مشروع وطني واحد، أي إنهم فاقدي لزمام المبادرة في البلاد، وإن أمسكوها لفترة فإنها لا تلبث أن تفلت من أيديهم، ومثال ذلك (المصالحة الوطنية) التي عجزت كعنوان عريض وفكرة رائدة وتطبيق من رآب الصدغ في المجتمع العراق، فكانت المفارقة العجيبة وهي اقتراب الحكومة من الفئات والجماعات المقصودة المصالحة وميول هذه الجماعات نفسها من الأمريكيين، ليؤكدوا مصداقية على ارض الواقع لما كان يتحدث به اتباع النظام السابق من أنهم لا يتجاورون مع الحكومة وإنما مع القوات الأمريكية وحسب.

وحتى لا نشارك الذين يثيرون الجراح في الواقع السياسي الاجتماعي في العراق نقول: لابدّ من جمع شمل الشعب العراقي على الحب والمودة، لترجح كفّتنا على الساعين والعاملين ليل نهار على جمع الناس على الموت والكراهية، وهي مهمة يضطلع بها ليس فقط النواب والوزراء والمدراء والقادة العسكريون وإنما جميع المعنيين بالشأن الثقافي والتغير السياسي والاجتماعي، فالناس يوجهون لومهم وانتقادهم للمسؤولين الذين أوصو لهم المناصب الحكومية، أما من هم خارج أجواء السلطة فلا جناح عليهم فيما يفعلون لأنه في كل الأهوال يعدو عليهم، وهذا يذكرني بفترة ما بعد فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت في كانون الثاني 2006، حيث فرح وأطرب من خطي بأكثر من (30) ألف صوت، وحزن من لم يحصد سوى بضع مئات من أصوات الناخبين! إن ذلك الشعور بالفرح وبنشوة النصر والاقتراب من بريق السلطة له ثمنه الباهض، كما للشعور بالحزن آنذاك قيمة كبيرة هي العبرة من الماضين واستشراف المستقبل، ويبدو أن الأيام تؤكد هذه الحقيقة، فالناس لا يعذرون المسؤولين خلال السنين الماضيين بسبب التدهور المستمر في الأوضاع المعيشية وتراجع في العملية السياسية، من هنا يتضح التزام التيار الصدري نهج الانتقاد والتقويم رغم وجوده في السلطة في الانتخابات الثانية وحصوله على ثلاثين مقعداً في البرلمان ضمن تشكيله الإئتلاف العراق الموحّد؛ هذا التيار قائم على قاعدة جماهيرية عريضة في المجتمع العراقي، وهو حريص على تماسك هذه القاعدة وصونها من الانعكاسات السلبية للحكومة الحالية وحتى سير عمل البرلمان.

إذاً للتقارب الأفكار والأهداف والمشاريع خارج أجواء السلطة قبل أن يفكر أصحابها بالتحليق مع الآخرين في هذه الأجواء غير المأمونة العواقب، لضمان السلمة من الإخفاق القاتل ومن سهام النقد اللاذع والتمكّن باقتدار من بسط الجناحين على ربوع الوطن لما فيه خير الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 17 آذار/2008 - 9/ربيع الاول/1429