صراع العِرق والجِنس: دور نساء امريكا في السباق نحو البيت الابيض

اعداد/صباح جاسم

 شبكة النبأ: وقفت السيدات الديمقراطيات، خاصة المسنّات في بداية سباق الانتخابات التمهيدية الرئاسية بقوة خلف هيلاري كلينتون، إلا أنهن مؤخراً أعربن عن ان رغبتهن في اختيار مرشح ديمقراطي قادر على هزيمة الجمهوريين في انتخابات نوفمبر 2008 طغت على أمانيهن في ان يرين سيدة تجلس على المكتب الرئاسي بالبيت الابيض.

فقد أظهرت نتائج الانتخابات التمهيدية التي أجريت في ميريلاند، وفيرجينيا، ومقاطعة كولومبيا حسبما أفادت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، أن ما كان يُطلق عليه "الفجوة بين الجنس" “gender gap” التي تمتعت بها كلينتون بدأت في التبدد (الاختفاء).

فحسب الصحيفة، "إن تلاشي الفجوة بين الجنسين لا يُعتبر في مصلحة كلينتون، لكنه قد يكون أمراً جيداً بالنسبة للسيدات. فيقول جنيفر لولس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة براون:"إذا لم يكن هناك فجوة بين الجنسين، أو أنها أصغر من المتوقع، فإن ذلك يعني أن كلا المرشحين سيركز على أصوات النساء وعلى القضايا التي تهمهن. لذا فإن ذلك قد لا يكون في مصلحة المرشحة الأنثى وحدها".

ففي هذا الصدد، تقول ليندا شيربينو ـ مدرسة متقاعدة ـ :"لا أعتقد أن هيلاري سيكون لها فرصة في الفوز في الانتخابات التمهيدية مثلما تتوافر الفرصة لأوباما، وهذا هو شعوري". وأضافت إن هذا الشعور هو ما جعلني أنقل دعمي إلى أوباما على الرغم من إعجابي واحترامي لكلينتون".

وعادة ما تشهد الانتخابات التمهيدية مفاجآت وتحولات في الآراء، وهو ما حدث مع أصوات النساء خلال سباق الترشح للفوز ببطاقة الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات. وقد أوردت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور هذا في تحولين أساسيين هما:-

أولا: كان يعتقد أن كلينتون ستفوز بترشيح حزبها، وذلك نظراً للأغلبية التي تمثلها السيدات الديمقراطيات، خاصة النساء السود، اللائي يُفترض أنهن يُؤيدن كلينتون بشكل كبير، إلا أن أوباما فاز في ولاية أيوا وتحولت السيدات السود لتأييده.

ثانيا: في الوقت الذي أيدت فيه غالبية السيدات لكلينتون خصوصاً السيدات المسنات اللائي خضن المعارك النسائية، أيدت بناتهن أوباما.

أوباما يحصد أصوات النساء

وعلى غير المتوقع أحدث أوباما تحولاً في هذه النظرية (افتراض تأييد غالبية ـ إن لم يكن كل ـ النساء لهيلاري)، عندما فاز بـ59% من أصوات النساء في ميريلاند وفيرجينيا ، وكان من ضمنهن النساء العاملات اللائي تتقاضين أقل من 50 ألف دولار سنوياً، وهن الشريحة التي كانت قاعدة تأييد أساسية لكلينتون قبل أيام قليلة فقط من إجراء الانتخابات التمهيدية في الولايتين. فحسب CBS News صوتت 55% من السيدات في ولاية ميرلاند لصالح أوبام ، كما صوتت 60% منهن لصالحه في ولاية فيرجينيا.

وفي هذا الإطار، تقول جودي كوليسو، التي تعمل في مجال منع استغلال الأطفال، أنها ممتنة لما قدمته كلينتون لدعم معيشة الأطفال والأسر، لكنها لا تستطيع أن تصوت لصالحها لأن هيلاري كانت قد صوتت عام 2002 لإرسال قوات إلى العراق ودعمها للعمليات العسكرية هناك باعتبارها عضواً في لجنة الخدمات العسكرية في الكونجرس". وتجمع كولسون التوقيعات والأموال لشن حملة إعلانية في صحيفة ولاية ويسكنسون تحت شعار "100 سيدة من ويسكنسن يقولن نعم لأوباما".

ووفقاً لموقع على الانترنت التابع لمجموعة من الصحف المحلية، تجسد كوليسون الصراع الذي تشعر به العديد من المشاركات في الحركات النسائية ، حول الاختيار ما بين أوباما وهيلارى. فالبعض من أمثال كوليسون اتخذن في النهاية جانب أوباما بسبب قضية حرب العراق والرغبة في قيادة جديدة.

هذا، وتقول ألتا شارو الأستاذ بجامعة وسكنسون "إن الصراع يبدو أكبر بالنسبة للسيدات فوق سن 40 عاما". وكعضوة في الحركات النسائية مازالت شارو تؤمن بأنه هناك "طريق يمكن انتهاجه لتحقيق المساواة مع الرجل". بحسب تقرير واشنطن.

وبينما هناك العديد من الأسباب وراء تأييد شارو لأوباما وجمعها الأموال من أجل حملته، فإنها تأمل في أن " يغير انتخاب أمريكي من أصل إفريقي من نظرة العالم للولايات المتحدة، ويقطع مشاوراً في قضية العنصرية في هذا البلد". وتُضيف:"إن انتخاب رجل أسود سيشفي الجروح التي تُعتبر أكثر شدة وخطورة من تلك التي نعاني منها بسبب العلاقة بين الرجل والمرأة، فجروح العنصرية أعمق بكثير من جروح الجنس".

ويُرجع العديد من المحليين السياسيين ـ حسب صحيفة كريستيان ساينس مونيتور ـ تخلي السيدات الديمقراطيات عن دعم هيلاري إلى أنهن يتخيلن شكل المنافسة التي ستكون بين هيلاري وجون ماكين المرشح الجمهوري في نوفمبر المقبل.

وفي الوقت الذي لم يحسم الحزب الجمهوري موقفه من ترشيح ماكين ، وفي حال استمرار هذا الانقسام، فإن موقف الجمهوريين في نوفمبر سيكون ضعيفاً. فيقول لولس: "إن الشيء الوحيد الذي سيقلب الأوضاع لصالح الجمهوريين، حتى إن لم يفضلوا ماكين ، هو كلينتون، والديمقراطيون يعرفون ذلك".

أصوات نسائية تلتزم بتأييد هيلاري

وعلى الرغم من تزايد التأييد النسائي لأوباما مؤخراً، مازالت هناك نساء من أمثال هنا روزنثال تعبر عن تأييدها شديد لكلينتون بسبب عملها وما قدمته في قضايا الأسرة والنساء.

وتقول روزنثال: "إنني أؤيد هيلاري ليس لأنها امرأة ولكن لأنني أنا امرأة". وتضيف:"غالبية السيدات اللائي تعاملت معهن في قضايا المرأة والأسرة مستعدون لبذل كل ما في وسعهن من أجل هيلاري هنا في وسكنسن وفي جميع الولايات".

فخلال انتخابات "الثلاثاء العظيم" التي أجريت الشهر الماضي (فبراير) في 22 ولاية أمريكية أظهرت النتائج أن السيدات يمثلن 57% من الناخبين وأن كلينتون فازت بأغلبية أصواتهن في هذا اليوم. إلا أن هذا التأييد بدأ يتزعزع في الانتخابات التمهيدية الأخيرة.

أما في وسكنسن فقد أفاد مسح أُجري الشهر الماضي بأن كلينتون تأتي في المقدمة بفضل أصوات السيدات، فقد حصدت 50% من أصواتهن مقابل 40% لأوباما.

وللحفاظ على نسبة النساء التي تأييد هيلاري قامت بعض القيادات النسائية بكتابة خطاب تحت عنوان "لماذا تعد هيلاري الاختيار الصحيح بالنسبة للسيدات؟" ، قمن فيه بمدح كلينتون لكونها "قائدة بعيدة عن الشبهات وحليف مخلص في حماية حقوق الإجهاض والاهتمام بالخدمات الصحية".

وفي المقابل أيدت قيادات في حقوق النساء أوباما Obama، فتقول جون مور Gwen Moore ممثلة الولايات المتحدة في Milwaukee: "إننا في الطريق إلى الوحدة، لا مزيد من التحدث عن البيض أو السود أو اللاتينيين أو امرأة أو رجل، لدينا مرشح قادر على جذب الجميع إلى الأمل في رؤية أمريكا جديدة".

المرأة حجر الزاوية في الانتخابات الأمريكية

بشكل عام تُشكِّل النساء أكثر من نصف مجموع الناخبين في الولايات المتحدة منذ عام 1964 وقد كان لهن أثرهّن في النتائج الانتخابية لأكثر من 40 سنة مضت.فتقول كيلّيان كونواي الرئيسة والمديرة التنفيذية لشركة استطلاع رأي تدعى "ذي بولينغ كومباني إنك" (The Polling Company Inc) ، بواشنطن العاصمة، إن المرأة في الولايات المتحدة تُفضل انتخاب أصحاب المناصب الحاليين، وعلى الأخص بالنسبة للرئاسة، حيث تفضّل المحافظة على شيء موثوق به ومتوفّر في متناول اليد بدلاً من تجربة شيء جديد وغير معروف.

تشير خبرة مشاركة المرأة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أن آخر ثلاثة رؤساء ممن فازوا بإعادة انتخابهم حصلوا على دعم أكبر من النساء عند إعادة انتخابهم في الدورة الثانية. وتُناصر المرأة أيضاً شاغلي المناصب الحاليين في انتخابات الكونغرس، كما أنها تتميز بالاستمرارية في أنماط تصويتها أكثر من الرجل. والطريف في الأمر أن هذا الميل الطبيعي إلى إعادة انتخاب أصحاب المناصب، هو أحد الأسباب التي أدّت إلى عدم فوز الكثير من النساء المرشحات للمناصب العليا.

يتجاهل السياسيون، والأحزاب، والنقاد، والاستشاريون المحترفون تلك الفئة من النساء اللواتي يمتنعن عن التصويت، ويبدو أن أكثر ما يستحوذ على تفكيرهم، بدلاً من ذلك، هو الناخبات "المحتملات" أو "المتأرجحات" بين حزب وآخر. ففي الانتخابات الرئاسية لعام 2004، امتنع عن التصويت أكثر من نصف (54.5 %) النساء بين عمري 18 و24 سنة. غير أن معدل مشاركة النساء في التصويت لهذه الفئة من العمر كان الأعلى في نفس الفئة العمرية من الرجال الذين بلغت نسبة مشاركتهم 40 % فقط. في حين امتنعت عن التصويت نسبة 29 % فقط من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 65 و 74 سنة، مقابل 26.1 % من الرجال من نفس الفئة.

تشمل الأسباب الرئيسية التي تذكرها النساء لعدم المشاركة في التصويت "المرض/العجز" (19.8 %)، "كثرة الانشغال/تضارب المواعيد" (17.4%)، "عدم الاهتمام" (10.7 %)، و"عدم التعاطف مع المرشحين أو قضايا الحملة الانتخابية" (9.7 %). فإذا استثنينا الإجابتين الأخيرتين، تُجدر الإشارة إلى أن حوالي تسع من أصل كل عشر نساء لم يشاركن في التصويت لأسباب غير الافتقار إلى شعور الارتباط بالعملية الانتخابية.

قضايا اهتمام الناخبات الأمريكيات

من المعروف، تقليدياً، أن النساء ينجذبن أكثر نحو مجموعة القضايا المعروفة بـ "SHE"، أي الضمان الاجتماعي، والعناية الصحية، والتعليم، في حين يُعتبر أن الرجال يهتمون أكثر بقضايا "WE"، أي الحرب والاقتصاد. وقد أظهرت الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة (2002، 2004، 2006) ان هذا التقسيم السهل لم يعد منطبقاً على الواقع. ففي عام 2004، ومجدداً في عام 2006، قالت النساء لمستطلعي الرأي إن الهموم التي حفّزتهن على التصويت وعلى كيفية التصويت تركزّت على "القضايا النسائية" غير التقليدية.

ففي سؤال محدد بأجوبة تتشكل من عشرة خيارات ممكنة، جاء الوضع في العراق على رأس الأولويات كمصدر للقلق المُحفّز (22 %)، تلاه الحرب على الإرهاب15% ). ونالت كل من الأخلاق/القيم العائلية، والوظائف/الاقتصاد 11 % من الأجوبة لكل منها، في حين حصلت جميع الخيارات الستة المتبقية على نسب تقل عن 10% . 

وفيما يتعلق بتصويت المرأة للمرأة، تُشير الخبرة الماضية إلى أن المرأة لا تصوّت بالضرورة لامرأة أخرى. فلو كان الأمر كذلك، لفازت السناتور إليزابيث دول أو السناتور كارول موسلي - براون بترشيح حزبيهما للرئاسة عندما حاولتا ذلك سنة 2000 و2004، على التوالي، بالاستناد إلى أساس بسيط هو أن النساء يُشكلن غالبية الناخبين.

لمن يحسم الأمر للعرق أم للجنس؟

يتفوق الولاء للحزب على مسألة الجنس، كما يتبيّن من استطلاع نشرته في تموز/يوليو 2007 مجلة نيوزويك، حيث وجد أن 88 % من الرجال و85 % من النساء يقولون أنه إذا اختار حزبهن مرشحة امرأة، فإنهم سوف يصوتن لصالحها إذا كانت مؤهلة للوظيفة. غير أن الأمريكيين يبدون حماساً أقل حول "العامل النسائي" عندما يتعلق الأمر بكيفية الحكم على زملائهم المواطنين: 60 % من الرجال مقابل 56 % من النساء فقط يعتقدون أن البلاد أصبحت جاهزة لرئاسة سيدة.

أمّا بالنسبة للعرق، فيُبدي الناخبون تردّداً أقل للتصويت لمرشح أمريكي أفريقي مؤهل، إذ أن 92 % من البيض و 93 % من غير البيض يقولون إنهم سوف يؤيدون مرشحا كهذا. وعلى غرار الجنس، فإن عدداً أقل من الناخبين يشكك بأن البلاد جاهزة لانتخاب رئيس أمريكي أفريقي. فنسبة تقدر بـ 59 % من الناخبين البيض، و58 % من الناخبين غير البيض فقط يعتقدون أن البلاد قد تنتخب رئيساً أسود.

وفي التحليل الأخير، يمكن القول أن الاستحقاق الرئاسي هذا العام 2008 يختلف عن الاستحقاقات السابقة لأن هذا الاستحقاق يتضمن العديد من الأشياء التي تحدث لأول مرة. فالمرشحون الصامدون بينهم امرأة، وأمريكي أفريقي، وكلهم في وضع مناسب قد يمكنهم من كسب تسمية أحزابهم. و أن النساء ستُشكِّل، كما فعلت منذ العام 1980، غالبية الناخبين التي تقرر من الذي سيحتل المكتب البيضاوي.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 17 آذار/2008 - 9/ربيع الاول/1429