باتت مسألة انضمام العراق إلى الأسرة الخليجية المعنية بشئون حماية
البيئة البحرية من الخطوات المصيرية، التي تستدعي تضافر جميع الجهود
الوطنية في سبيل تحقيقها. فقد قطعت البلدان الخليجية, المتمثلة
بالكويت, والبحرين, والسعودية, وقطر, والإمارات، وعمان شوطاً كبيراً,
وسبقتنا في هذا المضمار. وسارعت منذ أعوام الى توقيع مذكرة التفاهم
الخاصة بالتفتيش والرقابة على السفن في الموانئ الخليجية.
وسخرت لهذه الغاية النبيلة كل طاقاتها من أجل تطبيق بنود هذه
المذكرة, وتفعيلها على ارض الواقع. فنالت مكانة مرموقة لدى المنظمات
والمراكز البحرية الدولية. وضمنت خلو موانئها ومياهها الإقليمية
وسواحلها من الملوثات والنفايات النفطية. وأنشأت نظاماً متكاملاً
ومتطورا لرصد المخالفات والانتهاكات البيئية في موانئ الدول الأعضاء.
ونشطت في إقامة منظومات للإنذار المبكر, ومراقبة نقاوة مياه البحر,
ورصد الملوثات في البيئة البحرية..
ونجحت في رسم وتنفيذ خطط الطوارئ اللازمة لمعالجة الكوارث, واستطاعت
أن تجد الآلية المناسبة لاستنفار وتوظيف فرق الدعم والإسناد البحري
المختصة في المجالات البيئية. ووزعت نشاطاتها الناجحة على جميع مقتربات
المسطحات المائية للموانئ الخليجية المرتبطة بهذه المذكرة. ووحدت
جهودها في اطار اقليمي منظم, قائم على روح التعاون والتفاهم والتشاور
والمؤازرة. فعكست صورة حضارية مشرقة, منسجمة تماما مع متطلبات
ومستلزمات النهوض والارتقاء بالنواحي البيئية البحرية على الوجه الأكمل
والأجمل..
لقد أسهمت وزارات البيئة في الدول الخليجية اسهاماً متميزاً في
انضاج فكرة تبني نظام بيئي شامل، وتحصنت في كيان قادر على بسط نفوذه في
عرض البحر. وجندت لهذا الكيان كل الموارد المالية اللازمة لبناء الأسس
الصحيحة المستمدة من قرارات واتفاقيات المنظمة البحرية العالمية. وقطفت
ثمار هذا الانجاز الرائع, الذي تجسد في توحيد صفوف البلدان الخليجية في
أسرة بيئية واحدة باستثناء العراق وإيران..
ومن المؤمل أن يجتمع وزراء البيئة لجميع دول المنظمة الإقليمية
لحماية البيئة البحرية (روبمي) في دولة قطر في نيسان (ابريل) المقبل
لمناقشة الأمور البيئية, ومن ضمنها مناقشة مذكرة التفاهم, وانضمام
العراق وإيران لهذه الأسرة, وبالاتجاه الذي يضمن اخضاع جميع المسطحات
المائية لبرامج الحماية البيئية في حوض الخليج العربي برمته. وربط
الموانئ الخليجية في شبكة اتصالات تهدف الى خلق الأجواء التعاونية
للتنسيق المشترك وتبادل الخبرات..
ويبدو إن إيران متلهفة إلى المشاركة في الاجتماع القادم. وتتطلع
بشغف للانضمام إلى البلدان الموقعة على المذكرة, والتي تشغل الساحل
الغربي من الخليج, في حين تهيمن إيران على كل الساحل الشرقي.. إذن ليس
من مصلحتنا التغريد خارج السرب, والابتعاد عن هذه القافلة الخليجية
البيئية..
لذا فان اجتماع وزراء البيئة في نيسان (ابريل) المقبل يعد فرصة
سانحة لتقديم طلب انضمام العراق إلى البلدان الموقعة على المذكرة.
وبالتالي اشتراك الموانئ العراقية في برامج الأسرة المينائية الخليجية
المختصة في مجال حماية البيئة البحرية. ويعني أيضا فتح نافذة واسعة
لتطوير مهارات وقدرات وخبرات كوادرنا البحرية، والارتقاء بمستواها،
والاستفادة من مناهج ودورات التأهيل البحري العالي. سيما ان مياهنا
الإقليمية وقنواتنا الملاحية الداخلية تعاني من مشاكل بيئية معقدة, وفي
أمس الحاجة الى المعدات والمواد والأجهزة والزوارق الحديثة اللازمة
لمكافحة حالات التلوث المستشرية في مسطحاتنا المائية. ناهيك عن حاجتنا
إلى تطبيق المعايير البيئية البحرية الصحيحة.
وإذ ننوه عن حاجتنا للدعم والإسناد, ومواكبة التطورات التقنية في
هذا المجال. فأننا نأمل من المجلس الموقر للمنظمة الإقليمية لحماية
البيئة البحرية ( روبمي ) تخصيص برامج دراسية لتأهيل كوادرنا, وانتداب
خبراء دوليين لتقديم كل ما هو متاح لبناء خططنا الوطنية في مجال حماية
البيئة البحرية. إضافة إلى مناقشة برامج مركز المساعدة المتبادلة
للطوارئ البحرية (ميماك), ومنها الدورات الدراسية التقنية التخصصية,
ودعم خطط الطوارئ في دول المنطقة..
وان زمام المبادرة لتحقيق هذه الخطوة الحضارية المرتقبة, يقع في هذه
المرحلة بيد وزارة البيئة العراقية, التي سيكون لها الدور الكبير في
مثل هذه المساعي الدولية الخيرة, ونأمل أن تسارع وزارة البيئة إلى
استثمار هذه الفرصة التي لا يمكن تفويتها, وتحث الخطى للمشاركة الفاعلة
في المؤتمر الوزاري الذي سينعقد في دولة قطر. ومن الله العون والتوفيق. |