الوجه "الفوضوي" لقوات الصحوة في العراق

اعداد/صباح جاسم   

شبكة النبأ: بالرغم من تحفظات الحكومة العراقية على التسليح العشوائي والدمج السريع في الاجهزة الامنية لقوات الصحوة المنبثقة عشائريا في المناطق الساخنة من العراق الا ان الضغوط الامريكية قد رسخت سياسة الامر الواقع بهذا الشأن، حيث دعمت ولا تزال مجالس الصحوات ماديا ومعنويا دون تنسيق مع الحكومة العراقية ودون التزامات وتنظيم مسبق يمنع الاختراق، ويديم الأمن المناطقي، الذي تحقق في الاونة الاخيرة.

وكذلك فان معظم الصحوات، التي كل ما قامت به هو " الكف عن التعاون مع تنظيم القاعدة الارهابي  والمساعدة في احلال الأمن في مناطقها" اخذت تطالب بسقف عال من الشروط والصلاحيات حتى باتت القوى الأمنية تحذر بجدية من تحول تلك الصحوات الى قوة أمنية ثالثة. 

فقد حذر قادة أمنيون عراقيون من تحول (مجالس الصحوة) إلى قوة أمنية ضاربة في الشارع العراقي إلى جانب قوات الجيش والشرطة، مشددين على أن نفوذها تجاوز الحدود المرسومة لها.

وقال اللواء مهدي صبيح، قائد قوات حفظ الأمن والنظام في وزارة الداخلية، في تصريحات لصحيفة (الحياة) اللندنية إن "تعاظم الدور الأمني لعناصر الصحوة، جعل منها قوة أمنية ثالثة في البلاد، إلى جانب قوات الجيش والشرطة".

وأضاف أن تشكيل بعض مجالس الصحوة "جاء بدافع دعم دور بعض العشائر، بعيدا عن الحاجة الحقيقية إليها في ضبط الأوضاع الأمنية وتوفير الحماية الذاتية في مناطقها."

واعترف صبيح بأن (قوات الصحوة) حققت " نجاحات كبيرة في قتال تنظيم القاعدة في المناطق الساخنة تفوق ما حققته قوات الأمن، لكنها في الوقت ذاته وظفت عملها للحصول على مكاسب سياسية، من خلال مطالبة قادتها بإنشاء وزارة خاصة تدير شؤونها".

كما حذر القائد الأمني العراقي من أن "الدعم الأمريكي لمجالس الصحوة دفع قادتها إلى المطالبة بمكاسب إضافية، قد تؤول إلى فوضى أمنية لاحقة في الشارع العراقي"، لافتا إلى "ضرورة وضع ضوابط عمل جديدة لإدارة تلك المجالس، بما يمنع تحولها إلى قوة أمنية ضاربة أو ميليشيات جديدة تعمل على تحقيق مكاسب شخصية".

وذكر صبيح أن " تمرد بعض عناصر الصحوة على قوات الأمن، أثناء عمليات أمنية مشتركة، ووقوع مواجهات بين الطرفين كشف عمق الفجوة بينهما".

وتشكلت (مجالس الصحوة) أولا في محافظة الأنبار غربي العراق، قبل نهاية العام (2006)، من  قبل زعماء وأبناء العشائر، وبدعم من القوات الأمريكية التي تولت تسليح وتمويل عناصر الصحوة ، بهدف محاربة وطرد الجماعات المسلحة، خاصة تنظيم القاعدة، من المحافظة.

وبعد أن نجح (مجلس صحوة الأنبار) في طرد تنظيم القاعدة من المحافظة، انتشرت التجربة في عدد من المدن والمحافظات وبعض أحياء العاصمة بغداد، حيث خاضت (قوات الصحوة) المعارك إلى جوار القوات الأمريكية والحكومية العراقية ضد الجماعات المسلحة، وفي مقدمتها القاعدة. من جانبه، شدد اللواء عبد العزيز محمد جاسم، مدير العمليات العسكرية في وزارة الدفاع، على ضرورة "وضع دوريات مجالس الصحوة تحت رقابة الحكومة".

وقال جاسم للصحيفة إن تلك الدوريات "تحولت إلى قوة أمنية ثالثة، إلى جانب قوات الأمن الرسمية في البلاد"، مشيرا إلى أن ضبط عمل (مجالس الصحوة) ضمن قوات الأمن "بات مطلبا ملحا في الوقت الحالي".

وأقر بأن مجالس الصحوة "بذلت جهودا كبيرة في مساعدة قوات الأمن في ضبط الوضع في عدد من مناطق بغداد وبعض المحافظات"، لكنه دعا إلى ضرورة أن يبقى عملها "ضمن إطار القانون، وألا يخرج عن الحدود".

وعن تجميد بعض عناصر (الصحوات) عملها، خلال الأسابيع الماضية، للضغط على الحكومة بغية دفعها إلى الاستجابة لمطالبهم بإنشاء وزارة إسناد خاصة، أو تشكيل هيئة أمنية تشرف على عملهم، قال اللواء "هناك خروقات كبيرة في عمل المجالس، التي تحولت إلى مركز لاستقطاب أقارب رؤسائها دون غيرهم، للاستفادة من المخصصات المالية والرواتب الممنوحة إليهم".

وتتشكل أغلب (مجالس الصحوة) من عشائر تنتمي إلى السنة العرب. وتطالب عدة قوى سياسية، خاصة (الحزب الإسلامي)، بدمج (عناصر الصحوة) في الشرطة والجيش العراقيين، فيما تعارض قوى سياسية أخرى، خاصة من المجلس الأعلى الإسلامي، هذا الدمج.

رئيس المخابرات العراقية: ايران تسعى لضرب مجالس الصحوات

لم يكن اعلان اللواء محمد عبد الله الشهواني رئيس جهازالمخابرات العراقية الذي يقع تحت السيطرة الامريكية المباشرة والكاملة وقبل 72 ساعة من وصول الرئيس الايراني محمد احمدي نجاد الى العراق بان المخابرات الايرانية تتدخل في الشأن العراقي وتخطط لضرب المقاتلين السنة ورجال الصحوة، محض صدفة، بل انه تعبير عن موقف مقصود او لتوجيه رسالة محددة لتحقيق اهداف محددة ايضا، لاسيما وان الشهواني قلما يتحدث للصحافة، واذا ما قام بذلك فهو لمرة واحدة في السنة، يبدو ان وقتها قد حان مع استقبال العراق رسميا للرئيس الايراني المشاكس دوليا والمتهم بنشر الفوضى والعنف في العراق.

وكان الشهواني اصدر بيانا تضمن الاشارة الى ان لدى جهازه معلومات تؤكد ان الاستخبارات الايرانية قد دفعت عناصرها في العراق لاجهاض تجربة الصحوات »وهو ما لم ينفه الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف، مشيرا الى ان »الشهواني لا يتحدث عن فراغ«.

بتريوس المحنك سياسياًَ

وتعتبر مجالس الصحوات التي تعرف ايضا بـ »اللجان الشعبية« تنظيمات ولدت من رحم مجموعات التمرد المسلح السنية وضباط الجيش العراقي السابق واجهزة النظام الامنية المنحلة، التي كانت تقاتل الى جنب مسلحي »القاعدة« ضد القوات الامريكية والعراقية، وانقلبت عليها بعد ان ادركت ان مشروعها يصطدم مع مشروع دولة العراق الاسلامية التي اعلنته جماعة بن لادن، وارادت من خلاله اقامة نظام الخلافة الاسلامية على الطريقة الطالبانية.

ولقد استطاع الجنرال الامريكي المحنك ديفيد بتريوس التقاط هذه الفرصة التاريخية ونجح في جذب هؤلاء الاعداء الذين كانوا حتى الامس يقتلون الجنود الامريكيين، مقدِما لهم الدعم المالي والمساعدة العسكرية لقتال القاعدة وطردها من البلاد.

 وسرعان ما تنامت هذه الصحوات بدعم العشائر في الانبار اولا، لتتسع وتمتد لتصبح ظاهرة تشمل جميع مناطق السنة، وارتفع عددها الى اكثر من 130 مجلسا، تقيم افضل العلاقات مع الامريكيين وتنسق معهم تحركاتها وعملياتها، وهو ما نتج عنه انحسار كبير لتأثير القاعدة والعنف وكذلك اثار مخاوف وهواجس قوى الاسلام السياسي الشيعي في الحكومة العراقية.          

ولقد صدرت تعليقات متناقضة من الطرف الامريكي حول بيان اللواء الشهواني السابق، اذ في الوقت الذي اكد فيه مسؤول عسكري امريكي في تصريح لجريدة »الشرق الاوسط« اللندنية »ان قوات خاصة مرتبطة بفليق القدس الايراني قد استهدفت ابناء العراق«، قلل مسؤول امريكي اخر لراديو »سوا« من اهمية هذه المعلومات.

انقلاب الصحوات

وتشير التطورات الى ان الاسابيع الاخيرة شهدت نموا وارتفاعا متصاعدا للهجمات التي تتعرض لها هذه الصحوات والتي كان اولها واكبرها الهجوم الذي ادى الى قتل رئيس صحوة الانبار الشيخ عبد الستار ابوريشة العام الماضي، وما تبعه من عمليات استهدفت العديد من قيادات الصحوة  في المناطق الساخنة وفي العاصمة بغداد.

وتخشى واشنطن من ان تؤدي موجة الاغتيالات والهجمات التي تتعرض لها الصحوات الى تهديدا ستراتيجية احتواء العنف الطائفي في العراق.

ويلقي المسؤولون العراقيون والامريكيون على تنظيم القاعدة مسؤولية معظم الهجمات وعمليات القتل التي يتعرض لها مقاتلو الصحوة الذين وصل عددهم الى 100 الف تقريبا، ويشيرون الى ان لدى القاعدة استراتيجية ذات حدين تتمثل في توجيه ضربات ضد مقاتلي الصحوات لتخويفهم ومعاقبتهم لتعاونهم مع الامريكيين، واختراق مجموعاتهم لجمع المعلومات عن تأريخهم وسجلاتهم الاجرامية بهدف التحريض عليهم ودفع ميليشات الشيعة لقتلهم بهدف الانتقام.

الا ان مراقبين ومطلعين يؤكدون ان هذه الصحوات اصبحت ايضا في مرمى وهدف مجموعات شيعية منشقة عن »جيش المهدي« وفيلق بدر»التابع للمجلس الاعلى الاسلامي الحليف الاقوى لايران في العراق. واعلن مقاتلون في الصحوات عن اعتقالهم لايرانيين وفي حوزتهم لوائح تتضمن اسماء اشخاص يراد تصفيتهم وتعليمات بمهاجمة اعضاء ومقاتلين من الصحوات.ونقلت »نيويورك تايمز« عن الجنرال مارك مكدونالد الذي يعمل مع المتطوعين السنة قوله انهم الصحوات»اضحوا هدفا لمجموعات شيعية متطرفة«.

وابلغ العضو في صحوة الاعظمية عمر عباس الجريدة »ان بدر هي اسوأ تهديد ولكن جيش المهدي يمثل »التهديد الاكبر« معبرا في الوقت نفسه عن نفوره من رئيس الحكومة نوري المالكي«.

تحديات داخلية وصراعات

وتواجه الصحوات تحديات داخلية ناجمة عن طبيعة التيارات المتعددة التي تتشكل منها، والتي تمثل مجموعات متناقضة الايديولوجيات والاهداف وسبل التعامل مع الدولة ومؤسساتها وبينها وبين المجموعات والجماعات الاخرى التي شاءت ان تبقى في مواقعها الرافضة للعملية السياسية والمصرة على مقاتلة »الاحتلال« حتى اندحاره، اضافة الى اختراقها من اطراف عديدة وليست القاعدة وحدها.

ولعل احد ابعاد الخلافات كشف عنه ظهور قائد صحوة »ابو غريب« ثامر التميمي، القيادي السابق في الجيش الاسلامي على فضائية العربية، وتناوله بصراحه علاقة صحوته بالامريكيين، وما يحظى به الجيش الاسلامي من دعمهم، وهو ما اثار امير الجيش المقيم في دمشق امين الجنابي ودفعه الى اصدار بيان يتبرأ فيه من التميمي الذي اتهمه بوضع نفسه تحت تصرف السوريين الذين يريدون ادامة الفوضى في العراق، وما يعكسه ذلك من وجود تيارين متضادين لابد ان يتصادما في وقت ما على الارض بالسلاح.

وتعيش الصحوات فيما يبدو تطورا في وعي قياداتها سياسيا واستراتيجيا اذ تتجه الى تشكيل تنظيمات سياسية »صحوة الانبار مثلا« تتأهب للمشاركة في العملية السياسية بشكل شرعي عبر الانتخابات المحلية ومن ثم لاحقا النيابية، فلقد اعلن التميمي عن تأسيسه مع قيادات في الجيش الاسلامي كيانا سياسيا جديدا يحمل اسم »الحركة الوطنية للاصلاح والتنمية«.

صحوة الأنبار ومنافسة الحزب الاسلامي

لقد ادت التطورات السياسية في العراق وتفاعلاتها والمتغيرات التي شهدتها العملية السياسية والتغييرات الجذرية في التشكيلة والتركيبة السياسية بعد حركة الانقسامات والانشقاقات وما رافقها من تصدعات في البنية التنظمية للمجموعات المسلحة، ابعدت تيارات وجمعت اخرى وقربت بينها وفقا للرؤى والتصورات الفكرية والسياسية لاسيما بين تلك التي بدأت تعي وتدرك اولا انه لا عودة لما كان في الماضي وثانيا ان العنف والسلاح ضد السلطة ليس طريقا للوصول اليها مادامت هناك عملية سياسية سلمية، وثالثا ان الوجود الايراني هو اخطر على البلاد من الامريكي، وان مكافحته اولى بالمعيار السياسي والوطني،لان الامريكيين يريدون المغادرة عند تحقق الاهداف، فيما يريد الايرانيون البقاء والهيمنة وفرض شكل النظام والحكم.

ومن الواضح ان ارهاصات مرحلة سياسية جديدة بدأت تتشكل ليس فقط داخل الطائفة السنية على الرغم من انها الاقوى حتى الان، تنذر بانطلاق مرحلة ما بعد الصحوات، باتجاه مشاريع سياسية وتشكيل احزاب وتنظيمات استعدادا لخوض الانتخابات البلدية والمحلية في اكتوبر المقبل، وهو ما سيؤدي الى قلب اللوحة السياسية للتمثيل السني مهددا احزاب جبهة التوافق وغيرها بانحسارنفوذها وتأثيرها وحجم تمثيلها في مؤسسات الحكم وفي البرلمان لصالح التنظيمات الجديدة التي ستخرج من رحم الصحوات، وهو ما ينقل العراق الى مرحلة جديدة ستتضح معالمها السياسية في المستقبل القريب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10 آذار/2008 - 2/ربيع الاول/1429