امريكا واسرائيل بين ضعف فتح وقوة حَماس المتخفّية وراء مدنيي غزة

شبكة النبأ: يمثل التوغل الاسرائيلي الاخير في غزة والذي اطلق عليه اسم "الشتاء الساخن" مرحلة مهمة من عملية تصعيد عسكري ضد القطاع الغرض منه كما هو واضح اسقاط سلطة حماس في القطاع.

وكان الهدف من العملية الاسرائيلية وقف اطلاق الصواريخ من مخيم جباليا وبيت حنون على جنوب اسرائيل واضعاف الجناح العسكري لحركة حماس كتائب عز الدين القسام. بينما كان هدف حماس مواجهة التوغل والاستمرار في اطلاق الصواريخ العشوائية والاصرار على ما تراه حق المقاومة، وفي ظل ذلك تبقى السلطة الفلسطينية في موقف المتفرج الذي ينتظر انفراج الازمة لصالحه.

وذكرت مجلة فانيتي فير الشهرية الأميركية أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش سعت الى إقصاء حركة حماس عن السلطة بعد فوزها في الإنتخابات العامة عام ألفين وستة.

وجاء في تحقيق مقالة نشرته المجلة أن ذلك كان السبب وراء الإنقلاب الذي قامت به الحركة ضد فتح والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ووصفت المجلة الخطة بأنها خطة ايران كونترا/2 ، في اشارة الى صفقة اسلحة لايران في ثمانينات القرن الماضي اثارت جدلا واسعا حينها، كما وصفتها حركة حماس بغزة جيت.

لكن مسؤولا بوزارة الخارجية الامريكية وصفها بانها قصة ساذجة وعبثية، وربما تستقر الحقيقة في مسافة ما بين هذه الاوصاف جميعا. بحسب بي بي سي.

وتقول المجلة انه تم وضع خطة تستغرق خمس سنوات وبكلفة 1.27 مليار دولار لقلب نتائج الانتخابات التشريعية التى جاءت بالحركة الى السلطة في الاراضي الفلسطينية عام 2006.

وتضمنت الخطة فيما يبدو تقوية قوات الامن الخاصة بحركة فتح الاكثر اعتدالا بتزويدها بالمال والسلاح.

ولأن الكونجرس لم يوافق على حزمة مساعدات كبيرة بالقدر الكافي لتقوية فتح، تقول المجلة ان ادارة الرئيس بوش حاولت اقناع حلفاءها العرب بضرورة تزويد فتح بالمال.

وذهبت الاسلحة الى السلطة الوطنية الفلسطينية من مصر عبر الحدود الى قطاع غزة.

ويضيف المقال ان حماس قامت بانقلابها فى غزة لاستباق انقلاب كانت فتح ستقوم به ضد حماس.

بيد ان متحدثا باسم وزارة الخارجية الامريكية قال انه لم يكن هناك خطة خفية وانه لم يكن سرا ان الحكومة ساعدت فى اعادة تدريب اجهزة الامن الخاصة بالسلطة الوطنية الفلسطينية واصلاحها.

وفى خاتمة التحقيق قالت الصحيفة انه ربما يكون هناك ما قد يتفق عليه اغلب الناس بشأن استراتيجية ادارة بوش فى الشرق الاوسط وهو ان التحاور مع حكومة الرئيس محمود عباس، مع عزل حماس، بات امر فاشلا حتى الان.

اسرائيل والخيارات الصعبة

ويقر المسؤولون العسكريون الاسرائيليون ان هذا التوغل كان عبارة عن تجربة مصغرة لعملية توغل على نطاق اوسع يجري الاعداد له في الوقت الراهن.

وتلوح اسرائيل بعملية توغل على نطاق اوسع لارغام حركة حماس على التوقف عن اطلاق الصواريخ باتجاه اسرائيل. بحسب بي بي سي.

ولا يبدو ان كل المسؤولين العسكريين الاسرائليين متحمسين لاعادة احتلال القطاع لان التوغل الاخير اظهر بشكل واضح مشاكل احتلال مساحات كبيرة من القطاع بسبب الكثافة البشرية للقطاع.

فقد اسفر التوغل عن وقوع عدد كبير من القتلى ورغم استمرار الجدل حول عدد المسلحين الفلسطينيين الذي سقطوا فيها لكن الواقع يشير الى ان عدد كبيرا من القتلى والجرحى هم من المدنيين.

ورغم ان جنديين اسرائيليين قتلا في العملية لكن ذلك يعني ان على اسرائيل ان تتوقع سقوط قتلى في صفوف جنودها في حال القيام بعمليات توغل اوسع.

ومع النجاح العسكري للجيش الاسرائيلي في هذه العملية لكن الثمن الدبلوماسي كان مكلفا للغاية بالنسبة لاسرائيل حيث انهالت عليها الادانات والانتقادات من الاتحاد الاوروبي و الامم المتحدة اضافة الى تأجيج مشاعر الشارع العربي.

كما عاد مسلحوا حماس الى الظهور باعتبارهم رموز للمقاومة وهذا يمثل احراجا للدول والاطراف الموالية للغرب في المنطقة مما حدا بالرئيس الفلسطيني الى وقف المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي.

ويقول القادة العسكريون الاسرائيليون ان مسلحي حماس قد اصبحوا اشبه بالجيوش العسكرية النظامية وانهم تكبدوا خسائر كبيرة في العملية الاخيرة.

لكن الحقيقة هي ان الصواريخ ما تزال تنطلق من قطاع غزة باتجاه اسرائيل ولا يراود العسكريين الاسرائليين اوهام عن توقف هذه الصواريخ.

وقالت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية واصفة المأزق الذي تواجهه اسرائيل " لقد سقط قتلى في صفوف الجيش الاسرائيلي وعدد كبير في صفوف حماس لكن استمرت الصواريخ بالسقوط على عسقلان وسديروت حتى اثناء العملية العسكرية وهكذا سيكون الوضع حتى عند قيام اسرائيل بعملية عسكرية على نطاق اوسع مستقبلا".

وبعد انسحاب الجيش الاشرائيلي من شمال غزة عادت اسرائيل الى الوتيرة الاعتيادية لعملياتها العسكرية ضد القطاع بينما تستمر الصواريخ بالسقوط على جنوب اسرائيل.

الحرب غير المتماثلة في الشرق الأوسط

قبل أن تبدأ إسرائيل تقليص عملياتها في قطاع غزة، قال مسؤول فيها لبي بي سي إنهم ـ وبعد ما وصفه بـ"الجولة الحالية" ـ فإنهم لا يريدون أبدا أن يخلفوا شعورا بأن لحماس اليد العليا.

وفور إعلان إسرائيل سحب قواتها نظمت حماس حشدا جماهيريا احتفالا بالنصر!!؟.

وإعلان حماس أنها انتصرت لم يكن مفاجئا، فأحداث العنف التي جرت في الأسبوع الماضي كان المقصود منها إرسال رسائل سياسية بنفس القدر الذي أريد به تغيير موازين القوة العسكرية.

فحماس تريد من شعبها أن يعرف أن لا شيئ يقف في طريق مقاومتها لإسرائيل.

وإسرائيل تريد ان توقف إطلاق الصواريخ التي تقصف بلداتها الحدودية منذ أنهت وجودها العسكري في قطاع غزة عام 2005.

إلا أن غارات إسرائيل المتواصلة، وعدد من التوغلات الكبرى التي قامت بها لم تتمكن من تحقيق ذلك.

ولهذا السبب قاومت الحكومة الإسرائيلية حتى الآن ضغوطا داخلية قوية من جانب معارضيها السياسيين لشن هجمة أكبر وأكثر دموية.

بدلا من ذلك تريد إسرائيل أن تظهر لشعبها أن هذه الهجمات لن تمر بدون رد، وأن تكسب الجدل في الأوساط الدولية بأنها إنما تقوم برد فعل كما تفعل أي دولة تتعرض لهجوم.

ويبدو أن الولايات المتحدة تعتقد الان أن إسرائيل قد حققت ما أرادت تحقيقه، وأن عليها التوقف قبل إلحاق ضرر أكبر بعملية السلام التي ترعاها بين إسرائيل والرئيس الفلسطيني محمود عباس وفريقه.

وكان الجانب الفلسطيني قد علق المفاوضات قبل أيام احتجاجا على ما وصفه عضو في فريقه التفاوضي لبي بي سي بالمجزرة في غزة.

حقوق مطلقة

حين تحاول النظر إلى بعيد تدرك مدى صعوبة وقف عمليات القتل. فالرد على كل هجوم غريزة أساسية في دولة يؤمن مؤسسوها بأنهم قد نبذوا قرونا من الضعف اليهودي وقت مغادرتهم لأوروبا لبناء كيان جديد وقوي في أرض إسرائيل.

والفلسطينيون في حماس والذين يديرون قطاع غزة يقولون إن حقهم في المقاومة للدفاع عن شعبهم حق مطلق.

ويعتقد هؤلاء أن خصومهم في فتح ـ الحركة الفلسطينية الرئيسية الثانية كانوا على استعداد أثناء المفاوضات مع إسرائيل لبيع حقوقهم الأزلية وهو بمثابة استسلام. ويقولون إنهم لن يكرروا نفس الخطأ.

وما يحدث بين الفرق الفلسطينية التي تطلق الصواريخ في غزة والجيش الإسرائيلي هو القتال التقليدي بين القوي والضعيف، والمعروف حاليا باسم الحرب غير المتماثلة. وفي هذا القتال بإمكان الطرف الأضعف التمتع بنفوذ أقوى بكثير مما تهيئه له أسلحته.

وهذا هو السبب في بعض الغضب والإحباط الذي يشعر به البعض في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

فحجمهم كبير، وهم أقوياء، ويملكون أسلحة تعتبر من أكثر نظم الأسلحة في العالم تعقيدا, ولا يزالون يصارعون لوقف الصواريخ الأدنى من أسلحتهم بمراتب كثيرة.

وربما لهذا السبب استخدم نائب وزير الدفاع الإسرائيلي ماتان فيلني الأسبوع الماضي كلمة المحرقة لوصف ما سيحدث للفلسطينيين إذا ما اشتدت وتيرة إطلاق الصواريخ من جانبهم.

ولتلافي الموقف سارع من حوله للقول بأن نائب وزير الدفاع وهو جنرال متقاعد لم يكن يعني الإبادة الجماعية.

صواريخ إيرانية؟

وهناك أناس داخل حماس يصغون للتهديدات الإسرائيلية ويرددون التعبير المؤسف الذي ردده الرئيس الأمريكي جورج بوش حول العراق "جيئوني بهم"

فالمقاتلون في حماس متدينون لا يخشون الموت، ويعتقدون أن بإمكانهم إلحاق بعض الضرر (بإسرائيل).

وما أدى إلى تأجيج الأوضاع في الأسبوع الماضي هو مقتل إسرائيلي في سديروت، البلدة الحدودية الإسرائيلية المستهدفة.

غير أن حماس قد اظهرت أن بإمكانها حتى قصف عسقلان والتي يقطنها 120 ألف نسمة.

ويقول الإسرائيليون إن الصواريخ بعيدة المدى تأتي من إيران، مما يجعل الأمور بالنسبة لهم أشد سوءا.

وتعتقد إسرائيل أنها في القواعد الأمامية في نزاع بين العالم الغربي ومسلحين إسلاميين تتزعمهم إيران.

ولهذا وإذا ما تواصل استهداف عسقلان بالصواريخ فتوقعوا استمرار العمليات العسكرية فور رحيل وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، رغم أن قلة بين الإسرائيليين من يعتقد بأن هذا هو الحل الأمثل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8 آذار/2008 - 29/صفر/1429