ذكرى وفاة النبي وتحمل المسؤولية

علي الطالقاني

في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر الخير، والى جوار الرفيق الأعلى حلقت روح الإسلام والرحوح الإنسانية المعطاء التي أدت رسالة السماء المتمثلة بالكلمة العليا "كلمة الله" هذه الروح التي عاشت بين جنبي أروع شخصية أستطاعت أن تجسد الدستور اللإلهي في السيرة والسلوك. فقد أنفتح على الناس كما هو القرآن في آياته التي تنير الدرب لكل البشرية. هذه الشخصية التي تمثلت بالرسول الأعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، يقول الله تعالى في القرآن الكريم مخاطبا الرسول صلى الله عليه وآله: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(الزمر/30، ويقول مرة أخرى  (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)(الأنبياء/34) كما ان هناك آيات أخرى تبرز دور الرسول صلى الله عليه وآله لتحدد علاقته مع الجماهير في تبليغ الرسالة السماوية، وذلك لاستمرار نهج الرسالة الخالدة وعدم توقفها بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وآله الى الرفيق الأعلى وليحمل المسؤولية والأمانة جميع المؤمنين.

كذلك يتجسد في قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(آل عمران/144). أن هذه الآية التي نزل بها الروح الأمين في معركة أُحد عندما جرح النبي(صلى الله عليه وآله)، ونعق ناعق يقول "لقد قتل محمد"، حينها رد الرسول قائلا: "إن كان محمد قد مات فإن ربّ محمد لم يمت. هذه الآية تؤكد للمسلمين أن النبي(صلى الله عليه وآله) إذا مات او قتل تبقى المسؤولية محفوظة لتنتقل من جيل لآخر، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

بهذه المسيرة المعطاء تتضح المسؤولية لكل الأجيال القادمة في تحمل مسؤولية التي تقع على عاتقهم وهي الدفاع عن الإسلام وتبيلغ كل من على البسيطة باتباع هذا الدين الحنيف فلذلك جاء مصطلح الوجوب في الدعوة حتى لا يعيش المسلمون حالة اللامبالاة في المسائل الإسلامية بل على المسلمين تحمل مسؤولية التربية للاجيال القادمة وليكن عامل التربية في مقدمة الاهتمامات أذ يقول الله تعالى(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)(طـه/132)، ويقول أيضا: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/6).

أتمام النعمة

بعد أن قربت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله أستعد النبي لأن يلاقي الرفيق الأعلى ليعلن امام المسلمين أكمال الرسالة من خلال وصيته المعروفة عند وقوفه في منى و في حجة الوداع  مخاطبا الناس سائلا (أيها الناس أي بلد هذا)؟ قالوا: (البلد الحرام)، ثم قال: (أيّ شهر هذا؟) قالوا: (الشهر الحرام)، قال: (فأي يوم هذا؟) قالوا: (اليوم الحرام)، فقال: (أيها الناس إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة بلدكم هذا في شهركم هذا في يومكم هذا، ألا لا ترجعن بعدي ضلالاً يلعن بعضكم بعضاً، ويقطع بعضكم رقاب بعض، فالمسلم كله حرام على المسلم، دمه وماله وعرضه، اللهم هل بلّغت، اللهم اشهد).

من خلال هذه الوصية أنطلق رسول الله معرفا الناس من هو الأصلح والأورع والأفضل والأكثر رشدا  في إدارة شؤون المسلمين ، على أعتباره الأعلم والافضل والاقدر بعد الرسول، لذلك سارع النبي مستجيبا  لأمر الله من خلال الآية الكريمة : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(المائدة/67).

أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ان يبايع المسلمون علي عليه السلام ، ولكنها كانت بيعة لم يلتزم الكثير من الذين خالفوا الرسول ، وهنا شعر النبي بأن هناك نوعاً من الاختلال بتوازن المسلميين ، لذلك حاول الرسول أن يضع حل نهائي للمسئلة ، كما يروي الرواة، إنه كان في مرضه الذي توفي فيه، قد طلب من المسلمين قائلا آتوني بدواة وكتب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً، ولكن بعضهم قال: إن النبي ليهجر، ولم يلتفت إلى قول الله: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، بعدها دارت الدوائر على المسلمين وانحرفت المسيرة عن خطها الذي رسمه رسول الله(ص).

إننا عندما نقف إجلالا في ذكرى وفاة الرسول (ص) علينا أن نشعر بحجم الفراغ في المسؤوليات وخصوصا عند غياب قائدنا العظيم الذي انقطع به الوحي من السماء إلى الأرض، بعد اكمال الدين وأتمام النعمة والرضى بالدين الإسلامي . لذلك فان الإسلام هو أمانة الله ورسوله. وعلينا الاعتصام بحبل الله ، لنتوحّد به ولنلتزمه من خلال الدعوة اليه ،يقول الله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران/104)

ان المرحلة التي يعيشها العالع اليوم تعتبر من المراحل الحساسة والخطرة على مستقبل الأسلام والمسلمين مما تستدعي الوقوف جنبا الى جنب في صد الهجمات التي تأتي من هنا وهناك والتي تريد من تشويه صورة الإسلام لأن الله (يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ((الصف/4).

إن قوى الكفر والظلال ومن ورائها الصهيونية العالمية قد أستنفرت وجمعت القوى ووحدت الصفوف لتقف بوجه الإسلام لتزرع الفتنة وتزلزل كيان المسلمين وتحد من حركتهم فلذلك كان مفهوم الوحدة الإسلامية وتحمل المسؤولية هدف نبيل يسموا فوق الخلافات إذ يقول الله تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (النساء/59).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6 آذار/2008 - 27/صفر/1429