الاقتصاد العراقي: مشاكل وحلول

حوار/ ازهار الحسيني، لبنى الربيعي

شبكة النبأ: يعاني الاقتصاد في العراق من فوضى حقيقية وعدم وجود خطط تنموية بإطار علمي يضمن نتائج ايجابية لتحقيق النهوض والنمو. فعلى اثر السياسات الاقتصادية الخاطئة والإهمال الذي سببته الحروب المتعاقبة في زمن الدكتاتور صدام، وما تبعها من دمار العنف والارهاب في السنوات الاخيرة انهارت تماما ركائز الاقتصاد الصناعية والزراعية والتجارية حتى اصبح البلد يستورد كل شيئ بدءا من المنتجات والسلع الصناعية وحتى اللحوم والخضار.

ولأجل الوقوف على هموم وارهاصات الاقتصاد العراقي في المرحلة الراهنة اجرت شبكة النبأ المعلوماتية حوارا مع الدكتور أحمد باهض تقي، مدير مركز الفرات للدراسات والبحوث وأستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة كربلاء:

- دكتور احمد، اين يقع الاقتصاد العراقي في سلّم الاقتصاد العالمي؟

الحقيقة عندما نتمعن في الاقتصاد العراقي نحاول ان نستشرف موقع هذا الاقتصاد ضمن سلّم الاقتصاد العالمي، يمكن وضع الإقتصاد العراقي ضمن الاقتصاديات الناميةوبما يطلق عليه إقتصاد البلدان النامية، وبالتالي نطلق عليه النامي فهو يخرج من خانة الدول المتقدمة ولا ينزلق في خانة الدول المتخلفة، كونه يقع ضمن مجموعة الدول النفطية، وإن لهذه المجموعة خصوصية منفردة عن بقية الإقتصادات النامية لما تتمتع به من الوفرة النفطية وبالتالي الوفرة المالية ومن ثم نلاحظ ان الإقتصاد العراقي عند مقارنته بالإقتصاد العالمي يمكن ان نقول انه مختلف لكونه يقع ضمن الاقتصادات النامية والاقتصادات النفطية.

 ولكن في الثمانون سنة الماضية اي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لم يشهد الاقتصاد العراقي المقاربات التي توافرت عليها الاقتصادات النفطية الأخرى كاقتصادات دول الخليج، وبالتالي فنحن مطالبون بنقل الاقتصاد  العراقي الى سلم أولويات البلدان المتقدمة.

وذلك من خلال توظيف القدرات المالية التي يتمتع بها الإقتصاد العراقي التوظيف الأمثل بعيداً عن الفساد وعن الهدر والتبذير وفي مجالات نستطيع من خلالها تنمية المجتمع والإقتصاد في آن واحد.

- ما هي الاسباب وراء فوضى الاقتصاد العراقي؟

ان الفوضى التي يعاني منها الإقتصاد العراقي الحالي هي ليست وليدة سقوط النظام السابق فقط وإنما هي نتاج سياسات اقتصادية خاطئة قامت بها وسلكتها ومارستها النظم السابقة منذ الستينات من القرن الماضي، ولذلك نلاحظ ان الفوضى الاقتصادية هي نتاج اكثر من نصف قرن مر بها الإقتصاد العراقي.

ويضيف دكتور باهض لـ شبكة النبأ، هذه الفوضى اسست ان تكون الصناعة العراقية صناعة هامشية وغير منافسة وغير قادرة على الدخول الى الأسواق الإقليمية على الأقل، الزراعة العراقية ايضا مصابة بتدهور البنى التحتية نتيجة إرتفاع تكاليف المنتوج المحلي، أي ارتفاع الوحدة الواحدة من الإنتاج الزراعي، وبالتالي عدم القدرة على المنافسة حيث نلاحظ ان السلع الزراعية للدول المجاورة تنافس السلع الزراعية المنتجة محلياً.ً

وبالنتيجة فإن المرحلة التي عقبت دخول السلع الزراعية من البلدان المجاورة للعراق أدت الى إنهيار تام في القطاع الزراعي مما أدى الى توقف عجلة الإنتاج في هذا المجال، ونصل ايضا الى نتيجة إن الإقتصاد العراقي يعاني من الفوضى و الإرتباك التام في الوقت الحاضر مع إعتمادية شديدة على النفط في توفير الإيرادات المالية للقيام بالخدمات والبنى التحتية.

فأسباب الفوضى عدم وجود سياسات إقتصادية ناجحة إبان النظام السابق وبعده، وهذه السياسات لم تكن قادرة على توفير متطلبات المجتمع العراقي وبالتالي اللجوء الى المصدر الاقتصادي الداخلي الضعيف.

ونلاحظ انه عندما سقط النظام السابق ظهرت بوادر الفوضى والإرتباك واضحة في الإقتصاد العراقي ونتج عنها صناعة وزراعة محطمة مع تضخم كبير في قطاع الخدمات.

- ما هي رؤيتكم المستقبلية للإقتصاد العراقي؟

تتحدد الرؤية المستقبلية في توظيف الإيرادات المالية وبالذات النفطية منها خصوصاً إذا ما علمنا ان اسعار النفط ارتفعت وستصل الى 100 دولار.

فإذا ماتوظفت هذه الإيرادات بشكل جيد للنهوض بالبنية التحتية للاقتصاد الزراعي والصناعي فإن المنتوج المحلي سيستطيع ان ينافس المنتوج الذي يدخل العراق بفعل دخول البلد الى منظمة التجارة العالمية، وخصوصاً اذا ما علمنا بإن العراق يتمتع بخصوصية جيدة لا تصل الى حدود المطلق وانما نسبية في الإنتاج الزراعي لتوفير المياه والارض الخصبة ووجود القطاع الفلاحي.

- من اكبر المشكلات التي تواجه الاقتصاد العراقي هي توقف عملية الانتاج، ما الاسباب من وراء ذلك؟

ان توقف عجلة الانتاج يعود لارتفاع تكاليف الانتاج وبالتالي اصبحنا مستهلكين تصلنا البضائع من دول شرق آسيا باسعار ارخص من اسعار المنتوج المحلي فتوقف الانتاج ونجم عن هذا التوقف البطالة.

 هذه البطالة موجودة في الاقتصاد العراقي ولقد امتص جزء كبير منها عن طريق الوظائف الأمنيّة والعقود الوقتية وشبكة الحماية الاجتماعية، لكن المشكلة لاتزال قائمة لعدم استغلال الموارد البشرية بشكل كفوء، وان من انعكاسات توقف عجلة الانتاج هو حصول حالة تضخم شديدة في الاقتصاد العراقي، وذلك يعني ان هنالك كتلة نقدية كبيرة تتحرك مقابل سلع قليلة، مما ادى الى خروج العملات النقدية الصعبة خارج البلد الى الاقتصاد الاقليمي وبقية الكتلة النقدية العراقية واخذت تتحرك ازاء السلع الشحيحة.

ويضيف دكتور باهض لـ شبكة النبأ، ارتفاع القوة الشرائية للمواطن العراقي ووجود فساد مالي واداري كبير في مفاصل الدولة المختلفة مع ارتفاع مفرط في رواتب بعض الكوادر العليا في الدولة العراقية ادّى الى ان يكون الإنفاق بشكل كبير على هذه السلع وبالتالي ارتفاع اسعارها، ومن اسباب التضخم ما يسمى بالتضخم المستورد، فعند استيراد السلع من البلدان المجاورة باسعار مرتفعة نكون قد استوردنا معها عملية التضخم بشكل مباشر، وهكذا سوف نواجه مشكلة مركبة وهي قضية البطالة من جهة والتضخم من جهة اخرى وهذا يسمى (الركود التضخمي)، وهو من المشكلات الصعبة والمعقدة فالسياسة النقدية التي إتبعها البنك المركزي العراقي اتجاه العملات الاخرى كسياسة لتخفيض التضخم ورغم نجاحها الى حد ما الا انها ليست كل الحلول، وعليه يجب ايجاد معالجات جذرية، واهم هذه المعالجات هي تدوير عجلة الانتاج ووضع ضوابط وسيطرة نوعية لكل البضائع التي تدخل الى العراق، ووضع سيطرة للمواد الغذائية والمواد المنزلية و المواد الانشائية للكشف عن عملية التلاعب والغش في هذه المواد..

- ما هي سبل النهوض بالاقتصاد العراقي الحالي؟

 لابد من وضع خطط استراتيجية من شأنها النهوض بالاقتصاد العراقي في كل المتغيرات الإقتصادية الكلية، ونقصد من ذلك ان تكون هناك سياسة كلية خمسية مثلا، وهناك منهاج سنوي وهناك خطط تتجاوز العشرة أو الخمسة وعشرين سنة، وهذا ما يمكن أن تتبناه وزارة التخطيط العراقي.

 اضافة الى ذلك فإن هذه السياسات الإقتصادية تعقبها سياسات إقتصادية قطاعية ،اي هناك خطة إقتصادية للقطاع الصناعي وهناك خطة إقتصادية للقطاع الزراعي والقطاع الخدمي وكيفية تكوين سياسة تجارية، العلاقة مع المنظمات الدولية ايضا هي جانب مهم وحيوي، فالعراق بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 وقّع إتفاقية مع صندوق النقد الدولي على اساس التخفيض التدريجي للديون بالإتفاق مع نادي باريس، وهذه إتفاقية كانت لها شروط قاسية وعالية السقف، ولها إنعكاسات اجتماعية خطيرة، ومنها رفع اسعار المنتجات النفطية ومحاولة تقليص مفردات البطاقة التموينية وما يمكن ان يؤول اليه الأمر في مواجهة اسعار المواد الغذائية فيما لو تم إلغاء هذه البطاقة.

ومن خلال منبر (شبكة النبأ) أتوقع ان هناك زيادة مقبلة في أسعار المنتجات النفطية وأن نفيتها المؤسسات الحكومية، وحسب أطلاعي على شروط صندوق صندوق النقد الدولي بالنسخة الإنكليزية وجدت إنه يجب أن يصل سعر اللتر من البنزين الى 750 دينار عراقي، فنلاحظ ان شروط صندوق النقد الدولي شروط صعبة، والعراق له القدرة على تسديد الديون المترتبة، وان خضوع العراق لمثل هذه الشروط كان به نوع من العجالة واعتقد اننا يجب ان نخرج من أزمة العلاقة مع الصندوق الدولي.

كذلك فإن العراق أيضاً مقبل على الدخول الى منظمة التجارة العالمية  وبالتالي تحديد أمر هذه العلاقة بالمستقبل، فمنظمة التجارة تشترط حرية التجارة وتشترط حرية الاقتصاد بما يطلَق عليه الاقتصاد العابر للحدود، يعني يجب ان لايكون هنالك حدود اقتصادية بين البلدان المنظوية داخل منظمة التجارة العالمية الا وفق اتفاقيات محدودة أو إعطائها كفالات وفترات سماح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4 آذار/2008 - 25/صفر/1429