رهاب الحديث امام الجمهور

أوزجان يشار

 الموضوع الذي تنوي الحديث عنه من اختصاصك إلا انك قليل الخبرة في الكلام أمام حشد أو جمهور. لا بأس بذلك , فأنت لست وحدك من يعاني من رهاب الوقوف أمام جمع ليتحدث.

قد يكون من المفيد أن نتذكر بأن الناس لا يكرهوننا ولا يتربصون بنا ولا ينوون اعتراضنا !

الحقيقة هي أن الحضور يودون أن يصفقوا لنا, لم ذلك؟ لأنهم بذلك يثبتون الحكمة من مجيئهم إلى هذا الحفل!

أن الذهاب إلى هذا الجانب المضيء من التفكير لطالما ما يقودنا إلى التغلب على مشاعر الخوف السلبية و الاقتناع بأن الحضور يقف إلى جانبنا , أي أنهم يتمنون لنا النجاح عندما نتحدث. ولكنهم أيضاً يودون منا كذلك أن نكون مستعدين كل الاستعداد , قادرين على إدراك الحاجات والمشاكل الخاصة بهم. بامكاننا أن نحقق هذه  الأهداف و أن نمنح كل جمهور من المستمعين لنا ما يشاء , وذلك باللجوء إلى الخطوات التالية:

1- لن أضيع وقتكم سدى:

الوقت أغلى ما يملكه الإنسان. ليس في يومنا ما يكفي من الوقت للقيام بكل ما نريد القيام به , مما يجعل أي نشاط  يؤدي إلى هدر الوقت , عملا مثيرا للاستياء. و إذا ما أضاع المتحدث وقت السامعين , غضبوا منه وتوقفوا عن الاستماع إليه. أما إذا سمعوا منه ان وقتهم لن يذهب سدى , فانهم سوف يستمعون إليه استماعا جيداً. ولكل مقام مقال , فإذا كنت تتكلم , مثلا , كمدير أو خبير مصرف أمام جمهور يهتم بهذا الموضوع فعليك أن تختار استهلالا مناسبا , مما يؤدي  إلى حسن الانتباه إلى ما تقوله. مثلا:

(( أشكرك يا سيد... على تقديمك لي. تحيتي إليكم جميعا أيها السادة. أود أن ابدأ ملاحظاتي المختصرة بأن أطلب من كل فرد منكم  أن يتساءل: أين كان يمكن لنا أن نكون لولا الكومبيوتر في المصرف الحديث )).

استهلال سهل؟! أليس كذلك؟ أنما ينبغي لك أن تحذر الوعد بشيء لا تستطيع أن تفي به. لا تستعمل كلمة (( المختصرة )) إلا إذا كنت تقصد ذلك تماما. ليس الخطاب الطويل بمضيعة للوقت بالضرورة. قد تكون لك أسباب وجيهة بطلب وقت إضافي.

كذلك تجنب العبارة التالية: (( في الدقائق القليلة المتاحة لي... )) أو ما ماثلها. قد تبدو لك أنها إشارات ممتازة , ولكنها تفسر بسهولة على أنها تعني:  (( أنه ليس لدي الوقت الكافي للقيام بمهمتي على خير وجه أو لعلها تعني: (( أنه ليس لدي الوقت الكافي للقيام بمهمتي على خير وجه )) أو لعلها تعني للحضور أنهم لن يحصلوا على كل المعلومات التي  يحق لهم ان يحصلوا عليها. إن السامعين ينقمون على مثل هذه التلميحات. عليك أنت تدير مسؤولية الموازنة بين الموضوع و الوقت المخصص لك.

و من الطبيعي أنك لا تستطيع التلميح إلى مستمعيك بأنك لن تضيع وقتهم , ثم تسمح لنفسك بالاستطراد البعيد عن الموضوع. كل كلمة تقولها , من البداية حتى النهاية , ينبغي أن تكون لها علاقة بالموضوع. ومعنى ذلك أنه عليك أن تكون ناقدا صالحا لما تعده , بحيث تحذف أي شيء لا يتعلق بالموضوع. ابذل جهدك لتحقق هذا الإيجاز الوافي.

2- إنني أعرفكم حق المعرفة

لا شيء يجذب إليك انتباه السامعين , ويفرض عليهم الإصغاء إليك كالتعبير لهم عن حاجاتهم واهتماماتهم الخاصة. ولكي تفعل ذلك ينبغي عليك أن تعرفهم حقا. إليك بالفقرة التالية بعد الاستهلال السابق عن المصارف:

(( لدينا في شركتنا... كثيرون من الزبائن من الموزعين , مثلكم ممن يواجهون مشاكل حادة في مجال السيولة النقدية )).

 لقد أصبت بذلك كل الإصابة في حديثك إلى جمهور من أصحاب المحال الصغيرة على سبيل المثال. لقد قلت لهم انك  تعرفهم  تمام المعرفة. لم  تكتف بذلك بل أضفت إليه انك على علم بأحد أكثر مشاكلهم أهمية وخطورة. ثم  ألمحت كذلك إلى احتمال عرض الحل  للمشكلة.  بذلك أثرت انتباههم إلى حد كبير.

لكل حشد من السامعين أرضية مشتركة  بالنسبة لموضوع ما يهتمون  به جميعا. إليك مثلا ما قالته رئيسة تحرير إحدى مجلات  الأزياء النسائية في محاضرة لها في جمهور غالبيته من الرجال:

(( أعلم أنكم لم تأتوا إلى هذا اللقاء بانتظار  سماع آخر أنباء الأزياء  من باريس أو نيويورك. ولكنكم تودون أن تعلموا مدى الوقت الذي ستصرفه نساؤكم في المتاجر في هذا الخريف , وكيف ستكون حالتهن حين يخرجن منها )).

لا ريب أن هذا المثل يفترض أن لدى رئيسة التحرير نبأ مهما تريد أن تنقله إلى الحضور. لا  أحد يود  أن  يصغي  نحو ربع  ساعة كي  يكتشف في النهاية  أنه لم  يجد أي جديد , أو أن شيئا لم  يتغير.

و على هذا الأساس أيضا , يريدك الحضور أن تعترف لهم بمدى ما يعرفونه في اطار الموضوع الذي تتناوله. هذا شيء مهم يجب التعبير عنه. أن السامعين  المحترفين يريدونك أن تقر لهم ولو بمستوى معين من الخبرة والمركز الاجتماعي. لا يجوز للمتحدث أن يسيء إلى الحضور بالتلميح لهم بأنهم جميعا مخطئون أو جاهلون , كالقلة من الناس الذين يرتكبون الأخطاء حقا , أو يعانون من جهل بالأمور. مثل هذا القول يؤدي  أحيانا إلى نظرات  باردة يوجهها الجميع إليك , أو إلى صفير واستهزاء بك.

ينبغي لك أن تعرف الحضور. إذا كنت لا تعرفهم , كان عليك أن تسعى لكي تعرف عنهم كل شيء تجب معرفته عن هذه المجموعة. وإذا كنت تعتقد ان الأمر لا يستحق مثل هذا الجهد , فان حديثك ليس له ما يبرره.

3- جودة التنظيم:

تختلف قراءة الجريدة اختلافا كبير عن الإصغاء إلى محاضرة. فأنت كقارئ   تستطيع أن تسيطر كل السيطرة على سيل المعلومات وان تعيد قراءة المادة ما طاب لك ذلك. ولكنك كسامع , لا سيطرة لك على معدل تلقيك للمعلومات. وإذا لم تفهم ما قبل على الفور , فانه لا قيمة له عندك.

و مما يزيد الأمور تعقيد  ان الناس لا يذكرون غير قسم صغير مما يسمعون. ذلك يلقي عليك كمحدث , عبء تنظيم خطابك بحيث يمكن إدراك المعلومات على أسهل وجه. يضاف إلى ذلك أنه يجب عليك أن تعطي السامعين وقتا كافيا مسبقا لتنظيم عملية الإصغاء , بأن تلمح لهم بكيفية تنظيم كلمتك. واليك بقسم آخر من الكلمة حول المصارف:

(( لمشكلة السيولة النقدية وجهان ــ من وجهة نظرنا  ومن وجهة نظركم ــ أود أن أصرف بضع لحظات في مناقشة كل جانب قبل الانتقال إلى الحل المحتمل لنا جميعا )).

عند ذاك يصغي الحضور إلى بحث جانبي المشكلة. ثم إلى الحل المقترح. لا حظ أهمية عبارتي (( من وجهة نظرنا , ومن وجهة نظركم )).

و سواء قصدت أن تقرأ حديثك من نص مكتمل أو أن تلقيه معتمدا على ملا حظات مدونة أمامك , فان حديثك ينبغي أن يشمل جملا وأقوالا قصيرة و واضحة ومنطقية. ينبغي لك أن توجه السامع  في طريقة  عرضك للموضوع. خطوة خطوة. قد يحتاج ذلك إلى بعض البراعة. ينبغي لك أن تذكر أن قراءة الحديث و الإصغاء إليه شيئان مختلفان.

4- إنني أعرف موضوعي:

إن السامعين يريدون السماع إلى المتكلمين الذين يستطيعون التكلم عن ثقة. لذلك ينبغي لك أن تقول لهم انك مؤهل للحديث عن هذا الموضوع وإلا عدلوا عن التركيز على ما تقول. وقد يكتفون بالإصغاء بإذن واحدة أحيانا. صحيح  أن بعض مسؤولية ذلك تقع على عاتق الشخص  الذي يقدمك , غير أن مثل هذا التنويه لا يأتي بالضرورة  مستقلا , أو منعزلا. وقد  يكون جزءا من الحديث نفسه. إليك بما جاء في هذا الاطار في الحديث عن المصارف:

(( أن مسؤولية البرامج التي يستخدمها جهازنا الكومبيوتري لدفع شيكاتكم المودعة تقع على عاتقي بالذات. هذا يعني أنه ينبغي علي أن أتأكد باستمرار أن السيولة  النقدية تغطي حاجاتكم )).

لا حظ أن التعريف  بك وبكفاءاتك جاء بدون كبرياء أو مبالغة. المهم في الأمر هو أن تنتقي الكلمات التي تعزز ميزة الإدراك و الاهتمام عند الجمهور حين تعرض أمامهم خبراتك والأدلة الثبوتية على مؤهلاتك.

مرة أخرى نقول أن التلميح إلى معرفتك بالموضوع ينبغي أن يعطى في أول مناسبة ملائمة أثناء إلقاء الكلمة. لا شك أنك لاحظت هنا انه جاء بصورة طبيعية في سياق الحديث.

5- النقطة الأهم:

مهما كانت أهمية الموضوع , أو المتحدث , فان الحضور , على اختلاف أنواعهم , يميلون إلى شرود الذهن أحيانا. لذلك تقع عليك مسؤولية حمل الحضور على الانتباه حين تصل إلى النقطة المهمة حقا في موضوعك. و الواقع أن من الناس من يعتبر نفسه مخدوعا إذا لم تنبهه إلى لحظات الإصغاء اللازمة. وإليك نماذج عن ذلك:

(( آمل أن تتذكروا هذه النقطة. الحقيقة انها الفكرة الرئيسية  التي جئت لأعرضها عليكم )).

(( استنتاج واحد لا غير يمكن الوصول إليه على أساس الإثباتات المتوفرة. ولعلكم توصلتم إلى الاستنتاج ذاته بأنفسكم... )).

أنت ترى أن التلميح يأتي على مرحلتين. لا تخش اعتبارك مكررا للكلام , أو قائلا ما لا لزوم لقوله. أنك لن تكون كذلك. أنت في الواقع تقدم خدمة لطيفة للجمهور حين تنبهه إلى النقطة التي يجب أن يتذكرها ــ حتى ولو انه لم يصغ إلى أي شيء آخر في الحديث.

ولكن... ما هي النقطة ذات الأهمية الأولى في حديثك؟ لعلك تظن أن حديثك يشمل نقاطا كثيرة , وإنها كلها ذات أهمية واحدة. كلا ! ليس الأمر كذلك ! فكر ثانية. مركزية واحدة لا غير. رجال السياسة الناجحون يعرفونها. هي في الحملة الانتخابية مثلا: (( إنني سأعمل من أجلكم... إذا انتخبتموني )).

ناد نسائي مثلا دعاك لإلقاء كلمة موجزة حول السندات معفاة من الضريبة , مأمونة كاستثمار , سهلة البيع إذا كان لا بد من ذلك. أي أن الفكرة الأساسية هي (( اعتبار السندات المالية البلدية استثمارا )). ولكن النقطة المركزية في الموضوع ليست بالضرورة أكثر النقاط أهمية. لنصغ إلى بعض ما جاء في الحديث: ((... غير أن السندات المالية البلدية ليست بالاختيار السليم للجميع. هنا ياتي دور المستشارين الخبراء في الاستثمار , أمثالي. لذلك أرجو حمل النصيحة التالية عند مغادرة هذه القاعة. نصيحة من صديق , قبل توظيف الأموال في أي استثمار , تنبغي استشارة الخبير قبل كل شيء.

واضح أن (( أهم نقطة )) هي النقطة الرئيسية في الحديث. بدونها تذهب التلميحات الأخرى سدى. وسواء كانت الدعوة لإقناع الناخبين بالتصويت لك أو لدعم مشروعك , أو لتوظيف الاستثمارات , أو حتى  لشراء (( حلويات )) من الشام , فأنت هناك لسبب ما. عرف الجميع به. أشر إليه بوضوح.

6-الختام:

لا بد للممثل على مسرح من فصل ختامي. كذلك لا بد للحديث من نهاية حكيمة وقوية. الناس يريدونها , و ينتظرونها. أنهم سيقدرونها حين تقرؤها لهم شرط أن تنبههم إلى ذلك كان تقول: (( إليكم بالخاتمة , أيها المستمعون. استعدوا للتصفيق )). إليك ببعض النماذج: (( أنتم جمهور عظيم. وأود قبل توديعكم أن أعرب عن تقديري بأن... )).

(( منذ سنوات حدث شيء أود أن أشرككم فيه قبل أن نفترق )).

لا حظ أن التلميح يتبعه شيء آخر: التفكير بفترة زمنية , أو بقصة قصيرة. تلك الإشارات قد تكون مجرد ملهاة أو (( ترفية )). أن الجمهور يستحق مثل هذا التكريم.

إن القصة الحقيقية مقدمة عظيمة للخاتمة , شرط أن تكون ملائمة , فهي تجذب أنظار الجمهور  , وتوجهه نحو الخاتمة. أليس هذا هو ما تريده؟

لا شك أن الأثر الذي لا تود أن تتركه وراءك هو الأثر الذي لا تود أن تتركه وراءك هو الأثر السلبي بالنسبة لك أو لحديثك: لا تقل أبداً: (( حسنا. أحسب أنكم تتوقون إلى القيام بأعمال أخرى )). ان مثل هذا القول , حتى ولو كان يعبر عن واقع , يترك في أفواه الجمهور طعما كريهاً. لا تقل (( أرى أن الوقت قد انتهى , لذلك... )). أن الجمهور سيشعر أنه مخدوع , حتى ولو كان الوقت قد انتهى فعلا.

و مهما قال لك الآخرون , فان الفقرة الختامية الجيدة ليست تكرارا للنقاط الرئيسية في حديثك. التكرار يعني أنك لم تقم بمهمتك على خير وجه , وهو إثبات لهذه الحقيقة.

أن تقديم شيء جديد ومختلف لجمهورك يعزز رسالتك العامة ويهيئهم لكلماتك الأخيرة. ينبغي لهذه الكلمات أن تكون كلمات  شكر , للسامعين لأنهم منحوك وقتهم , وللمشرفين على البرنامج , إذا كان ذلك مناسبا , لأنهم وجهوا إليك الدعوة. (( اشكر... لأنه دعاني للمساهمة في هذا البرنامج , وأوجه إليكم شكري الخاص. أنتم لم تكونوا الجمهور العظيم وحسب , ولكنكم جعلتم من وجودي  معكم خبرة سارة لي من خلال جميع الوجوه أيضا )).

أخيرا لابد من قطعة (( حلوى )) لك. بعد أن تنجز كتابة خطابك , خذ لنفسك بضع دقائق وأكتب فيها التعريف بك ــ كلمة فكلمة. دعك من ذكر  اسم مدرستك , وبلدتك. ركز على القضايا المهمة: مؤهلاتك للحديث , والدافع للإصغاء إليك. ثم لا تذكر أسمك إلا في نهاية التعريف تماما. هنا يقول قارئ التعريف: أقدم إليكم...  مما يثير عاصفة التصفيق.

ذلك هو أفضل تقديم لك... وترحيب بك.

.........................

المصادر:

• مرشد الخطابة  , تأليف: ايد ولموث. 

• خطاب لا خوف, تاليف: دوغ ستانيرت.

• فن التخاطب مع الجمهور, تأليف: ستيفين لوكاس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3 آذار/2008 - 24/صفر/1429