دلالات الهجوم التركي على مستقبل الفدرالية في العراق

 خالد عليوي العرداوي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

  ان عبور القوات التركية للحدود الدولية العراقية لمطاردة متمردي حزب العمال الكردستاني التركي، هو بلا شك عمل من اعمال العدوان على دولة مجاورة لايبرره القانون الدولي، وفي ذات الوقت يستفز هذا العمل كل عراقي وطني يهمه رؤية العراق قويا ومحافظا على سيادته، ولايتجرأ احد على مهاجمته قولا وفعلا، ولكن لانريد في هذا المقال القصير الخوض في قواعد القانون الدولي ومتطلبات السيادة العراقية، وانما نريد ان نعكس دلالات وابعاد العمل العسكري التركي على مستقبل الفدرالية العراقية؟ وكيف ينظر الفدراليون العراقيون لمستقبل العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومات الاقاليم؟.

 ينطوي العمل التركي على فوائد لصانع القرار العراقي يجب التمعن فيها واستخلاص الدروس والعبر منها، اذ لايمكن ان نتصور مستقبلا ورديا للعراق تنعدم فيه المشاكل سواء بين مكونات الشعب العراقي، او بين العراق ودول جواره، وقد تصل مثل هذه المشاكل الى مستوى العمل العسكري، فكيف تتصرف الحكومة المركزية تجاه مثل هذا التحدي؟، لقد شهدنا خلال الايام الاولى من دخول القوات التركية الى الاراضي العراقية امتعاضا وتهما موجهة من حكومة الاقليم الشمالي الى حكومة بغداد تتهمها فيه بالتقاعس والتقصير في مواجهة الاعتداء التركي، وهذا حقهم حيث ان الدول الفدرالية غالبا ماتكون مسؤولية الدفاع والقضايا الخارجية من اختصاص حكومة المركز، وفي كل الدول الفدرالية لايمكن توقع قيام قوات اقليم ما بحمايته من اعتداء خارجي، لان هذه القوات ماهي الا قوات حرس وطني وامن داخلي مهمتها ضبط الامور العادية في الاقليم والاجتياح الخارجي بكل المقاييس لايمكن عده امرا عاديا في حياة الدول، بل هو امر شديد الخطورة توضع فيه مقاييس الوطنية والسيادة والثقل الدولي على المحك، لذا يجب على الحكومة المركزية التحرك لرد الاعتداء بأستخدام كل الطرق المتبعة في النزاعات الدولية ابتداءا من الطرق السلمية وانتهاءا بالطرق المقترنة بأستخدام القوة العسكرية،والوصول الى هذا المستوى سيعني دخول القوات الفدرالية الى ارض الاقليم الذي تعرض الى العدوان والمرابطة فيها واحيانا اقامة قواعد ثابتة في الاقليم المجاور لدولة طامعة وراغبة في التوسع والسيطرة وتقديم كل التسهيلات الممكنة لهذه القوات لانجاز مهماتها، بل وفي بعض الاحيان على الحكومة الاتحادية قطع السبيل على دول الجوار من خلال عدم اعطائها اي مبرر للقيام بعمل عسكري على اراضيها من خلال عدم ايواء اي جماعة متطرفة او مزعزعة للنظام السياسي في احدى دول الجوار - كما هو حال وجود قوات حزب العمال الكردستاني على الارض العراقية - فهل بأمكان الحكومة الاتحادية العراقية اداء دورها المنوط بها والمعمول به في كل الدول الفدرالية عند التعامل مع قضايا الدفاع والقضايا التي تهدد الامن الوطني العراقي؟

 اذا اخذنا اقليم كردستان كنموذج للاقاليم الفدرالية العراقية المستقبلية، نجد انه قد قام بأيواء جماعة كردية تهدد دولة مجاورة ومصنفة دوليا على انها منظمة ارهابية، والواقع يشير الى ان الحكومة الاتحادية كانت – ولازالت - رافضة لوجود هذه الجماعة وراغبة منذ فترة ليست بالقصيرة في خروجها من العراق ومنع تدهور العلاقة مع تركيا بشكل يهدد سيادة العراق، لكن رغبة الحكومة وتمنياتها اصدمت وتقاطعت مع تعاطف ومؤازرة حكومة اقليم كردستان لهذه الجماعة المتطرفة، فلم تستطع حكومة المركز حماية سيادة العراق وتنفيذ سياستها في التعامل مع المشكلة، وهذا الامر مؤشر خطير على الفدرالية العراقية مستقبلا، بل ويمنح دعاة الوطنية من العراقيين كامل الحق في رفض الفدرالية التي تسمح لرغبة اقليم معين سواء في الشمال او الوسط او الجنوب بتهديد امن واستقرار وسيادة العراق.

 ولا تتوقف دلالات العمل العسكري التركي عند هذا الحد، وانما تتضح ابعاده الخطيرة بعد حصوله، فكما هو معروف لم يسمح الاقليم الشمالي بوجود وحدات للجيش الاتحادي على اراضيه، واقصد بالجيش الاتحادي ذلك الجيش الذي يكون انتمائه للوطن فقط ومن كل ابناء الوطن من الجنوب والوسط والشمال، وهذ الامر جعل حدود سيادة وسلطة الحكومة الاتحادية تتوقف عند حدود الاقليم الشمالي بصرف النظر عن الشعارات الاعلامية التي يراد منها امتصاص الرأي العام، كما ان وزارة الدفاع العراقية ليست حرة تماما في تحريك قطعاتها للدفاع عن حدود العراق الشمالية، وهذا الواقع ينذر بحكومة اتحادية مشلولة غير حرة في تحريك قواتها بالسرعة والطريقة التي تراها ملائمة لحماية اراضيها، مما يجعل العلاقة بينها وبين وحداتها الاقليمية في قضايا الامن والدفاع اشبه بعلاقة كونفدرالية منها بعلاقة فدرالية – والفرق بين العلاقتين واضح للمختصين -، مما يعطي اعداء الفدرالية العراقية الحجة في رفضها، طالما ان حججهم تنطلق من اعتبارات السيادة والوحدة وعدم التقسيم.

 فأذا كان التعامل مع اقليم واحد خلق مثل هكذا وضع حرج للحكومة الاتحادية فما بالك لو كانت هناك ثلاث او اربع..او عشرين اقليم في المستقبل؟

 ان السير في طريق الفدرلة لن يكون معبدا وملئ بالورود، بل سيكون طريقا صعبا ومحفوف بالمخاطر، وستخضع اطرافه لامتحانات كثيرة – على شاكلة الاجتياح التركي وربما اخطر – فيجب ان تكون اسس بناء الدولة صحيحة والا فالفشل مصير يجب مواجهته وتحمل قسوته،ويمكن مواجهة هذه التحديات والانتصار فيها مع المحافظة على النهج الفدرالي من خلال الاتي:

- اقامة علاقة صحيحة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم مبنية على احترام صريح لسلطات ومسؤوليات كل طرف، وجعل المصلحة الوطنية العليا فوق المصالح الفرعية الضيقة.

- ادراك كل حكومة اقليمية ان الامن والدفاع ومتطلبات السيادة هي مسؤولية الحكومة المركزية، فيجب احترام هذا الامر وعدم اتخاذ اي سياسة تهدد السيادة الوطنية، واذا ما تجرأ اقليم ما على مثل هذا الامر، فعليه توقع اجراءات رادعة من الحكومة الاتحادية – وفقا للنصوص الدستورية - وهذ الامر لاخلاف عليه في كل الدول الفدرالية.

- يجب ادراك ان الدول تمر في تاريخها بفترات حرجة تصل الى اعلان حالة الطوارئ وامساك زمام الامور من قبل الحكومة المركزية مؤقتا لتجاوزها، ولايمكن للحكومات الاقليمية الاحتجاج بسلطاتها بالشكل الذي يهدد امن الدولة وسلامتها.

- اقامة جسور من الثقة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم ونزع حالة الشك والريبة التي نراها مثلا بين حكومة المركز وحكومة الاقليم الشمالي يعد من الامور التي يجب ان يبادر بتأكيدها الفدراليون العراقيون ولايكتفون برفع شعار الفدرالية بشكله الحالي المنقوص.

- ان الفدرالية لاتعني الاستقلال وان حملت عناصر ارضاء متطلبات التنوع الاجتماعي وطموح مكوناته في التعبير عن ذاتها.

 عند ادراك هذه الاشياء بشكل عميق، لا ضير من السير في ركب الفدرالية والاستبشار خيرا بنتائجه، اما اذا لم تدرك ورفضت واريد بالفدرالية اخفاء نوايا اخرى، فالافضل التصريح بهذه النوايا منذ الان، اذ ان العراق لايحتمل سياسات مدمرة جديدة، فاذا اراد اي مكون الانفصال والاستقلال لانه لايحتمل الخضوع للقواعد الفدرالية، فله ذلك، وعليه تحمل عواقب قراره، اما ان يتحمل بقية اجزاء العراق عبء سياساته غير المدروسة فهو امر مرفوض، ويجب على صانع القرار العراقي ان يكون حازما في هذا الامر اذا كان همه مصلحة العراق واهله.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

http://fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3 آذار/2008 - 24/صفر/1429