
في الإسكندرية يتحدثون عن المرأة
المبدعة ودور نازك الملائكة
شبكة النبأ: نظم مركز سوزان مبارك
الإقليمي لصحة وتنمية المرأة بالإسكندرية ، ندوة عن دور الإعلام في
تنمية المرأة، تحدث فيها الشاعر والإعلامي الكبير فاروق شوشة عن المرأة
المبدعة، وضرب مثالا بالشاعرة الراحلة نازك الملائكة التي ربطتها بمصر
علاقة وثيقة منذ طفولتها وحتى رحيلها، وكان مثواها الأخير في تراب مصر.
ويبدأ فاروق شوشة حديثه بسؤال عن السبب في تأخر إبداع المرأة عبر
التاريخ، ولماذا كان السبق للرجل في كل ما يتصل بمجالات الإبداع الأدبي
والفني؟
يقول فاروق شوشة إذا تأملنا عناصر الصورة سنجد أن الرجل قوي، يصوغ
قوانين الحياة من وجهة نظره هو لخدمة مصالحه هو، ولذلك فإن تاريخ
القانون عبر التاريخ يقول إن القوانين كانت تصنع دائما لتدعيم حكم
الرجل، من هنا تأخر تعليم المرأة مقارنة بتعليم الرجل، فالمدارس الأولى
كانت للبنين، وعندما كانت تفتح مدرسة للبنات يكون الفرح وتكتب القصائد
الشعرية وينشد حافظ إبراهيم بهذه المناسبة.
ويوضح شوشة أن مصر لم تكن وحدها في ذلك الأمر، ولكن هذا ما كان
سائدا في العالم كله.
الإبداع رهن بالحرية
ويضيف أن الإبداع رهن بالحرية، والإبداع الحقيقي يأتي من خلال
الحرية الحقيقية، ولم تعد الحرية تعطى بل تمارس، وهنا نسأل متى قُدِّر
للمرأة أن تأخذ قسطا من حريتها، فلكي تبدع المرأة، أي لكي تعبر عن
رأيها سواء كانت شاعرة أو روائية أو موسيقية .. الخ، لابد من الحرية،
وعندما تكتب أو ترسم أو تغني فإن هذا يعطينا جوهرا إنسانيا، ولكن إذا
كانت التقاليد تجبرها ألا تتعلم أو تتكلم فكيف ستعبر وتبدع؟
ويضرب فاروق شوشة مثلا بقيس وليلي، فقيس أٌتيح له أن يملأ الدنيا
شعرا في حب ليلى، والغريب أن ليلى كانت شاعرة، ولكن أين شعرها؟ وباحت
لمن؟ ومن حفظ شعرها من الرواة؟ ومن اهتم بتسجيله، وهي في ذلك تقول:
باح مجنون عامر بهواه ** وكتمت الهوى فمت بوجدي
وتقول "لم يكن المجنون في حالة إلا وكنت كما كان، لكنه باح بسر
الهوى، أما أنا فمت كتمانا."
ويتساءل شوشة: المرأة المقهورة المحبوسة سجينة العادات والتقاليد
وتحكم الأسرة كيف يمكن أن تكون مبدعة؟ ويوضح أنها إذا أبدعت فهو إبداع
حبيس، وليس الإبداع الطليق الحر الذي لا حدود له ولا آفاق.
ويقول إن أحمد شوقي عندما عرف أن ليلى لها شعر، وضع على لسانها (في
مسرحيته الشعرية "مجنون ليلى") ما يعبر عن فقدان هذا الشعر، وجاء ذلك
عندما أراد قيس أن تترك ليلى بيت الزوجية وتلحق به، فقالت: لو فعلت هذا
لقتلت أبي خجلا ولسار فوق الناس والخزي فوق رأسه.
وقالت:
كلانا قيس مذبوح قتيل الأبِ والأمِّ
صريعان بسكين من العاداتِ والوهمِ
لقد تزوجت مما لم يكن ذوقي ولا طعمي
ويؤكد فاروق شوشة أن المرأة السجينة لا تبدع، وتبدع كلما أتاح لها
المجتمع والحياة الحرية، وعندما بدأنا تقول حقوق المرأة، والمرأة نصف
الوطن وأم الأبناء، والتفتنا حولنا فوجدنا انفجارا في القصة والرواية
والشعر الذي تكتبه المرأة المبدعة.
ويشير شوشة إلى أنه عندما كانت التقاليد تخنق المجتمع كانت هناك
عائشة التيمورية فقط، وحولها غابة من الشعراء الرجال، ثم جاء جيل بعدها
فوجدنا ملك حفني ناصف، ثم جاء عصر تال أصبحت المرأة متحررة بعض الشيء،
فوجدنا بنت الشاطئ التي لم تكتب باسمها الحقيقي، فكانت مواجهة للمجتمع،
ولا تستطيع أن تكتب باسمها الحقيقي عائشة عبدالرحمن.
ويوضح شوشة (أمين عام مجمع اللغة العربية) أن مجمع اللغة العربية
الذي أنشئ في القاهرة عام 1932 يصر حتى الآن ألا تدخل في تشكيل عضويته
امرأة، وفي العام الماضي احتفل بمرور 75 عاما على تأسيسه، ولم نجد في
عضويته امرأة واحدة، ولكن هناك خبيرات في بعض اللجان فقط.
معنى هذا، عند فاروق شوشة، أن عقلية الرجل كانت ولا تزال يؤثر فيها
تاريخ طويل، ولكننا الآن نسمع عن مخرجات في السينما، بعد أن كانت
الأجيال الأولى لهذا الفن غابة من الرجال، فالسينما كما هو معروف بدأت
بالرجال.
ويعود شوشة للتساؤل: هل معنى ذلك أن المرأة بتكوينها ينقصها جينات
الإبداع؟
ويجيب: أبدا، فكل ما هنالك أن المرأة في بعض المجتمعات المتخلفة
تسأل نفسها إذا كتبت: ماذا سيقولون عن هذه القصيدة أو الرواية التي
تكتبها ومن بطلها؟
ويوضح أننا نستقبل عمل المرأة دائما استقبالا غير أدبي، لأننا نريد
شيئا آخر غير الأدب، وهذا الأمر من ميراث المجتمعات غير المتحضرة
عموما.
ويضرب مثالا برواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، وما كتبته كوليت
خوري في رواية "أيام معه"، وقال البعض إن بطل هذه الرواية هو "نزار
قباني"، وقالوا تعالوا نقرأ الرواية ونرى.
ويضيف لقد أصبح القراء محققين ووكلاء نيابة بدلا من استقبال العمل
الأدبي كأبداع أدبي.
المرأة وأجهزة الإعلام
أما عن أجهزة الإعلام المصرية، (ويشير إلى أن الإذاعة المصرية
الحكومية بدأت بثها عام 1934 والتلفزيون عام 1960)، فكانت تخاطب الناس
من خلال الصوت النسائي، وهو أكثر ملاءمة للمستمع، ففي البداية كان
الاختيار للنساء، فهن أقرب على الإلف مع الأذن، وكان الرجل المذيع يقرأ
نشرة الأخبار مثلا، أما البرامج الليلية أو الصباحية مثل برامج المرأة
والطفل وغيرها فكانت تصلح للمرأة.
ويوضح فاروق شوشة أن المرأة تضع اللبنات الأولى للتنمية في المجتمع،
عندما تربي وتنشيء الرجل، وفي الإعلام أو الإذاعة كانت هي المخطط
والمنتج والمحاور وهي التي تختار المادة الإذاعية، ثم بدأت الإذاعة
تفكر في أركان للشباب والجنود وغيرها فبدأت رسالة الإذاعة في التطعيم
بالرجال والآن تأخذ شكلا أرحب.
وتحدث شوشة عن إن الإذاعة اتخذت خطوة أوسع من إطار الشبكة المحلية،
حيث تحولت إلى إذاعات إقليمية، وهذا التوجه كان وراءه أن انتقل
الاهتمام إلى المحافظات ويصبح للتنمية دورها من خلال هذا العمل
الإعلامي في المحافظات المصرية المختلفة.
ثم يضيف أن التلفزيون صنع ذلك أيضا من خلال تقديم عدد من القنوات
المحلية، ولكنه ينتقد تلك القنوات في أنها تقلد القنوات الرئيسية
بالقاهرة، وتصنع برامج على غرار برامج القنوات الرئيسية، دون أن تقدم
شيئا يذكر، ويستثني من ذلك القناة الثامنة التي تقتحم حياة الناس
الحقيقية في جنوب الوادي وأسوان، فتقدم فن الإقليم ومطرب الإقليم
ومشكلة الإقليم، حتى أن مذيعيها ومقدمي برامجها يلبسون الجلابية التي
يلبسها أبناء جنوب الوادي، وليس البدلة والكرافت.
نازك الملائكة في ضيافة محمود حسن
إسماعيل
بعد هذا الحديث الإعلامي وهذه الإشارات والقضايا العاجلة عن دور
الإعلام في تنمية المرأة، ينتقل الشاعر فاروق شوشة للحديث عن نازك
الملائكة، فيقول إن نازك من الجيل الذي أدرك التعليم في مطالع وجود
التعليم في العراق، وأنها من مواليد 1923 واستمرت في التعليم ودخلت
مدرسة المعلمين العليا التي دخلها بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي
وغيرهم.
وأوضح أن "الملائكة" ليس اسم عائلتها، ولكن الناس والجيران أطلقوا
على بيت تلك العائلة اسم "الملائكة" لهدوئه وسلامه وأمنه وعلاقاته
الهادئة مع الجيران التي يحكمها جو غير مألوف في بغداد، فقالت الناس
هذا بيت الملائكة، فحملت نازك ذلك الاسم وكذلك أمها التي كانت شاعرة
وعمها أستاذ اللغة العربية والعروض، فضلا عن الموسيقى التي كان يعزفها
أفراد البيت.
وأوضح شوشة أن نازك كان تعد نفسها لأن تصبح عازفة عود، ومن المعروف
أن العراقيين يجيدون العزف على العود وضرب مثلا بأصغرهم سنا الآن "نصير
شمة".
إذن كانت نازك تعزف الموسيقى وتحبها، وكانت تستمع إليها من خلال
الراديو على محطة إذاعة القاهرة، وتصادف أن الإذاعة المصرية بدأت بثها
ونازك في سن المراهقة، ففتنت بأغنيات عبدالوهاب وأم كلثوم واكتشفت
العالم من خلال إذاعة القاهرة حيث كان الإرسال يصل بسهولة، فكان الفضاء
خاليا، غير ما هو عليه الآن حيث الفضاء الآن مزدحم بالإشارات الإذاعية.
ويرى فاروق شوشة أن الحل في قمر إذاعي شبيه بالقمر التلفزيوني يستقبل
الناس منه البث الإذاعي في أي منطقة بالعالم.
وعودة إلى نازك الملائكة فيقول فاروق شوشة إن نازك كانت تغني أغنيات
أم كلثوم وعبدالوهاب وتطرب لها وتدرس الموسيقى، وهذا تفسير اهتمامها
بموسيقى الشعر أو العروض، وهذا هو سر إتقانها للشعر الجديد بوعيها
للتراث الشعري والعروضي.
ويضيف أنه من إذاعة القاهرة سمعت نازك عن وباء الكوليرا عام 1948
ففزعت من أرقام الموتى بهذا الداء، وإذا بها تخرج بانفعالها على الشكل
العروضي التقليدي وتبدع قصيدة "الكوليرا".
ويوضح فاروق شوشة أن نازك تجئ في شبابها إلى مصر وتكتب عنها على
الرغم من ذهابها إلى إنجلترا للدراسة، ويتيح لها في مصر أن تُلقي
محاضرات في معهد الدراسات العربية فألقت محاضراتها عن الشاعر علي محمود
طه وجمعت هذه المحاضرات في كتاب كبير، وكم هو جميل أن تكتب شاعرة عن
شاعر تحبه.
ويضيف شوشة أن نازك عملت أستاذا في جامعة الكويت، وكان زوجها د.
عبدالهادي محبوبة معها، وعندما تركت الجامعة جاءت إلى مصر وعاشت فترة
طويلة من الزمان، وكان يُطلب منها في شيخوختها ومرضها أن تعود إلى
العراق، فتقول وطني هو مصر وأهلي هم أبناء مصر، وكتبت أكثر من قصيدة،
منها "شمس القاهرة".
وحكى فاروق شوشة أن نازك الملائكة في إحدى زيارتها للقاهرة عام 1962
جاءت إلى الإذاعة لتزور الشاعر محمود حسن إسماعيل، وكان المستشار
الثقافي للإذاعة وقتها، وكانت صغيرة الجسم فوقفت ببابه خجلى ولم تدخل
وهو يتأملها، واستمر الصمت بينهما أكثر من خمس دقائق، وكأنها دهر.
ويقول محمود حسن إسماعيل لفاروق شوشة: في النهاية أحسست أن الواقفة
ليست امرأة عادية، تكوين ضئيل ينتمي إلى بقايا امرأة، ولكن في عيونها
من الحياء والخفر والبريق الغريب. وانتهى الصمت بقوله: تفضلي يا شاعرة.
ويوضح إسماعيل لشوشة أن هذا التصرف من الخلق لابد أن يكون شاعر
وراءه، فدخلت وجلست وقالت له: أحمل إليكَ تحية من شعب العراق.
سألها: وما علاقتك بالعراق.
فقالت: أنا تلميذتك في الشعر نازك الملائكة.
وجلست تسمعه ما تحفظه من شعر.
ويقول محمود حسن إسماعيل لفاروق شوشة: الطريف أنني كتبت عنها مقطوعة
شعرية.
ويوضح شوشة أن محمود حسن إسماعيل آثر ألا ينشر تلك المقطوعة أبدا.
ويرى فاروق شوشة أن عالم نازك الملائكة فيه اكتئاب كبير، ربما كان
تكوينها الأنثوي هو السبب الأول في ذلك، فليس لديها ما تزاحم به
النساء، وأنها تزوجت في سن متأخرة.
ويوضح أن زملاءها في الشعر مثل السياب والبياتي، ركبوا موجة السياسة
وصاروا أكثر شهرة منها، كما لم يتح لها أن تتصعلك كالشعراء لا في بغداد
ولا في أي مجتمع عربي، ولم تعش مثل جيلها من الشعراء الرجال الذين
تصعلكوا، فظل عالمها الشعري هو عالم نفسها المنطوي المحدود، ويقرأ
مثالا على ذلك قصيدتها "عاشقة الليل" التي جعلت عنوانها عنوان ديوانها
الأول.
ثم يتحدث فاروق شوشة بعد ذلك عن ترجمات نازك الأدبية التي لم تجمع
في كتاب حتى الآن، وعن اتجاهها لكتابة القصة الشعرية، ثم القصة القصيرة
قبل وفاتها بأعوام.
صورة الآخر في الرواية العربية
بمحاضرة في أبوظبي
استضافت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث الروائي والناقد السوري نبيل
سليمان الذي ألقى محاضرة بعنوان "صورة الآخر في الرواية العربية"،
حضرها عدد من الأدباء والمثقفين والإعلاميين.
أشار المحاضر في البداية إلى تعدد مفهوم الآخر، وتنوع دلالاته،
فمنها الفلسفية، ومنها الفكرية، والأدبية وغيرها، واعتمد منهج المحاضرة
على أن الآخر كل ما هو غير عربي، كما أكد أن سؤال (الآخر) بدأ يتشكل
وهو يترجّع في الريادة الروائية العربية، وتذهب الإشارة هنا إلى رواية
فرنسيس المراش "درّ الصَّدف في غرائب الصُّدف" والتي تيمّم شرقاً، حيث
تشتبك في بومباي حيوات عدد من الشخصيات الروائية العربية والهندية، في
العمل (التجارة والصيدلة) وفي العلاقات الإنسانية (الحب والصداقة
والزواج).
وما كادت الرواية العربية تغادر تلك البدايات حتى تعلق سؤال الآخر
فيها بلندن وباريس، وسوف تمضي عقود قبل أن يتعدد هذا الآخر أوروبياً
وعالمياً، وحيث بات يعني عدداً أكبر أو أصغر من عناصر التفاعل والصراع
على مستويات اللغة والدين والأخلاق والاحتلال والثروة والفكر والجنس
و... والهوية، ولعله يكفي أن يشار هنا إلى رواية سهيل إدريس "الحي
اللاتيني"، والتي ييمم بطلها إلى باريس للدراسة، فيقع نهب مغامراته
النسائية، فباريس بحسبانه هي "عاصمة المرأة" وهي "عاصمة حمراء"، كما هي
"صحراء آلم من صحراء شرقك"، وقد ورث صاحبنا من صديقه من سرقت نقوده،
كما كانت له علاقة مع طالبة اللذة مارغريت، ومع جانين مونترو التي حملت
منه فتخلى عنها، لتجهض وتتحول إلى فتاة رصيف، بينما تسحر نظرية سارتر
ذلك الطالب/المثقف في المسؤولية والحرية.
انتقل المحاضر إلى تنوع وتعدد صورة الآخر كما وردت في عدد من
الروايات العربية، ومن هذه الصور:
1 ـ صورة الآخر في موطن الذات:
أوضح سليمان بأنه لعقود طويلة رجح أن يكون موطن الآخر (لندن وباريس
خاصة) مقصد رحلة البطل الرواية، لكن اتجاه الرحلة ينعكس أيضاً، ليكون
موطن (الأنا ـ النحن ـ الذات) هو مقصد رحلة الآخر، وهنلك العديد من
النماذج لهذه الصورة المركبة.
2 ـ صورة الآخر في رواية الكاتبة العربية:
أشار سليمان إلى أنه منذ سبعينيات القرن الماضي أخذ الحضور الروائي
للكاتبة العربية يتواتر ويتميز، فما الذي نال صورة الآخر من ذلك؟
وقد استعرض المحاضر عدد من النماذج الروائية لكاتبات عربيات للإجابة
على هذا السؤال من مثل رواية حميدة نعنع "الوطن في العينين"، التي
راهنت على لعبة الرسائل والمذكرات، وبينما وثقت الرواية كل ما يتصل
بالآخر الفرنسي، ومع روايتي سميرة المانع "السابقون واللاحقون"
و"الثنائية واللندنية" يسود زمن الآخر الذي هو لندن أساساً، ولماماً:
النمسا وألمانيا الغربية، وإلى لندن تمضي أيضاً "نور" بطلة رواية "فلاش
أحمر" لرانيا مأمون، حيث ستنجز أطروحة الدكتوراه في علوم الحاسوب،
وتبدو صورة الآخر فيها تترجّح بين الآخر اللندني والآخر في الذات
السودانية (الجنوب السوداني) حيث تفعل فعلها التشظية الإثنية والدينية
واللغوية والقومية، أما غادة السمان فتجعل من سويسرا فضاء لروايتها
"ليلة المليار" حيث تلجأ شخصيات الرواية فراراً من الحرب الأهلية
اللبنانية.
تعدد صورة الآخر
جلت الفقرة السابقة الخروج من أسر الصورة الروائية للآخر الذي كان
غالباً فرنسياً أو انكليزياً، فبات أيضاً سويسرياً أو أميركياً، وهذا
ما سوف يتعزز ويزداد تنوعاً فيما رسمت روايات الكتّاب من صورة الآخر،
منها صورة الألماني كما في رواية "نهم ـ 1937" لشكيب الجابري ورواية ذو
النون أيوب "وعلى الدنيا السلام ـ 1972" تجمع فيينا بين الآخر الألماني
الصحفي مارك وبين العراقي السياسي الهارب حميد.
كما حضر الآخر الإيطالي في بعض الروايات مثل المغامرة الفنية لرواية
عمارة لخوص "كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك" من أكبر وأبهى المغامرات
الفنية للرواية العربية المتعلقة بالآخر بعامة، وليس بالآخر الإيطالي
وحده، والتي تشتبك في صورته عناصر جمة، والآخر السويسري فعلى إيقاع
حربي الخليج الأولى والثانية يأتي اللقاء بالآخر السويسري في موطنه،
وذلك في روايتي سليم مطر "امرأة القارورة" و"التوأم المفقود"، وبلعبٍ
مضاهٍ للمخيلة تأتي صورة الآخر السويسري في رواية غازي القصيبي
"العصفورية".
الآخر/الغرب الاشتراكي سابقاً
لم يتحددّ تعدد الآخر الأوروبي روائياً بحدود الغرب الرأسمالي أو
الاستعماري أو المحايد، بل بلغ التعدد ذلك الغرب الاشتراكي الذي دالت
دولته بسقوط الاتحاد السوفياتي وكواكبه الأوربية، وتتصدر الصور المميزة
لهذا التعدد رواية أسعد محمد علي "الضفة الثالثة" والتي انبنت بناءً
موسيقياً ندر مثيله في الرواية العربية وتصور الآخر الهنغاري، وإلى
هنغاريا يمضي أيضاً كرم بطل رواية "الربيع والخريف" لحنا مينه، قد بلغ
فضاء هذه الرواية النمسا من جهة والصين من جهة أخرى.
أميركا
يرسم حليم بركات في روايته "طائر الحوم" صورة المنفى/المهجر
الأميركي في ذكريات دراسته في جامعة ميشيغن، وفي عيشه وزوجته في آن
آربو زمن الحرب الفيتنامية، وكذلك في رحلاته إلى بوسطن ونيويورك
وسواهما، ولن تكون صورة الآخر أفضل في رواية صنع الله ابراهيم
"أمريكانلي" وذلك عبر ما تقدمه من سيرة الدكتور شكري خلال شهور يقضيها
في المركز الجامعي الذي أسسه أمير عربي في سان فرانسيسكو.
في الختام أكد المحاضر على الرغم من أن الإحاطة ليست هدفاً لي، فقد
يكون من الأهمية بمكان أن يشار أيضاً إلى ماورد من صور أخرى للآخر في
الرواية العربية مثل الآخر البرتغالي، واليوناني، والتركماني، كما أشار
إلى أعماله الروائية التي تعدد فيها الآخر، ومنوّهاً إلى أهمية دراسة
هذا الموضوع بأبعاده المتعددة فقد أفضت دراسة صورة الآخر في أدب ما إلى
ما عُرِفَ بـ "الصورلوجيا الأدبية"، تأسيساً على ما يعنيه هذا العلم
الجديد (Imagolgie) كمبحث في الأدب المقارن، والذي يدرس الصور الثقافية
التي يكونها ويحملها شعب عن آخر، كما يُعنى بصورة الذات، وفي اشتغال
الرواية العربية ما يثري ذلك، مما اطّرد بنهوضها، فكان إنجاز كبير ووعد
قد يكون أكبر في المستقبل.
روائيون ونقاد يلتقون في القاهرة من
أجل الرواية العربية
افتتح الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري أعمال ملتقى القاهرة
الرابع للإبداع الروائي العربي بالمسرح الصغير بدار الأوبرا.
وصرح علي أبو شادي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بأن الملتقى
يعد واحدا من أهم الملتقيات العلمية المتخصصة في مجال الرواية العربية،
وتعقد دوراته بالتبادل مع ملتقى الإبداع الشعري العربي.
وكانت الدورة الأولى من ملتقى الرواية قد عقدت عام 1998 وخصصت
لمناقشة موضوع "خصوصية الرواية العربية"، وأهديت إلى نجيب محفوظ
بمناسبة مرور عشر سنوات على حصوله على جائزة نوبل في الأدب.
وعقدت الدورة الثانية عام 2003 متأخرة عن موعدها الطبيعي بسبب
الظروف السياسية التي مرت بها المنطقة، وأهديت لاسم إدوارد سعيد، حيث
عقدت عقب وفاته بفترة وجيزة، وكان موضوعها "الرواية والمدينة".
وكان موضوع الدورة الثالثة "الرواية والتاريخ"، وعقدت فى
فبراير/شباط 2005 وأهديت إلى اسم الراحل عبد الرحمن منيف.
وتمنح جائزة القاهرة للإبداع الروائى العربى فى نهاية فعاليات
الملتقى وقيمتها مائة ألف جنيه مصري (18 ألف دولار أميركي)، وقد فاز
بالجائزة في الدورة الثالثة (2005) الروائي الطيب صالح وسوف تعلن جائزة
ملتقى القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي خلال ختام فعاليات
الملتقى الأربعاء الموافق 20 فبراير/شباط 2008، بالمسرح الصغير بدار
الأوبرا حيث يسلم الفنان فاروق حسنى الجائزة للفائز.
وقد اختارت اللجنة العلمية المنظمة للملتقى موضوعا للملتقى الرابع
بعنوان "الرواية العربية الآن"، ويهدف الملتقى إلى رصد الحالة الآنية
للرواية العربية ومن أجل هذا الهدف يصدر خلال الملتقى كتاب مرجعي
بعنوان "المشهد الروائي العربي" يعكف على إعداده نخبة من الباحثين
العرب، حيث تم اختيار باحث من كل بلد ليقوم بإعداد ورقة بحثية تتناول
المشهد الروائي في بلده لتضم تلك الأبحاث وتصدر في الكتاب المشار إليه.
واقترحت اللجنة المنظمة مجموعة من المحاور لمناقشتها خلال فعاليات
الملتقى وهي:
• خصائص الرواية الجديدة.
• الرواية العربية وتداخل الأجناس.
• الرواية والتقنيات السينمائية.
• أشكال إعادة توظيف التراث.
• الرواية الرقمية .
• شعرية الرواية الحديثة.
• الرواية والعالم الهامشي.
• اتجاهات نقد الرواية العربية المعاصرة.
• رواية السيرة الذاتية.
• أسئلة الكتابة في الرواية الجديدة.
• السخرية في الرواية الجديدة.
• الآخر فى الرواية الجديدة.
• المكان في الرواية الجديدة.
• رواية الأقليات فى العالم العربى.
• تحولات اللغة الروائية.
• المركزية والتشظي في رواية الكتاب الجدد.
• العجائبي والمرجعي في الرواية العربية الآن.
• التلقي البصري والتلقي السمعي للرواية العربية الجديدة.
• شهرزاد الجديدة: صياغات "الراوية" في روايات الكاتبة العربية
الحديثة.
وبالإضافة إلى هذه المحاور ومن أجل الدراسة المتعمقة وطرح الرؤى
المختلفة حول حالة الرواية العربية سوف يتضمن الملتقي تنظيم خمس موائد
مستديرة تتناول كل واحدة منها قضية من القضايا الإشكالية حول موضوع
الملتقى والموائد هي:
• أسئلة الكتابة في الرواية الجديدة.
• تحولات اللغة الروائية.
• شهرزاد الجديدة: صياغات "الراوية" فى روايات الكاتبة العربية
الحديثة.
• نقد الرواية الجديدة.
• الرواية والتقنيات السينمائية.
من ناحية أخرى صدر عن المجلس الأعلى للثقافة فى سلسلة "أبحاث
المؤتمرات" أعمال ملتقى القاهرة الثاني للإبداع الروائي العربي الذي
عقد عام 2003 تحت عنوان "الرواية والمدينة"، في ثلاثة مجلدات، تحمل رقم
(17) فى سلسلة أبحاث المؤتمرات.
ندوة المشروع الثقافي تطالب بحماية اللغة العربية وغرسها في النشء
أكد المشاركون في فعاليات ندوة «المشروع الثقافي العربي الواقع
والآفاق» التي نظمتها دائرة الثقافة والإعلام في عجمان تحت رعاية سمو
الشيخ عمار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان رئيس المجلس التنفيذي وبحضور
الشيخ عبد العزيز بن حميد النعيمي رئيس دائرة الثقافة والإعلام على
أهمية وجود مشروع ثقافي عربي واضح المعالم يستطيع أن يعبر عن هوية
الأمة العربية ويقف في وجه التحديات التي تواجه الأمة.
وطالب المشاركون بأهمية وجود مشروع ثقافي يعبر عن طموحات الأمة
قرين بوجود حامل لهذا المشروع وهو اللغة العربية. وأكدوا على أن اللغة
العربية تحتاج للمزيد من الاهتمام والرعاية خاصة بالنسبة للنشء مع
إدراك أن التحول إلى اللغة الإنجليزية ليس هدفاً بل أداة ووحدة الطرح
الثقافي والبعد عن ثقافة الصدام. فاختلاف المرجعية يؤدي لتشتت الأفكار
وتضارب المشاريع بينما يساعد الحوار وقبول الرأي الآخر على التنمية
الثقافية.
وأجمع المشاركون على ضرورة الاهتمام بالمناهج المدرسية وإيجاد قواسم
مشتركة في مناهج المدارس العربية والبحث عن سبيل لدمج الثقافة العربية
مع التعليم وترغيب النشء في التعاطي مع هذه الثقافة حتى لا ينتج عن
التعليم مثقفون تقليديون. مع أهمية وجود أرضية حقيقية ينطلق منها
المشروع الثقافي العربي لتكون قاعدة ومرجعية له . والأخذ بالحداثة
بصورة لا تتعارض مع الأصالة .
وضرورة الأخذ بدور المثقف ومساعدته على ممارسة هذا الدور بعيداً عن
الروتين وغيرها من العقبات. ودعا المشاركون في الندوة الى أهمية
الارتقاء بدور الترجمة لنقل طاقة الفكر العربي إلى منابر الثقافة
العالمية. وبحث تشكيل لجنة ثقافية دائمة لمتابعة التوصيات والعمل على
تنفيذها.
وكانت الندوة قد حظيت بمشاركة كل من الدكتور علي محمد فخرو - المفكر
والوزير البحريني الأسبق والدكتورة ابتسام الكتبي أستاذة العلوم
السياسية بجامعة الإمارات والإعلامي والباحث اللبناني رفيق نصر الله
وتناولت خمسة محاور الأول « من الفردية إلى العمل المؤسسي الثقافي».
والثاني «موقع المشروع الثقافي العربي من الإستراتيجية العربية
المعاصرة»، والثالث «الخطاب الثقافي العربي وسؤال الحداثة»، والرابع
المشروع الثقافي العربي والتحديات الخارجية، والأخير «ملامح المشروع
الثقافي المستقبلي
واسينى الأعرج: المنفى يضعنا أمام الصورة
الحقيقية للآخر
حول "إشكاليات أدب المنفى" عقدت ندوة بالمقهى الثقافى فى إطار
فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب تحدث فيها الكاتب الجزائرى د.
واسينى الأعرج والروائى المصرى جميل عطية ابراهيم والمفكر اللبنانى على
حرب، فأكد واسينى الاعرج أن المنفى ليس دائما دائرة ضيقة، فالمنفى
يضعنا امام الصورة الحقيقية للآخر ومعرفته بكل ايجابياته وتناقضاته،
وفى علاقة الذات مع الآخر تتغير مفاهيم الكتابة، حيث تخرج من دائرة
المحلية الى دائرة أكبر هى الدائرة العالمية فتتسع نظرة الادب حيث
الانفتاح على آفاق أرحب.
وأضاف الأعرج: إن المنفى ليس دائما بصورة سلبية خاصة فى نظرتنا الى
الآخر حيث تقل النظرة المثالية إليه، كذلك يكوِّن المنفى حواسا جديدة
عند الإنسان الكاتب.
وأكد واسينى الأعرج أنه منذ سقوط ما يسمى بالمدينة العربية التراثية
لم يكن هناك بديل سوى "المدينة العربية" التى لم نستطع أن ننشئها، على
الرغم من أن "المدينة العربية القديمة" كان بها عدد كبير من أسباب
النجاح الاجتماعى حيث كان بها عدد من المراكز الاجتماعية كالأسواق
وغيرها، وفى المدينة العربية – الآن – أشياء كثيرة تعمق فكرة المواطنة،
المدن الجديدة التى تنشأ – الآن – ليس بها هندسة او حيوية أو حياة،
وإنما حياة ذات طابع استهلاكي.
وتحدث جميل عطية ابراهيم عن تجربته فى الغربة قائلا: "سافرت الى
سويسرا عام 1979 ومنذ ذلك الحين وأنا مقيم بها، وقد أنتجت معظم انتاجى
بها، وقد رافقنى فى رحلتى هذه الروائى الصديق بهاء طاهر الذى كان يقول
لى دائما "الغربة محنة".
وعندما سافرت توقفت عن الابداع لمدة عامين، ليس بفعل الصدمة
الحضارية – كما يقول البعض – لأننى سافرت وعمرى قد جاوز الأربعين، وكنت
قبل أن أسافر قارئا جيدا للادب السويسري. وحين بدأت الكتابة – مرة أخرى
هناك – كتبت مسودات، وكنت أجيء الى القاهرة فى الصيف وأعيد كتاباتها،
لأن الاضاءة عندنا لها ظلال، وهناك لا ظلال للأشياء، هكذا كنت ومازلت
أحس دائما، ومع ذلك بمرور الوقت زادت نسبة خبرتى الادبية بالواقع
السويسري، وزادت نسبة التعود، وكذلك مع ازدياد الثورة العلمية
والتكنولوجية قلّت الغربة. ونشأ عندى قانون شخصى مفاده "هزيمة
الجغرافيا لصالح التاريخ، وهزيمة التاريخ لصالح اللحظة الراهنة" هذا
القانون الذى وضعته لنفسى ساعدنى على التأقلم مع المنفى وخفف من سيطرة
الغربة علىَّ.
أما على حرب فأشار الى انه لكل مجتمع ثقافة مختلفة حتى المجتمعات
البدائية، حتى فى الثقافات الكبرى توجد ثقافات فرعية فى القرى والدساكر
تتحدث بلهجات مختلفة، وحديثنا عن "أدب المنفى" يأخذنا الى قضية الهوية
التى هى فى الأساس قضية مركبة، مثلما نجد - فى الشخصية الواحدة - تعدد
الانتماءات فهناك الانتماء الى الاسرة، والانتماء الى العمل والانتماء
الى موقف فكرى أو إبداعى وهكذا، وكل هوية هى عالم مستقل، ومن هنا تصبح
علاقة الأنا بالآخر علاقة جدلية.
مؤتمر دولي للمفكرات المسلمات
بطهران يناقش الأسرة والعفاف
بدت في العاصمة الإيرانية طهران أعمال المؤتمر الدولي للمفكرات
المسلمات الذي يناقش الأبعاد القيمية للأسرة والعفاف في المجتمع
الإسلامي.
وشاركت في المؤتمر خمسون باحثة ومحققة من 44 دولة قدمن أوراق عمل
وأبحاث باللغات الفارسية والعربية والإنجليزية تركزت حول محور العفة
والحجاب حسب ما ذكره رئيس مؤسسة الثقافة والعلاقات الإسلامية مهدي
مصطفوي.
وقال مصطفوي في مؤتمر صحفي إن المؤتمر يهدف إلى خلق أرضية للتواصل
والعمل المشترك بين المفكرات المسلمات وخاصة في مجال المحافظة على
القيم ومواجهة حملات الإقلال من شأن قضية العفة التي يعليها الإسلام
ويعتبرها محورا أساسيا لسلامة المجتمع.
وأكد أن الإحصاءات الحالية تشير بشكل مؤسف إلى تراجع وأفول القيم
المعنوية في عدد من المجتمعات، وهو ما يأتي بنتائج سلبية تهدد استقرار
العائلة والتسامح والتعاطف بين أفرادها مستشهدا بعدد من الأبحاث التي
تعتبر التفكك الأسري سببا في الانحراف والجريمة.
وركز المؤتمر على ضرورة السعي للحفاظ على المكانة التي أوجدها
الإسلام للعائلة ومواجهة دعوات المساس بهذا البنيان.
إدارة المؤتمر أوضحت أن اختيار الأبحاث المقدمة تم من قبل لجنة
شارك فيها 32 أستاذا جامعيا وأن نصف المشاركات يحملن شهادة الدكتوراه.
المؤتمر الرابع عشر لتعريب العلوم
يختتم أعماله بالقاهرة
نظمت الجمعية المصرية لتعريب العلوم مؤتمرها السنوي الرابع عشر تحت
عنوان "منظومة اللغة وتعريب العلوم" بمشاركة نخبة من المفكرين المصريين
والعرب.
وسعى المشاركون في المؤتمر إلى توصيف واقع اللغة المتدهور وبيان
أسبابه ووضع حلول عملية له قابلة للتطبيق, وفق إستراتيجية واضحة لا يقف
أمام خروجها للنور سوى إرادة النخب الحاكمة.
سبب السطحية
استهل رئيس الجمعية المصرية لتعريب العلوم الدكتور عبد الحافظ حلمي
أعمال المؤتمر التي استمرت يومين وانعقدت في دار الضيافة بجامعة عين
شمس، بالتأكيد على أهمية تعريب لغة تدريس العلوم وشحذ الهمم.
ونبه حلمي في كلمته إلى أن العلم يدرس بلغة لا يفهمها الطلاب, مما
يؤدي إلى انتشار السطحية والضحالة والغربة, مشددا على ضرورة التعليم
بلسان المتعلم, حتى يؤثر ذلك في وجدانه وتفكيره وأسلوب حياته.
وشدد على أن "تعريب التعليم الجامعي ضرورة ملزمة ومنافع مؤكدة",
وأضاف أن عليه "اعتراضات مفندة وتسويفات مفتعلة رغم أن صوتها أعلى",
مشيرا إلى أن الجمعية لديها خطة سلمتها للمختصين, وبناء عليها يمكن بدء
التعريب في كل المؤسسات.
وتساءل الأمين العام للمؤتمر الدكتور محمد يونس الحملاوي عن سبب
تقدم كل الحضارات الأخرى إلا الحضارة العربية رغم أنها مؤهلة للنهضة،
ورد قائلا: "لأن أبناءها يقولون ما لا يفعلون", واستغاث بالطليعة
المثقفة لإنقاذ اللغة من الضياع.
أما نائب رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور كمال بشر فأكد أن اللغة
العربية في مأزق وورطة, محذرا من كوارث التعليم الرسمي والخاص، ومن
الجهات الساعية لإفساد اللغة وبينها بعض الفضائيات العربية, ودعا إلى
تأسيس جهة مسؤولة تضع خطة تدريجية للتعريب.
غيبوبة رسمية
فاروق شوشة أكد أن قرارات مجمع اللغة العربية ستصبح ملزمة وتمنح حق
المساءلة والمحاكمة (الجزيرة نت)
وأشاد الأمين العام لمجمع اللغة العربية فاروق شوشة بجهد الجمعية,
ولكنه تساءل: "ماذا بعد المؤتمرات والغيبوبة المجتمعية الرسمية ما زالت
مستمرة"؟
وقال إن المجمع تقدم بمشروع قانون جديد, سيعرض على مجلس الشعب
الأسبوع القادم, لتصبح قرارات المجمع ملزمة وغير مقيدة وتمنحه حق
المساءلة والمحاكمة.
وعبر تسع جلسات ناقش الباحثون عددا من القضايا, منها بحث قدمه أستاذ
التربية المقارنة بجامعة عين شمس الدكتور عبد الغني عبود أكد فيه أن
الأسرة العربية هي المسؤول الأول عن تعطيل مشروع التعريب، ونبه إلى أن
الحرب على اللغة هي حرب على القرآن والإسلام.
ورأى الدكتور عبود في تصريح للجزيرة نت أن واقع اللغة الآن هش
ومتدهور, وامتدح دور حفظة القرآن والمساجد في الحفاظ عليها, وفسر تأخر
قرار التعريب بتخوف صاحب القرار من القوى العظمى, التي تزعم أن لغة
القرآن هي لغة "الإرهاب", وأن من يدعو إلى التعريب متخلّف.
وحذر الدكتور محمد عبد الفتاح الأستاذ في كلية الهندسة بجامعة أسيوط
من خطورة التدريس بغير العربية, مشيرا إلى أن هناك 20 مليون طالب مصري
أي ربع الشعب المصري, يعانون من تشوه متزايد للمناهج أدى إلى مسخ ثقافي
وضعف انتماء وتفسخ اجتماعي.
وانتقد عبد الفتاح في حديثه مع الجزيرة نت انتشار 12 جامعة أجنبية,
تعبث داخل المجتمع المصري بلا ضوابط لتنازع ثقافته الأصيلة، في إطار
اتجاه رسمي لإزاحة اللغة العربية.
مؤتمر علمي بالقاهرة حول أدب الطفل
والإعلام
ناقش المؤتمر العلمي الرابع لمركز بحوث أدب الأطفال بجامعة حلوان
بالقاهرة على مدار يومين أكثر من عشرين بحثا عبر ثلاثة محاور أساسية
تناولت أدب الأطفال ولغته, وأدب الأطفال وعلوم المكتبات والمعلومات, ثم
أدب الأطفال والإعلام.
أدب الطفل
وفي جلسته الأولى تناول المؤتمر عدة أبحاث من أبرزها، أدب الأطفال
ودوره ولغته لأستاذ أدب الأطفال رشدي طعيمة الذي أكد أن الأدب يساعد
الطفل على الاستفادة من خبرات الآخرين, ومن ثم تتسع خبراته الشخصية.
فأدب الطفل -حسب طعيمة- هو كل خبرة لغوية ممتعة وسارة لها شكل فني,
يمر بها الطفل ويتفاعل معها أو يكتسبها, فتساعده على إرهاف حسه الفني,
والسمو بذوقه الأدبي, وبالتالي تسهم في بناء شخصيته وتحديد هويته
وتعليمه في الحياة.
برامج التلفزة
وانتهت الباحثة مها مظلوم إلى أهمية تحديد اللغة المناسبة لكل مرحلة
عمرية, مع الانتقاء الأمثل لنماذج القراءة لكل مرحلة, ففي مرحلة ما قبل
خمس سنوات طالبت بالتوسع في استخدام الأنشودة والأغنية والحكاية
المصورة ومسرح العرائس.
وطالبت باستخدام الشعر وأسلوب تبسيط العلوم من خلال القصص, وكذلك
المغامرات حتى سن تسع سنوات, وأكدت أهمية الخيال العلمي والحكايات
وترجمات الأدب العالمي في المرحلتين الثالثة والرابعة حتى سن 18 عاما.
وانتقدت الباحثة أوجه القصور في برامج التلفزة المقدمة للطفل, واصفة
إياها بأنها تصيب الطفل بالتخلف, وتفتقد الهدف التربوي.
صناعة المستقبل
أما في الجلسة الثانية فتطرق الباحثون لمحور ثان هو أدب الأطفال
وعلوم المكتبات والمعلومات من خلال أبحاث "النشر الحديث لكتب الأطفال"
و"استخدام الفصيح في ألفاظ الحديث اليومي للكتابة للأطفال", و"الأطفال
والمكتبة وإمكانية صناعة المستقبل" حيث ركزت الباحثة عزة سلطان على
ضرورة تربية الطفل على عادة القراءة والوعي بقيمتها باعتبارها بوابة
للمعرفة, وبالتالي أن يعتاد الذهاب إلى المكتبة.
الرسوم المتحركة
واستعرض المؤتمر في المحور الثالث عن أدب الأطفال والإعلام عدة
أبحاث منها: أدب الأطفال في المجلات وحق الطفل في الكتب والقصص الجيدة،
والرسوم المتحركة تعادل ألف كلمة.
وفي هذا الإطار أكد الباحث حمدان محمود على أهمية الاعتبارات
التربوية والفنية التي تجب مراعاتها عند إنتاج الرسوم المتحركة, وأشار
إلى التأثير الإيجابي للرسوم على القدرة على التذكر لدى الأطفال, فضلا
عن تنمية التفكير الابتكاري والإبداع.
أطفال الشوارع
الدكتور أحمد عبد الكريم سلامة المشرف على المؤتمر قال تعودنا أن
نكتب للطفل طوال هذه السنوات الماضية, والآن نحن في أمس الحاجة إلى أن
نكتب عن الطفل، عن احتياجاته وآلامه وآماله ومشاكله والتحديات التي
يواجهها.
وذكر أنه لهذا الغرض اقترح على المركز المنظم للمؤتمر أن يتناول في
مؤتمره القادم مشاكل الأطفال المشردين بحيث يسهم المركز في مواجهة
التحديات التي تنال من حقوق الطفل, كما اقترح نشر أبحاث المركز على
الإنترنت لتعم الفائدة.
من جهته لفت يعقوب الشاروني أحد المشاركين في المؤتمر خلال حديث
للجزيرة نت إلى أن هذا العصر عصر التطورات السريعة, التي تتطلب التزوّد
بالثقافة اللازمة والمعرفة الوافية خصوصا في مرحلة الطفولة, "حتى لا
نكتفي بلوم العولمة التي تلقي بظلالها الكئيبة على حياة الأطفال
العرب".
نشر
'كلمة' يقدم 'العلامة' التي تؤرخ
لرحلة الإنسان مع الرموز
التاريخ لا يحضر في 'العلامة' باعتباره تسييجا لمحطات مرئية بل
يمثل أمامنا باعتباره كما زمنيا.
"هذا كتاب له طابع خاص، فهو لا يقدم تاريخا خاصا بالنظريات
السيميائية التي عرفتها الأزمنة المعاصرة، ولا يحدثنا عن المردودية
التحليلية للمنهج السيميائي ـ إن كان هناك حقا منهج سيميائي ـ ولا
يحدثنا عن الأسماء الكبيرة التي صنعت مجد السيميائيات الحديثة وشهرتها،
وإنما يكتفي بتأمل تجربة إنسانية شاملة" كما يقول سعيد بنكراد في
ترجمته لكتاب "العلامة: تحليل المفهوم وتاريخه"، للكاتب الإيطالي
والروائي أمبرتو إيكو والذي صدرت ترجمته عن مشروع الترجمة "كلمة"
بالتعاون مع المركز الثقافي العربي، والذي تضطلع بأعبائه هيئة أبوظبي
للثقافة والتراث.
وهو كتاب يتأمل محاولات الإنسان المضنية من أجل التخلص من براثن
طبيعة هوجاء لا ترحم لكي يحتمي بعالم ثقافي (رمزي) يمنحه الدفء
والطمأنينة، ويوفر له التفاسير الممكنة للظواهر الطبيعية والاجتماعية
على حد سواء.
ويوضح المترجم في مقدمته أن الكتاب يعد تأريخا لرحلة الإنسان مع
الرموز وأشكالها المتعددة، وتأريخا للرؤى الدينية والفلسفية التي رأت
في الطبيعة رموزا تنوب عن قوى أخرى غير مرئية، أو (هي الصوت الذي
يحدثنا الله عبره عن قدرته) كما هو شائع في كل الديانات السماوية
المعروفة.
ويشير المترجم إلى أن التاريخ لا يحضر في هذا الكتاب باعتباره
تسييجا لمحطات مرئية ومثبتة في التاريخ العام، بل يمثل أمامنا باعتباره
كما زمنيا نقيس من خلاله درجة نمو الأشكال الرمزية وتطورها وتعقيداتها
المتصاعدة.
وبالإحالة إلى إيكو فإن "العلامة توجد كلما استعمل الإنسان شيئا ما
محل شيء آخر"، وتلك هي الأسس التي انبنى عليها المجتمع ذاته الذي لا
يمكن أن تقوم له قائمة إذا لم يخلق سننه وشفراته الخاصة التي يعتمدها
الأفراد المنتمون إليه للتواصل فيما بينهم، وهي التي تسمح لهم بتبادل
الدلالات واستهلاكها.
وعلى هذا فإن العلامة هي الشكل الرمزي الأمثل الذي يقوم بدور وسيط
بين الإنسان وعالمه الخارجي، وهي الأداة التي يستعملها في تنظيم تجربته
بعيدا عن الإكراهات التي يفرضها الاحتكاك المباشر مع معطيات الطبيعة
الخام، كما أن العلامة هي الأداة التي من خلالها تأنسن الإنسان وانفلت
من ربقة الطبيعة ليلج عالم الثقافة الرحب الذي سيهبه طاقات تعبيرية.
وهناك اتفاق على أن الإنسان ليس هو من يصوغ اللغة من أجل السيطرة
على الأشياء، بل الأشياء (الطبيعة أو الكائن) هي التي تتبدى من خلال
اللغة، فاللغة هي صوت الكينونة، والحقيقة ليست شيئا آخر سوى الكشف عن
الكينونة من خلال اللغة، وإذا كانت وجهة النظر هذه صحيحة فلا مكان
للسيميائيات أو نظرية للعلامات، ولكن الأمور ليست بهذه البساطة لأن
السنن الثقافية (الأشكال الرمزية) لا تنمو خارج ملكوت الممارسة
الإنسانية، فالعلامات هي إفراز للفعل المفرد والجماعي، وليست كما
سلوكيا مودعا في ذاكرة الإنسان خارج تفاعله الحي مع محيطه الطبيعي
والإنساني.
وقع الكتاب في 288 صفحة واحتوى على تقديم المترجم ومدخل وخمسة فصول
وقائمة المراجع.
يفتتح إيكو مدخله بعبارة يونيسكو "المهم هو الكلمات، أما الباقي
فمجرد لغو".
ويتحدث في الفصل الأول عن السيرورة السيميائية، متوقفا عند العلامة
باعتبارها عنصرا داخل السيرورة التواصلية، والعلامة باعتبارها عنصرا
داخل سيرورة دلالية، ويشير إلى مثلث المدلول والدال والمرجع، ثم يتحدث
عن ثلاث نظرات في تصور العلامة هي: الدلالة والتركيب والتداول. ثم يوضح
فحوى الوحدة السيميائية الدنيا.
ويتعرض في الفصل الثاني لتصنيف العلامة، متوقفا عند مصدر العلامة،
والدلالة والاستنتاج، ودرجة الخصوصية السيميائية (أو علامات يستعمل
دالها لغايات غير سيميائية) والقصدية ودرجة وعي الباث، والقناة
الطبيعية وجهاز الالتقاط الإنساني، والعلاقة مع المدلول، وإنتاجية
الدوال، ونوعية العلاقة المفترضة مع المرجع، والسلوك الذي تثيره
العلامة عند المتلقي، ووظائف الخطاب، وأخيرا يتحدث إيكو في هذا الفصل
عن تصنيف عام للعلامات.
ويتناول الفصل الثالث المقاربة البنيوية، وفيه يتحدث إيكو عن اللسان
باعتباره سننا وبنية، والإبدال والمركب أو التمفصلات، والتقابل
والاختلاف، والبنية بصفتها نموذجا، والوظيفة السيميائية، والتقرير
والإيحاء، والشكل والمادة والمتصل، والسمات الدلالية، ونسق المضمون،
والقاموس والموسوعة، والوحدات الثقافية، وأخيرا الموسوعة والنسق
الدلالي الشامل.
أما أنماط الإنتاج السيميائي فهو موضوع الفصل الرابع، وفيه يتحدث
إيكو عن تمفصل العلامات غير اللسانية، ومحدودية النموذج اللساني، ويميز
بين أنواع العمل المادي مثل: التعرف والتجسد والنسخة.
وفي الفصل الخامس والأخير يتوقف إيكو عند القضايا الفلسفية للعلامة
ومنها: الإنسان حيوان رمزي، والطبيعة بصفتها لغة إلهية، واللغة
باعتبارها صوتا للكينونة، كما يتحدث عن آثار الكتابة والعلاقة بين
العلامة والفكر والواقع، مشيرا إلى قوانين العلامة وقوانين الفكر، وغير
ذلك من موضوعات على طريق العلامة.
رواية "القوقعة" تناقش حقوق الإنسان
في العالم العربي
تستدعي الرواية رعب السجون وما يتعرض له سجناء الرأي
يعمد الروائي السوري مصطفى خليفة في روايته الجديدة "القوقعة:
يوميات متلصص" إلى "تكثيف المألوف" في حياة المواطن العربي، فيصوّر
واقع حقوق الإنسان عبر حكاية مواطن يدخل السجن ردحًا من الزمن دون أن
يعرف سببًا لذلك.
ويعرض خليفة في الرواية الصادرة عن دار الآداب البيروتية يوميات
شاب ألقي القبض عليه لدى وصوله إلى مطار بلده عائدا من فرنسا وأمضى
اثنتي عشرة سنة في السجن دون أن يعرف التهمة الموجهة إليه.
وحسب كلمة الغلاف فإن ما يتعرض له بطل الرواية نوع من "الظلم
والفساد والقسوة التي لا تقرها شريعة"، وتسرد الرواية "أساليب تعذيب
لم نقرأ لها مثيلا من قبل".
ورغم اشتراك الرواية مع أعمال سابقة طرحت الموضوع ذاته فإن الكاتب
خليفة يكتب بتشويق، ويستدعي الحياة الكابوسية في عالم السجون المخيف
وما يتعرض له ضحاياها خاصة سجناء الرأي.
وتذكّر القصة بشكل مّا برواية الكاتب فرانس كافكا الشهيرة
"المحاكمة" وضحيتها ذلك الإنسان البريء الذي ينقله رجال الأمن فيشاهد
مدينته في رحلته الأخيرة.
وتبدأ الحكاية على لسان بطل الرواية بالقول إن اثنين "من رجال الأمن
استلما جواز السفر، وبلطف مبالغ فيه طلبا مني مرافقتهما أنا وحقيبتي
التي لم أرها بعد ذلك. وفي رحلة في سيارة الأمن على طريق المطار الطويل
أرقب الأضواء على جانبي الطريق، أرقب أضواء مدينتي تقترب".
ويحكي بطل الرواية عن حياة السجن والإذلال والتعذيب تفاصيل جنونية
تكاد تكون مما يعرفه الإنسان العربي المعاصر معرفة لم يعد فيها ما هو
جديد. يروي قصته وقصة صديقه وزميله الذي خرج إلى الحرية بعد سنوات
طويلة فلم يستطع التكيف فانتحر. أما البطل فعاش بعد إطلاق سراحه حياة
كأنها الموت.
في القسم الأخير من الرواية يقول بطل خليفة "أحمل مقبرة كبيرة في
داخلي تفتح هذه القبور أبوابها ليلا ينظر إلي نزلاؤها يحادثونني
ويعاتبونني"، ويضيف "مضى عام كامل وما زلت أرى نفسي عند استيقاظي في
السجن الصحراوي".
ويحمل السجين السابق زنزانته معه حتى يتخيل نفسه كائنا بقوقعة.
السجن المادي الكبير تحول إلى حالة داخلية فقد البطل معها حريته
الداخلية والرغبة في البقاء. ويفصح البطل عن أن الخوف شكل له في السجن
قوقعة عاش داخلها، ثم تضاعفت أزمته حين نشأت له قوقعة ثانية بعد خروجه
من السجن.
ويقول البطل عن قوقعته الجديدة : "تزداد سماكة وقتامة قوقعتي
الثانية التي أجلس فيها الآن، لا يتملكني أي فضول للتلصص على أي كان.
أحاول أن أغلق أصغر ثقب فيها، لا أريد أن أنظر إلى الخارج، أغلق ثقوبها
لأحوّل نظري بالكامل إلى الداخل، إليّ أنا إلى ذاتي وأتلصص".
شاعر حياته أشهر من كتاباته ...
«قصائد عارية» تستعيد العراقي حسين مردان
مع صدور طبعة جديدة من المجموعة الشعرية الأولى للشاعر العراقي
حسين مردان «قصائد عارية» (دار الجديد - بيروت) يتجدد الحديث عن هذا
الشاعر. تصدر هذه الطبعة وبينها وبين الطبعة الأولى اكثر من نصف قرن،
وبينها وبين رحيل الشاعر اكثر من ثلاثة عقود. وهو الشاعر الذي كانت
حياته أغنى من شعره، فكانت «صورته الاجتماعية» في بعدها الإنساني اكبر
وأوضح بكثير من «صورته شاعراً» وخصوصاً عند من عرفه أو جايله.
لم يكن حسين مردان شاعراً بالكتابة فقط، وإنما كان، أكثر ما كان،
شاعراً في حياته اليومية. وإذا كان قد عُرف اكثر ما عرف شاعراً من خلال
مجموعته الشعرية الأولى «قصائد عارية»، فإن ذلك «الشعر الإشكالي -
اجتماعياً» هو ما سيقدمه الى الحياتين: الشعرية والعامة، بصفته كاسراً
بالشعر تقاليد المجتمع (لا تقاليد الشعر)، ومتجاوزاً، في ما كتب،
«المحظورات الاجتماعية»، ليدخل الحياة الأدبية بشعر يعتمد على المخالفة
لا المؤالفة، ويقتحم الحياة الاجتماعية بما عدّه القضاء – يوم أحيل
إليه – خروجاً على «الآداب العامة». وكان ذلك نقطة البداية في تمرّده
على ما عدّه «مواضعات اجتماعية»، راسماً لنفسه طريق الخروج على «بيت
الطاعة».
أراد حسين مردان، ومنذ البداية، أن يكون (وقد ظلّ الى النهاية) خارج
علاقات الهيمنة الأبوية من أي مصدر جاءت، شعرياً كان أم سياسياً أم
اجتماعياً. فرفض ذلك في الشعر كما رفضه في الواقع ليكون «طرازاً خاصاً»
(كما هو عنوان آخر مجموعة شعرية له) من الانسان والشاعر... بل كان همّه
أن يكون، ويقال عنه إنه «رجل شارع حقيقي» – كما أعلن هو نفسه ذلك عن
نفسه ودوّنه ذات يوم من أوائل السبعينات من القرن الماضي.
وفي الشعر نسج طرازه الخاص، وإن كان قد تنفس، في كتاباته الأولى،
شيئاً من «جحيم رامبو»، وجرب سموم «أفاعي فردوس» إلياس أبو شبكة. فقد
انفتح وعيه وهو يواجه الوجود.. ثم عرّى الوجود ذاته أمام ذاته وأمام
الآخرين، فكان في ما كتب كمن يرفع الأقنعة عن وجوه الحقيقة ليكشفها
ويكاشفها. ومن هذا كله كان يبقى متعلقاً بما ينكشف لذاته، هو الشاعر،
منها.
أما يوم جعل منه الروائي غائب طعمة فرمان أحد الأصوات الخمسة في
روايته «خمسة أصوات»، فإنه لم يتباه بذلك، ولا فرح في أن يصبح «شخصية
روائية» في رواية يكتبها أحد قدامى الأصدقاء، بل قال: إن «غائب» في ما
كتب قد غاب عنه (أو غيَّب) الكثير مما كان لشخصه في تلك الحقبة، وإنه
لم يظهر بما كان وكما كان مما يعرفه عنه شعراء العراق وأدباؤه في
خمسينات القرن الماضي من تفاصيل غنية بالحياة والحيوية والشعر
ويستحضرون وجوهها، ومنهم الشاعر بلند الحيدري الذي حدّثني يوماً أن أول
من علّمه التمرد على حياة البيت الوادعة ودعاه الى «التشرّد»
و «الإقامة» في الأماكن العامة (الحدائق، أو تحت الجسور) هو حسين
مردان، الذي كان يقول له: إن حياة الشاعر الحقيقي تبدأ من هنا، لا من
«البيت المؤثث». فوافقه في ذلك، وزامنه مدّة في «تشرده».
يوم صدرت «قصائد عارية» مطلع الخمسينات مثّل الشاعر فيها «خروجاً
على الآداب العامة» مقتحماً بلغته العارية إلاّ من «ستر البيان» واقعاً
مجتمعياً شبه محافظ، وله تقاليده التي يجعل منها حدوداً بين ما «يمكن
أن يقال» وما «يجب ألاّ يقال». هذا من طرف. ومن طرف آخر، إنه خرج بـ
«قصائد عارية» على واقع سياسي بالدرجة الأساس، له همومه، واهتماماته...
وللسياسيين فيه مشاغلهم التي كانوا ينقلونها الى رجل الشارع لتكون من
مشاغله، وليكون معهم فيها. أما الشاعر فكان ينظر الى مثل هذه «الحدود»
و «الاعتبارات» فلا يجد فيها اكثر من «لحظات كذب».
من هنا بدأت الهجرة والمهاجرة في حياته: أولاً عن «مضارب» تقليدية
القول معنىً ودلالةً، وثانياً عن تقاليد «الحشمة الاجتماعية». وحين
اختار ذلك العنوان الصارخ اجتماعياً لتلك المجموعة من شعره الأول، إنما
اختاره ليعلن انه ضدّ تزييف القول، فقال «الحقائق» كما يراها، وعبر عن
«هواجسه» كما كان يحسها... حاسباً أنه بمثل هذا التوجه في الشعر، ومن
خلال الشعر إنما يفتح فضاءات القول على رحابتها.
إلاّ أن «الذوق العام»، صادقاً أو ممالئاً، لم يسكت عليه وقد اقتحمه
بأشدّ الكلمات اختراقاً لحيائه... ولم يغفر له هذه «السقطة» فأسقطه في
«يد القضاء» لتكون محاكمته على ما جاء في شعره أول محاكمة لشاعر بتهمة
«الخروج على الذوق العام». وهنا تبدأ مفارقة أُخرى: فيوم بدأت
المحاكمة، وجد القضاة أمامهم، الى جانب الشاعر، أهمّ مجموعة من محامي
الدفاع، من بينهم المحامي والسياسي المعروف حسين جميل! ففضلاً عن
الصداقة التي تربطهما، فإن حسين مردان كان يعمل في صحيفة الحزب الوطني
الديموقراطي (الأهالي) وحسين جميل من القياديين البارزين يومها في هذا
الحزب. وهو لم يكن يعمل فقط في الصحيفة، وإنما كان يتخذ من إحدى غرف
المبنى الذي تشغله «سكناً» له، يقيه حالة التشرد والنوم في الأماكن
العامة – وكان ذلك بـ «تدبير» من أصدقائه في الحزب والصحيفة، إذ وجدوا
أنه لا يليق بوضع من يعمل معهم أن يكون على الحال التي جاءهم منها حسين
مردان!
ويوم تخطى أبواب المحكمة مبرَّءاً من التهمة التي أُسندت إليه، كان
أن حمل معه صورة عن قراري الاتهام والحكم... ليعيد إصدار «قصائد عارية»
في طبعة جديدة ألحق بها «حيثيات الدعوى» و «قرار الحكم»! – بنوع من
التحدي.
فإذا بحثنا عن «الكوامن المحركة» لهذا الاتجاه/ التوجه لدى شاعرنا،
لوجدنا، في ما كتب من بعد، الكثير الذي يعلن عنه، تصريحاً أو مواربة،
وخصوصاً في كتابيه: «مقالات في النقد الأدبي» الصادر منتصف الخمسينات،
و «الأزهار تورق داخل الصاعقة» الصادر أوائل السبعينات. فهما يكشفان،
بطريقة أو بأخرى، عن ضربين من المواجهة خاضهما الشاعر مع عصره وناسه،
وإن كانا يصبان في تيار واحد: فالأول يواجه شعر عصره، فيسخر من الكثير
الذي كتبه مجايلوه، نابذاً ما فيه من «تعمّلات»، وساخراً، أو لائماً
«مجافاة الصدق» أو «مواربة الحقيقة» في ما يقال على أنه منها...
- وأما كتابه الثاني فيستعيد فيه حياة كاملة من خلال حياته، هو
شخصياً، في الخمسينات: كيف كان يفكر، وعلى أي نحو يرى الأشياء، وماذا
كان يرى في نفسه وفي الآخرين؟ ليصرح: «أنا رجل شارع حقيقي»... ومقدماً
تفسيره لذلك. ومع أن الكثير مما كتبه حسين مردان، بين مطلع الخمسينات
والنصف الأول من السبعينات يدخل به ضمن مزاوجة بارعة بين الخيال
والواقع، إلا أننا، ونحن نعيد قراءته في «قصائد عارية» لا نجده، ولا
يمكن وضعه في عداد ذلك النفر من الشعراء الذي ينشغل ببناء صروح
لأحلامه.
السيمفونية التي لم تكتمل» للجزائري
أحمد دلباني ... كيف نقرأ تلك الحداثة الناقصة شرقاً وغرباً؟
صدر في منشورات «أرتيست» في الجزائر كتاب أحمد دلباني «السيمفونية
التي لم تكتمل – أركيلولوجيا الارتكاس وانفجار الأصوليات»، وهو كتابه
الثاني بعد «مأدبة المتاهة» الذي أثار الانتباه من حيث نوعية الطرح
الفلسفي الذي اشتغل عليه في حقول مختلفة منها الرواية والشعر ومقولات
كالكونية وأسئلة التراث والمعاصرة وصراع الحضارات... ويأتي الكتاب
الثاني لأحمد دلباني ليعمق هذه المشاغل ويثريها بالتحليل والنقد
والقراءة الفكرية الحرة التي بقدر ما تتغذى من منهجيات الحفريات
الفوكوية (نسبة الى ميشال فوكو)، أو التفكيكية الدريدية (نسبة الى جاك
دريدا) فهي تتعامل مع المنهج بطريقة مرنة وحرة، وهذا ما يجعل هذا
الكتاب الصغير الحجم مهماً على مستويات عدة.
أول سؤال سيطرحه القارئ: ما هي هذه السيمفونية التي لم تكتمل؟
وسيجيب الكاتب منذ الصفحات الأولى عندما يحدد موضوع بحثه بأنها مغامرة
الحداثة العربية، مغامرة النهضة العربية التي توقفت عن الوميض لئلا
نقول فشلت، وانتكست، وخلقت نقيضها تماماً، اللامعقول والأصوليات
القاتلة. يشرح الباحث ذلك بقوله: «السيمفونية التي لم تكتمل: هنا ربما
ما يمكن أن يمثل خلاصة القراءة التي تتناول اليوم تجربة النهضة العربية
ومسيرة التحديث المتعثرة منذ أكثر من قرن من الزمان».
وما يدفع الكاتب الى هذا التأمل هو أن «العقل العربي يجد نفسه فعلاً
أمام ضرورة مراجعة مسيرته السابقة» التي يفرضها «سديم الواقع الراهن
غير المسيطر عليه والذي يشهد انفجارات سوسيولوجية وسيميائية كسرت نمطية
الدلالة وجعلت غمامة المعنى تفلت من قمقم عقلانياتنا السابقة».
موضوع «الحداثة» أثار انشغال الكتاب العرب لفترة طويلة نسبياً وشكل
محوراً من محاور السجال بين من يرفض، ومن يقبل، وبين من يندمج منخرطاً
في تلك المغامرة التي جاءت من طريق الصدمة مع الغرب كما يسميها أدونيس،
أو المثاقفة كما ينعتها هشام شرابي، وبين من تجنب الخوض في غمارها
خائفاً من آثارها الصادمة على الوعي والذات، ومع كل تلك السجالات التي
أخذت وقتاً طويلاً من النقاش، وخلقت تراكماً مهماً من الكتابات، إلا أن
سؤال الحداثة بقي كما يسميه الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس مشروعاً
غير مكتمل، ذلك أن السجالات توقفت فجأة من دون أن تنتصر الحداثة تمام
الانتصار، أو تنهزم تمام الانهزام. لقد ذهب الباحثون العرب الى مقولات
ومفردات أخرى أصبحت محوراً جديداً في بحثهم وتفكيرهم، أي نحو ما سمي
بما بعد الحداثة في فرنسا على يد المفكر «ليوتار» أو مفكرين في
الولايات المتحدة الأميركية، على رأسهم المفكر ذو الأصل المصري إيهاب
حسن، أو نحو العولمة، ونهاية التاريخ، وصراع الحضارات، وما شابهها من
مصطلحات. وأقفل السجال على «الحداثة»، بل تحولت الحداثة إلى جثة يسارع
الجميع الى دفنها، والتخلص منها، بل اعتبرت موضوعاً تقليدياً مقارنة
بالمواضيع المتداولة في سوق العولمة الثقافية. يعيدنا الباحث إذاً الى
موضوعة صارت تقليدية، ولكن، لأن النقاش حولها لم يتم في سياق موضوعي
وحوار عقلاني علمي بقيت جرحاً عالقاً في صميم هذه الثقافة، وعمل أحمد
دلباني يشبه ما قام به المفكر الفرنسي جيل ليبوفتسكي في كتابه الأول
«عهد الفراغ» الذي أعتبر أن الغرب يعيش أزمة ثقافية، وأن اسم هذه
الأزمة هو الحداثة التي بقدر ما فتحت الأفق على مغامرات كثيرة وعميقة
بقيت ذلك الحد الفاصل بين ماض لن يمضي وحاضر دائم الحضور.
كتاب أحمد دلباني يأتي في سياق المراجعة النقدية الأليمة، منخرطاً
في رؤية نقدية واسعة الأفق تتغذى من آليات النقد الثقافي، والبحث عن
رؤية أكثر فهماً ووعياً بالسياقات التي صاحبت الجدالات الكبيرة،
وبالتفكيرات التي عبرت عن رؤاها إن بشكل معرفي منضبط، أو بمنطق
إيديولوجي سافر.
وهو النقد الذي يوجهه الكاتب للحداثة نفسها حيث «ظلت في الفكر
العربي، إيديولوجية شمولية، تستبطن الرغبة في تعنيف المجتمع وتتوهم
بذلك أننا نبلغ دفعة واحدة درجة الاستقلال التاريخي الشامل عن الماضي»،
وأيضاً في سياق آخر: «أما الحداثة العربية فقد بقيت أسيرة لمسلماتها
ومسبقاتها بعيداً من المراجعة».
وما يقترحه في هذا الكتاب النقدي هو نوع من القراءة التي لا تخرج عن
سياقات العالم العربي السويو- تاريخية ولا عن صراعاته الحاضرة،
فالقراءة الأنسب اليوم هي تلك التي تضع للفكر حدوداً يرتبط بها وتموضعه
في تاريخية دنيوية يتفاعل معها، ويتداخل بها، وهي التي في شكل من
الأشكال أنتجته، لهذا، كما ينتقد التصور العربي الغارق في يوتوبيا
خلاصه ومطلقاته الميتافيزيقية، ينتقد الوعي الغربي الذي ظل حبيس
مركزيته الغربية هو أيضاً ولم يتجاوز أنويته في رؤيته للآخر بما فيه
العالم الإسلامي.
يعتقد الباحث أن المشكلة في العالم العربي - الإسلامي ليست مشكلة
خاصة بنا ولكنها لحظة كونية تمس العالم بأكمله مثلما تمسنا نحن أيضاً
«إنها لحظة كونية تشكل أساس أزمة العالم اليوم وتمثل للمثقف، بالتالي،
مجالاً رحباً للمساءلة والحفر وإعادة النظر في مصير التحديث ونقد
التجارب الماضية التي كشفت عن أوجه النقص والتعثر فيها»، وهذا ما يتطلب
فاعلية نقدية جديدة تربط الوعي بالتاريخ، وتضع الحرية كأفق للتطلع
بأمان نحو مستقبل يزداد غموضاً يوماً بعد آخر.
في قراءاته للخطابات العربية يركز في شكل خاص على اللحظة الأدونيسية
المهمة التي قامت بدور جبار في محاولة التأسيس لرؤية نقدية مختلفة،
سواء للتراث أو للوعي العربي المعاصر: «لقد انتفضت الأدونيسية على
زمنها الثقافي... وأعلنت ميلاد الأرض التي تحبل على سرير زوجها
الإنسان».
كما يتفقد أبحاث محمد أركون مبدياً إعجابه بالطريقة التي راوغ بها
هذا المفكر الأصولية الغربية والمحلية، كما قدم نقداً حوارياً لكتاب
عبدالله الغذامي «النقد الثقافي» واعتبره تكريساً لمقولات غير تاريخية
عن الشعر العربي ممثلاً في المتنبي ونزار قباني وأدونيس.
ويقدم الباحث في كتابه قراءات للظاهرة الدينية في الغرب والعالم
العربي ونقداً للهويات المعتقلة في وهم صفائها وتعاليها، وقراءات في
الجانب اللاواعي للذات العربية المسكونة بالمطلق والخارق والمتعالي،
ونقداً للنخب العربية التي تجتر ولا تفعل فعلاً نقدياً مبنياً على رؤية
واضحة لأسباب الفشل ومعوقات النهضة.
كتــــاب أحمــــد دلباني يثير أسئلة كثيرة ويقترب من معضلات لحظة
التأزم الكبرى التي نعيشها اليوم، وهو لا يقترح بطبيعة الحال حلولاً
ذلك أنه ينتمي الى ثقافة الأسئلة، أي التي ترى في السؤال منطلقاً
معرفياً وحافزاً مهماً في عملية التحري والفهم والنهوض. ويعتقد بأن أي
تفكير حقيقي يجب أن يسائل ما نعتقده ثوابت وبديهيات.
كتــــاب لا يخلـــو من نبرة نيتشوية، بلغة شعرية رؤيوية، وسجالية
نقدية، يفتح أفقاً للنظر، ويحتاج الى أخذ ورد، والى نقاش متعدد الأطراف
حول حداثة لم تكتمل معالمها ومشاريعها في العالم العربي، على أمل أن
تكتمل في يوم من الأيام.
تسعة كتّاب وست كاتبات ومقدمة لأمين معلوف ... قصص من العراق...
البقاء على قيد الحياة في عالم محطّم
تتقدم الحاجة الى الإدلاء بشهادة على التمسك بالشروط الفنية غالباً
في «جروح في شجر النخيل: قصص من واقع العراق» الصادر عن دار رياض
الريس، بيروت، الذي تحتفظ اللجنة الدولية للصليب الأحمر كل حقوقه. يذكر
الكاتب أمين معلوف في المقدمة: «هنا الأدب يرتقي، مع كل صفحة، الى
معناه الأعمق والأسمى. هنا الأدب، في كل قصة، يجاور الموت بترفع ويصارع
قوى الفناء ولا يكفر لحظة واحدة بالحياة». لوحة الغلاف للفنان العراقي
بلاسم محمد، واللوحات الداخلية للنحات العراقي محمد غني احمد الذي
تستدير خطوطه أو تستدق لتدين وحشية الحرب ومجازرها وسط صمت القطيع،
وربما كانت أجملها اللوحة التي تتقدم قصة «ثلاثة وجوه لامرأة عراقية».
يسجل تسعة كتاب وست كاتبات ملحمة الموت والخوف والجوع والخسارة في
حروب العراق الثلاثة منذ الثمانينات. أولى القصص «صورة لجسد ناقص»
تتميز باستكشاف عميق، مر وجميل، لمعوّقي الحرب الذين يعرف الراوي اثنين
منهم: عمه عبدالله الذي ذهب لغم بقدمه اليسرى، وعمه علي الوسيم،
اللامبالي بالسياسة، الطامح الى المتعة وحدها، الذي افقده القتال ذراعه
وشتت ساقه فربطت بالبلاتين وأجلسته على كرسي بدواليب يجرها ابن شقيقه
في الأماكن التي ارتادها قبل الإعاقة. يروي كاتب القصة أحمد السعداوي
تجاور صور قتلى الحرب والرسوم المتحركة في البث التلفزيوني، وإعداد
الأطفال السوريالي والعنيف لحقائق الحياة العراقية التي خالطها الموت
الكثير. يرى المعوق شخصاً دخل قسم منه في عالم الموت وبقي القسم الأكبر
في دنيا الأحياء. لا يقبل جسد المعوق وفكره خسارة طرف ما، وتتمسك
الذاكرة به الى ان يتعلم الجسد الاستغناء عنه ويستبدله بالطرف المقابل.
يتحدث الراوي بغيظ عن طاقة عمه المزعجة، وإصراره على المساحة السابقة
لحياته بالتجوال الطويل في كرسيه كأنه ينفي عجزه عن المشي. يعوض العم
عن خسارته وينفيها بما يتوهمه عيشاً عادياً الى أن يتقن استخدام يسراه
ويمشي على عكاز ويبني حياة أخرى.
يحرص معظم الكتاب الآخرين على كشف كل التفاصيل والتجارب كأنهم في
سكبهم شهاداتهم يتطهرون من فواجعهم ويدينون الرجل الذي تسبب بها من دون
ان يسموه مرة واحدة ربما لكي يطمروا ذكراه شخصياً ويخلّدوا ما يرمز
إليه فحسب. يتخففون من حملهم كأنهم يقومون بواجبهم نحو شعبهم سواء
كانوا من الأقلية أو لا، ويركزون على هباء الحياة التعسفي وضياع الحب
والفرص والبراءة والممتلكات. مع ذلك يستدير كثر بعد رحلة الى الجحيم
ويتمسكون بالأمل بعودة عزيز مفقود ولو بعد ربع قرن. بطلتا إرادة
الجبوري وسلوى زكو تتمسكان بالوهم لكي تستطيعا الاستمرار وحدهما من دون
الزوج والابن. ترفض الزوجة في «أسرى» للجبوري القبول بموت زوجها الذي
يعود إليها جثة مفحمة في صندوق. تبقيه في البيت وتقاوم الرغبة في فتحه،
وتعلل نفسها بأن الجثة ليست لزوجها وتذهب الى مكان عودة الأسرى علها
تجده هناك. في «ثلاثة وجوه لامرأة عراقية» لزكو يفقد الابن الوحيد لأم
هجرها زوجها فتؤمن أولاً بأن «الحكومة لا تترك أبناءها»، ثم تتحول
حياتها الى رحلة بحث عنه طوال ربع قرن لأن قلبها ينبئها بأنه حي «وقلب
الأم لا يخطئ». في مشهد آخر لزكو تعتقل صحافية وتعذب ويعتدى عليها،
لكنها تصر أمام أسرتها على أن أحداً لم يلمسها. لطفية الدليمي تكتب في
«محنة البقاء في بلد الظلال» بلغة مشغولة عن عيشها وحدها «وسط حدائق
الموت المزدهرة بجثث مجهولة ورؤوس مقطوعة». تمارس اليوغا وتروي الزهور
وتصنع الشراب وتطعم القطة، وتشارك في الاحتفال بصدور مجلة جديدة.
شهادتها احتفال بالحياة وإيمان بعودتها الحتمية الى طبيعتها وان اختتمت
بمقتل جارها الجامعي، والتنكيل بزميلته والخوف من الموت مشوهة لا يتعرف
إليها أحد.
تتناول هناء حسن غالب في «وهربت الألوان» وفاة فنان بالسرطان وفجيعة
زوجته التي تستمر في حياتها لإعالة بناتها الثلاث، وتعود الى الجامعة
لدراسة الإنكليزية. أسماء محمد مصطفى تميل الى الصناعة في «قبلة قبل
الموت» التي تروي زواج حبيبين وإنجابهما طفلة مشلولة تأمل والدتها في
موتها باكراً خلافاً لرغبة الأهل في العمر الطويل لأولادهم. ويشكل
الانهيار الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي خلفية لخطف صحافي في «وللموت
لون وطعم ورائحة» لنرمين المفتي. تمتنع زوجته عن غسل كوب الشاي الصغير
الذي استعمله قبيل خطفه حتى بعد 12 سنة على خطفه.
يكتب حسن العاني في «ملقم ومقبرة وحلم كبير» عن خسارة شباب يعرفهم
ويشعر بالذنب لـ «تورطه» في فعل خير عادي خلال السلم حولته بشاعات
الحرب تواطؤاً في جريمة. شجع أطوار بهجت وشاباً آخر على امتهان الصحافة
ولام نفسه بعد مقتلهما الموجع. تتقلص حياته ويلزم بيته «مثل حريم
السلطان» غير أن التكور على النفس لا يحميها، إذ انه يتلقى ظرفاً فيه
رصاصة ليعرف انه مســتهدف. صــباح آرام يــسترجع مراراً في «ذكريات يوم
كئيب في ربيع مــهاجر» امــتناع أهل البلدة عن قبول طفلة يؤونها في بيت
أحدهم لإنــقاذها مـن أعوان الآغـا بعد الهجوم على قريتها.
يرفض الجميع استعطاف الوالد القروي خوفاً من الانتقام، ويشعر الراوي
بأنه أصغر من حجمه بمليون مرة كلما تذكر. يظهر الاشمئزاز من تفوق غريزة
الحياة على الوجه الإنساني في «حطام للذكرى» التي يأكل الجنود فيها
بشراهة قرب جثتي صديقين. يعرف الراوي انه فقد إنسانيته عندما يعجز عن
البكاء في جنازة ابن عمه، على انه لا يلبث أن يتقيأ عندما يشاهد أشلاء
صديق ويتأمل في «حيوانيته». يذهل أحمد خلف في «ترنيمة الإله والذهاب
الى أقصى الخراب» من الانهيار الثقافي عند سرقة المتحف وحرق المكتبة
الوطنية في بغداد التي ساهمت في بناء الحضارة والتمدن، وإذا بها اليوم
ضحية «كل ما هو متوحش ولا إنساني غريب عنها». في «ذاكرة مثل طريق الموت
تكتظ بالجثث وتشهد للحياة» لعماد كاظم حسين يكتشف ربان سفينة ان الجثة
الطافية التي أمر بدفنها في قبر ضحل على رصيف المرفأ تعود الى ابن
الموظف الذي يسلمه راتبه. في «متاهة الجندي: داخل الشاشة خارج الشاشة»
يحكي محمد سهيل أحمد مأساة إلغاء الحياة العادية. يهرب مجند من الجيش
مراراً ويختبئ في دار السينما ثم يختفي. الفتاة التي التقاها في
الحافلة وعشق يديها أولاً تنتظره سنوات الى أن يدهمها العمر فترضى
بالزواج من ابن عمها في تنازل يفرضه المجتمع التقليدي.
يدين تيلي أمين المواجهة المزيفة بين هويتين متصالحتين فردياً في
«رحلة الى المجهول» التي تروي تشرد الأكراد الطويل في 1991، وتصرخ
ضمناً: «انظروا ما فعله بنا ذلك الرجل». يهجر مليون كردي بيوتهم هرباً
من النظام، فتضع أمهات مواليدهن على الطريق أثناء القصف، ويتوسلن من
استطاع الحصول على خيمة القبول بالرضّع داخلها على أن يبقين هن في
الخارج.
في لحظة التباس الوطن والنظام يرمي الراوي الوثائق والشهادات
الدراسية رفضاً لدولة تطارده حتى عبر الجبال، وهو في طريقه الى إيران
فتركيا. يبقى العراق وطنه وإذ يعود يجده نهب للمرة الرابعة، واقتلعت
أبوابه ونوافذه دلالة على فقده حرمته وتحوله مشاعاً. التركماني طورهان
كتانة اكتشف اختلافه المرفوض في الثانية من عمره عندما جاء مسلحون لقتل
والده الضابط. في المدرسة تتجاهل الكتب التركمان، ويغرزه زميل بقلم حاد
في ظهره: «تركماني وتطلع الأول علينا». لا ازدواج لديه في عراقيته
وتركمانيته، على ان التمسك بهما معاً يشعره بأنه ممسك بالجمر.
«آفاق ثقافية» في عدد جديد متنوع
صدر عدد جديد من مجلة «آفاق ثقافية» التي يصدرها مجلس دبي
الثقافي باللغتين العربية والإنجليزية. وجاء العدد بمواضيع عدة في
الأبواب الثابتة، إلى جانب تغطية لعدد كبير من الأخبار الثقافية
المتنوعة.
وتناولت الافتتاحية تهنئة مجلس دبي الثقافي والقطاعات الثقافية لسمو
الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، بمناسبة تسميته ولياً للعهد في
امارة دبي، وسمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، وسمو الشيخ
حمدان بن راشد آل مكتوم، نائبين لحاكم دبي، على الثقة الغالية التي
أولاها لهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة
رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مؤسس وراعي نهضة دبي.
وفي باب مؤتمرات جاء العنوان، «دعا إلى مؤسسة عطاء عربية.. محمد بن
راشد يضاعف الوقف المعرفي»، وعنون باب حدث الشهر «بمشاركة 120 شخصية
ثقافية إماراتية.. الإمارات ضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب»، أما
باب الفعاليات فتناول ملتقى دبي للشعر الشعبي.
وإطلاق المهرجان الفرنسي للفنون، فيما تناولت جولة العدد عدداً من
الفعاليات منها، «جائزة الشيخة لطيفة لإبداعات الطفولة»، ومعرض «جنوب
الجسد، لنصر ورور»، وتطوير مجلس دبي الثقافي للكوادر السينمائية، وضم
باب المسرح «مسرح دبي الأهلي يحتفل بيوبيله الفضي».
فيما تناول ملف العدد انطلاق مهرجان دبي للتسوق وأبرز الأحداث
الثقافية والفنية التي ترافقه، وتنظيم مجلس دبي الثقافي لجادة الفنون
ضمن المهرجان، والتي تعد خطوة مهمة في تقريب الفن والثقافة من الناس.
وتناول باب الشعر لهذا العدد قصيدة «الخيل تعدو» للشاعرة جويرية
الخاجة، أما كتاب الشهر فجاء بعنوان «روائع اللؤلؤ.. التاريخ والأدب
والحياة»، تأليف خالد بن علي الصايغ، وفي النهاية ضم العدد ألبوم صور،
تنوع محتواه بين المناسبات الثقافية ومعارض الفن التشكيلي والتصوير،
التي رصدتها عدسة «آفاق ثقافية».
معرض طنجة للكتاب في دورة جديدة
محورها الهويات الهاربة
اقيمت الدورة الـ12 من معرض طنجة الدولي للكتاب بين 27 فبراير/ شباط
و2 مارس/ آذار وتم خلالها تنظيم عدة موائد مستديرة تناول بعضها "لغات
الأدب المغربي" و"الجغرافيا السياسية والشعرية الجغرافية"، و"الإسلام
في الحياة اليومية".
وعن هوية هذه التظاهرة يقول رئيس جمعية طنجة الجهوية للعمل العربي
الرميقي إن معرض طنجة ثقافي محض وليس فيه صفقات تجارية كما هو الحال
في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء.
وابتدأ المعرض الدولي للكتاب بطنجة عام 1996 بدورة بسيطة بمبادرة من
المعهد الفرنسي للشمال، غير أنه توسع شيئا فشيئا بفضل اتفاقية تعاون مع
جمعية طنجة الجهوية للعمل الثقافي، وحضور شخصيات ثقافية فرنسية
ومغربية.
ويؤكد الرميقي، وهو أستاذ اللسانيات بالمركز التربوي الجهوي بطنجة،
أن معرض طنجة الدولي للكتاب بدأ فرنسيا وصار مغربيا شيئا فشيئا ليصبح
ملتقى للغات والثقافات.
مدن الشمال
واختار المنظمون مدينة طنجة لأنها نقطة التقاء ثقافي جعل من المعرض
فضاء للغات كثيرة، من فرنسية وعربية ودارجة مغربية وأمازيغية وإسبانية.
كما أن مدن شمال المغرب الأخرى احتضنت بعضا من أنشطة المعرض، حيث
شهدت مدينة تطوان المجاورة لطنجة محاضرة حول العلوم العربية القاها
أحمد جبار، ومحاضرة ثانية بعنوان "رحلة في الأدب الجزئري" القاها سليم
الجاي، وندوات حول المتخيل المتوسطي والهوية.
أما مدينة العرائش فنظمت بها ندوة حول القراءة بحوض البحر الأبيض
المتوسط وجلسة قصصية مع جان روجيه رولان وعبد العزيز علاتي. في حين
استضافت مدينة شفشاون محاضرة حول الكتابة في العالم العربي وأمسية
قصصية مع جان روجيه رولان.
أفلام وقصائد
وتضمنت التظاهرة عرض أفلام وأمسيات شعرية يراد منها تقريب الهويات
والثقافات. ومن الأفلام المبرمجة "في الحياة" للمخرج فيليب فوكون
المولود بمدينة وجدة المغربية.
ويحكي الفيلم قصة يهودية عجوز تبحث عن امرأة تعتني بها، فلا تفلح أي
واحدة في البقاء معها لمزاجها السيئ إلا حليمة المسلمة الملتزمة فتنشأ
علاقة ود وثقة غير متوقعة جعلت اليهودية تستعيد حب الحياة.
والتقى على مائدة الشعر الشاعرة المغربية رشيدة مدني صاحبة ديوان
بعنوان "جراح في الريح"، والشاعر أحمد عصيد الذي القى قصائد
بالأمازيغية، إلى جانب الشاعر الفرنسي بيير جوريس الذي نشر أكثر من 20
ديوانا شعريا ويعكف حاليا على وضع "أنطولوجيا الشعر المغاربي".
معرض الكتاب بالمغرب انتهى وأزمة
النشر مستمرة
لم تستطع النجاحات التي يقول منظمو الدورة 14 للمعرض الدولي للكتاب
والنشر بالدار البيضاء إنها حققتها أن تخفي أحزان الكتاب ومعاناة النشر
والقراءة بالمغرب.
فالمنظمون أكدوا أن هذه الدورة حطمت الأرقام القياسية للزوار
والمبيعات، وأشادوا بمستواها وتحدثوا عن الجوائز التي وزعوها في
فعاليات المعرض، غير أن كثيرا من الكتاب والمؤلفين مازالت تلازمهم
متاعب في النشر يحاول كل منهم أن يحلها بطريقته الخاصة، أو بالبحث عن
من يدعمه.
منتصر حمادة -باحث في الحركة الإسلامية- طبع ثلاثة كتب بالمغرب لم
يحقق منها أي ربح مادي، بل اكتفى بتقديم كتبه لدار نشر مع تسديد فاتورة
الطبع، وفي النهاية لم يحصل على نسخة من كتابه الأول، بل اضطر لشراء
نسخ متبقية من ماله الخاص.
هجرة الكتب
وكما يهاجر شباب المغرب اليائس إلى أوروبا بحثا عن العمل، بدأ
الكتاب بدورهم يهاجرون بكتبهم ومؤلفاتهم بحثا عن دور نشر في بلدان أخرى
تحمل عنهم عبء التكاليف وربما تعود عليهم بشيء ولو قليل من الأرباح
وشيء من الشهرة.
ويقول حمادة إنه توجه في النهاية إلى دار الأوائل السورية من أجل
طبع وتوزيع كتابه الجديد "نحن والقاعدة" فوافقت، مؤكدا أنه فعل ذلك
للتعريف بنفسه وكتابه في العالم العربي، وهو "الأمر الذي لا يمكن أن
يحدث إذا طبعت كتابك بالمغرب".
وبمرارة يضيف حمادة "لا يمكن أن تطبع في دار نشر مغربية كبيرة إلا
إذا كنت ذا اسم كبير، أو لديك وساطات"، وضرب لذلك أمثلة بكتب طبعت في
تلك الدور "لا قيمة لها" في نظره، "لكنها وجدت سبيلا للنشر بسبب توسط
"الكبار" لها.
وليس حمادة وحده من ينوي إرسال أفكاره كي تطبع على بعد آلاف
الكيلومترات من بلده، بل إن ممثل دار عالم الكتب الحديثة بأربد
الأردنية محمد صبحي أوضح للجزيرة نت أن حوالي خمسين كاتبا مغربيا
تعاقدوا مع مؤسسته لتطبع وتنشر لهم أعمالهم بالعالم العربي والمغرب،
مؤكدا أن السبب في نظره أن الطباعة في بيروت أجود وأرخص.
وقد رخصت بعض المؤسسات المعرفية المختصة لدار عالم الكتب الحديثة
بطباعة كل مؤلفات الباحثين الأعضاء فيها، كما هو الشأن بالنسبة لمعهد
الدراسات المصطلحية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس الذي يترأسه الدكتور
الشاهد البوشيخي.
دفاع عن الناشرين
أما الدكتور محمد جبرون فقد دافع عن موقف بعض دور النشر، وقال إنها
"تتحمل خسائر وتتكبد مشاق التسويق"، الذي قال عنه إنه عملية صعبة
بالمغرب في ظل "إعلام ثقافي نخبوي حزبي كسول".
وبعد طبع كتابه "المعرفة الإصلاحية واقع التقليد ورهانات التجديد"
اكتفى جبرون بتسديد تكاليف طبع ألف نسخة استردها بشق الأنفس بعد البيع،
ولم يكن يحلم بالربح بقدر ما كان يسعى لتجنب الخسارة.
ويشير إلى أن الربح الوحيد في رأيه هو إخراج المعرفة للناس وعدم
احتكارها، ويخلص إلى أن "المؤسف أن القادة في المغرب لا يقرؤون، فكيف
بعامة الناس؟".
محمود درويش يوقع أثر الفراشة
بعمان
وقع الشاعر الفلسطيني محمود درويش ديوانه الجديد "أثر الفراشة", في
حفل حضره حشد كبير بمسرح البلد بوسط العاصمة الأردنية عمان.
وفي بداية الحفل تحدث الشاعر والروائي زهير أبو شايب قائلا "لو كان
ثمة مجال لتحدثت عن ذلك الالتباس الذي يمكن أن يحدث في لحظة كهذه,
فمحمود درويش لا يحتاج إلى أي مقدمات لأنه الشاعر الذي نعرف به ذاتنا
العميقة ونضيء عتماتها، وبه نقدم الدليل لأنفسنا وأعدائنا على أننا لا
نزال أمة تلد وتحلم وتخبئ هذا الضوء لشاعر واحد رغم كل انطفاءاتها
وخيباتها".
وتحدث عن ما أسماه "الهشة التي تتسم بها قصائد ونصوص درويش, ووصفها
بالمفاجأة التي تتحدى الشعر بالنثر والنثر بالشعر بحيث تتسرب فيها تلك
الأحاسيس والمشاعر النضرة".
ويرى أن درويش في "أثر الفراشة" يتحدث عن الشيء ونقيضه من مناطق
جديدة في الشعر ويترك في الذات أثرا لا يرى لكنه لا يزال بحيث يدفع
المتلقي إلى خلخلة الذائقة ليس بالمعنى بل باليومي.
ثلاث قصائد
وخلال الحفل خاطب درويش الحضور قائلا أشكركم فأنتم الذين جعلتم
الشعر ممكنا وضروريا.
كما ألقى الشاعر الفلسطيني ثلاث قصائد من ديوانه الذي يسميه
"يوميات", بدأها بقصيدة البنت-الصرخة, جاء فيها:
على شاطئ البحر بنت وللبنت أهل
وللأهل بيت وللبيت نافذتان وباب
وفي البحر بارجة تتسلى
بصيد المشاة على شاطئ البحر
أربعة.. خمسة.. سبعة
يسقطون على الرمل والبنت تنجو قليلا
لأن يدا من ضباب.. يدا إلهية أسعفتها فنادت
أبي يا أبي! قم لنرجع فالبحر ليس لأمثالنا
لم يجبها أبوها المسجى على ظله.
وفي القصيدة الثانية "البعوضة" جاء:
البعوضة ولا تعرف اسم مذكرها
أشد فتكا من النميمة
لا تكتفي بمص الدم
تزج بك في معركة عبثية
ولا تزور إلا في الظلام
كحمى المتنبي
لكن البعوضة تحط على الصفحة التي تقرؤها
وتفرح في سرك لقد وقعت في الفخ
وتطوي الكتاب عليها بقوة
قتلتها وحين تفتح الكتاب
لتزهو بانتصارك لا تجد
البعوضة ولا الكلمات.
أما في القصيدة الثالثة "بندقية" فقال:
لن يهزمني أحد ولن أنتصر على أحد
قال رجل الأمن المقنع المكلف بمهمة غامضة
أطلق النار على الهواء
وقال على الرصاصة وحدها أن تعرف من هو العدو
رد عليه الهواء برصاصة مماثلة
وحين عاد إلى بيته في المخيم
متكئا على بندقيته وجد البيت
مزدحما بالمعزين فابتسم لأنه
ظن أنهم ظنوا أنه شهيد حقا
وقال: لم أمت
وعندما أخبروه أنه هو قاتل أخيه نظر إلى بندقيته
باحتقار وقال: سأبيعها لأشتري بثمنها كفنا يليق بأخي.
تكريس الجماهيرية
من جانبه قال الناقد موسى برهومة إن الشاعر محمود درويش يكرس مرة
أخرى حضوره وجماهيريته لتأكيد أن الشعر لا يزال كما قال "ممكنا
وضروريا"، فالجمهور الذي احتشد في مسرح البلد لمتابعة توقيع كتابه
الأخير يؤكد أن الشاعر عندما يصغي إلى إيقاع اللحظة التاريخية فإنه
يظفر بالشعر والجمهور معا.
وأضاف برهومة أن هذه السمة لا تتوفر ولم تتوفر من قبل إلا لشاعرين
اثنين معاصرين هما الراحل نزار قباني ومحمود درويش الذي يؤكد أن على
الأرض ما يستحق الحياة.
واستطرد الناقد قائلا إنه رغم أن مجموعة درويش الأخيرة "أثر
الفراشة" تقف كما قال على التخوم من التجنيس الأدبي إلا أن ذلك لم يمنع
الجمهور الكثيف داخل المسرح وخارجه أن يصطف طوابير طويلة لنيل نسخة من
الكتاب الذي يصعب على صاحبه تعريفه سواء أكان ينتمي إلى النثر أم للشعر
أو كليهما.
وختم تعليقه بالقول "المهم أن درويش لا يزال يعد القصيدة العربية
بالكثير كما يعد قراءه بأن يظل متجددا دفاقا يجترح لغة جديدة ويأخذ
جمهوره إلى فضاءات جديدة".
يذكر أن يوميات درويش كتبت بين صيفي 2006 و2007 في أكثر من مدينة
وقرية عاش فيها الشاعر عبر العالم.
اختيارات مجلة (التايم) الروائية
تناقلت الصحافة الثقافية العربية والمحلية التقرير السنوي التي دابت
مجلة (التايم) الامريكية علي تقديمه، منذ صدورها اول مرة عام 1925،
الذي تضمن افضل مئة عمل روائي مكتوب باللغة الانكليزية منذ عام 1923 في
اي مكان في العالم. التقرير يشير صراحة الي استغناء لجنة اعداد التقرير
عن اعمال روائية كانت لاغني عنها في الاعوام القليلة الماضية، بدعوي
(ان خيالها الاساس مرحلي، ضمن مدة زمنية محددة)، ليس هذا حسب، بل يعترف
التقرير (ان هناك اكثر من مئة اسم كتبهم تملأ مكتباتنا، اسقطت من قوائم
الاختيار). وان (هناك روايات عظيمة لا يمكن الاستغناء عنها) ولكن.
والكلام لايزال للجنة الخبراء (كان الاختيار قد خضع الي غرضين: الاول
هو الفائدة والثاني هو اثارة الآخرين بالطبع) وكلام كهذا لا يمكن صراحة
فهمه، اذ ما معني (الفائدة) وما هو المقصود من وراء عبارة (إثارة
الآخرين بالطبع)؟.
اللافت للنظر ستة كتاب اختير لكل منهم عملين روائيين، الكاتبة
الكبيرة فرجينيا وولف اختاروا لها (الي الفنار، والسيدة دولاوي) ولجورج
اورويل اختاروا (مزرعة الحيوانات و1948) اما نابوكوف فاختاروا له
(لوليتا، ونار الحضيرة) ولوليم فوكنر (الصخب والعنف وضوء في آب)
ولغراهام غرين فضلوا (جوهر الموضوع والقوة والمجد) و(صراخ لوت، وقوس
قزح) روايتي توماس بينكن.
وهناك كتاب آخرون نعرفهم امثال سليمان رشدي وهمنغواي وهنري ميلروجون
شتاينبك واي ام فورستر وماركريت ميتشل وفيتز جيرالد، فاخذت لكل واحد
منهم رواية والروايات المختارة هي علي التوالي: (أطفال منتصف الليل)
و(الشمس تشرق ايضا) و(مدار السرطان عناقيد الغضب) و(رحلة الي الهند)
و(ذهب مع الريح) و(غاتسبي العظيم). المثير للجدل هوا ن هذه الروايات
صدرت في النصف الاول من القرن الماضي، روايتا فرجينيا وولف صدرتا في
العشرينات وفي الثلاثينات صدرت روايتا وليم فوكنر اما روايتا غراهام
غرين، وروايتا جورج اورويل فقد صدرتا في الاربعينات، وفي خمسينات القرن
المنصرم وصدرت روايتا نابوكوف وكل ما تبقي تقع اصداراتها ضمن تلك
السنوات باستثناء رواية سليمان رشدي اذ صدرت عام 1981. ثم ان معظم
الروايات المرشحة كنا قد قد قرأناها. وهي علي اهميتها بطبيعة الحال،
غير انها من حيث اللغة والمعالجة وتقنيات السرد ليست الافضل من روايات
حديثة من نوع (العراب) لبوزو و(مرديان الدم) لمكارثي. وفي الأخير لا
ندري لماذا اهملت رواية عظيمة مثل (موبي ديك) لهرمان ملفل التي لاتزال
احداثها حية تنبض في الذاكرة، علي الرغم من مرور اكثر من ثلاثين عاما
علي قراءتها، وكيف ان (آخاب) بطل الرواية يخطف في خيالي وهو يعبر
السفينة قافزا علي ساق واحدة، يتوعد حيتان المحيطات بالفناء التام،
ملوحا بخطافه المخيف، ثأرا منه لساقه التي قطعتها سمكة قرش وابتلعتها
وكذلك رواية (كوخ العم توم) لهارييت ستاو، اذ اتخذت من اضطهاد العبيد
في امريكا مادة روايتها وكان الزنوج يتزاحمون لرؤيتها وتقبيل اطراف
ثوبها، وتقبيل الأرض التي تسير عليها.
ويستقبلها الرئيس الامريكي (لنكولن) في البيت الابيض يصافحها بحرارة
ويهتف (اذن هذه هي المراة التي اضرمت نار الحرب ضد التمييز العنصري)
واينما ظهرت يرفع الرجال لها قبعاتهم والنساء يبتسمن ويصفقن وتدق
لمقدمها اجراس الكنائس وانها الرواية الفذة التي ابكت حال صدورها
امريكا كلها والنصف الآخر من العالم كما يقول كاتب سيرتها، س. ر.
مارتين. فضلا عن روايتي الأختين: اميلي برونتي، وشارولون برونتي
الذائعتين.
فهل من دلالات هذا التراجع في النقد الادبي الثوري الامريكي انه
اليأس حين رأي ماذا فعلت المكارثية في الشخصيات الامريكية ذات التفكير
التقدمي، وان صواريخ (كروز) والطائرة (الشبح) هما الكفيلان بتغيير
(الانظمة المارقة) متي ارادا ذلك، وليس الادب، فانصرف النقد الي
التسلية والترفيه واثارة الغرائز وبقية اشكال العنف.
شخصيات عراقية في حلبة الصراع
صدر حديثاً كتاب (لقاء الاضداد) فوق الساحة الوطنية العراقية
الكبري، حقائق وثائقية مجهولة عن ثلاث وأربعين شخصية عراقية في العهد
الملكي لمؤلفه الاستاذ الدكتور عادل تقي عبد البلداوي.
تناول الكتاب الوثائق السرية الصادرة عن مديرية الامن العامة بحق
الشخصيات المعروضة فيه والادوار التي لعبوها في مناسبات معينة خلال
الحكم الملكي. لاشك ان هذا الكتاب قد اعطي للقارئ حقيقة الجهود المضنية
التي جابهت المؤلف لاسيما عرضه للوثائق الخاصة بمديرية الامن العامة،
وهي جهود لايمكن التقليل من شأنها اضافة الي ان ذكر عدد من الشخصيات
التي تناولها المؤلف تدفع بلا شك جمهرة من الباحثين والمؤرخين الي
التعمق اكثر لاستجلاء حقائق جديدة عن الادوار التي لعبها اولئك
والتضحيات الجسيمة التي قدموها، فشكراً للدكتور البلداوي علي هذا الجهد
القيم الذي رفد به المكتبة العراقية والعربية غير ان لنا بعض الملاحظات
وهي بلا شك لاتقلل من قيمة هذا الجهد نوجزها كما يلي:
1 ــ لقد حوي غلاف الكتاب بواجهته الامامية علي عبارة: تقديم
الاستاذ الدكتور كمال مظهر احمد في حين ان الكتاب خلا من التقديم وجاءت
كلمة الاستاذ الدكتور كمال في ظهر الغلاف علي شكل تعريف بالكتاب
والكاتب.
2 ــ تناول الكتاب بعض الشخصيات التي كان لها موقف او اكثر غير انها
لاترتقي الي مستوي الاضداد.
3 ــ عرج الكاتب علي عدد من الشخصيات الوطنية المعروفة للقاصي
والداني غير انه لم يحط احاطة تامة بما قدموه وما لاقوه بل اكتفي
بالتحدث عنهم من خلال اسطر قليلة.
4 ــ حوي الكتاب ورقة صغيرة فيها اشارة الي ثلاثة اخطاء مطبعية فقط
في حين ان الاخطاء المطبعية اكثر من ذلك بكثير.
5 ــ الملاحظ ان الكتاب يخلو من الهوامش الضرورية للتعريف بالشخصيات
وهذه باعتقادنا لها من الأهمية الشيء الكبير.
اخيراً فاننا من خلال هذه الملاحظات لانبغي التقليل من شأن الكتاب
اطلاقاًَ فهو مجموعة وثائق مهمة جداً تدفع الباحثين الي سبر الاغوار
وتقديم المزيد، فشكراً والف شكر للأستاذ الدكتور عادل البلداوي ونأمل
ان نري في المستقبل القريب المزيد من الجهود الثقافية والفكرية
والتأريخية ولا اظنه سيبخل علي القارئ بهذه الجهود.
الضحك في (السيما) المصرية والحنين
يتابع الناقد السنمائي طارق الشناوي ظاهرة الكوميديا الجديدة في
السينما المصرية منذ العام 1997 بدءا بفيلم (إسماعيلية رايح جاي) لمحمد
هنيدي ومحمد فؤاد وحتي 2007 حيث عرض فيلم كركر لمحمد سعد وكده رضا
لأحمد حلمي وعندليب الدقي لمحمد هنيدي ومرجان أحمد مرجان لعادل إمام.
الشناوي ناقد سينمائي وكاتب صحافي بمجلة (روز اليوسف) له عدد من
الكتب من بينها (سعيد مرزوق عاشق السينما) و(أنا والعذاب وأم كلثوم)،
كما أعد وقدم عددا من البرامج التليفزيونية منها (عمالقة الفن السابع)
علي قناة أوربيت.
صدر هذا الكتاب (سنوات الضحك في السينما المصرية) للناقد السينمائي
طارق الشناوي في إطار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته
الواحدة والثلاثين الذي شهدت القاهرة فعالياته أواخر نوفمبر 2007.
قصائد عراقية بثلاث لغات
صدرت في العاصمة الإسبانية مدريد الطبعة الثالثة من ديوان محسن
الرملي (كلنا أرامل الأجوبة) بثلاث لغات هي العربية والإسبانية
والإنكليزية وذلك عن دار الفالفا، وكانت الطبعة العربية الأولي قد صدرت
عام 2003 عن دار ألواح فيما صدرت الطبعة الثانية بالإسبانية
والإنكليزية سنة 2006 في كولومبيا أثناء مشاركة الرملي في مهرجان مديين
العالمي للشعر. وترجم الرملي قصائده الي الإسبانية حيث كُتبت بعض
النصوص الأصلية بالعربية وبعضها الآخر بالإسبانية فيما قامت الشاعرة
الأمريكية سامانتا لويس والمترجمة آليثيا ريبارد بالترجمة إلي
الإنكليزية. علماً بأن بعض قصائد هذا الديوان قد ترجمت أيضاً إلي لغات
أخري كالتركية والألبانية والروسية. و جري أكثر من حفل تقديم وتوقيع
لطبعة الكتاب الجديدة منها في المركز الثقافي السوري في مدريد ومكتبة
بلدية بايكاس العامة وصالة ملتقي باباب الثقافي وغيرها. |