مصطلحات اقتصادية:كارتل

كارتل: Cartel

شبكة النبأ: مصطلح مشتق من كلمة كارتا (Charta) اللاتينية التي تعني ميثاق. والكارتل هو الحلف الاحتكاري الذي يتم بين عدة منشآت يظل بعضها مستقلاً عن بعض رغم وجود اتفاق يلزمها جميعاً بالعمل على تحديد أو إزالة المنافسة فيما بينها. ويختلف الكارتل عن التروست (Trust) الذي هو عبارة عن مجموعة منشآت تخضع لإدارة موحدة.

وتتعهد المنشآت الأعضاء في الكارتل بالعمل على تقاسم الأسواق أو على تحديد كمية المنتوجات أو أسعار البيع أو عليها كلها. بحيث وإن كانت المنشآت المذكورة تنتج وتبيع منتوجاتها بشكل مستقل فيظل بعضها مربوطاً ببعض بحلف مشترك لأجل قد يطول أو يقصر حسب الاتفاق، بحيث إذا أخلّت إحداها بأي بند من بنود الاتفاق تتعرض لعقوبات مالية ثقيلة. وقد يكون الكارتل دولياً أي يشمل منشآت من عدة دول ويكون مجال عمله السوق الدولية كما هو الحال بالنسبة للكارتل النفطي الذي يضم عدة شركات يتحالف بعضها مع بعض للسيطرة على السوق العالمية للنفط بتحكمها في الأسعار زيادة أو نقصاناً، وقد تناقص دور ذلك الكارتل منذ أن أصبحت معظم الدول النفطية تتحكم في نفوطها بدرجات متفاوتة. كذلك الحال بالنسبة لكارتلات الفولاذ والصناعات الكيمياوية والصناعات الكهربائية.. التي ظهرت بشكل خاص في فترة ما بين الحربين العالميتين. وبعد الحرب العالمية الثانية، حيث لعبت دوراً كبيراً في الإبقاء على الاستعمار الاقتصادي للبلدان المنتجة للمواد الأولية.

وقد يكون مجال عمل الكارتل ضمن الحدود الوطنية، بحيث يمكّن بعض القوى الاقتصادية (الأوليغارشية المالية) من التحكم في الدورة الاقتصادية بمجموعها، وذلك بإحكام قبضتها على رؤوس الأموال والاستثمارات واليد العاملة ومصادر التمويل والأسواق الخ..

وتجدر الإشارة إلى أن الكارتل لا يتم إلا بين المنشآت الكبرى المتقاربة الأحجام والتي تنتج نفس المنتوجات أو المنتوجات المتشابهة والمكملة لبعضها وهناك الكارتلات أو التحالفات الأفقية والتحالفات العمودية:

- فالتحالفات الأفقية هي التي تتم بين المنشآت التي تعمل على نفس المستوى ضمن البنية العامة للنشاط الاقتصادي مثل التحالفات التي تتم على مستوى الإنتاج أو مستوى التوزيع... وقد يلقى هذا النوع تشجيعاً ضمن نظام الاقتصاد الحر من طرف الحكومة نفسها أثناء الأزمات بحجة تجنب تشتيت الجهود والوصول بالجهاز الإنتاجي إلى حالته المثلى وتنظيم الاقتصاد. وكان الرئيس الأمريكي (Roosvelt) من أوائل الذين أكدوا على ذلك عندما أصدر (التشريعات الصناعية). ولكن أثبتت التجارب أن الكارتل يعمل بالدرجة الأولى على تحقيق أكبر ربح ممكن لأعضائه، وبدل أن يزيد في الإنتاج وينظمه كما يعتقد الذين يريدون تشجيعه، فهو يعمل على تخفيض الكميات المنتجة أو المسوقة من سلعة ما لكي يرفع في سعرها، أي ممارسة المضاربة والاحتكار، وهو ما يسمى بتحديد العرض، أو يعمل على تخفيض كلفة الإنتاج دون أن ينعكس ذلك على المستهلك أي دون تخفيض الأسعار؛ أو يلجأ أيضاً إلى تجميد براءات الاختراع والتعتيم على الاختراعات الجديدة لحماية بعض المنتوجات مثلما هو الحال مثلاً بالنسبة لتعطيل العمل بالسيارة الكهربائية التي يمكن إنتاجها واستعمالها عملياً بشكل ناجح، وذلك لحماية صناعة السيارات التقليدية والصناعات النفطية...

- أما الكارتلات أو التحالفات العمودية فهي ترمي إلى الحد من مرونة السوق وخاصة الحد من كثرة البائعين والمشترين الصغار الذين يبيعون ويشترون كميات صغيرة من السلع وهو ما يسمى (Atomicite du marche) وذلك لكي لا يستفيد المشتري من لعبة المنافسة بين البائعين للمحافظة طبعاً على أسعار البيع مرتفعة، كما تمارس تلك التحالفات أيضاً تعسفاً في حق المستهلك وبائع التجزئة (المفرق) بفرض أسعار مرتفعة جداً بحيث إذا رفض بائع التجزئة بيعها بذلك السعر وأراد بيعها بسعر أقل فإن المنتج أو بائع الجملة الذي هو عضو في الكارتل يرفض تزويده بالسلع الضرورية وبذلك يمارس عليه ضغطاً قوياً، كما قد يلجأ المنتج العضو في الكارتل إلى منح حق الامتياز في التوزيع إلى عدد محدد من الموزعين ويمنعه عن عدد آخر ليحكم قبضته على أولئك الموزعين. كما تستخدم الكارتلات العمودية ممارسات تعسفية أخرى مثل المماطلة في تسليم المنتوجات في موعدها المحدد أو تزويد الموزع بسلع معيبة أو قليلة الجودة.... لمعاقبته إذا ما بدت منه أي محاولة للتمرد على قراراتها.

ومنذ القديم كانت الحكومات بمختلف مذاهبها تعمل على محاربة الكارتل والتحالفات الاقتصادية الاحتكارية التي تريد عرقلة (المنافسة النزيهة) كما يسميها منظرو الاقتصاد الحرب. فأول قوانين ضد التحالفات الاحتكارية صدرت في الولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر. فقد ظهر أولاً قانون شرمان في 1890، ثم قانون كلايتون في 1914، ثم تأسست في السنة نفسها هيئة فدرالية لمحاربة التحالفات والعمودية منها بشكل خاص. واستمرت المجابهة للتحالفات قوية إلى أن أتت حكومة الرئيس روزفلت وأصدرت، كما سبق قولنا، تشريعات لتخفيف القيود عن التحالفات بل ولتشجعيها، ولكن المحاولات الرامية لاحتواء الكارتلات باءت بالفشل، الأمر الذي يجعل مختلف الحكومات اللاحقة تعود لسياسة مجابهة الكارتلات معتمدة في ذلك على الهيئة الفدرالية التي تعتمد إلى فرض عقوباتها الزجرية عند حدوث المخالفات التالية: عمليات الدمج لغاية الاحتكار. – فرض أسعار تعسفية. – إيجاد منافسة غير نزيهة بين الموزعين وتخصيص البعض بعقود امتياز. – الدعاية الكاذبة والمضللة.

واتبعت بريطانيا السياسة نفسها في مجابهة الكارتل فأصدرت قوانين في ذلك الشأن مثل قانون 1948 الذي أصدرته حكومة العمال، وقانون 1956 الذي صدر في عهد حكومة المحافظين.

أما في ألمانيا الاتحادية فإن سياسة مجابهة الكارتلات كانت دوماً معتدلة وكانت لا تحد إلا من المبالغة في الاحتكار دون التعرض للكارتلات ذاتها مثلما يتضح في قانون 1923، بل إن النظام الهتلري شجع الكارتلات بحجة (توجيه الانتاج وتنظيمه). وإذا كان قانون 1957 والمطبق حالياً يعتبر أكثر صرامة فإنه في الواقع لا يلغي دور الكارتل في الحياة الاقتصادية. وربما يرجع ذلك إلى أن الكارتل الألماني يختلف نسبياً من حيث أنه أكثر انضباطاً وتقيداً بالقوانين التي يضعها المسؤولون من ناحية وللتربية المدنية وروح الانضباط العالية السائدة في المجتمع الألماني من ناحية أخرى، بحيث يظل الاحتكار أقل نسبياً مما هو عليه في الدول الأخرى.

أما في فرنسا فقد ألغيت التحالفات الاحتكارية منذ 1791 إبان الثورة الفرنسية بصدور القانون الشهير المعروف باسم (Le Chapelier) ولكن لم تأت سنة 1864حتى ألغي ذلك القانون وعوض بآخر يسمح بإقامة مختلف أنواع التجمعات والتكتلات. وفي مطلع القرن العشرين صدر قانونان يعاقبان اللجوء إلى التكتلات التي ترفع أو تخفض الأسعار بشكل مصطنع أو تلجأ إلى وسائل لا تراعي القانون الطبيعي للعرض والطلب للحصول على الأرباح... ثم تأسست لجنة خاصة لمحاكمة التحالفات الاحتكارية.

كما نص ميثاق المجموعة الأوروبية على حرية المنافسة وأدان كل الممارسات التي من شأنها عرقلة المنافسة الحرة والنزيهة. كما توجد ضمن السوق الأوروبية المشتركة لجنة خاصة لمحاكمة الكارتل. وقد تبلغ العقوبة المفروضة على المخالفين حتى مليون وحدة حسابية أو 10% من رقم أعمال (رقم المبيعات) المنشأة المدانة ويقع التشهير بها لدى الدول الأعضاء. ولكن الواقع يظهر أن كل تلك القرارات تظل حبراً على ورق لأسباب عملية (صعوبة التحقيق في المخالفات) وأسباب سياسية.

متعلقات

ألغاء كارتل(مجمع) شركات الأدوية(1)    

كارتل –IG-Farben

لقد كانت أضخم امبراطورية اقتصادية في ألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين هي مجموعة الألوان للمصالح وبأختصار  IG” – للألوان". وهي اتحاد من شركات  BASF, Bayer,Hoechst وشركات كيميائية ودوائية أخرى. ويعد هذا الكارتل أكبر ممول للحملة الأنتخابية لهتلر. وكانوا بعد وصوله للحكم أكبر مستفيد من حملة الغزو الألمانية في الحرب العالمية الثانية. اذ زودتها مصانع الكارتل بالمواد المتفجرة والوقود الصناعي بنسبة 100% .

وخلصت لجنة تحقيق أمريكية عام 1946 الى القول بأنه لولا كارتل IG للألوان  لما قامت للحرب العالمية الثانية قائمة.

ولن ينسى أحد مشاهد معسكر الأعتقال الجماعي في مدينة "آوشفتز" من فلم "قائمة شندلر". لقد كانت آوشفتز أضخم ماكينة للأبادة الجماعية في تاريخ الأنسانية. الا أن آوشفتز كان المركز الفرعي, أما المشروع الرئيسي فكان اسمه "آوشفتز IG " أكبر هيئة صناعية في العالم لأنتاج البنزين الصناعي والمطاط الضروريين لاحتلال أوروبا.

بتاريخ 1/3/1941 تفقد قائد البوليس السري في الرايخ برفقة مجلس الأدارة لكارتل IG” للألوان" ورشة العمل.

وفي 7/4  احتفلوا بتشييد المعسكر. وبتاريخ 14/4/1941 كتب أوتو أمبروس   (Otto Ambros) عضو مجلس الأدارة في الكارتل والمسؤول عن آوشفتز الى زملائه في مدينة لودفكس هافن:

ها هي صداقتنا الجديدة مع الجيش السري تؤتي ثمارها. فقد حددنا كل الأجراءات المتعلقة بتخطيط المعسكر لصالح شركتنا. يضاف لذلك كله أن قسم الصناعات الدوائية في كارتل IG للألوان قام باستخدام المعتقلين كحقل تجارب وخاصة لتجربة اللقاحات الجديدة.

 ولم يكن المعتقلون في حاجة الى التفكير في الضمان والرعاية عند شيخوختهم. فالمرضى والضعفاء منهم كانوا يفرزون على بوابة المعمل التابع لمجمع  IG ثم يحرقون. حتى أن معامل IG هي التي أنتجت الغاز السام  Zyklon B  والذي فتك بخمسة ملايين من البشر.

وبالرغم من أن محاكم نيرنبرج لمجرمي الحرب قد ادانت 24 مديرا من مجمع IG بتهم الأعدام الجماعي واستعباد الشعوب وغيرها الا أنهم كانوا طلقاء بحلول عام 1951 . وصدر قرار من محاكم نيرنبرج بحظر الكارتل IG وتفكيكه الى ثلاث شركات هي BASF, Bayer , Hoechst  . اما اليوم فيبلغ حجم كل ربيبة منهم 20 ضعفا مقارنة بالشركة الأم IG للألوان في زمن أوجها عام 1944 آخر سنين الحرب.

(( أدانت محاكم نيرنبرج لمجرمي الحرب 24 موظفا اداريا من BASF, Bayer , Hoechst بتهم الأعدام الجماعي ثم فككت مجمع IG الألوان. اما اليوم فيبلغ حجم كل شركة وريثة منهم 20 ضعفا مقارنة بالشركة الأم IG للألوان عام 1944 .واليوم تستعمل هذه القوة الأقتصادية مجددا لتهديد حياة وصحة الملايين من الناس.

أما رئاسة مجالس الأدارة – وهي قمة الهرم الأداري للشركات الثلاث BASF, Bayer , Hoechst فقد ظل يشغلها أعضاء في حزب العمال القومي الأشتراكي مدة 25 سنة بعد انتهاء الحرب .

فرئيس مجلس ادارة BASF حتى عام 1974 كارل فورستر (Carl Wurster )شغل ابان الحرب عضوية مجلس الأدارة في معمل الغاز Zyklon B. أما كارل وناكرKarl Winnacker) )رئيس مجلس ادارة Hoechst حتى السبعينات فقد شغل عضوية مجلس الأدارة في IG للألوان وعضوية فرقة الأقتحام. وأما ثالثهم كورت هانزن (Kurt Hansen )فهو رئيس مجلس ادارة Bayer حتى السبعينات وقد كان أحد المنظمين للحملة الحربية فيما يسمى بالهيئة الرئيسية لتوفير المواد الخام.

أما في نظام ما بعد الحرب فقد ساندت ربائب الكارتل IG للألوان اؤلئك السياسيين الذين مثلوا مصالحهم .

فقد دعمت شركة BASF في الخمسينات والستينات المستقبل السياسي لنائب صاعد من أحد ضواحي مدينة  لودفكس هافن (ألمانيا). ثم تطورت العلاقة لصالح الطرفين. وبقي هذا النائب 16 سنة مستشارا لألمانيا. وأصبحت شركات الصناعات الكيميائية والدوائية في عهد حكومته في قمة الشركات الضخمة المصدرة في العالم. وقد كان لها فروع في أكثر من 120 دولة في العالم بما يفوق الكارتل في ذلك الزمان.

ومن هنا نرى أن للسياسة الألمانية الداعمة لمصالح الكارتلات الأقتصادية العالمية منها والألمانية تقاليد تفوق مئة عام.

وعلى ضوء هذه الخلفية التاريخية نفهم الدعم الذي تقدمه بون لمشاريع لجنة الكودكس غير الأخلاقية.

ان رئيس المشتكين الأمريكيين ضد مدراء كارتل IG للألوان لدى محاكم نيرنبرج لمجرمي الحرب قد تنبأ بهذا التطور عندما قال:" ان هؤلاء المتهمين هم مجرموا الحرب الأساسيون وليسوا اولئك المتطرفين النازيين القاصرين عن التمييز.

فاذا لم يسلط الضوء على مسؤولية هؤلاء المتهمين ثم يحاكموا فسيشكلون خطرا للسلام العالمي في المستقبل أكبر مما يشكله هتلر فيما لو كان حيا".

فانطلاقا من هذه البلاد الألمانية تكبدت البشرية آلاما بالغة مرتين في هذا القرن.

أما ان فرض الكارتل ارادته بمساعدة بون فسيتعثر النصر الممكن على الموت القلبي مما يؤدي دون ضرورة الى وفاة نصف مليار انسان من الجيل القادم بالسكتة القلبية.

 ان فرض الكارتل ارادته في حظر المعلومات فسيؤدي الى وفاة نصف مليار انسان في السنين الثلاثين القادمة بالسكتة القلبية والجلطة الدموية.

تغيّرات أسعار النفط العربي وعوائده(2)

 الملخّص 

خضعت أسعار النفط إلى تقلبات حادة ومفاجئة منذ اكتشاف النفط وحتى يومنا هذا وكان ذلك نتيجة مجموعة من العوامل والمؤثرات التي ساهمت بشكل أو بآخر في تغير الأسعار وتقلبها ومن هذه العوامل ( العلاقة بين العرض والطلب والعوامل السياسية والمناخية......وغيرها ) وبالنظر إلى اقتصاديات الدول النامية – وخاصة الدول العربية – المنتجة للنفط قائمة على تصدير سلعة منفردة وهي النفط ، نجد أن تقلبات الأسعار تقود إلى أضرار بعيدة المدى لهذه البلدان نظراً لكون النفط وعوائده المالية يشكلان المورد الأساسي لتمويل عمليات التنمية الاقتصادية داخل هذه البلدان وتمويل الاستثمار في المجال النفطي وتطوير ما هو قائم فيه وإدخال التقنيات والتكنولوجيا الحديثة إليه بهدف توسيع طاقاته الإنتاجية لتواكب متطلبات التنمية ، فضلاً عن توفير التمويل اللازم للاستثمار في المراحل اللاحقة للإنتاج النفطي كالنقل والتكرير والتوزيع.

 

كلمات مفتاحية : النفط العربي ، سعر النفط ،  الاحتكار النفطي ، السوق النفطية ، الشركات النفطية ، التضخم، العوائد النفطية ، الطلب العالمي على النفط .

مقدمة:

يحتل النفط المركز الأول بين جميع مصادر الطاقة ، وهو سبب الصراع الدائم بين الدول الكبرى في العالم في ما بينها ومع الدول المنتجة، وجاءت أهميته هذه في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، والدور الذي لعبه فيها، حيث توجهت أنظار العالم نحو السيطرة على هذه الثروة النفطية وامتلاكها ، فكان ظهور الشركات الاحتكارية كإحدى الوسائل للضغط على الدول المنتجة للنفط ، والتحكم بسوق النفط العالمية . والضغط على منظمة الأوبك التي نشأت كضرورة حاسمة للوقوف في وجه الاحتكارات والكارتيلات البترولية .  فكان قيام المنظمة عام 1960 نقطة تحول في تاريخ الصراعات نتيجة المتغيرات النفطية العالمية وتقلبات الأسعار ، وسوف نستعرض في بحثنا هذا تطورات أسعار النفط منذ اكتشافه في عام 1860  إلى عام 2006  متناولين دور منظمة الأوبك وصراعها مع الاحتكارات النفطية  في تحديد الأسعار ، وسوف نتناول أيضاً تطور عوائد النفط العربي والعوامل المؤثرة به.

أهمية البحث وأهدافه:

 لعب النفط دوراً كبيراً في تطور ورفاهية الدول الصناعية المستهلكة له والبلدان النامية المصدرة له ، حيث كان عصباً حيوياً للدول المنتجة له وأيضاً للدول المستهلكة له ومحركاً أساسياً لاقتصادياتها ، كما أصبح عنصر خلاف وصراع بين الدول الكبرى للسيطرة على منابع النفط ومن ثم التحكم بأسعاره ، وهنا كان لابد لنا  من  ضرورة دراسة تطورات أسعار النفط العربي ودراسة العوامل المؤثرة به.

هدف البحث: 

دراسة وتحليل تطورات أسعار النفط العربي وتطور عوائده، وتحديد العوامل المؤثرة في كل منهما. وذلك لفهم تأثير هذه العوامل والمؤثرات على مسيرة تغيير أسعار النفط والتي بدورها تؤثر على قيمة صادراتها النفطية وعوائدها بغية تلافي ما حصل من تأثير سلبي لهذه العوامل في الماضي وتحديد السبل والوسائل الكفيلة لمواجهة مخاطر هذه التقلبات الحادة في أسعار النفط والتقليل من خطرها قدر المستطاع.

منهج البحث:

من أجل تحقيق أهداف البحث تم اعتماد المنهج التاريخي حيث تم استعراض تطور أسعار النفط منذ البدايات وحتى الوقت الراهن، كما تم استخدام المنهج التحليلي الإحصائي في دراسة وتحليل الإحصائيات والأرقام الخاصة بأسعار النفط الخام وعوائده. 

التغير التاريخي لأسعار النفط الخام منذ اكتشاف النفط وحتى نهاية عقد الستينات:

للتعرف على التسلسل التاريخي للمراحل التي قطعتها مسيرة أسعار النفط على النطاق العالمي بصورة عامة، وعلى النطاق العربي بصورة خاصة، يتطلب الأمر العودة إلى الوراء إلى ما قبل أكثر من قرن من الزمن، وبالذات عندما تم اكتشاف أول بئر نفطي على يد أدوين دريك بولاية بنسلفانيا عام 1859 وبدأ إنتاجه بمعدل (30) ب/ي حيث تم بيع البرميل الخام ب(20) دولار تقريباً خلال العام نفسه ولفترة قصيرة جداً، ويعود السبب في ذلك

إلى أن العديد من الأفراد والمؤسسات قد تسابقوا من أجل استثمار أموالهم  في حفر آبار جديدة لاستخراج النفط أسوة بما فعله دريك مما أدى إلى زيادة المعروض من النفط الخام بشكل لا يتناسب مطلقاً مع الطلب المحلي المنخفض جداً عليه آنذاك، بالإضافة لقلة استعماله كوقود في ذلك الوقت، ولكن أول سعر للنفط الخام على نطاق تجاري لم يظهر إلا في عام 1860 وذلك في ولاية بنسلفانيا.ويبين الجدول رقم (1) بأن سعر البرميل من النفط الخام كان ( 9.59) دولار للبرميل  في عام 1860 وانخفض إلى (0.49) دولار للبرميل  في العام التالي وذلك يعود إلى جملة أسباب منها دخول عدد كبير من المنتجين في هذه الصناعة، بالإضافة إلى الاستعمالات المحدودة للنفط الخام آنذاك. إلا أن انخفاض رأس المال المستخدم في استخراج النفط الخام من قبل العدد الكبير من المنتجين جعل أمر المنافسة التامة حتمياً بين هؤلاء المنتجين، والذي مهد بدوره إلى ظهور شركة قائدة – نتيجة لامتلاكها لرأسمال كبير- هي شركة ستاندرد أويل (STANDARD OIL COMPANY) في ولاية نيوجرسي الأمريكية، حيث سيطرت على الصناعة النفطية لعقود عديدة من الزمن. ولم يقتصر الإنتاج على الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بل أنتجت النفط كل من رومانيا والاتحاد السوفييتي سابقاً وكندا مع بلدان ومناطق أخرى، غير أن تركز شركات النفط كان في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت شركة ستاندرد أويل أوف نيوجرسي (ٍSTANDARD OIL OF NEWJERSY) أول شركة نفطية كبرى تؤثر في تحديد أسعار النفط  ]1[  ويبين الجدول رقم (1) أن الأسعار المعلنة للنفط الأمريكي الخام قد استمر بالتذبذب ما بين (0.95 دولار للبرميل و1.29 دولار للبرميل ) للفترة من عام 1880 إلى عام1899. وعند اكتشاف النفط في ولاية تكساس الأمريكية في نهاية عام 1900 ظهرت في الصناعة النفطية شركات منافسة لشركة ستاندرد أويل وأهمها شركة نفط الخليج (GULF OIL COMPANY) وشركة تكساس ( TEXACO COMPANY) اللتان قامتا بإنتاج النفط بكميات كبيرة وتحديد أسعار جديدة له وقد تسبب ذلك في لجوء شركة ستاندرد أويل إلى الاتفاق مع هاتين الشركتين لتوحيد الأسعار، وذلك باحتساب سعر جديد على المتوسط العام لأسعار نفوط الشركات الثلاث في آن واحد، ويبين الجدول رقم (1) أن السعر الجديد للبرميل الأمريكي من النفط الخام كان (1.19) دولار للبرميل في نهاية عام 1900، إلا أنه انخفض في السنوات التالية حتى وصل إلى (0.61) دولار للبرميل في بداية عام 1910، وكان من بين أسباب انخفاض أسعار النفط الأمريكي عام 1910، دخول العديد من الشركات في هذه الصناعة والتدخل الحكومي من أجل حل الاحتكار النفطي بهدف تشجيع المنتجين الجدد وحماية المستهلك الأخير.

ولقد لعبت ظروف الحرب العالمية الأولى في التأثير على أسعار النفط الخام الأمريكي حيث إن هذه الأسعار قد ارتفعت في نهاية الحرب عن المستوى الذي كان سائداً في بدايتها، ولقد استمر تزايد الأسعار بعد الحرب العالمية الأولى نتيجة الطلب العالمي المتزايد على النفط الخام، حيث إنه أصبح سلعة إستراتيجية حلت محل الفحم كمصدر للطاقة وبديلاً عنه، بالإضافة إلى دخولها كأحد مدخلات الإنتاج الأساسية في العديد من الصناعات، وقد أدى ذلك إلى أن يرتفع سعر البرميل الخام الأمريكي من (1.98) دولار عام 1918 إلى (3.07) دولار للبرميل عام 1920. وقد ساعدت نتائج الحرب العالمية الأولى (1914-1918) على أن تحصل بعض الشركات الأمريكية، أسوة بالشركات الإنجليزية والفرنسية على امتيازات نفطية في منطقة الشرق الأوسط حيث أشارت الدراسات الأولية آنذاك إلى وجود كميات كبيرة من النفط في بعض أراضيها، ونتيجة لانخفاض كلفة النفط الخام المستخرج في هذه المنطقة وغزارة الإنتاج منها فقد حصلت الشركات الأجنبية على الدعم الكبير من قبل حكوماتها الأم، وقامت شركات النفط الكبرى بعقد مجموعة من اتفاقيات الامتيازات مع الأقطار العربية النفطية بصيغ متقاربة المحتوى من الناحية الاحتكارية لثرواتها النفطية وفترات تمتد لمدد طويلة تصل إلى 99 عاماً، ولقد تمادت الشركات الأجنبية في سيطرتها وتحكمها واستغلال لثروات الأقطار العربية النفطية منذ بدء الامتيازات، حيث كانت تمنح حكومات هذه الأقطار مبالغ ضئيلة جداً كتعويض لها عن استنزاف نفوطها الخام .

ومنذ بداية القرن العشرين، برز اسم الشركات النفطية الكبرى– الشقيقات السبع (   THE  SEVEN SISTERS) – في السوق النفطية عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة، كأكبر تنظيم احتكاري (كارتل CARTAL) على المستوى العالمي، ارتبط بمجموعة من الاتفاقيات الدولية والسرية بالوقت نفسه لتنظيم الاحتكار الدولي على مجمل الصناعة النفطية العالمية .وقد جاء تشكيل هذا الكارتل النفطي العالمي في نهاية مؤتمر عقده رؤساء ثلاث شركات نفطية كبرى وهي ( ستاندرد نيوجرسي ، الأنجلو الإيرانية ، ورويال داتش_ شل ) في قلعة( أكناكاري  ACHNANCARY) باسكتلندا وعرفت هذه الاتفاقية باتفاقية ( أكناكاري)، حيث اتفقوا على كثير من المبادئ الضرورية للصناعة النفطية العالمية والتي احتكروها مع بقية الشركات الكبرى، وأصدروا قرارهم في 17/9/1927 ومن ثم وافقت بقية الشقيقات على الانضمام إلى الكارتل بموجب الاتفاق السابق الذكر، وقد تركز اتفاق الشركات النفطية الكبرى بأكناكاري في مجال تسعير النفوط الخام وتقسيم الأسواق لصالح الشركات وحكوماتها الأم في الوقت نفسه، وبذلك ظهرت طريقتهم الجديدة في تسعير النفط الخام في السوق النفطية العالمية وفق نظام نقطة الأساس في خليج المكسيك والذي ابتدأ تطبيقه منذ عام 1936 بسعر معلن لبرميل النفط الخام الأمريكي بلغ (1.09) دولار للبرميل.

إن نظام نقطة الأساس الأحادية يعني باختصار ما يلي : يتحدد السعر العالمي للنفط الخام في جميع موانئ العالم ومراكز التصدير بالسعر نفسه المعلن في خليج المكسيك على أن يضاف للسعر النهائي كلفة النقل من نقطة الأساس إلى مكان التسليم، لذلك أصبح لزاماً على المستورد أن يدفع سعر برميل النفط الخام المعلن في خليج المكسيك مضافاً إليه أجور النقل من هذا الخليج إلى ميناء المستورد، بصرف النظر عن الجهة أو الميناء المصدر لذلك النفط سواءً كان قريباً على خليج المكسيك أم بعيداً عنه . وعلى اعتبار أن الشركات النفطية الكبرى هي المسيطر على جميع عمليات الاستخراج وإنتاج ونقل وتسويق نفوط الشرق الأوسط، فقد قامت بتطبيق النظام الجديد على هذه النفوط المستوردة من أقطار الخليج العربي مباشرة. وبذلك ظهر العامل المهم في ارتباط أسعار النفط العربي الخام في الخليج العربي بأسعار النفط الأمريكي الخام في خليج المكسيك، والذي برز بوضوح من خلال سيطرة الإنتاج النفطي الأمريكي على المركز الأول بين بلدان العالم النفطية منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1938، حينما كانت نسبته تشكل 61% من المجموع العالمي للإنتاج النفطي. ومع تزايد الإنتاج النفطي في مناطق عديدة من العالم وخاصة فنزويلا وإيران مع الأقطار العربية، فقد انخفضت نسبة مساهمة الإنتاج النفطي الأمريكي في الاستهلاك العالمي من ناحية، مقابل تزايد الاستهلاك المحلي في الولايات المتحدة مع لجوء الحكومة إلى تنفيذ إستراتيجية خاصة تتركز في الاحتفاظ بالاحتياطي النفطي الاستراتيجي للأزمات مستقبلاً .

ومن خلال متابعة مسيرة الأسعار المعلنة للنفط الخام وفق نظام التسعير الأحادي منذ عام 1936 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كان مؤشر أسعار النفط الخام يتراوح بين (1.02) دولار للبرميل و(1.21) دولار للبرميل كحد أعلى والجدول رقم (1) يبين تطور أسعار النفط الخام خلال تلك الفترة، وكان من الأسباب المهمة لمسيرة هذه الأسعار بالشكل المذكور، بروز سيطرة كارتل الشركات النفطية الكبرى على السوق العالمية عموماً وعلى الأسعار بشكل خاص .

لقد حقق نظام نقطة الأساس الأحادي بخليج المكسيك غرضه الأساسي المفروض من قبل الشركات الكبرى في ذلك الوقت، والذي تجلى واضحاً في استمرار سيطرة هذه الشركات وحكوماتها على سوق النفط العالمية، هذا إلى جانب تحقيق الشركات – صاحبة الامتيازات النفطية في الأقطار العربية – أرباحاً طائلة جراء تصديرها النفط الخام الرخيص الكلفة إلى أسواق قريبة من مراكزه الإنتاجية، والحصول على نفقات الشحن إضافة إلى فروقات الأسعار بين النفط الأمريكي الخام في خليج المكسيك والنفط العربي الخام في الخليج العربي بصورة خاصة .

 إلا أنه نتيجة لظروف الحرب العالمية الثانية، فقد بدأ نظام نقطة التسعير الأحادية بخليج المكسيك يضعف ويفقد من أهميته، في الوقت الذي تمت فيه موافقة الشركات النفطية الكبرى على اختيار الخليج العربي كنقطة أساس ثانية لتسعير النفط الخام على المستوى العالمي، وذلك نتيجة لظهور احتياطات نفطية كبيرة في أقطار الشرق الأوسط والخليج العربي، وهذا كان  من الأسباب الرئيسية التي دفعت بالشركات الكبرى إلى إيجاد نظام جديد لتسعير النفط الخام في الخليج العربي]2[  .

وهكذا بدأ تطبيق نظام نقطة الأساس المزدوجة لتحديد الأسعار المعلنة في عام 1945، حيث حددت أسعار النقطة الجديدة في الخليج العربي بحدود مقاربة لأسعار النقطة الأساسية السابقة في خليج المكسيك، فأصبح بإمكان المشترين لنفوط الشرق الأوسط والخليج العربي أن يدفعوا منذ ذلك الوقت أسعاراً معلنة محددة مضافاً إليها أجور شحن وتأمين من أقرب الخليجين إليهم. ]3[  .

ولقد برز سعر النفط العربي الخفيف منذ عام 1945 في ميناء رأس التنورة السعودي بالخليج العربي كأول سعر عربي معلن في السوق النفطية العالمية، حيث ابتدأ بمستوى ( 1.05) دولار للبرميل الخام والجدول رقم ( 2 ) يبين تطورات الأسعار المعلنة لكل من النفط العربي الخام والنفط الأمريكي الخام في الخليجين العربي والمكسيكي لفترة ( 1945- 1960) . وفي بداية عام 1953 كانت أسعار النفط الخام مازالت على نفس المستوى الذي بلغته في 1949 والذي كان (1.75) دولاراً للبرميل العربي في الخليج العربي ومستوى سعر  (2.76) دولاراً لبرميل الخام الأمريكي في خليج المكسيك، وبسبب ارتفاع تكاليف إنتاج برميل النفط الأمريكي الخام فقد قامت الشركات النفطية الكبرى بإقرار زيادة بأسعار النفط الخام تضمنت رفع سعر برميل الخام الأمريكي في خليج المكسيك إلى ( 3) دولار اعتبارا من حزيران 1953 وسعر برميل للنفط العربي في الخليج العربي (1.97) دولار، وهذا ما يوضحه الجدول رقم (2 ) ، ونتيجة لغلق قناة السويس عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 تسبب في حدوث تغيرات هامة جداً كان لها آثار مباشرة وغير مباشرة على أوضاع السوق العالمية للنفط الخام وعلى الإمدادات النفطية المصدرة حينذاك من الأقطار العربية عموماً وعلى أسعار النفط الخام بصورة خاصة، حيث ارتفع سعر برميل النفط العربي إلى (2.12) دولار بينما ارتفع سعر برميل النفط الأمريكي إلى (3.25) دولار. وفي أوائل عام 1959 قامت الشركات النفطية العاملة في فنزويلا بتخفيض الأسعار المعلنة للنفط الخام الفنزويلي من(3,07) دولار للبرميل إلى(2.92) دولار للبرميل وذلك رداً على الخطوات التي اتخذتها الحكومة الفنزويلية في مجال تعديل ضريبة الدخل على الشركات نفسها لكي ترفع حصتها من العوائد النفطية، وقد تجاوبت الأسعار المعلنة للنفط الأمريكي والعربي الخام مع هذا الانخفاض بأسعار الخام الفنزويلي وذلك خلال شهر شباط 1959، فانخفض سعر برميل النفط الأمريكي ليصبح (3.14) دولار قابله انخفاض في سعر برميل النفط العربي الخام ليصبح ( 1.94) دولار. وقد برزت ردود الفعل العربية تجاه ذلك التخفيض بأسعار نفوطها الخام ، وذلك من خلال دعوتها إلى عقد مؤتمر قمة عربي لمواجهة الموقف السلبي الصادر من الشركات النفطية الكبرى وحكوماتها المساندة لخطواتها

في الوقت نفسه . وهكذا انعقد مؤتمر البترول العربي الأول في القاهرة خلال نيسان عام 1959 وأصدر جملة قرارات بهذا الشأن، وكان من أهم تلك القرارات ذلك القرار الخاص بأسعار النفط العربي الخام بالذات حيث جاء على شكل توصية موجهة للشركات من أجل التشاور مع الحكومات العربية المعنية قبل إجراء أي تعديل في هيكل الأسعار المعلنة، غير أن الشركات تجاهلت نداء الأقطار العربية واستمرت هي وحكوماتها في إجراءاتها التعسفية لاستنزاف النفوط العربية الرخيصة، فأقدمت هذه الشركات خلال شهر آب عام 1960 على إجراء تخفيض آخر في الأسعار المعلنة للنفط العربي الخام فقط، وبذلك أصبح السعر المعلن للنفط العربي الخام يتراوح بين

 ( 1.80- 1.84) دولار للبرميل، وقابل هذا التخفيض، ثبات أسعار النفط الأمريكي الخام عند ( 3.14) دولار للبرميل، وهذا ما يوضحه الجدول رقم ( 2  ) .

وعلى إثر التخفيضات التي أجرتها شركات النفط الكبرى على أسعار النفط العربي الخام، جرت مشاورات بين حكومات الأقطار العربية المنتجة والمصدرة للنفط مع حكومتي إيران وفنزويلا من أجل اتخاذ تدابير موحدة للوقوف بوجه تقلبات الأسعار المعلنة لنفوطهم الخام في السوق العالمية، وفي الوقت ذاته بدأت حكومات الأقطار المنتجة للنفط تدرك ضرورة إيجاد تجمع نفطي لمواجهة تلك الشركات وحكوماتها الأم تكون له قوته الجماعية من أجل الحفاظ على الثروات النفطية باعتبارهم أصحابها الحقيقيين كبداية لسيطرتهم على هذا المورد الحيوي ]4[  .

وهكذا وبدعوة من الحكومة العراقية عقد اجتماع في بغداد يوم 14/9/1960 ضم ممثلين عن ثلاثة أقطار عربية وهي (العراق،الكويت، السعودية ) إضافة إلى إيران وفنزويلا، حيث صدر في ختامه إعلان مهم ،تضمن تأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط (الأوبك OPEC) حيث أصبحت فيينا مقراً لها، وبالإضافة إلى الأعضاء الخمسة المؤسسين للمنظمة، فقد انضمت إليها في السنوات التالية أقطار أخرى حتى أصبح عدد أعضائها عام 1975 ثلاثة عشر عضواً وهم ( العراق ، الكويت ، السعودية ، إيران ، فنزويلا ، قطر ، ليبيا، أندونيسيا ، الإمارات ، الجزائر ، نيجيريا، الأكوادور ، الغابون ) . وفي قرارها الأول وجهت الأوبك دعوات صريحة بضرورة استقرار الأسعار المعلنة للنفط الخام- والعربي بالذات- في السوق العالمية عموماً وفي أقطارها الأعضاء بصورة خاصة ، ولقد حققت منظمة الأوبك منذ تأسيسها وحتى عام 1970 بعض الإنجازات الإيجابية لصالح أقطارها الأعضاء، فيما كانت شركات النفط الكبرى تشكل خلال الفترة تجمعاً قوياً ضد الأقطار المذكورة والمنظمة قي الوقت ذاته، فقد استطاعت المنظمة من جانبها أن تحافظ على مستوى ثابت للأسعار النفوط الخام لأقطارها الأعضاء من الانخفاض حتى عام 1970، فكان سعر برميل خام القياس السعودي (1.80 ) دولاراً للبرميل طوال عقد الستينات ]1[.

جدول رقم (  1  ) يبين تطورات الأسعار المعلنة للنفط الأمريكي الخام للفترة 1860- 1935 الوحدة : دولار للبرميل

السنوات السعر المعلن    دولار / برميل

1860    9,59

1861    0,49

1865    6,59

1870    3,86

1875    1,35

1880    0,95

1885    0,88

1890    0,87

1895    1,36

1899    1,29

1900    1,19

1905    0,62

1910    0,61

1915    0,64

1920    3,07

1925    1,68

1930    1,19

1935    0,97

1936    1,09

1937    1,18

1938    1,13

1939    1,02

1940    1,02

1941    1,14

1942    1,19

1943    1,20

1944    1,21

المصدر : أ.د. الرومي، نواف ، منظمة الأوبك وأسعار النفط العربي، مرجع سابق ، ص75.

الجدول رقم (2) يبين تطورات الأسعار المعلنة لكل من النفط العربي الخام والنفط الأمريكي الخام في الخليجين العربي والمكسيكي للفترة 1945 – 1960 الوحدة : دولار للبرميل

السنوات النفط الخام العربي في الخليج العربي            دولار/برميل           النفط الخام الأمريكي في الخليج المكسيكي      دولار /برميل

1945    1.05     1.36

1946    1.05     1.70

1949    1.75     2.76

1950    1.75     2.76

1951    1.75     2.76

1952    1.75     2.76

1953    1.97     3.00

1954    1.97     3.00

1955    1.97     3.00

1956    1.97     3.00

1957    2.12     3.25

1958    2.12     3.25

1959    1.94     3.14

1960    1.80     3.14

المصدر : أ.د. الرومي،  نواف ، منظمة الأوبك وأسعار النفط العربي، مرجع سابق، ص83.

تغيّرات أسعار النفط الخام خلال عقد السبعينيات والثمانينيات:

 لقد حدثت تطورات هامة في الصناعة النفطية منذ عام 1970، وتجلت في ظهور بوادر اختلال بين ما هو معروض من النفط في الأسواق العالمية وما هو مطلوب من قبل مستهلكيه،  ساعدت الأقطار المصدرة للنفط على المطالبة بزيادة في الأسعار المعلنة وزيادة الحصة الضريبية، وقد أدت هذه التطورات إلى أن يتقرر سعر النفط الخام في السوق العالمية من قبل منظمة الأوبك بدلاً من تقريرها من قبل الشركات النفطية الكبرى .

ولقد سجلت اتفاقية طهران في 14/2/1970 حدثاً بارزاً في تاريخ الصناعة النفطية حينما فرضت الأوبك على شركات النفط الكبرى الاعتراف بها كمنظمة وقبولها لمبدأ التفاوض مع أقطار الأوبك من أجل إعادة النظر في الأسعار المعلنة لنفوطها الخام، وذلك نتيجة لعوامل عديدة، منها التضخم المستورد، وهبوط سعر صرف الدولار، ولقد تم الاتفاق في طهران على زيادة الأسعار المعلنة للنفط الخام، وأصبح للأوبك منذ ذلك التاريخ دور مباشر مع الشركات في عملية تحديد هذه الأسعار بعد أن احتكرتها الأخيرة لعقود عديدة من الزمن ]5[ .

نتيجة لظروف حرب تشرين التحريرية 1973، وفي 16/6/1973 اجتمعت أقطار الخليج العربي الست الأعضاء في الأوبك في الكويت ، وأصدرت قرارها التاريخي بزيادة أسعار نفوط الأوبك الخام من جانب واحد، وبذلك القرار أنهى وإلى الأبد، التحكم المطلق للشركات العالمية للنفط في عملية تسعير النفط الخام لأقطار الأوبك، وتضمن مؤتمر الكويت تخفيض إنتاج النفط ، إضافة إلى قرار آخر تضمن قطع إمدادات النفط العربي بصورة كلية عن بعض الدول الغربية " الولايات المتحدة الأمريكية، هولندا، البرتغال" بسبب مواقفها المعادية للقضية العربية ومساندة الكيان الصهيوني علناً. ونظراً لاستمرار الحظر النفطي العربي، فقد حدث عجز واضح في المعروض النفطي بالسوق النفطية، قابله تزايد في الطلب العالمي عليه ( نتيجة لظروف الحرب ) ونتيجة فعالية قانون العرض والطلب أدى ذلك الموقف غير المتوازن بالتالي إلى تأثر الأسعار المعلنة للنفط الخام،حيث بلغ سعر النفط الخام حوالي( 10.4) دولار للبرميل عام 1974 ، وفي شهر تموز 1977 عقد مؤتمر استوكهولم تضمن زيادة في سعر برميل الخام إلى (12.6) دولار للبرميل، وتوالت القرارات النابعة من السيادة الوطنية التي استردتها الدول النفطية تحت مظلة الانتصار في حرب تشرين التحريرية، وارتفع سعر النفط الخام عام 1979 إلى (29) دولاراً للبرميل وفي عام 1980 وصل إلى (36) دولاراً للبرميل وهذا ما يوضحه الجدول رقم (3 ) . ولقد شهدت مرحلة الثمانينات تطورات منها :

حدوث اختلالات مستمرة بين مستويات العرض من النفط الخام والطلب عليه عموماً وعلى نفط الأوبك بشكل خاص ، وزيادة إنتاج دول أخرى خارج الأوبك بشكل ملحوظ وخاصة في بحر الشمال، مما أثر بصورة فعلية على وضعية المنظمة كمنتج قائد ومسيطر في السوق النفطية العالمية، وبخاصة خلال السنوات الأولى من عقد الثمانينات. وتزايد حجم المخزون الاستراتيجي من النفط لدى بلدان وكالة الطاقة الدولية وشركات النفط الاحتكارية، مما ترك آثاراً سلبية مباشرة على هيكل أسعار نفوط الخام لأقطار الأوبك.وتشكيل هيئة الطاقة الدولية التي تعمل ضد الأوبك بشكل عام .بالإضافة إلى التأثير الكبير والمباشر الذي أحدثته المستويات العالية لأسعار النفط على :

أ‌-          البحث والتنقيب ومن ثم استخراج النفوط الخام ذات التكلفة العالية من بلدان خارج الأوبك، مما أدى إلى زيادة المعروض من نفوط تلك البلدان لكي تتنافس مع المعروض من نفوط الأوبك .

ب‌-        البحث عن مصادر بديلة للنفط ورخيصة في الوقت نفسه قياساً بالنفط المرتفع الثمن، كالفحم والغاز والطاقة الشمسية ..........الخ

ت‌-        إجراءات الحفاظ على الطاقة في البلدان الرأسمالية المستهلكة عموماً وتقليل الاعتماد على النفط المستورد وبالذات نفوط الأوبك.

وبالتالي فإن الصورة التي يمكن من خلالها فهم حقيقة الطلب العالمي على نفوط الأوبك هي من خلال كون المنظمة لها دور متمم للنفط، بعد أن تحتسب كميات النفط التي تؤمنها البلدان المنتجة خارج الأوبك لاحتياجات بلدان العالم الاستهلاكية. لذلك فإن تزايد هذه النفوط بشكل ملحوظ مع نهاية عقد السبعينيات ووصوله إلى مستوى مقارب لإنتاج الأوبك في عام 1981، وتجاوزه في السنوات اللاحقة، كان أحد الأسباب الرئيسية التي حرمت المنظمة من دور القائد في السوق النفطية وحرمتها في الوقت نفسه من استغلال قوتها في مجال تسعير النفط الخام.

لذلك واجهت منظمة الأوبك أكبر معضلة في تاريخها مع نهاية عام 1981 تمثلت في اختلال وضع العرض والطلب في السوق النفطية، فقد تزايدت الإمدادات النفطية من دول خارج الأوبك في وقت تراجع فيه الطلب العالمي على النفط بشكل عام ]6[ .

وقد لجأت  المنظمة إلى خفض الإنتاج لدعم الأسعار وخفضته فعلاً عام 1982 سعياً وراء الإبقاء على الأسعار عند مستوى عال، إلا أن أسواق النفط العالمية لم تشهد استقراراً خلال النصف الثاني من تلك السنة وذلك بسبب تزايد المعروض من النفوط الخام المنتجة من دول خارج المنظمة وعدم التزام بعض أقطار المنظمة بالإنتاج ضمن الحصة المقررة في سقف الإنتاج الذي سبق أن أقره ممثلوها بالإجماع في آذار 1981. وهنا كان اللجوء إلى خفض الأسعار هو الشر الذي لابد منه، وبذلك فقد اضطرت المنظمة إلى إصدار قرار جماعي بتخفيض سعر النفط الخام ليصبح عند مستوى (30.1) دولاراً للبرميل في عام 1983، ونتيجة لاستمرار حالة عدم الاستقرار خلال عام 1984، أقرت منظمة الأوبك تخفيض آخر على الأسعار لتصبح عند مستوى ( 27.5) دولاراً للبرميل عام 1985 بعد أن كان  (28.1) دولاراً للبرميل عام 1984، وعلى الرغم من ذلك فإن حالة عدم الاستقرار قد استمرت .

ونتيجة للحملة المعادية التي تبنتها وكالة الطاقة الدولية بالتعاون مع شركات النفط الكبرى ، فإن حالات من الارتباك والفوضى غير الطبيعية سادت أسواق النفط وباستمرار هذه الحالة وامتناع الكثير من الزبائن عن استلام إمداداتهم النفطية المتفق عليها من موانئ الدول المنتجة، انهارت الأسعار بشكل سريع خلال الأشهر الأولى من عام 1986، وإن ما حدث في سوق النفط حينذاك قد ساعد في تفاقم حالات عدم التنسيق والتعاون بين جميع الدول المنتجة للنفط ، واستمرار حالات عدم الالتزام بسقف الإنتاج الذي  تبنته الأوبك وبالحصص الإنتاجية لكل قطر عضو بشكل خاص، ونتيجة لذلك فقد تدهورت مستويات أسعار النفط الخام حيث وصل سعر برميل النفط الخام عام 1986 إلى (13) دولاراً. ولكي تثبت الأوبك للعالم بأنها لا تزال قوة لا يستهان بها في سوق النفط، فقد قامت بفرض سقف إنتاجي محدد في نهاية عام 1986 تضمنت حصصا فردية التزمت بها أقطارها الأعضاء فارتفعت الأسعار من جديد عام 1987 إلى (17.7) دولاراً للبرميل، وعندما بدأت دول الأوبك بتجاوز الحصص انهارت الأسعار مرة أخرى إلى نحو (14.2) في عام 1988 ثم عادت وارتفعت إلى نحو ( 17.3) دولاراً للبرميل عام 1989

تغيرات الأسعار منذ بداية التسعينيات وحتى عام 2006 :

لم تكن أسعار النفط الخام طوال عقد التسعينيات على وتيرة واحدة بل تذبذبت بين التحسن المؤقت تارة والاستقرار تارة أخرى والتدهور الشديد في أواخر التسعينيات تارة ثالثة، فلقد كان عدوان العراق على الكويت مفاجأة للعالم أجمع وعلى إثر هذا العدوان شهد سوق البترول العالمي تغيرات جوهرية أدت إلى نقص الإمدادات العالمية وحدوث ارتفاع في أسعار النفط الخام وتوقف تام لصادرات البترول العراقي والكويتي بناء على الحظر الاقتصادي المفروض من مجلس الأمن حيث وصل سعر برميل النفط الخام إلى (22,3) دولاراً للبرميل عام 1990، ولقد عقدت منظمة الأوبك اجتماع في فيينا لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين تغطية الطلب العالمي على البترول عن طريق الإنتاج بأقصى طاقة ممكنة لتعويض ما فقدته السوق نتيجة توقف الإنتاج العراقي والكويتي على أن تعاود الالتزام بالحصص المحددة بعد انتهاء الأزمة وقد استطاعت بعض دول الأوبك ( السعودية، الإمارات، إيران، فنزويلا) تعويض (3) مليون برميل يومياً. وعند قيام دول التحالف الدولي بتوجيه أول ضربة جوية للعراق وتوالي الضربات الجوية، وتناقلت الأنباء النجاح الذي حققته القوات المتحالفة مع ضعف الجانب العراقي، بدأت الأسواق تشهد تراجعاً حاداً في أسعار النفط الخام حتى استقرت عند حوالي  ( 18.6) دولاراً للبرميل عام 1991 وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التراجع كيفية استخدام الوكالة للطاقة للمخزون الاحتياطي الاستراتيجي بعد انفجار الأزمة، فقد أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عن الإفراج عن (33.75) مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي البترولي بمعدل (1.125) مليون برميل يومياً ولمدة شهر .

وقد أدى عدم تقيد دول الخليج بالحصص المقرر لها أثناء حرب الخليج الأولى والثانية وبعدهما وحرصها على تلبية احتياجات الطلب العالمي عن طريق زيادة الإنتاج منعاً لحدوث أزمة بترولية، إلى ظهور فائض من العرض العالمي عندما تزامن مع استخدام المخزون الاستراتيجي لدول الوكالة الدولية للطاقة وأدى هذا بدوره إلى انخفاض أسعار النفط الخام ولقد لازم انخفاض أسعار النفط خلال السنوات 1993-1994 حيث انخفض سعر البرميل في عام 1994 إلى (15.5) دولاراً للبرميل،  وإذا كان السعر قد انتعش خلال عام 1996 ليبلغ ( 20.3) دولاراً للبرميل وحافظ على بعض الاستقرار، خلال عام 1997عند مستوى ( 18.7) دولاراً للبرميل إلا أنه لم يلبث أن أخذ في الانهيار مسجلاً كمتوسط نحو ( 12.3) دولاراً للبرميل خلال عام 1998، وفي تموز 1999 عاد السعر لكي يرتفع إلى مستوى ( 17.5) دولاراً للبرميل، نتيجة لما تطوعت به دول الأوبك من خفض الإنتاج منذ آذار/1999 وساندتها بالخفض دول غير أعضاء في المنظمة مثل المكسيك وعمان وروسيا ، ومع انحسار التخمة النفطية التي أصابت المخزون العالمي من النفط والتي كانت سبباً جوهرياً في انهيار أسعاره، أخذ السعر بالارتفاع إلى أن بلغ سعر النفط الخام حوالي ( 27.6) دولاراً للبرميل عام 2000، ولقد اتضح بمرور الوقت أن رفع الأسعار عامي 1999 و2000 كان ضرورياً لتجديد الصناعة النفطية، فقد برزت تدريجياً النواقص التي تعاني منها بسبب ما أدت إليه الأسعار السائدة في الفترة السابقة من قلة المردود والاستثمار في مجالات النفط والغاز، حيث تميزت الأعوام الأخيرة باختناقات في عملية التكرير، نتيجة لعدم  توسع هذه الصناعة طوال السنوات الماضية.

ولقد شهدت أسعار سلة الأوبك انخفاضاً ًفي مستوياتها خلال عام 2001 بنسبة 16% بمقارنة بمستويات العام الماضي حيث بلغ معدل سعر الأوبك (23.1) دولاراً للبرميل مقارنة ب27.6 دولاراً للبرميل عام 2000، ولقد كان لأحداث الحادي عشر من أيلول 2001 دور فاعل في تدني أسعار النفط الخام، فبعد الارتفاع الفوري للأسعار الناجم عن عمليات المضاربة التي تلت الأحداث مباشرة، أخذت مستويات خلال الأسبوع الأخير من شهر أيلول بالتراجع]7[ . وعلى الرغم أن تلك الأحداث عادة ما تؤدي إلى ارتفاع مستوى الأسعار، إلا أن أسعار النفط الخام بقيت عند مستويات معقولة مما يدل على استطاعة منظمة أوبك الحفاظ على استقرار السوق النفطية .

وفي نطاق سعي المنظمة نحو العمل على استقرار السوق النفطية والوصول إلى مستويات أسعار تنال رضا الدول المنتجة والدول المستهلكة عل حد سواء، وبعد ملاحظة أن أسعار النفط الخام أخذت في الهبوط بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، قامت منظمة أوبك مع نهاية عام 2001 بالتأكيد على العمل وذلك اعتباراً من 1/1/2002 بقرارها المتعلق بخفض الإنتاج بإجمالي(1.5) مليون برميل يومياً. وقد بدأت دول أوبك تجني ثمار ذلك القرار مع انطلاقة العام 2002 حيث أخذت أسعار سلة خامات أوبك في الارتفاع والاستقرار، إذ ظلت واقعة ضمن النطاق السعري المحدد من قبل المنظمة (22-28) دولاراً للبرميل منذ شهر آذار 2002 إلى نهاية عام 2002، حيث تراوح المعدل الشهري لأسعار سلة خامات أوبك خلال العام بين (22.6-28.4) دولاراً للبرميل، ولقد وصل المعدل السنوي لسعر النفط الخام (24.3) دولاراً للبرميل مسجلاً بذلك ارتفاعا بلغ (1.2) دولاراً للبرميل. والشكل رقم (1) والجدول رقم (3)  يوضحان  تطور أسعار النفط الخام خلال الفترة ( 1970– 2004).

وعلاوة على الإجراءات المتخذة من قبل منظمة أوبك بشأن مستويات الإنتاج للحفاظ على استقرار الأسعار، شهدت السوق النفطية على مدار العام 2002 العديد من العوامل التي كان لها الأثر الواضح في تحسن مستويات الأسعار والتي منها : الاهتمام المتزايد بالوضع في منطقة الشرق الأوسط وتعليق الصادرات العراقية لفترة شهر خلال العام وعدم استقرار الأوضاع في فنزويلا حتى نهاية العام 2002، الأمر الذي أدى على انقطاع صادراتها النفطية التي يوجه جزء كبير منها إلى السوق الأمريكية ]8[ .  

وفي عام 2003 ارتفعت أسعار سلة أوبك بنحو 3,8  دولاراً للبرميل أي بنسبة 15.8% مقارنة بعام 2002 ليصل معدلها إلى(28.2) دولاراً للبرميل مقارنة ب24.3 دولاراً للبرميل في عام 2002. ويعود ارتفاع الأسعار إلى مجموعة من العوامل ومن أهمها :

1-         المخاوف المتزايدة من حدوث نقص في الإمدادات النفطية بسبب التوتر في منطقة الشرق الأوسط .

2-         استمرار انقطاع الإمدادات من فنزويلا نتيجة الإضراب العام الذي شهدته البلاد عام 2002.

3-         الاضطرابات العرقية والقبلية في نيجيريا التي حجبت جزءاً كبيراً من إمداداتها عن السوق النفطية وقد ساهمت برودة الطقس في الدول المستهلكة الرئيسية في زيادة الطلب على المنتجات النفطية، مما دعم الارتفاع الحاصل في الأسعار .

ونتيجة لتضافر عوامل عديدة ومتنوعة ذات طبيعة جيوسياسية ومناخية ارتفعت أسعار النفط حيث ارتفع معدل سعر سلة أوبك بنحو (7.8) دولاراً للبرميل، أي بنسبة 28% مقارنة بعام 2003 حيث وصل معدل السعر إلى (36) دولاراً للبرميل في عام 2004 . وإن معظم العوامل الجيوسياسية هي بالأصل امتداد لما كانت عليه في العام السابق]9 [ واستمر سعر النفط بالارتفاع إلى أن وصل إلى (50.6) دولاراً للبرميل في عام 2005 وقد بلغ سعر برميل النفط حوالي (75) دولاراً للبرميل وذلك في إبريل 2006  ]9[. والعوامل الرئيسية التي أسهمت في الرفع الحالي للأسعار هي نقص مخزون الوقود في الولايات المتحدة الأمريكية والمخاوف الكبيرة من احتمال ضربة أمريكية توجه إلى إيران، وما لم تخف حدة التوتر القائم، فإن من المرجح أن تستمر أسعار النفط في الارتفاع.

وعند دراسة أسعار النفط خلال المستقبل المنظور لا بد من دراسة العوامل الأساسية المؤثرة في سوق النفط والتي من أهمها:

1-         العلاقة بين العرض والطلب : فمن المعروف أن استقرار السوق العالمية للنفط يعتمد على عوامل أساسية أهمها التفاعل بين العرض والطلب والموازنة بينهما بالسحب أو بالإضافة إلى المخزون العالمي من النفط ومن شأن الاختلال الذي يلحق بواحد أو أكثر من تلك العوامل أن تنعكس آثاره في ارتفاع السعر أو انخفاضه ]11[.

2-         التوتر الجيوسياسي ( عدم الاستقرار السياسي ) في بعض الدول المنتجة للنفط نتيجة المخاوف التخريبية التي تحيط بمناطق الإنتاج المهمة، وبالتالي ازدياد المخاوف من تقلص الإمدادات البترولية إلى السوق المستهلكة، ولقد كان لتردي الأوضاع الأمنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط التي تسيطر على مخزون عالمي ضخم من النفط تأثير كبير على توقعات التدفقات النفطية إلى الأسواق العالمية، بالإضافة إلى ازدياد الشكوك التي تساور المتعاملين في السوق العالمية للطاقة بشأن المقدرة الفعلية للعراق على زيادة صادراته النفطية في المستقبل المنظور في ظل عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلد وظروف الحرب التي أثرت على البنية الأساسية للقطاع النفطي العراقي فضلاً عن العمليات التخريبية على المنشآت النفطية العراقية وخصوصاً الأنابيب وبالتالي على قدرة الإنتاج النفطي العراقي على التوسع خلال فترة الأمد القصير . كما تمثل الأزمة النووية الإيرانية والمواجهات مع الغرب أحد العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط مؤخراً وخاصة في ظل التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون كلما تعثرت مفاوضاتهم مع الغرب بشأن الملف النووي الإيراني، وقد حذر العديد من الخبراء من أن أسعار النفط قد ترتفع إلى أكثر من (100) دولار للبرميل إذا تعرضت طهران لهجمات وذلك لأنها تمتلك ثاني أكبر الاحتياطيات العالمية، وهي تنتج نحو (3.784 ) مليون برميل يومياً ومن ثم فالتهديد بضربها أو فرض عقوبات عليها سيضع إنتاج وإمدادات النفط في الخليج على حافة الهاوية، فالسعودية جارتها، ذات أكبر الاحتياطات المؤكدة في العالم سيتأثر إنتاجها البالغ (8.41) برميل يومياً بالقطع إذا وقعت مواجهة عسكرية،حيث يمر معظم إنتاجها وإنتاج الكويت والإمارات وقطر والبحرين عبر مضيق هرمز،  وسوف تلجأ إيران إلى إغلاق  هذا المضيق في حال ￿ح￿ل ￿￿￿￿ت￿￿ي￿الأزمة النووية ا￿￿يرانية إلى نزاع مسلح مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا سيشكل تهديداً مباشر ليس فقط لتوقف صادرات النفط من هذه المنطقة وهو ما يمثل ثلث صادرات العالم من النفط وإنما إحراق مستودعاته ومحطاته بالصواريخ الإيرانية. وتراجع الاستقرار في كل من نيجيريا وفنزويلا يهدد الإنتاج النفطي في كل منهما وذلك بسبب الهجمات التي تشنها العصابات المسلحة ضد المنشآت النفطية والاضطرابات العمالية]12[.

3-         مساهمة المضاربين في السوق النفطية العالمية في ازدياد القلق وتأثيره في رفع أسعار النفط العالمية. إن الأهمية الحيوية البالغة التي يتمتع بها النفط في اقتصاديات العالم جعلت الإدارة الأمريكية المتعاقبة منذ عدة عقود، والمنطلقة من منطلقات استعمارية واضحة، تعلن بعدوانية أن منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط ضمن مجالها الحيوي، ونظراً لسعي الإدارة الأمريكية المتواصل لفرض هيمنتها على العالم أجمع فإنها وجدت في النفط سلاحاً أساسياً في مواجهة منافسيها وخصومها، ووظفته في توجهها للسيطرة والهيمنة على العالم ، ونظراً لجملة الأسرار التي تحيط بالصناعة النفطية ( الاحتياطي المكتشف ، قدرات الإنتاج الفعلية ) فإن الأرقام المنشورة تتفاوت بشكل كبير جداً وهذا الاختلاف لم يأت نتيجة طبيعية لاختلاف التقديرات حسب المعلومات والأساليب والمناهج المطبقة فقط ، ولكن لكون الاختلاف بل التناقض أحياناً يمكن الأطراف الفاعلة من التحكم أكثر بصناعة النفط وتجارته، مما يؤدي إليه بأرباح وفوائد كبيرة ويخدم استراتيجيها العامة وفي نفس الوقت يخلق جو مناسباً تترعرع فيها المضاربات .

4-         موقع البترول بين مصادر الطاقة المختلفة : فمنذ أن اكتشف النفط ودوره يتعزز بين مصادر الطاقة المختلفة وسيبقى أساسياً إلى أن ينفد وذلك لأن النفط أرخص مصادر الطاقة والأقدر على الاستجابة لجميع أوجه استعمالاتها ويحتل النفط المرتبة الأولى في تلبية الاحتياجات البشرية للطاقة كما يشكل حوالي 95% من الطاقة المستعملة قي وسائل المواصلات إضافة إلى ذلك فإن النفط يشكل أساساً لصناعات عديدة تتجاوز الثلاثة آلاف منتج .   

5-         يعود جزء من ارتفاع أسعار النفط إلى أسباب مناخية حيث تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية المستهلك الأول للنفط لأعاصير بحرية أوقفت إنتاجها لكميات لا بأس بها من النفط وشلت قدرة بعض مصافيها النفطية في خليج المكسيك على إنتاج مشتقاته .

6-         فرض الدول المستهلكة ضرائب عالية على مشتقات النفط وصلت في بعض الدول الأوروبية إلى 70%

7-         زيادة الطلب على النفط في السنوات الأخيرة من كل من الصين والهند وروسيا ]10[ .

8-         العامل السياسي واستمرار تأثيره مستقبلاً:

لقد كان لهذا العامل دوره المباشر والفعال في حصول شركات النفط الكبرى على الامتيازات النفطية بأقطار الشرق الأوسط بدعم من الحكومات المالكة لهذه الشركات واستمرارها في استنزاف هذه الثروات مع سيطرتها على جميع مراحل الصناعة النفطية ، ومنذ السبعينات كان للعامل السياسي دوره الفعال في المفاوضات التي جرت بين الشركات والأقطار النفطية ، وما أعقبها من اتفاقيات ذات مردود إيجابي على الأقطار النفطية ، ولكن فعالية العمل السياسي التي برزت بشكل واضح بعد حرب تشرين التحريرية 1973، حيث خلقت ظروفاً ملائمة وضرورية من أجل تحكم الأوبك بتسعير نفوطها الخام ومن ثم زيادتها وبذلك يمكن القول بأن هذه الفترة قد شهدت بروز العامل السياسي في تحديد الأسعار ، كما أن الزيادات التي حصلت عليها دول الأوبك في العوائد المالية منذ عام 1973 سببت لها أنواعاً من المجابهة مع البلدان الرأسمالية كما أعطت لهذه الدول النامية أهمية اقتصادية وسياسية على المستوى العالمي ، مما أدى إلى قيام البلدان الصناعية الغربية عموماً والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، بممارسة شتى أنواع الضغوط لمحاولة إيقاف أية زيادة بأسعار نفوط الأوبك الخام في السنوات اللاحقة .      

وبهذا يمكننا القول بأن التوقعات المستقبلية لأسعار النفط ترضخ للكثير من الظروف والعوامل السياسية والاقتصادية التي يمكن احتمال توقع حدوثها بشكل أو بآخر خلال المستقبل المنظور. إلا أن الطلب العالمي المتزايد على النفط أمام العجز في توسع الطاقات الإنتاجية من شأنه أن يجعل مستويات الأسعار تأخذ منحى تصاعدياً خلال المستقبل المنظور.

   الشكل رقم ( 1 ) تطور أسعار النفط الخام خلال الفترة(1970- 2004)   الوحدة : دولار /برميل

المصدر : تقرير الأمين العام السنوي، 2004 ، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابك)

الجدول رقم (3) يبين تطور أسعار النفط الخام خلال الفترة 1970- 2005    الوحدة: دولار للبرميل

السنوات السعر   دولار/برميل

1970    2.1

1971    2.6

1972    2.8

1973    3.1

1974    10.4

1975    10.4

1976    11.6

1977    12.6

1978    12.9

1979    29.2

1980    36.0

1981    34.2

1982    31.7

1983    30.1

1984    28.1

1985    27.5

1986    13.0

1987    17.7

1988    14.2

1989    17.3

1990    22.3

1991    18.6

1992    18.4

1993    16.3

1994    15.5

1995    16.9

1996    20.3

1997    18.7

1998    12.3

1999    17.5

2000    27.6

2001    23.1

2002    24.3

2003    28.2

2004    36.0

2005    50.6

المصدر : التقرير الإحصائي السنوي ، 2005،منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابك)

وتقرير الأمين العام السنوي، 2004 ، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابك)

وتقرير الاقتصادي العربي الموحد،2006، صندوق النقد العربي .

تطور عوائد النفط العربي وتزايدها

منذ أن ظهر النفط في أراضي الأقطار العربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فإنه لم يساهم كمورد حيوي بما فيه الكفاية في اقتصادها الوطني بسبب قلة العوائد المالية التي كانت تحصل عليها من شركات النفط الكبرى العاملة لديها وكان ذلك يحدث وباستمرار على الرغم من توفر أسس ومقومات المشاريع التنموية الكثيرة في هذه الأقطار النامية ، والتي يمتاز بنيانها الاقتصادي باعتماده على قطاع النفط ، مما يبرز ظاهرة تخلف بقية القطاعات كالصناعة والزراعة .....الخ والتي تحتاج إلى التكنولوجيا والآلات الحديثة المتطورة ووسائل الإنتاج المختلفة ، وبالتالي فقد انعكس ذلك كله على تعاملها الخارجي ، الذي ظهر على نطاق ضيق بسبب شدة المنافسة بينها وبين البلدان الرأسمالية الصناعية ، ولكن الأقطار العربية لم تكن تملك نضوجاً سياسياً عندما فرضت عليها الامتيازات وكان من الممكن أن تستفيد من عوائد نفطية جيدة لو كانت تمتلك مثل هذا النضوج في حينه، ويبين الجدول رقم ( 4 ) تطور العائد الحكومي للأقطار العربية القليل نسبياً قياساً بالأرباح العالية للشركات النفطية الكبرى العاملة لديها خلال الفترة 1913- 1960 . ولقد كانت اتفاقية طهران وطرابلس في بداية عام 1971 وارتفاع أسعار النفط العربي الخام بموجبها نقطة البداية لتزايد عوائد الأقطار العربية فسجلت (11.4) مليار دولار عام 1971 بعد أن كانت (8.6) مليار دولار عام 1970 ، كما كانت اتفاقية جنيف الأولى 1972 التي رفعت أسعار النفط الخام ، كانت السبب الرئيسي في تزايد عوائد الأقطار النفطية إلى (14.2) مليار دولار ، وتكرر الموقف نفسه بعد اتفاقية جنيف الثانية عام 1973 عندما زادت عوائدها النفطية إلى (22.4) مليار دولار . لكن هذه الزيادات بالعوائد النفطية خلال السنوات الثلاث المذكورة يمكن اعتبارها ثانوية قياساً بالزيادات الكبيرة التي أعقبت تولي منظمة الأوبك سلطة تسعير نفوطها الخام وذلك حينما تضاعفت العوائد المالية للأقطار العربية اعتباراً من عام 1974 وبشكل كبير وبالتالي خلقت عند بعض هذه الأقطار مبالغ زائدة عن احتياجات اقتصاداتها الوطنية ، حيث تم  تبذيرها على الأسلحة والحروب والإنفاق الاستهلاكي التبذيري واستثمارها في مجالات أخرى متعددة في الأسواق والبنوك والمؤسسات المختلفة بالبلدان الرأسمالية الصناعية المتقدمة . وبذلك انطلق الكلام عن الحجم الهائل للعوائد النفطية العربية ، ولقد أوردت التقديرات عن حجم العوائد النفطية للأقطار العربية عام 1974 حوالي (74.6) مليار دولار، وفي عام 1975 وبسبب الركود الاقتصادي – الذي ساد الاقتصاد العالمي عموماً والسوق النفطية بشكل خاص- فقد انخفض إنتاج وصادرات النفط الخام للأقطار العربية ولقد سجلت العوائد النفطية للأقطار العربية حوالي (67.1) مليار دولار ، ونظراً لتحسن وضع الاقتصاد بشكل عام وتزايد إنتاج صادرات النفط العربي الخام عام 1976 فقد ازدادت العوائد النفطية للأقطار العربية حيث أشارت الإحصائيات إلى أن حجمها بلغ (82.5) مليار دولار كما تزايدت هذه العوائد في عام  1977 مع تزايد إنتاج وصادرات النفط العربي الخام حيث بلغت (91.1) مليار دولار، أما في عام 1978 فقد حدث انخفاض في حجم هذه العوائد حيث بلغت (88.7) مليار دولار، ولقد حققت الأقطار العربية أعلى عائد ( عوائد نفطية ) في تاريخها وذلك عام 1980 حيث بلغت (213.7) مليار دولار والجدول رقم (5 ) والشكل رقم ( 2)  يوضحان تطور العائدات البترولية للأقطار الأعضاء للفترة ( 1970-2004) ، حيث بلغت هذه العوائد عام 1990 حوالي (97.4) مليار دولار وعام 2000 بلغت (177.2) مليار دولار .

لم يؤد الارتفاع النسبي في أسعار النفط الخام خلال العام 2002 إلى رفع العائدات البترولية إذ شهدت العائدات انخفاضاً في مستوياتها خلال عام 2002 مقارنة بالعام السابق لتصل إلى (142) مليار دولار، ويعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى انخفاض معدلات الإنتاج في الأقطار العربية نتيجة للإبقاء على الحصص الإنتاجية الرسمية المحددة من قبل منظمة الأوبك .

إن العائدات المتحققة من الصادرات البترولية في الأقطار العربية التي ما فتئت تتأرجح ارتفاعا وانخفاضا بين سنة وأخرى استجابة لمستويات الأسعار السائدة وحجم الكميات الموجهة للتصدير ففي عام 2003 الذي اتسم بالارتفاع الملحوظ في أسعار النفط حيث ارتفعت سلة أوبك إلى ( 28.2) دولاراً للبرميل، وتميز بالارتفاع في إنتاج الأقطار الأعضاء من النفط الخام شهدت عائدات الأقطار العربية من الصادرات البترولية ارتفاعا حيث وصلت قيمتها (162) مليار دولار، ولقد كان عام 2004 عاماً متميزاً فيما يتعلق بحجم العائدات النفطية التي حققتها الأقطار العربية حيث وصلت تلك العائدات إلى (218) مليار دولار وهو مستوى قياسي لم تشهده منذ عام 1980 حينما بلغت في ذلك الوقت حوالي (214) مليار دولار ، ولم تعز تلك الزيادة في العائدات إلى المستوى الذي سجلته أسعار النفط الخام خلال العام فحسب ، بل إلى الارتفاع الملحوظ الذي طرأ على الإنتاج في معظم الأقطار العربية حيث وصل إنتاج النفط في هذه الأقطار خلال عام 2004 إلى نحو ( 20.8) مليون برميل /يومياً.

والآن بعد هذا التحليل لحجم العوائد النفطية للأقطار العربية لا بد من إلقاء نظرة على الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تزايد هذه العوائد والتي يمكن أن نجملها :

1-         تبرز الزيادة بأسعار النفط في مقدمة الأسباب التي أدت إلى تزايد العوائد النفطية لدى هذه الأقطار بشكل خاص ولدى أقطار الأوبك عموماً.

2-         زيادة إنتاج النفط العربي، نتيجة لتزايد الطلب العالمي عليه.

3-         العامل السياسي الذي لم يغب دوره عن هذا الموضوع بالذات ، حيث برز في تزايد الوعي لدى شعوب الأقطار العربية من أجل دعم برامجها ومخططاتها التنموية بواسطة عوائدها النفطية وتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي من سيطرة شركات النفط الكبرى وحكوماتها كل هذا كان له دوره المباشر في تزايد العوائد النفطية للأقطار العربية .

 وعلى الرغم من أن عدداً من البلدان العربية قد تراكم لديها حجم ضخم من الفوائض المالية إلا أن هذه الفوائض لم تحقق استقلالاً اقتصادياً لديها ولم يتم استثمارها عربياً، إذ تم تدويل الأموال العربية التي استثمرت في الخارج بعد نزع هويتها القومية ، وأدمجت ضمن رأس المال العالمي وأديرت بواسطة مؤسساته، بالإضافة إلى تغلغل الشركات المتعددة الجنسيات في الاقتصاد العربي، حيث اتسعت رقعة نشاط هذه الشركات وعملياتها التي اخترقت بوسائل جديدة قطاعات بأكملها بما فيها القطاع المالي والمصرفي والصناعات النفطية والبتر وكيمائية وغيرها، وتمكنت تلك الشركات من إحكام قبضتها على الأسواق العربية وتأكيد تبعيتها لها نتيجة للاعتماد المفرط للبلدان العربية على الشركات الدولية في إدارة مشروعاتها.

ولقد لجأت الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى عدة أساليب لامتصاص عوائد النفط العربي وتهميشها ومن هذه الأساليب :

1-         خلق النزاعات الإقليمية كحرب الخليج  الكارثية الأولى والثانية والضغط المستمر لإحداث مشتريات من مستودعات السلاح وخاصة الأمريكية والغربية وبثمن مرتفع جداً ويتمثل هذا الضغط في تسليح إسرائيل المكثف ، ودفع هذه الدول لشراء هذه الأسلحة وبكميات باهظة بحجة إعادة بناء شكل من أشكال التوازن بين الدول العربية وإسرائيل من جهة وتخويفها من إيران بدعمها لصدام في حربه الكارثية الأولى وتخويف الدول الخليجية العربية من صدام بعد غزوه للكويت في حربه الكارثية الثانية،  وكما نعلم بأن التسليح يعد أحد المسارات الأساسية لإنفاق عوائد البترول العربي ، فشراء الدول العربية لأسلحة بكميات كبيرة يرهق اقتصادياتها ويحول جزءاً ضخماً من مواردها من أغراضها الإنتاجية إلى أغراض عقيمة غير منتجة تستنفد مواردها من النقد الأجنبي .

2-         تصدير التضخم إلى البلدان العربية وخاصة عبر التصدير الاستهلاكي وماله من آثار سلبية على عوائد النفط العربي:حيث نلاحظ بأن التضخم أدى في مراحل معينة وسوف يؤدي إلى إصابة الموازين التجارية للدول العربية المصدرة للنفط بالعجز ، حيث إن معظم استيراداتها سلع مصنوعة سوف ترتفع أسعارها ضمن حلقة متسارعة من التضخم .

3-         تدهور أسعار صرف الدولار بعد تعويمه : ولقد استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تخفيض قيمة دولارها مجابهة أقطار الأوبك بالدرجة الرئيسية في سبيل احتواء الزيادات التي أجرتها على أسعار صادراتها النفطية الخام- كما ذكرنا سابقا- وبالتالي استمرار حصول الولايات المتحدة الأمريكية على نفوط رخيصة الثمن مقابل ضرب القوة الشرائية لعوائد أقطار الأوبك النفطية والأقطار العربية بالذات وذلك بسبب حاجة الأخيرة إلى السلع والتكنولوجيا والخبرات المستوردة باستمرار .

 

الجدول رقم ( 4 ) يبين تطور العائد الحكومي في الأقطار العربية* خلال الفترة  (1913- 1960)    الوحدة : مليون دولار.

الفترة     مجموع الواردات المالية من بيع النفط الخام             (1)

(مليون دولار )     العائد الحكومي السنوي للدول  المنتجة للنفط                (2)

( مليون دولار )    نسبة    %

1:2

1913-1947 **  3730    510      13,7 %

1948    1031    154      14,9 %

1949    1018    157      15,4  %

1950    1292    239      18,5 %

1951    1442    284      19,7 %

1952    1483    400      27,0 %

1953    1817    585      32,2 %

1954    2072    719      34,7 %

1955    2443    903      37,0 %

1956    2638    986      37,4 %

1957    2788    1035    37,1 %

1958    3358    1229    36,6 %

1959    3345    1322    39,5 %

1960    3665    1420    38,7 %

المجموع 32122  9943    31,0 %

المصدر : أ.د.  الرومي ، نواف ، منظمة الأوبك وأسعار النفط العربي، مرجع سابق ، ص163

 (*) تشمل الأقطار العربية وإيران .

 (**) علماً بأن العائد الحكومي من البرميل الخام خلال هذه الفترة لم يتجاوز (0,21) دولار 

الشكل رقم (2) العائدات البترولية للأقطار العربية للفترة* ( 1970-2004 )

المصدر: تقرير الأمين العام السنوي، 2004 ، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابك)

*تشمل جميع الأقطار العربية عدا السودان وعمان واليمن.

الجدول رقم (5)  يبين تطور العائدات البترولية للأقطار العربية * خلال الفترة ( 1970- 2004) الوحدة : (مليار دولار) .

السنة     العائدات البترولية   (مليار دولار)

1970    8.6

1971    11.4

1972    14.2

1973    22.4

1974    74.6

1975    67.1

1976    82.5

1977    91.1

1978    88.7

1979    145.6

1980    213.7

1981    198.4

1982    142.6

1983    101.4

1984    95.7

1985    83.0

1986    51.5

1987    63.8

1988    59.7

1989    78.6

1990    97.4

1991    85.6

1992    92.6

1993    83.3

1994    83.0

1995    93.7

1996    108.7

1997    110.0

1998    76.8

1999    109.7

2000    177.2

2001    148.6

2002    142.0

2003    162.0

2004    218.0

المصدر : تقرير الأمين العام السنوي، 2004 ، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابك)

 (*) تشمل جميع الأقطار العربية المصدرة للبترول عدا السودان وعمان واليمن

 

الاستنتاجات والتوصيات:

لقد أثبتت التجربة التاريخية لتقلبات أسعار خامات النفط في الأسواق العالمية خلال فترة الدراسة، أن تلك الأسعار تخضع لمجموعة من العوامل والمؤثرات وأن دراسة وفهم هذه العوامل يساعد على تزويدنا بنظرة نافذة في تقلب الأسعار مستقبلاً ومن هذه العوامل:

- العلاقة بين العرض والطلب: حيث إن الطلب العالمي المتزايد على النفط أمام العجز في توسع الطاقات الإنتاجية من شأنه أن يجعل مستويات الأسعار تأخذ منحى تصاعدياً خلال المستقبل المنظور ولاسيما مع تناقص الاحتياطي النفطي العالمي.

1- التوتر الجيوسياسي ( عدم الاستقرار السياسي ) في بعض الدول المنتجة للنفط وخاصة الشرق الأوسط بالإضافة إلى فنزويلا ونيجيريا وأندونيسيا .

2- مساهمة المضاربين في السوق النفطية العالمية في ازدياد القلق وتأثيره قي رفع أسعار النفط العالمية.

 3- موقع البترول بين مصادر الطاقة المختلفة وموقعه الأهم بين مصادر المواد الأولية.

 4-عوامل مناخية وعوامل سياسية .

وبالمحصلة إن الخاسر الأكبر هو شعوب تلك الدول النفطية وضياع فرصها التاريخية في التطوير والتنمية والاستفادة من الفوائض النفطية، واستخراج وبيع النفط يجب أن يخضع لإستراتيجية طويلة الأمد تضمن عدم التفريط والبيع بأسعار مجحفة بحق الدول المنتجة إلا عند الحدود اللازمة والضرورية لتلبية متطلبات التنمية .  

ويشير الاتجاه العام لتطور أسعار وإنتاج خامات النفط إلى أن الطلب العالمي على النفط في حال تزايد مستمر وأن الأسعار إلى ارتفاع مستمر رغم كل الضغوطات التي تمارسها الاحتكارات النفطية والحكومات الاستعمارية في الدول الصناعية المستهلكة وهذا يفرض على الدول المنتجة توحيد جهودها وتنسيق سياستها مع الدول المنتجة غير الأعضاء في الأوبك لتعيد التوازن إلى الأسواق النفطية وتكون عاملاً فاعلاً ومؤثراً في تحديد الأسعار وذلك من خلال: 

1- الامتناع عن توظيف الرساميل النفطية في الخارج أو إيداعها في المصارف الأجنبية حيث إن مثل هذا التوظيف والإيداع يحرمان المنطقة العربية من الاستفادة الفعلية منها .  

2- تحسين مستوى شفافية سوق النفط والتقليل من حالة الغموض بعدد من الطرق منها تحسين مستوى إعداد تقارير ببيانات الطلب والمخزون بدقة.

3- ضرورة التعاون والتنسيق بين الدول المنتجة للنفط لاستغلال هذه الثروة الثمينة على أكمل وجه وضبط سعرها العالمي بما يتناسب مع قيمتها الحقيقية ومع مصلحة شعوبها وحاجة الدول المستهلكة لها. 

4- ضرورة نصح الدول العربية المصدرة للنفط بأن تشرع في سياسات تسهم في تحسين فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع تقليل الاعتماد على النفط ، والاستفادة من العوائد النفطية بالشكل الأمثل ، حيث إن الإخفاق في مواجهة هذا التحدي سيعني حتماً أن عهدها النفطي – حتى إن استمر فترة طويلة – سوف تتبعه فترة من الفقر المتنامي.

المراجع:

1.         الرومي،  نواف ، منظمة الأوبك وأسعار النفط العربي، الطبعة الأولى - الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ليبيا،2000، 383.

2.         القريشي ،فوزي ،  التطور التاريخي لأسعار النفط الخام ، مجلة النفط والتنمية العدد الثالث،1978، 22-33.

3.         تياك ،أرنست ،  نفط وسياسة واقتصاد في الشرق الأوسط ، ترجمة هشام متولي - منشورات مكتبة أطلس- دمشق ، 250، 1958 .

4.         شهاب، عبد المجيد، الأسس السليمة لتسعير البترول الخام ، بحث مقدم إلى ندوة البترول العربي والآفاق المستقبلية لمشكلة الطاقة ، بغداد،  1976.

5.         د. عبد الله ، حسين  ، مستقبل النفط العربي ، الطبعة الأولى -مركز دراسات الوحدة العربية- لبنان، بيروت،2000، 330 .

6.         مجموعة باحثين ،  مستقبل النفط كمصدر للطاقة ، الطبعة الأولى - مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية -  الإمارات العربية المتحدة  ،2005،  316 .

7.         تقرير الأمين العام السنوي،2001، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول)الأوابك) <www.oapecorg.org>

8.         تقرير الأمين العام السنوي،2002، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول) الأوابك)  <www.oapecorg.org>

9.         تقرير الأمين العام السنوي،2003، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول(الأوابك) <www.oapecorg.org>

10.       البياتي ، عدنان،  ارتفاع أسعار النفط ، مجلة أخبار النفط والصناعة، الإمارات العربية المتحدة - العدد - 430 – السنة السابعة والثلاثون -  تموز 2006، 31-33.

11.       طه، ممدوح ، ارتفاع أسعار النفط العالمية .. مسؤولية من،  مجلة أخبار النفط والصناعة، الإمارات العربية المتحدة - العدد - 419 – السنة السادسة والثلاثون -  آب 2005 . 16-18.

12.         تقرير الأمين العام السنوي،2004، منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول(الأوابك) ><www.oapecorg.org

13.       التقرير الاقتصادي العربي، 2006، صندوق النقد العربي، جامعة الدول العربية، مصر، 49 .

الإستراتيجيات التسويقية        Marketing Strategies(3)

سلوك السوق مفهوم متصل بهيكل السوق،  إذ يشير إلى نمط التصرف الذي تتبعه المنشأة في التكيف أو  التعديل وفقـاً للأسواق التي تبيع أو تشتري فيها، و يعكس إستراتيجيات وسياسات المنشأة بخصوص سوق منتجها و سياسات منافسيها في ذلك السوق. وتوجد إستراتيجيات تسويقية عديدة من أهمها:

(1)        الإستراتيجيات والسياسات السعرية.

(2)        الإستراتيجيات والسياسات غير السعرية الأخرى.

حدود الإستراتيجيات والسياسات التسويقية في إطارهياكل سوق مختلفة      

ففي ظل المنافسة الخالصة التي تتسم بتركز منخفض جداً، وموانع دخول غير مؤثرة، وعدم وجود تمييز للمنتجات، لا يكون للمنشأة الفردية حرية تذكر في الإختيار. فالسوق هو الذي يحدد السعر لمنتجها، ولا يمكنها أن تطلب سعراً مختلفاً. كما أن غياب تمييز المنتجات يعني أن المنشأة ليس لها اختيار في  شكل منتجها. ولا تظهر لديها مشكلات دعاية أو ترويج أو إعلان،  إذ لا تستطيع المنشأة أن توجد أي نوع من تمييز المنتج لصالحها، وتعلن فقط لإعلام المشترين عن وجودها. ولا تسمح المنافسة الخالصة للمنشأة بحرية الإختيار في تقرير الكفاءة التي ستكون عليها. وإذا حافظ منافسوها العديدون على جعل تكلفتهم منخفضة إلى أدنى حد ممكن، فيلزمها حينئذ أن تماثلهم في ذلك وإلاّ خرجت من مجال الأعمال نتيجة لإنخاض أرباحها عن الأرباح العادية.

            وبالمثل في حالة الإحتكار المطلق المحتكر، إذ أن قدرة المحتكر محدودية في لعب دور مستقل، حيث يوجد أمامه توليفة واحدة محددة للسعر والكمية تعتبر هيّ المثلى لتعظيم أرباحه. كما أن هناك مستوى أمثل لميزانيته الإعلانية وفقا للمبدأ الحدي، حيث يكون آخر ريال منفق سيحقق ريالاً واحداً فقط زيادة في الإيراد الكلي. أما مستوى نوعية منتجه – أي مدى الأحجام والألوان التي يخرج بها – فيمكن أن تحدد جميعها بخلطة معينة تعمل على تعظيم الأرباح. وربما تنتقل منحنيات الطلب والتكاليف للمحتكر من وقت إلى آخر استجابة لتغيرات الأسعار والدخل في المقتصد، وهذه التغيرات قد تستدعي منه بعض الأفعال التصحيحية الروتينية. وانتقال المنحنيات ما هو إلاّ استجابة للتغيرات الاقتصادية العامة، وليس لتحديات منافس محدد في الصناعة. إن الاختيار الحقيقي الوحيد إذاً للمنشأة الاحتكارية الافتراضية، قد يكون إما في تعظيم الربح أو في تحقيق بعض الأهداف الأخرى التي تعطي منفعة لمالكيها أو مديريها.

وحينما نتحول إلى الصناعات الكثيرة الأخرى التي تتميز باحتكار القلة، فإن الأنماط الممكنة للسلوك تكون أكثر تعقيداً. ففحوى إحتكار القلة يشير إلى أن المنشآت قليلة بدرجة كافية يسمح لها بمعرفة أثر أفعالها على منافسيها ومن ثم على السوق كله. وحينما تخفض منشأة سعرها، فإنها تأخذ في اعتبارها أن انخفاض مبيعات منافسيها ربما يدفعهم إلى تخفيض أسعارهم أيضاً. وهذا يُعدّ عنصراً جديداً من عناصر السلوك السوقي يظهر فقط في الصناعات التي يسودها احتكار القلة. أما حينما تحتوي صناعة ما على منشأة واحدة (احتكار مطلق) أو منشآت عديدة (منافسة خالصة)، فإن البائعين الأفراد يتفاعلون ويستجيبون فقط لقوى سوقية غير شخصية. وفي احتكار القلة فإنهم يستجيبون ويتفاعلون مع بعضهم بطريقة مباشرة أو شخصية. وهذه التفاعلات بين البائعين التي لا يمكن تجنبها في سوق تنافس القلة تسمى الاعتماد المتبادل Mutual Interdependence. والشيء المهم هو أن  هذا الاعتماد المتبادل أنه يمكن التعرف عليه. وحينما يعرض أحد البائعين في ظل المنافسة الخالصة كمية كبيرة من  منتجه، يكون من المتوقع أن ينخفض سعر السوق بشكل إنخفاضا ضئيلا جداً لا يكاد يذكر، وبرجة تكاد تكون غير ملحوظة بالنسبة للمنشأة ذاتها ولمنافسيها. أما في حالة احتكار القلة يكون الإنخفاض في السعر ملحوظا لجميع البائعين.

إن ما يهم هنا هو التعرف على نمط السلوك الذي سوف يتبعه محتكرو القلة إذا استطاعوا تحقيق أقصى درجة ممكنة من التعاون فيما بينهم،  لأنهم يدركون اعتمادهم المتبادل في السوق. ولعل أفضل ما يمكن أن يفعلوه، بوصفهم مجموعة متعاونة، أن يحصلوا على سعر متماثل ويحققوا أرباحاً متماثلة كالمحتكر الوحيد في السوق (بفرض أن تكلفتهم متساوية)، ويقسموا تلك الأرباح بينهم بطريقة يتفقون عليها. ونحن نسمي هذه النتيجة التعظيم المشترك للأرباح Joint Profit Maximization. ويمكن أن يجري تحليل لأسواق احتكار القلة في الواقع بعد ذلك من خلال العوامل التي تحد من الدرجة التي تستطيع بها المنشآت – في حالة تعرفها على اعتمادها المتبادل – تحقيق أقصى أرباح مشتركة.

التعظيم المشترك للأرباح الإحتكارية

يحتاج تعظيم الأرباح المشتركة من محتكري القلة أن يضعوا خطة محكمة للعمل – يحددون من خلالها ما الأرباح التي يطمحون إليها، وما المخاطر التي سيواجهونها لتحقيق ذلك.

(1) عدم الإتفاق على المبدأ:

كلما زاد عدم التجانس بين الأطراف المتفاوضة. وكلما زادت درجة التفاوت في استراتيجيات المنشآت (التنويع، التكامل الرأسي، ..إلخ) قلت درجة الاتفاق بينهم على المبأ لتبني التوليفة نفسها من الأرباح والمخاطر.

(2) عدم الإاتفاق على التفاصيل

ربما يتفق محتكرو القلة على الهدف نفسه وهو تعظيم الأرباح المشتركة، ولكن قد يكون لديهم بعض المشكلات في الاتفاق على كل التفاصيل المطلوبة لتطبيقه. وهنا يحتاجون إلى الكثير من المعلومات التي يجب أن يتم تبادلها في جو من الثقة المتبادلة للوصول إلى اتفاق على كل المتغيرات السوقية الضرورية. فمحتكري القلة في الغالب يتفقون على السعر ويتركون التفاصيل الخاصة بمتغيرات سوقية كثيرة أخرى دون اتفاق.

(3) عدم الالتزام بالاتفاق

ربما يصل محتكرو القلة إلى اتفاق ولكنهم لا يلتزمون به، أو ربما لا يوافق بعضهم أساساً على شيء. وكلما زاد طموح الاتفاق التآمري، زادت رغبات كل واحد من الأطراف المشاركة فيه للغش، فقد يقلل أحد المشاركين سعرمنتجه عن السعر المتفق عليه قليلاً ويحاول إختطاف  بعض الأعمال من المنافسين. ولأنه من الصعب على محتكري القلة إيجاد آلية لجعل اتفاقهم ملزماً، لذا فإن محاولة الغش تصبح واردة، وكلما زاد عدد البائعين، زادت فرصة أن تشعر إحدى المنشآت بقدرتها على النجاح في مخالفة ما اتفق عليه دون أن يكشف أمرها، أو تتعرض لبطش الآخرين.

السياسات السعرية Price Policies

في العادة تضع المنشآت الفردية قائمة أسعارها في سوق احتكار القلة. وتعدل هذه الأسعار استجابة لتغيرات الظروف السوقية أو للتغيرات التي يجريها منافسوها. وعندما يكون الناتج غير مميز تتم عملية التعديل أو الاستجابة بسرعة جداً وبحساسية. وحينما يبدأ بائع ما بتغيير في السعر تظهر الاستجابة غالبا بشكل سريع، و قد تظهر تغيرات كثيرة في الحصص السوقية. وهذه التغيرات وما يقابلها من ردود أفعال تؤدي بسرعة إلى سعر سوقي جديد. وعكس ذلك يحدث حينما يكون المنتج مميزاً بشدة حيث يكون محتكرو القلة أقل حساسية للتغيرات السعرية التي يجريها بعضهم تجاه بعض، وهنا تكون آلية الاستجابة أبطأ وأضعف.

وحدات الأعمال تتبع إجراءات محددة من أجل تقليل أخذ القرارات وبطريقة تمكنها من حسن إدارتها التحكم فيها. وقد تضع المؤسسة مثلاً معدل عائد طبيعي على استثماراتها هدفاً، أو تستخدم تعلية سعرية Mark up تضاف إلى تكلفتها لتحديد سعر منتجها. وعلى كل حال فإن القواعد التي تتبعها المنشأة ما هي إلاّ مجرد وسيلة تطبيقية أو أداة لتحقيقة هدف ما. وقد يكون الربح العادي أو التعلية السعرية الثابتة هو أكثر ما تدور حوله أفكار المنشآت، ويكون بمقدورها تحقيقه دون أن تسبب إغراءات للدخول، أو هو أقرب أساليبها التطبيقية للوصول إلى السعر المحقق لتعظيم الربح، وخاصة حينما تتغير التكاليف بطريقة مستمرة.

            على مدير الأعمال الذي قرر مستوى سعر منتجه العلن أن يأخذ في اعتباره بعد ذلك ما هي استجابات منافسي المنشأة لهذه الأسعار. وهنا يمكن تصور تشكيلة كبيرة من الممارسات الواقعية وعدم التأكد، فعندما يفكر محتكر قلة في رفع أسعاره،وقام كل المنافسين أيضاً برفع أسعارهم، فستزيد أرباح كل منشأة. وبالعكس إذا خفّض أحد محتكري القلة سعره دون أن يخفّض المنافسون أسعارهم، فسيكون لديه فرصة جيدة لزيادة حصته السوقية ومن ثم أرباحه. ويعتمد ما يفعله أي منهم إذا بدرجة كبيرة جداً على كيفية الإستجابة المتوقعة للمنافسين.

ويمكن أن نوضح هذه المشكلة، كما يراها أحد محتكري القلة، في الشكل التالي:

 

DD هو منحنى الطلب لأحد البائعين عندما لا تتغير أسعار البائعين الآخرين.

D`D` هو منحنى الطلب لأحد البائعين حينما يغير كل البائعين أسعارهم.

 منحنى الطلب الملتوي Kinked Demand Curve .

كيفة تنسيق السعر

حينما تسود حالة إحتكار القلة في سوق منتج ما، تتحدد الأسعار في السوق طبقا لأي مما يلي:

 (1) اتفاق البائعين

إن أكثر وسائل تنسيق الأسعار إحكاماً هو الاتفاق الرسمي بين البائعين. وقد يغطي الاتفاق مايلي:

-           الأسعار التي يتقاضاها البائعون للمنتج فقط.

-           قد يذهب لأبعد من ذلك ليغطي الممارسات البيعية ونوعية المنتج.

-           وقد يذهب لأبعد من ذلك أيضاً ليقسم السوق، بتخصيص حدود سوقية خاصة لكل بائع.

وينطبق مصطلح كارتل Cartel على الاتفاق الشامل والرسمي الذي يقسم الأسواق، وعلى الرغم من ذلك فلا يوجد هناك فاصل لتفريق الكارتل عن الاتفاقات الأقل كمالاً.          ويتطلب تحقيق أقصى الأرباح المشتركة اتفاق كارتل كاملاً يلتزم به كل الأعضاء. وحالات الكارتل الواقعية تكون في العادة غير كاملة للأسباب المذكورة سابقاً.

(2) القيادة السعرية

القيادة السعرية هي نمط من أنماط التنسيق بين البائعين التي لا تتطلب تنظيم رسمي بين الأعضاء. وفي هذا الترتيب تعلن التغيرات في أسعار الصناعة أولاً من قبل القائد Leader (عادة أكبر منشأة في الصناعة). وتجري المنشآت الأخرى التابعة Followers التغييرات السعرية نفسها بتأخير زمني قليل أو ربما بدون تأخير. والقائد – حتى لو لم يكن أكبر منشأة، يتحكم دائماً في حصة كبيرة من السوق وعادةً يكون الأقدم في الصناعة. وتوجد القيادة السعرية في الغالب بين البائعين من محتكري القلة الذين يبيعون منتجات غير مميزة. وتتغير حصص البائعين السوقية بشكل كبير في مثل هذه الصناعات إذا تم البيع بأسعار مختلفة للمنتج نفسه.

            وربما تختلف أنماط القيادة السعرية، مثلها في ذلك مثل أنماط الاتفاقات السعرية الرسمية، بشكل كبير من صناعة إلى أخرى. فالقائد دائماً يُتبع مباشرة، وفي أحيان أخرى قد يتأخر عنه التابعون في مماثلة أسعاره الجديدة. والقائد دائماً يبدأ التغييرات السعرية في الصناعة، وقد يذهب هذا الدور أحياناً لأحد المنافسين الكبار. وقد يتمسك التابعون بثبات بأسعارهم المعلنة، أو قد يقومون بمنح عروض خاصة مثل الخصومات التي قد تجبر القائد على عمل تخفيض سعري.           

(3) التنسيق العرفي

في بعض الصناعات تبدو المنشآت قادرة على أخذ استجابات بعضها في الحسبان دون إظهار أي علامات خارجية واضحة فيما بينها مثل القيادة السعرية. ولنتصور حالة لصناعة تسود فيها منشآت قليلة، ويوجد فيها تمييز كبير في المنتج. هنا سنجد أن التمييز سيزيل بعض الضغط على قيام سعر موحد. والآن لنفترض أن كل بائع يعرف أن البائعين الآخرين سيغيرون موديلاتهم في أوقات عادية محددة وبطريقة متوقعة بشكل عام. ونفترض أيضاً أن كل بائع يعرف بشكل تقريبي كيف يحسب ويغير كل منافس له سعره استجابة للتغيرات في التكاليف وفي ظروف الطلب. بهذه المعلومات يستطيع كل البائعين وبشكل مستقل الإعلان عن تغييرات سعرية متقاربة بما يكفل حفظ الأسعار عند مستوى يسمح ببعض الأرباح الاحتكارية للصناعة دون أي اتفاقات تآمرية على الإطلاق.

السلوك السعري الافتراسي

إذا استطاعت المنشآت المتنافسة وضع أسعار ينتج عنها أرباح مشتركة، فإنها ستواجه مشكلة حوافز الخداع أو الغش. فالبائعون ذوو الحصص السوقية الصغيرة أو التكاليف المنخفضة سيحققون كسباً كثيراً من عدم الالتزام، ومنافسوهم الذين يكسبون أكثر من المحافظة على الاتفاق ربما يتطلعون سوياً إلى تكوين استراتيجيات عقابية للمخادعين. كما أن المنشأة التي تتقاسم الأرباح الاحتكارية المشتركة ربما يساورها رغبة في إبعاد منافسيها والاستئثار بالمكاسب الاحتكارية لنفسها. هذه الحوافز أو الدوافع تثير موضوع الأسعار الافتراسية المصممة لإعاقة أو ربما لإبعاد المنافسين.

            ربما تصادف الإنسان في واقع الشركات العملي مخاوف من القول الشائع ( إن السمك الكبير يأكل السمك الصغير)، وما يترتب على ذلك على الأقل من تهديد المنشآت الكبيرة بالضغط على منافسيها الصغار. إلاّ أن الاقتصاديين يُبدون الكثير من الشك حيال ذلك. فلإخراج المنافس من الصناعة، حتى المنافس الضعيف الذي لا يتمتع بمزايا، فعلى المنشأة التي تسعى إلى ذلك أن تضحي بالأرباح الآن من أجل أرباح أعلى في الغد. لكن أرباح اليوم تساوي عند المنشأة أكثر من أرباح الغد، وفوق ذلك فإن أرباح الغد. (بعد خروج المنافس وقيام الأسعار الاحتكارية) قد تكون غير مؤكدة إذا استطاع داخل جديد أن يتحفز بقوة ليحل محل الضحية. ولذلك فإن المفترس الناجح يحتاج إلى بعض موانع الدخول ليحمي نفسه من دخول منشآت جديدة تحل محل السابقة. والافتراس يكون مردوده أكثر حينما يستطيع المفترس أن يعطي إشارات تحذيرية مبكرة تعكس قدرته وإرادته القوية في إبعاد المنافسين وتضييق فرصهم السوقية. أما إذا استطاعت المنشأة الافتراسية التلميح بسيفها دون استخدامه في الواقع، فإنها ستتجنب بذلك فقدان الأرباح في المدى القصير، وفي الوقت نفسه ستنال أهداف المدى الطويل.

الأساليب الكمية لتحديد السعر

يمكن تحديد السعر لمنتجات المنشأة بطرق عديدة منها الطرق التالية:

1-         طريقة دالة الطلب:

- تقدير دالة الطلب على المنتج:

D = a + b P

D =1200 – 10 P

حيث أن:

D = الكمية المطلوبة من المنتج = حجم المبيعات

a     = مقدار يرتبط بمستوى خصائص المنتج.

    b  = مقدار يرتبط بأسعار المنافسين.

 P      = سعر المنتج.

- تحليل الإيراد الكلي:

TR= P. D

أي أن الإيراد الكلي (TR) يساوي السعر مضروبا في حجم المبيعات.

TR= P (1200- 10P)

-           معادلة التكاليف:

TC= FC + Vc1. D

TC= 8400+30 (1200 – 10 P )

حيث:

TC = التكاليف الكلية.

FC= التكاليف الثابتة.

VC1= التكاليف المتغيرة للوحدة.

D= الطلب = حجم المبيعات.

-           معادلة الربح:

PR= TR – TC.

PR = P ( 1200 – 10 P ) – ]1600 + 30 (1200 – 10 P ) [

حيث أن:

PR= الربح الكلي.

أي أن:

PR= 1500P – 10 p2 – 120000

_ تعظيم الربح:

تفاضل الدالة بالنسبة ل P ومساواة الناتج بالصفر والتعويض ينتج:

0 = 1500 – 20 P – 0

P =  75.

وبذلك يكون السعر الذي يعظم الربح للمنشأة هو 75 ويكون الطلب عند هذا السعر هو:

D = 1200 – (10 – 75) = 450

الربح المتوقع هو:

PR= TR- TC

PR= 33750 – 29500 = 4250

2- طريقة تحليل الإيرادات والتكاليف:

بمعرفة الطلب المتوقع حجم مبيعات الشركة  عند كل مستوى سعري بأي طريقة تقريبية، يمكن طرح التكاليف الكلية ( الثابتة والمتغيرة) من الإيراد المتوقع عند كل مستوى سعري ( الطلب المتوقع مضروبا في السعر) والحصول على الربح المتوقع، ويتم إختيار السعر المعظم للربح من بين البدائل.

3- طريقة التسعير المرن:

وهذه الطريقة تساعد على إتخاذ القرارات الخاصة بقبول طلبيات معينة ( صفقات) بأسعار تقل عن أسعار البيع المعتمدة في المنشأة . فمثلا لو كان سعر البيع الإعتيادي 40 ريالا، وطلب من المنشأة تسليم صفقة مقدارها 400 وحدة بسعر 32 ريالا خلال شهر، يكون السؤال هنا هل تقبل المنشأة هذه الصفقة ؟ وما هو الربح المتوقع من ذلك.

فإذا كان معدل كلفة الوحدة 34 ريال عند مستوى إنتاجي 1000 وحدة شهريا ( 23 ريال تكاليف متغيرة + 11 ريال تكاليف ثابتة)، فإذا كان الوضع في حالة إنتاج 1400 وحدة هو أن تصل تكلفة الوحدة (30.85 ريال ( 23 ريال تكاليف متغيرة + 7.85 ريال تكاليف ثابتة)، يكون الربح في حالة عدم قبول الصفقة 6000 ريال ( 40000 – 34000 ريال)، ويكون الربح في حالة قبول الصفقة  9610 ريال وهو مكون من ربح ال 1000 وحة الأصلية ( الإيراد بالسعر العادي – التكاليف الكلية بعد الإنخفاض في متوسط التكاليف الثابتة) ومقداره 9150 ريال وكذلك ربح ال 400 وحده الإضافية ومقداره 460 ريال. وبذلك يكون الربح الإضافي نتيجة قبول الصفقة هو 3610 ريال. وبالمثل يمكن المقارنة بين طلبيتين إذا كانت طاقة المنشأة لاتسمح إلا بقبول أيهما.

1-         طريقة نقطة التعادل:

ويمكن من خلالها تحديد ااسعر الأدنى الذي يغطي التكاليف الإنتاجية في حالة الإنتاج بطاقة إنتاجية محددة ومعروفة، فمثلا لو كانت هذه الطاقة 1000 وحدة، وكانت التكاليف الثابتة 20 ألف ريال، وكان متوسط التكاليف المتغيرة 2 ريال، يحسب السعر الأدنى ( سعر التعادل) كما يلي:

TR = TC

P. D = FC + VC1. D

1000 P = 20000 + 2000

1000 P = 22000

P          = 22000/1000 = 22

وعلى ذلك تحدد المنشأة سعرا يزيد عن 22 ريال بمقدار يتوقف على درجة المنافسة.

سياسات المنتج  Product Policies

يقصد بالمنتج بمفهومه الواسع كل شيئ مادي ملموس  Tangible أو غير ملموسIntangible   ينطوي على منافع وظيفية وإجتماعية ونفسية، وبذلك قد يكون سلعة أو خدمة أو فكرة أو أي تركيبة تجمع بيين هذه المضامين. ومن المعروف أن البائع لا يهتم فقط بالسع الذي يعظم أرباحه،  ولكن أيضاً بجودة المنتج ومدى الحاجه إلى الإعلان وعلاقة ذلك بأرباحه المحققة، والقرار في كل حالة يعطي إشارات لمنافسي المنشأة في السوق. والسؤال هنا هل سيتجاهلون المنتج الجديد والمحسن، سامحين لهذا البائع بأن يحظى بحصة سوقية أكبر، أم أنهم سيستجيبون بإحداث تغييرات خاصة بهم؟ وهل سيقوم أحد البائعين بدفع حملته الإعلانية قدماً استجابة لمماثلة منافس آخر له في إعلانه؟

أولا: تمييز المنتج Product Differentiation 

الملامح الهيكلية لتمييز المنتج تضع القاعدة للبائعين عن شكل المردود العام الناتج من مصروفاتهم على الدعاية ونفقاتهم الأخرى التي تؤثر في جودة وأصناف السلع والخدمات التي يطرحونها. هذه العلاقات تُعدّ علاقات في غاية التعقيد. وفضلا عن تمييز المنتج من حيث الخصائص العامة والنوعية والجودة، يمكن إظهار ذلك بأساليب عدة منها:

(1) الأغلفة والعبوات Packaging

  لعل الأغلفة والعبوات تلعب دورا  كبيرا في تمييز المنتج، وهي ثلاثة مستويات يسمى الأول منها  بالعبوات الأولية  Primary Package  وهي عبارة عن عبوة المنتج نفسه كالإناء الذي يعبأ فيه زيت الزيتون مثلا، والثاني يسمى العبوات الثانوية Secondary Package، وهي الصنوق الكرتوني الذي يحمي أنية الزيت، والثالث يسمى أغلفة وعبوات الشحن  Shopping Package وهي عبارة عن العبوات والأغلفة الضرورية للنقل والتخزين.

ولقد برزت في السنوات الأخيره أهمية الأغلفة والعبوات نتيجة للعوامل التالية:

1-         إنتشار متاجر الخدمة الذاتية: حيث تساعد علي جذب المشتري.

2-         رفاهية المستهلك: إذ يرغب في عبوة جذابة ومريحة.

3-         إظهار صورة الشركة والماركة: فالعبوة تعطي صوره ذهنية معروفة مسبقا.

4-         تمثل فرصة إبتكارية: مثل عبوات اللبن الورقية زات الغطاء.

(2) وضع العلامات المميزة على المنتج   Labeling

 فقد تكون العلامه المميزة مجرد ورقه تعريفية، وقد تكون ذات تصميم تفصيلي، وقد تستعين الشركات في ذلك بشركات إعلان خبيرة. وقد يطلب القانون من المنتجين وضع معلومات معينة و صحيحة على منتجاتهم.

ثانيا: الترويج  Promotion

يعني الترويج الإتصال بالآخرين وتعريفهم بأنواع السلع والخدمات التي في حوزة البائع، ويعرف بأنه التنسيق بين جهود البائع في إقامة منافذ للمعلومات وفي تسهيل بيع السلعة أوالخدمة أو في قبول فكرة معينة. ويعتبر الترويج أحد عناصر المزيج التسويقي ( المنتج، ومكان السوق، والسعر, والترويج). وتأتي أهمية الترويج من خلال:

1-         بعد المسافة بين البائع والمشتري.

2-         تنوع وزيادة عدد الأفراد الذين يتصل بهم المنتج من تجار جملة وتجار تجزئة ومستهلكين وغيرهم.

3-         حالة المنافسة في السوق.

4-         يساعد على زيادة الوعي والتطوير.

5-         يساعد على زيادة حجم المبيعات.

6-         يؤثر على قرار الشراء.

7-         يؤثر على منحنى الطلب.

ويهدف الترويج إلى:

1- تعريف المستهلكين بالسلعة أو الخدمة.

2- تذكيؤ المستهلكين بالسلعة أو الخدمة.

3- تغيير الإتجاهات السلبية إلى إيجابية.

4- إقناع المستهلكين الحاليين والمحتملين بمنافع السلعة أو الخدمة.

عناصر المزيج الترويجي: يتكون الترويج من:

(1)الإعلانAdvertising

 وهو عملية إتصال تهدف إلى التأثير من البائع إلى المشتري على أساس غير شخصي. ويتم الإتصال من خلال وسائل الإتصال العامه. ويستخدم من أجل التعريف والإقناع  من خلال تغيير سلوك المستهلكين بتوفير المعلومات والبيانات عن السلعة، والعمل على تغيير الرغبات، وتغيير تفضيل المستهلكين الماركات المختلفة أو تحويل تفضيلهم.

   (2)البيع الشخصيPersonal Selling

ويتضمن إجراء مقابلة بين رجل البيع والمستهلك النهائي.

(3) العلاقات العامة  Public Relation

ويهدف إلى خلق علاقات طيبة وإيجابية بين المشروع وقطاعات الجمهور المختلفة التي يتعامل معها داخل وخارج المشروع.

-ترويج المبيعات: وذلك من خلال العروض الترويجية مثل عرض فيلم فيديو عن السلعة، والمعارض النجارية، والهدايا الترويجية، والهدايا التذكارية، والعينات وكوبونات الخصم، والتذوق المجانيوالطوابع التجارية وغيرها.

(4) الدعاية Publicity

هي جزء من العلاقات العامة والموجهة غالبا لترويج سلعة أو خدمة المشروع، وهي عبارة عن نشاط إخباري عن المشروع وتقتصر وظيفتها على التعريف فقط.

            ولتوضيح الأبعاد الإقتصادية للإعلان بنفرض أن محتكرما ينتج  وبيع مشروب معروف يسمى (ا) يمكنه عندئذ بوصفه معظماً للربح أن يعرف كم يزيد إيراده الصافي باستخدام مستويات مختلفة من الإنفاق على الإعلان. وربما يؤدي إعلانه إلى نقل منحنى الطلب على (أ) ناحية اليمين مما يجعل الناس أكثر رغبة في شراء المزيد منه عند أي مستوى سعري. في هذه الحالة سيربح كلما إشترى الناس مزيداً من جالونات (أ) وتزيد أرباحه أكثر وأكثر إذا سمح له منحنى الطلب غير المرن بزيادة السعر لكل وحدة مباعة. وقد يتحقق له مزيدا من المزايا إذا كان الإعلان يجعل طلب الناس على (أ) أقل مرونة. وبأخذ هذه الأشياء في الحسبان، فإنه سيزيد من إنفاقه على الإعلان حتى النقطة التي يحقق فيها الريال الأخير المنفق على الإعلان ريالا واحداً إضافياً من أرباح (أ).

            وفي حالة وجود مشروبات منافسة مثل مشـروب (ب)  و( ج) حيث يَعدّهما كل مستهلك بدائل قريبة جداً ل (أ). وبصرف النظر عن العلاقة التنافسية بين صانعي (أ) و (ب) و (ج)  دعنا نفترض أنهم لا يتفقون مع بعضهم بشكل كامل. في هذه الحالة دخل عنصر جديد في تحديد أفضل مستوى إنفاقي على الإعلانات عن  (أ) أو  (ب) أو  (ج) وحينما كان (ا) محتكراً، كان للمزيد من الدعاية من قبل المحتكر تأثير في نقل منحنى الطلب إلى اليمين وذلك من خلال تحويل أذواق الناس، بجعلهم ينفقون أقل على المنتجات الأخرى والمزيد على المشروب (أ). ولكن إعلانات منتج (أ) في سوق احتكار القلة الجديد سوف تنقل منحنى الطلب بطريقة أخرى، فهي فقط ستجعل الناس يشترون (ا) أكثر من (ب) أو (ج). وبهذا فإن هيكل سوق احتكار القلة الذي لا يسوده الاتفاق بين المنتجين في الغالب ينتج عنه مستوى أعلى( بالنسبة للصناعة عموماً) من الإنفاق على الدعاية والإعلان مقارنة بالهيكل السوقي الاحتكاري.

            ولاختبار هذه الفرضية حول الدعاية والمنافسة، نحتاج إلى معرفة إلى أي مدى يتنافس محتكرو القلة بشكل مفتوح في مجال الدعاية، الأمر الذي يجعل إعلاناتهم تعمل على مجرد إحلال بعضها محل الآخر دون التأثير على توسيع الطلب الكلي للصناعة عموماً. إن الطرق الإحصائية التي طبقت ميدانياً للإجابة على هذا السؤال المحير قد أكدت بشكل عام الفرضية التالية: مع التحكم في المؤثرات الأخرى، فإن الصناعات التي يسودها تركز متوسط تنفق أكثر على الدعاية مقارنة بإنفاق الصناعات الأكثر تركزاً. وبعض الباحثين وجدوا أن الدعاية عن الصنف (ا) ستتسبب في نقص الحصة السوقية للصنف المنافس (ب)، وربما لا يزيد تأثير النفقات الإعلانية على كل من (ا) و (ب) عن مجرد إلغاء أحدهما تأثير الآخر على المشترين.

وبسبب كون الدعاية التنافسية تبدد الموارد، ولأن المدفوعات الإعلانية الثقيلة تزيد من موانع الدخول في بعض الصناعات ، لذا لجأ الاقتصاديون - كما يبدو - إلى منعها. وعلينا أن نعلم، على الرغم مما ذكرنا، أنه خارج قطاعات السلع الاستهلاكية غير المعمرة التي نعرفها، تخدم الدعاية بشكل أساسي في إيصال المعلومات للمشترين المستهدفين.

الصراع بين المنتج والمستهلك مفتوح النهايات - النفط.. رفاهية الغرب علي حساب الجميع(4)

وافق وزراء منظمة الدول المصدرة للنفط علي زيادة انتاج دولهم بمقدار 800 الف برميل يوميا اعتبارا من اول تشرين الاول (اكتوبر) المقبل، استجابة للضغوط الامريكية والاوروبية التي تواصلت منذ عدة اسابيع في ظل الارتفاع المتواصل لسعر النفط الخام.. الذي تدعي الدول المستهلكة انه يؤثر علي اقتصادياتها وعلي قدرات الفرد فيها علي مواجهة احتياجاته واستخداماته من هذه المادة الحيوية.

الغريب ان كل الوزراء الذين شاركوا في هذا الاجتماع اتفقوا علي امرين متناقضين..

الاول ــ ان الزيادة التي تم اقرارها تمثل اعترافا بالوضع القائم فعلا حيث تقوم هذه المجموعة من الدول في الوقت الراهن بانتاج حوالي 2،29 مليون برميل يوميا، علي الرغم من ان سقف الانتاج المتفق عليه هو 4،25 مليون فقط يخص العراق منها 3 مليون برميل!

الثاني ــ ان ارتفاع الاسعار لا يرجع الي نقص في الكميات المعروضة وانما اولا الي الاختناقات التي تعاني منها سوق النفط مثل المضاربات وعدم التزام المصافي بتوريداتها التعاقدية المرتبطة بالمشتقات النفطية في المقام الاول، ويرجع ثانيا ولو جزئيا الي تدهور سعر الصرف بالعملة الاوروبية اليورو مقابل الدولار مما يؤثر علي مؤشر الاسعار بالزيادة.

وبدلا من ان تتكاتف دول الاوبك علي توضيح هذه الحقائق للمجتمع الدولي الذي اصبح يدينها في كل مرة ترتفع فيها الاسعار، استسلمت للضغوط التي مورست عليها كل وفق ارتباطاتها بالغرب وبالولايات المتحدة الامريكية بالذات.. وكان يكفيها في مثل هذه الاحوال ان تكلف ادارة البحوث النفطية ومكتب متابعة الاسعار التابعين لها بالتعاون مع هيئة عالمية مستقلة لتقديم الدراسات التي تؤكد هذه الحقائق التي يعرفها العالم كله وترفض الدول الغربية ان تأخذها في الاعتبار عند مناقشة مشكلة تسعير النفط الخام بين طرفي العملية الانتاجية ونعني بذلك المنتج والمستهلك.

وليس هذا بجديد..

في بداية الخمسينيات من القرن العشرين كان يتحكم في اسعار النفط كارتل من الشركات العملاقة المكون من سبع شركات خمس منها امريكية (موبيل/اكسون/اموكو/بنز اويل/اوكسيندال) الي جانب شل (هولندية/بريطانية) وبريتش بتروليوم (بريطانية كان سعر البرميل الواحد نصف دولار! وعندما ارادت حكومة ايران التي كانت اكبر منتج للنفط في ذلك الوقت ان تغير لاول مرة ولو هامشيا من قواعد لعبة تسعير النفط الي جانب الحصول علي نسبة اكبر من العائدات اطيح بالحكومة وربط العرش الايراني بتحالف امريكي جعل مجرد التفكير في القيام بهذه المحاولة مرة اخري نوعا من المخاطرة المحفوفة بالمزالق التي قد تطيح بعرش الطاووس والجالس عليه!

وكان مصير المحاولة الثانية الفشل ايضا.. حين اتفقت كل من فنزويلا والمملكة العربية السعودية علي المطالبة باجراء مفاوضات تأخذ طريقها الي نوع من التفاهم الهامشي المتواضع. في ذلكم الوقت اطيح بوزير الطاقة الفنزويلي بناء علي طلب مباشر من الادارة الامريكية وانسحبت بلاده من المفاوضات.. وبذلك لم تتمكن السعودية بمفردها من انجاز ما كان متفقاً عليه لصالح الدول المنتجة جميعا، وحتي عندما اعلنت شركة ايني الايطالية في منتصف الستينيات عن رغبتها في كسر الاحتكار الذي تمثله مجموعة شركات الكارتل وسعيها عبر طاولة المفاوضات الي اتفاق يعطي ايران الحق في الحصول علي 05 في المائة من سعر البرميل اعترضت الشركات السبع الكبيرة.. واحترقت طائرة رئيس مجلس ادارة شركة الطاقة الايطالية في الجو.. وقيد الحادث ضد مجهول.

الخطوة الايجابية التي لم تعترض عليها مجموعة الكارتل جاءت في بداية السبعينيات عندما تمكنت ثلاث دول مرة واحدة من تأميم قطاع النفط بها وهي: العراق والمكسيك وليبيا وقد ساعد علي ذلك اجواء الحرب الباردة المتأججة في ذلك الوقت واستعداد دول المعسكر الشرقي لاستيراد اكبر كمية من النفط تعجز الدول التي اممت هذه الصناعة عن تصريفها في الاسواق الدولية.. وقد ادي ذلك الي ارتفاع سعر البرميل الي رقم قياسي في ذلك الزمان وهو 4 دولارات! ويعزي هذا النجاح الي قيام اربع دول تهيمن علي 80 من انتاج النفط العالمي هي السعودية والعراق وايران وفنزويلا باعلان قيام منظمة الدول المصدرة للبترول (الاوبك) في العاشر من ايلول (سبتمبر) عام 1960.

اما الخطوة الايجابية الثانية فكانت قبل بدء حرب تشرين الاول (اكتوبر) المجيدة بيومين حيث تمخض اجتماع في فيينا بين دول الابك وشركات الكارتل عن اتفاق يحدد سعراً موحداً لبرميل النفط الخام لا يحق للطرف المنتج ان يغيره الا في حدود 10 في المائة فقط وبرضاء من الطرف الثاني. ولكن هذا الاتفاق لم يصمد طويلا امام القرار العربي الاستراتيجي الوحيد الذي تبناه العرب لاول وآخر مرة في عصرهم الحديث حينما قرروا استخدام النفط كسلاح لا يرفع الحظر عنه طالما ان هناك من يناصر اسرائيل في صراعها ضد الدول العربية.. وقد ادي ذلك القرار الي رفع سعر البرميل الي ارقام فلكية حيث بلغ حوالي 40 دولاراً. وانعكس ذلك بشكل مباشر علي اقتصاديات الدول الغربية وعلي مجتمعاتها وعلي احوالها المعيشية مما دفع بالرئيس الامريكي الاسبق نيكسون الي تبني دعوة دولية برفض هذا الاسلوب والمطالبة في الوقت نفسه بوضع اسس قوية لمنع الدول المنتجة من مواصلة احكام قبضتها علي آلية الاسعار والحد من حريتها في استخدامها (الاسعار) كأداة من ادوات التهديد السياسية.

كان من بين الاجراءات التي اتخذتها الدول الغربية التي اجتمعت في واشنطن في شباط (فبراير عام 74 موازنات بحثية غير محدودة للكشف عن مناطق انتاجية جديدة بعيدة عن نفوذ دول الاوبك.. وترشيد استهلاك الطاقة وابتكار نماذج خدمية يمكن تشغيلها باقل قدر من الطاقة لاداء الوظائف والخدمات نفسها، قرروا ولاول مرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية اقتسام الاحتياطي النقدي العالمي فيما بينهم لقطع الطريق علي اي صعوبات قد تعترض أياً منها عندما تحتاج الي تغطية احتياجاتها من النفط الخام في ظل هذه الاسعار التي لم يكن مقدرا لها ان تصل الي ذلك المستوي.. وكان ذلك ما يمكن اعتباره بكل المقاييس الخطوة الاولي في ميدان تعاضد المستهلكين ضد منتجي النفط.

ولكي يضمنوا عالمية التنفيذ لمخططاتهم اسندوا الي الوكالة الدولية للطاقة التي تشكلت بعد حرب عام 73 مسؤولية وضع الخطوات التنفيذية التي تضمن نجاح ما اتخذ من قرارات، وبذلك تحولت الهيئة الدولية الي كيان في يد الدول المستهلكة للنفط تواجه به منظمة الدول المنتجة. وفي الوقت نفسه احتفظوا لانفسهم بالعمل من وراء ستار لاجل تفكيك ما بدا انه تماسك قوي يجمع بين دول الاوبك في ذلك الحين واستنزاف ما لديها من فوائض مالية.. فعمدوا الي:

اولا ــ خفض القيمة الفعلية لفوائض الاموال التي يملكها العرب (حكومات واشخاص) عن طريق التخفيض المتعمد للاسهم والسندات في البورصات العالمية الي جانب تشجيعهم علي المضاربة في مجال العملات ذات التأثير المباشر علي حركة الاسواق.

ثانيا ــ تشجيع الفساد والافساد داخل المجتمعات المنتجة للنفط في كل انحاء العالم عن طريق الصفقات التجارية والاعمار والسلاح وما يرتبط بها جميعا من عمولات.

ثالثا ــ الاصرار علي ربط اسعار النفط الخام باسعار المواد الاستراتيجية التي تحتاجها هذه المجتمعات لمواصلة حياتها اليومية مثل المحاصيل الزراعية والسلع الضرورية والادوية والالات والمعدات.

نتج عن هذه السياسات المحكمة التي لم يتخل عنها حتي اصدقاء او حلفاء الدول المنتجة للنفط تنافس قوي فيما بينها لاستعاضة الفاقد من اموالها اما تحت ستار استكمال خطط التنمية التي تقوم بها لرفع مستويات مجتمعاتها او لمواصلة حياة الرفاهية التي تعيشها الطبقة الحاكمة التي تعودت علي الفساد والافساد او من ناحية ثالثة لسداد فواتير شراء السلاح المفروض عليها من الدول الغربية تحديدا ولم يكن ذلك متاحا الا عن طريق زيادة الانتاج خارج ما يتم الاتفاق عليه داخل قاعات التنسيق والتخطيط. ساعد علي ذلك الاكتشافات النفطية الجديدة التي ظهرت علي امتداد الفترة بين عامي 75 و90 وخاصة في الدول التي لم تكن عضوا في منظمة الاوبك اما بايعاز من الدول المستهلكة التي رحبت بشراء انتاجها من دون عرضه في السوق الدولية واما لرغبتها المباشرة في تحديد سياساتها النفطية بعيدا عن اشكالة هذه المجموعة من الدول التي تحارب في كل مكان.

توالت نجاحات مخططات الدفاع عن حقوق المستهلكين وشهد عقد التسعينيات خلافات حادة بين الدول المنتجة حتي اصبح اتفاقها علي سعر لبيع البرميل اضحوكة لان العالم خارج اطار دول هذه المنظمة يعلم انه سيحصل علي ما يريد بالسعر الذي يريد.. وان نسب حصص الانتاج التي يتفق عليها لن تحترم الا بمقدار ما تعكسه من اضرار علي الاخرين.. وبدلا من ان يكون الالتزام هو مبدأ هذه الدول اصبح خرق الاتفاقات والتعدي علي حقوق الاخرين هو المعيار الذي تحرص عليه كل منها وعرف العالم سياسات ضخ النفط لاغراق الاسواق.. واتفاقات البيع سرا خارج التسعيرة وبينما كانت الوكالة الدولية للطاقة تحرص علي تعرية مثل هذه التصرفات وفضحها كانت الدول الغربية وبالذات امريكا تغض الطرف عنها لان عائد هذه الخروقات عليها يفوق نتائج التشهير بالدول التي تقوم به.

ايضا في مجال استغلال المواقف المتردية لدول الاوبك.. انتهزت الدول الغربية وشركات الكارتل الانهيارات التي تعرضت لها سوق النفط مع بداية التسعينيات وتمكنت من شراء جزء من الاحتياطي النفطي لدي بعض الدول مثل الجزائر وايران والجابون ونيجيريا قبل استخراجه بالسعر الذي يناسبها ولسنوات قادمة ودخلت في هذه اللعبة بعد نجاحها دول منتجة للنفط من داخل منظمة اوبك ومن خارجها مثل المكسيك واكوادور وكولومبيا اما سدادا لجزء من مديوناتها واما ضربا للسوق. وفي منتصف عام 98 لجأت المؤسسات المالية العالمية الكبري الي اصدار سندات واوراق مالية جديدة لتمويل شراء النفط مقدما ولمدة خمس سنوات بسعر ثابت للبرميل يبدأ سريانه من تاريخ تحرير صك الورقة المالية.

واستكمالا لحلقة الضغوط السياسية والمالية التي استمرأتها الدول المستهلكة تواصلت الجهود العلمية التي تحاول الاستفادة من اشكال التقنيات الحديثة ونتج عن ذلك ما يعرف باسم خلايا الوقود التي تشبه الي حد كبير خلايا الطاقة التي اصبحت تسير الوسائل المرتبطة ارتباطا وثيقا بكل الاشكال التي انتجتها ثورة المعلومات، وحاليا تقوم اكثر من شركة بتصنيع نماذج سيارات بتصميمات جديدة تناسب استخدام هذه الخلايا مما ينبئ بقرب طرح مركبات تستغني كلية عن مصادر الطاقة المستمدة من النفط.

من هنا نقول ان قرار رفع سقف الانتاج بشكله الذي اقرته دول منظمة الاوبك في اجتماعها الاخير بفيينا يعد انتصارا سياسيا للغرب وامريكا بالذات، الاشكال الذي يجب ان تستعد له الدول المنتجة قبل ان يحل موعد لقائها القادم في كركاس قبل نهاية الشهر الحالي هو.. كيف ستواجه الضغوط والاتهامات التي تصفها بانها تقف مباشرة وراء الازمات التي تعاني منها معظم المجتمعات الغربية وذلك لاجراء خفض مناسب في سعر البرميل قبل حلول فصل الشتاء الذي اصبح علي الابواب.. وهذه المرة ربما تلجأ امريكا الي تنفيذ التهديد الذي اعلن الكونغرس انه سيلجأ اليه.. وهو استصدار قانون يعطي واشنطن سلطة استعمال القوة لاجبار دول البترول العاصية علي الالتزام بما يناسب ظروف واحتياجات المجتمع الامريكي اولا والعالم المتقدم ثانيا!

من أساليب الترهيب الاقتصادية- الكارتلات أو الاتفاقات الاحتكارية(5)

إن الإرهاب الدولي لا يقتصر على الجانب السياسي والعسكري فقد امتد في ظل المتغيرات الدولية الجديدة ليشمل الجوانب الإعلامية والفكرية بشكل عام والاقتصادية بشكل خاص, فقد برزت في هذا الصدد العديد من أساليب الترهيب الاقتصادية منها القديم الجديد كالاتفاقات الاحتكارية ومنها الحديث المعاصر المترافق مع عصر العولمة كالمضاربة وافتعال الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية وصولاً إلى الحروب الاقتصادية التي مارستها وتمارسها في معظم الحالات الدول المتقدمة الرأسمالية الصناعية على البلدان الضعيفة النامية بهدف فرض إرادتها عليها.

يُظهر "بول هيرست وجراهام طومبسون" في كتابهما, مالعولمة – الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم" أن هناك عدة مستويات للتحكم الاقتصادي العالمي, ومن آليات التحكم القائمة حالياً في الاقتصاد العالمي, التحكم عن طريق الاتفاق بين الكيانات السياسية الكبرى, وخاصة الثلاث الكبار (وهي أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية) لتنسيق السياسات المالية والنقدية "الاقتصادية", بالإضافة إلى التحكم من خلال قيام عدد كبير من الدول بإنشاء هيئات عالمية لضبط بعد معين من النشاط الاقتصادي, أو سلطات أخرى ممكنة لمراقبة الاستثمار الأجنبي مثلاً.(1)

وقد قام الثلاثة الكبار بتشكيل كارتلات وتكتلات الهدف منها التصرف بشكل جماعي ومتماسك تجاه الدول الأخرى وصولاً للضغط عليها وتهديدها بفرض العقوبات والجزاءات عليها إذا لم تمتثل لرغباتها, وقد تحولت هذه التجمعات إلى منابر للترهيب والتهديد. فمجرد تشكيلها ومعرفة أعضاءها وغاياتها يثير الكثير من التساؤلات التي تدل على ممارسات وأساليب جماعات الضغط الاقتصادية الدولية. ومن أبرز هذه التكتلات:

1- الكارتلات المالية "نادي باريس ونادي لندن".

2- الكارتل النفطي "وكالة الطاقة الدولية".

3- كارتل رؤوس الأموال الأجنبية "الاتفاقية متعددة الأطراف للاستثمار".

1- الكارتل المالي (ناديي باريس ولندن):

كانت الدول الصناعية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ترفض ولفترة طويلة اتخاذ إجراء عام بشأن تخفيف أزمة الديون (عن البلدان النامية). زد على ذلك فإن الدول الصناعية أخذت تسعى إلى تجميع الدائنين من مصارف ومؤسسات غربية في نواد مثل نادي باريس ونادي لندن. وكان الهدف من هذا التكتل هو التصرف بشكل جماعي ومترابط تجاه البلدان النامية, مما يتعارض أصلاً وقوانين الاقتصاد الحر "الذي تدعو إليه هي نفسها".(2)

أ - نادي باريس: يضم نادي باريس الذي يجتمع برئاسة مدير الخزانة في وزارة المالية الفرنسية, الدائنين من القطاع العام في البلدان المتطورة, كما يضم, بصفة مراقب, الهيئات الدولية (البنك الدولي, وصندوق النقد الدولي).

عقد أول اجتماع مع دولة مدينة عام 1956 عندما وافقت الأرجنتين على الاجتماع بدائنيها العموميين في باريس. ويبلغ عدد أعضاء النادي 19 عضواً دائماً هم: النمسا واستراليا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفنلندا وفرنسة وألمانية وايرلندا وإيطاليا واليابان وهولندا والنرويج وروسيا الاتحادية وأسبانيا والسويد وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. أما الدول المدينة فعددها 77 دولة في أفريقية وآسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية.

ومنذ عام 1956 أبرمت الدول الدائنة الأعضاء في النادي ما يزيد عن 343 اتفاق تتعلق بي 77 دولة مدينة, وتلتقي الدول الدائنة من 10 إلى 11 مرة في العام للتفاوض أو التباحث فيما بينها بشأن موقف الديون الخارجية للدول المدينة أو القضايا المنهجية الخاصة بديون الدول النامية, وتعقد هذه الاجتماعات في باريس.

يجتمع الأعضاء في النادي للتوافق على إعادة جدولة الالتزامات المالية للحكومات المدينة حيال الدائنين, وعلى تقاسم الجهود التي يجب بذلها من قبل كل طرف من الدائنين. وتفرض قواعد محددة حدوداً ضيقة يجب أن تتحرك ضمنها عملية إعادة الجدولة.

ففي المقام الأول, لا يقبل النادي الاجتماع لبحث شأن بلد مدين إلاّ إذا وقّع اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامج التصويب الاقتصادي, ولا يمكن خرق هذه القاعدة, التي فرضت منذ عام 1966, إلا إذا لم يكن البلد المدين عضواً في صندوق النقد الدولي, كما كان الحال مع بولونيا في العام 1981. (من هنا لا تعقد إعادة الجدولة إلا في حدود التزام البلد المدين باتجاه إجراءات تصحيح المسار الاقتصادي).

وفي المقام الثاني, لا يتناول البحث إلا اعتمادات المصدر العام, (وتستفيد الاعتمادات التجارية من ضمانة حكومية أيضاً). وفضلاً عن ذلك فلابدّ من موافقة المدين على الأقل, على وضع جهوده لسداد الدين على صعيد واحد حيال الديون المقدمة من قبل المصارف التجارية. (ومن الديون العامة تعتبر الديون المقدمة من قبل الهيئات المالية الدولية غير قابلة للبحث). كما أن المباحثات لا تتناول من حيث المبدأ إلاّ استحقاقات سداد الدين الأساسي, وليس دفعات الفائدة.(3)

إن قمنا بحساب الديون التي تثقل كاهل "دول عالم الجنوب النامي" فإننا نلاحظ أن نادي باريس يدين غالبية تلك الدول بمبالغ طائلة تصل في بعضها إلى ما يزيد عن مئة وعشرون مليار دولار, كالمكسيك على سبيل المثال.

كما تمكن نادي باريس من السيطرة على اقتصاديات كبريات الدول المنتجة للنفط بما في ذلك (نيجيريا والمملكة العربية السعودية والجزائر وغيرها), فهي مدينة له بمئات المليارات من الدولارات, وأصبحت ودائعها في المصارف التابعة له رهينة لسداد الديون, أو بالأحرى فوائدها, بحيث بقيت مبالغ تلك الديون على حالها, ولا تبدو بارقة أمل بإمكانية تناقصها إلاّ في حالات قبول شروط سياسية واقتصادية في مراحل معينة تحددها الدول المسيطرة على ذلك النادي.(4)

بـ - نادي لندن: على عكس مثيله الباريسي, ليس لنادي لندن وجود صريح, فتحت هذا الاسم, وفي بعض الأحيان, تجتمع لجان خاصة تضم المصارف الرئيسية الدائنة في الحالات التي يدفع فيها الوضع لبلد مدين الجماعة المصرفية الدولية للبحث معه في عقد اتفاق ينظم التزاماته المالية.

وتعتبر المباحثات في شؤون الديون مع المصارف الخاصة أحدث بكثير من تلك المباحثات التي جرت في نادي باريس، ولم تصبح ذات أهمية جادة إلاّ في الثمانينات غير أنها الآن تحمل رهاناً كبيراً يعود ذلك لسببين على الأقل:

السبب الأول: هو أن المبالغ المعنية أكبر بكثير من المبالغ المتباحث في شأنها في نادي باريس... وأصبحت إعادة البحث في الديون مع المصارف ضرورة مطلقة بالنسبة, لعدد كبير من مديني العالم الثالث, بسبب الارتفاع الشديد لأعباء الفائدة على هذه الديون.

والسبب الثاني: هو أن تعاون المصارف في ما بينها في المباحثات مع المدينين العاجزين كان أساسياً للوصول إلى توازن مقبول من وجهة نظرهم.

ورغم أن إعادة البحث للديون ذات طابع خاص تماماً, فإنها مستقلة عن عمل المؤسسات المالية الرسمية. ويعود ذلك إلى واقع أن المصارف تطلب في الغالب من مدينيها الحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي, مما ينطوي على إتباع سياسة (إعادة هيكلة اقتصادية) مقبولة من هذه الهيئة. وفضلاً عن ذلك, كان تدخل المؤسسات المالية الدولية في المباحثات المصرفية, إثر "مبادرة برادي",(5) بشكل نصائح "ومساهمات بتحويلات جديدة إضافية", يصبح واضحاً أكثر فأكثر, وأصبح الدائنون من القطاعين العام والخاص بالتالي مدعويين حتماً للتناقش أكثر فأكثر.(6 )

وهكذا إذا تعثرت الدولة المدينة في السداد لأسباب داخلية أو خارجية تكون أمام خيارين كلاهما مرّ: فإما إنكار الدين والتوقف عن السداد, وهو أمر في غاية الخطورة على الجدارة الائتمانية والسمعة الاقتصادية للدولة, وقد يعرضها لعقوبات اقتصادية وسياسية وربما لتدخل عسكري ضدها. أو اللجوء إلى عملية إعادة جدولة للديون الخارجية, وتعني قيام الدولة بطرق أبواب الصندوق والبنك الدوليين للاتفاق مع الدول الدائنة على كيفية وشروط إعادة الجدولة إذ تلجأ الدول الدائنة إلى الصندوق والبنك للقيام بدور الوسيط بينها وبين الدول المدينة فتذهب إلى نادي باريس حيث تبدأ رحلتها مع شروط جديدة تختلف تماماً عن الشروط الأصلية التي تمت على أساسها هذه الديون ويتم وضع هذه الشروط والاتفاق عليها خلال خطوتين هما:

- اتفاق الدول المدينة على برنامج إصلاح اقتصادي وتصحيح هيكلي مع صندوق النقد الدولي.

- الحصول على موافقة جماعية من الدول الأعضاء بنادي باريس على شروط إعادة الجدولة.

بعد أن يقدم البلد المدين طلباً بإعادة جدولة ديونه تتولى سكرتارية نادي باريس جمع المعلومات عن الحالة الاقتصادية لهذا البلد من سلطاته العامة ومن الدول والمؤسسات الدائنة. وتحتوي المعلومات على تحليل دقيق للوضع الاقتصادي والمالي وحجم الديون الخارجية وتقسيماتها حسب مصادرها وتواريخ استحقاقها, كما تتأكد السكرتارية من تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي, ثم يوجه رئيس النادي دعوة إلى ممثلي الدول الدائنة وممثل الدولة المدينة لحضور الاجتماعات وبعد مفاوضات لا تستغرق أكثر من ثلاثة أيام يتخذ الدائنون قرارهم بتوافق آرائهم. ويتضمن هذا القرار, الذي يعرض على ممثل الدولة المدينة للموافقة عليه, تفاصيل إعادة جدولة الديون, ولكن هذا الاتفاق هو في الواقع "توصية" تدعو حكومات الدول الدائنة إلى عقد اتفاقات ثنائية مع حكومة البلد المدين فعلى سبيل المثال بعد أن قرر النادي في تموز 1995 إعادة جدولة 7320 مليون دولار من مديونية الجزائر لمدة 15 سنة مع فترة سماح لمدة أربع سنوات, عقدت الجزائر اتفاقات ثنائية مع الولايات المتحدة وكندا واليابان و14 دولة أوروبية.

وتستند إعادة الجدولة على مبدأ كل حالة على حدة, فالاتفاق الخاص بدولة معينة لا يسري على دولة أخرى، وإن تشابهت أحوالهما التجارية والمالية، والقرار المتخذ بشأن دين معين لا يسري على دين آخر لنفس الدولة, كما لا يستخدم نادي باريس طريقة موحدة لإعادة الجدولة فهناك (البنود التقليدية, وبنود هيوستن لعام 1990, وبنود نابولي لعام 1994, وبنود كولونيا لعام 1999) ونادي باريس لا يوافق على إعادة الجدولة إلاّ إذا استفحل العجز في ميزان مدفوعات الدولة المدينة أو ازدادت متأخرات ديونها، وتبرم الاتفاقات بعد تطبيق البرنامج الإصلاحي المقترح من صندوق النقد على الدولة, ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد, فلا بدّ من الاستمرار ببرامج الإصلاح قبل وطيلة فترة الاتفاق على إعادة الجدولة, ففي المغرب مثلاً البرامج مطبقة منذ عشرين سنة.

يهتم نادي باريس بمصالح الدول الدائنة, فجميع أنماط إعادة الجدولة نابعة عن قرارات اتخذتها قمة الدول السبع الكبرى, والتي في أغلب الأحيان تعتمد مفهوم الديمقراطية (الذي يعني ملائمة أنظمة الحكم في البلدان النامية مع تطلعاتها السياسية ومصالحها الاقتصادية)، وهكذا أخذ نادي باريس يلغي ديون بعض الدول ويعيد جدولة ديون دول أخرى بشروط مختلفة أو يرفض القيام بهذا أو ذاك وانطلاقاً من حالات إلغاء ديون البلدان النامية نستنتج أن الدول الصناعية الكبرى تسعى إلى استفحال المديونية الخارجية لهذه البلدان بطرق عديدة, منها بيع الأسلحة وتمويل مشاريع غير إنتاجية, ثم يجري إلغاء قسط من الديون يتناسب حجمه مع المكاسب السياسية والاقتصادية للدول الدائنة, فلو كانت هذه الدول حريصة فعلاً على سلامة مالية البلدان المدينة وعلى مستوى معيشة مواطنيها لبذلت الجهود في سبيل إزالة العقبات أمام صادرات البلدان النامية.(7)

وفي السنوات الأخيرة بدأنا نسمع عن شروط لمكافحة الفساد, وتوفير مبادئ الديمقراطية أو مبادئ الحكم الرشيد, وحماية حقوق الأقليات السياسية أو الدينية وبعد أحداث 11 أيلول بدأت هذه الدول تلوح بإجراءات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها الدول كشرط لتدفق رؤوس الأموال إليها سواءً في صورة معونات أو قروض, وقد جسّد الرئيس بوش هذه الشروط في خطابه أمام مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية الذي عقد في المكسيك في الفترة 18 – 22 آذار 2002 حيث أكد أن "تدفق رؤوس الأموال إلى الدول النامية والفقيرة سيتوقف على احترام هذه الدول لحقوق الإنسان واتخاذها إجراءات فعّالة لاقتلاع جذور الإرهاب والفساد فضلاً عن فتح أسواقها.. وإن الولايات المتحدة ستتعامل بشكل صارم مع ذلك".

هذه التوجهات الأمريكية جعلت البعض يصف هذه الشروط بأنها محاولة لابتزاز الدول النامية والفقيرة واستغلال ظروفها الاقتصادية الصعبة لإجبارها على انتهاج سياسات تحقق مصالح الدول الصناعية الكبرى.(8)

2- الكارتل النفطي (وكالة الطاقة الدولية):

لقد أقامت الدول الصناعية المستهلكة للنفط عام 1974 منظمة الطاقة الدولية بتخطيط من مهندس وزعيم "حركة التجمع الصناعي الغربي" لمواجهة دول الأوبك, وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر" ففي تشرين الأول 1973 اقترح هنري كيسنجر على دول أوروبة الغربية واليابان تشكيل منظمة تعنى بشؤون الطاقة والنفط لصالح الدول الصناعية الغربية الكبرى وتقف في وجه الأوبك لتحد من سيطرتها على سوق النفط العالمي. وعقد الاجتماع الأول لهذه الدول في العاصمة الأمريكية "واشنطن" في شهر شباط 1974 وأقرّ تشكيل مجموعة التنسيق في مجال الطاقة لتضطلع بمسؤولية إنشاء منظمة دائمة للطاقة تعمل على تحقيق الاقتصاد في استخدام الطاقة والبترول وإجراء البحوث والدراسات من أجل إيجاد بدائل للبترول وإيجاد نظام لتوزيع وتقاسم البترول في حالة الحظر البترولي.

ولدت المنظمة الدولية للطاقة في 15/تشرين الثاني/1974 باتفاق وقعه جميع الأعضاء المؤسسين في اجتماع واشنطن, بالإضافة إلى بقية الدول الغربية في منظمة التعاون الاقتصادي (حيث تعتبر المنظمة إحدى المنظمات المستقلة في إطار منظمة التعاون الاقتصادي).

أما التنظيم الإداري للمنظمة الدولية للطاقة فيتكون من المجلس الحاكم ,والمجموعة الخاصة بالحالات الطارئة, والمجموعة الخاصة بالتعاون طويل الأجل, والمجموعة الخاصة بسوق النفط, المجموعة الخاصة بالعلاقات مع الدول المنتجة والدول المستهلكة الأخرى, بالإضافة إلى اللجنة الخاصة بأبحاث الطاقة والتنمية.

ويتألف المجلس الحاكم من الوزراء أو ممثليهم, وتنقسم القوة التصويتية لكل دولة في المنظمة إلى قسمين: الأول, يعتمد على مبدأ المساواة بين الدول الأعضاء والثاني, يعتمد على وزن الدولة في مجال استهلاك الطاقة.(9)

بناءً على ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية, تتمتع بأكثر من ثلث القوة التصويتية في المنظمة (47 من 100 صوت من مجموع الأصوات), وتملك بالتالي حق الفيتو بالنسبة للقرارات الهامة التي تتطلب أغلبية عالية. فعلى سبيل المثال يتطلب أي قرار يتعلق بإجراءات طارئة ستين في المائة من الأصوات, هذا يعني بشكل عملي أن القرار لن يمر بدون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية... وهكذا يتضح إن سوق النفط العالمية اليوم لا تسوده الحرية الاقتصادية "التي يتذرع بها الغرب الرأسمالي" بل تسيطر عليه وتوجهه اليد الخفية للدول الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط, فالمقولة الأمريكية والغربية, بأن سعر البترول تحدده عوامل العرض والطلب في سوق نفطية حرة ليس إلاّ غطاء تخفي تحته الدول الصناعية الباطنة المؤثرة في عمليات العرض والطلب في سوق النفط العالمي, وبالتالي على أسعاره. وهكذا يتم حصر حركة الأسعار ضمن حدود وضعت من أجل خدمة المصالح الاقتصادية الكبرى للدول المستهلكة للنفط على حساب الدول المنتجة والمصدرة له.(10) فمن خصائص السياسة السعرية هذه (التذبذب بين حدين, حد علوي, وحد سفلي), هذان الحدان يتغيران حسب الزمان صعوداً وهبوطاً لكنهما يظلان السقف والقاعدة للنفق الذي أقامته منظمة الطاقة لأسعار النفط العالمية لمحاصرة أسعار النفط بين قاعدته وسقفه.. فحركة الأسعار الفصلية قد تخرج عن الحد السفلي أو العلوي ولكن لفترة تعود بعدها إلى داخل النفق, إن لم تعد الأسعار من ذاتها إلى داخل النفق عند انتهاء السبب لخروجها ستقوم منظمة الطاقة الدولية بمحاولة إعادتها إلى النفق لأن بقاءها خارجه يتعارض مع استراتيجيتها النفطية ومصالح أعضائها الاقتصادية. وهذا طبعاً على حساب الدول المنتجة والمصدرة للنفط.(11)

3- كارتل رؤوس الأموال الأجنبية (الاتفاقية متعددة الأطراف للاستثمار):

فبدعم من الاتحاد الأوروبي وبدعوة من أوساط التكنوقراطيين الاقتصاديين الليبراليين, اقترحت منظمة دول التعاون والتنمية الاقتصادية عقد "الاتفاقية متعددة الأطراف للاستثمار" وذلك بهدف تنسيق أعمق متعدد الأطراف في قضايا الاستثمار الأجنبي المباشر ولإيجاد وتطوير بنية مؤسساتية جديدة تعمل على ضبط الاستثمار الأجنبي المباشر في ضوء النمو الهائل لهذا الاستثمار وازدياد أهميته الاستراتيجية في المستقبل لصوغ الاقتصاد العالمي.(12)

فمنذ 1995 تم التفاوض بقيادة "إدارة العمل" في منظمة التعاون الاقتصادي حول حماية الاستثمارات الأجنبية. وقد بدأت المفاوضات لوقت طويل, وفي سياق هذه الاتفاقية تلتزم الحكومات بحماية الاستثمارات الأجنبية الخارجية (مثل شراء أو تأسيس مواقع للإنتاج, صفقات العملات, شراء الأسهم, ملكية وشراء العقارات, شراء الخامات). كما وتلحظ بعض نصوص العقود في الاتفاقية, على تعويض الشركات, من جراء الإجراءات السياسية, التي تقود إلى تخفيض الأرباح. ويعد رفع الضرائب على الشركات لأسباب اجتماعية, وقوانين حماية البيئة, أو جمعيات حماية المستهلك, إجراء لإنقاص فرص الربح, وبالتالي فمن حق المستثمرين المطالبة بالتعويض, وتلحظ البنود الخاصة حول "الحماية من الاضطرابات" تعويض المستثمر في حال "أحداث الشغب والاضطرابات السكانية" وعند المقاطعة والاضطرابات فالتكلفة الطبيعية للمستثمرين تعني أنه يمكن مقاضاة حكومات تلك البلدان لتعويض الأضرار. كما تنص الاتفاقية على أنه يجب معاملة المستثمرين الأجانب كما المحليين, ولا يسمح للحكومات عند بيع المصانع الحكومية للمستثمرين الأجانب ربط ذلك بمسألة التشغيل, فعندما يتم تخصيص الشركات العامة من خلال بيعها, لا يعود المستثمرون المحليون يتمتعون بالأفضلية حيال ذلك. وتشكل مدة نفاذ أو سريان الاتفاقية, هي الأخرى مثالاً فريداً من نوعه, فمن يكون عضواً فيها لمرة واحدة يستطيع أولاً بعد خمس سنوات تقديم طلب سحب عضويته, وبعد ذلك تبقى العضوية مستمرة خمس عشرة سنة وبعد الموافقة على الاتفاقية من المنظمة الأوروبية للتعاون والتنمية سيسمح للدول النامية بالانضمام إليها, الأمر الذي سيقود إلى نتائج كاريثية على الصعد كافة في هذه الدول، ولو أن المستثمر شعر "بالضرر" لأمكنه مقاضاة ذلك البلد الذي حصل فيه الضرر, أمام محكمة دولية يختارها هو, ويصبح حق المواطن أو الاتحادات لتمثيل مصالح المواطنين مقابل الشركات الكبرى, مجرد حلم, إذ يمكن للمستثمرين رفع شكواهم أمام هيئة تحكيم لغرفة التجارة الدولية حيث القضاة "متميزون", وحيث يتأكد المستثمرون بحصولهم على تعويضات الضرر, مقابل شكواهم.

وتشكل هذه الاتفاقية ومحاولة منع نقاش محتواها للتمهيد بالموافقة عليها, المثال الصارخ لخضوع العولمة للإمكانية السياسية فقط ومعها أيضاً المصالح التي تقبع خلف الشركات الاحتكارية الكبرى والنموذج الاقتصادي الليبرالي هذا. (13)

وهكذا يظهر مما سبق أن تشكيل الكارتلات والاتفاقيات الاحتكارية من قبل الدول الصناعية المتقدمة يؤمن لها تحقيق أهدافها في الوصول إلى أسواق البلدان النامية وبأرخص تكلفة, عبر ترهيب تلك البلدان وتهديدها من خلال تحكمها بالاستثمارات المباشرة في الدول النامية, وتحكمها بأسعار النفط والغاز, أو من خلال افتعال الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية.

المراجع :

1 - انظر, بول هيرست, جراهام طومبسون, مالعولمة- الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم، ترجمةالدكتور فالح عبد الجبار، سلسلة عالم المعرفة عدد 273 تلريخ ايلول 2001، المجلس الوطني للثقافة، الكويت, ص283.

2 - محسن فؤاد صيّادي, ديون البلدان النامية ومواقف الجهات الدولية والإقليمية منها, دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، 1991 ، ص88.

3 - انظر, جان كلود برتيليمي, ديون العالم الثالث,تعريب حسين حيدر، دار منشورات عويدات، بيروت، 1996 ، ص81, ومحمد عبد العاطي, نادي باريس, الجزيرة نت, بتاريخ 21/4/2002.

www.aljazeera.net/in-depth/arabic-depts/2002/4/4-21-4.htm

4 - انظر, د. زهير غزاوي, المؤسسات المالية الدولية..., الثورة, عدد11787.

5 - مبادرة برادي: في آذار 1989 (باسم وزير الخزانة الأمريكية) صاحب المبادرة التي حاولت إقامة الوسائل التي تتيح للمصارف تلبية حاجات التمويل للبلدان النامية دون أن تزيد المخاطر من جراء ذلك.

6 - انظر, جان كلود برتيليمي, مرجع سابق, ص 82– 83.

7 - انظر, د. صباح نعوش, إعادة جدولة الديون الخارجية, الجزيرة نت, بتاريخ 29/4/2002.

www.aljazeera. net/in-depth/arabic-depts/2002/4/4-29-4.htm

8 - انظر, مغاوري شلبي علي, شروط الديون الخارجية, الجزيرة نت, بتاريخ 4/ 5/2002. ود. صباح نعوش, إعادة جدولة الديون الخارجية, الجزيرة نت, بتاريخ 29/4/2002.

www.aljazeera. net/in-depth/arabic-depts/2002/4/4-29-1.htm

9 - انظر, عبد العزيز الدخيل, انهيار أسعار النفط لم يكن قضية اقتصادية فحسب, مجلة بحوث اقتصادية عربية, عدد 15, 1999 ، ص16.

10 - المرجع السابق, ص22.

11 - انظر, المرجع السابق, ص 15.

12 - انظر, بول هيرست, مرجع سابق, ص 316.

13 - انظر, جيرالد بوكسبرغر،هارالد كليمنتا، الكذبات العشر للعولمة بدائل ديكتاتورية السوق، ترجمة الدكتور عدنان سليمان، دار الرضا للنشر، دمشق, 1999, ص70.

الاحتكار(6)

 يقصد بالاحتكار monopoly، في المصطلح الاقتصادي، انفراد مشروع واحد بعرض سلعة ليس لها بديل، وشرط وجود الاحتكار اختفاء المنافسة التي يَعْرِضُ بها الاحتكار السلعة.

المنظور التاريخي

سادت المنافسة الحرة أسواق أوربة، وبلغت قوة نموها أقصاها ما بين 1860 و 1880م، وذلك في ظل انتشار مذهب الاقتصاد الحر وتأكيد هذا الانتشار وحمايته مما جعل حجم المشروعات آنئذ ضئيلاً، إذ كان المشروع الواحد لا يعدو أن يكون جزءاً صغيراً جداً في وسط سوق ممتلئ بمثله أو أصغر منه أو أكبر بقليل، والواقع أنه لم يكن لأي مشروع وحده أن يؤثر في السوق، سواء دخله أول مرة أم استمر أم انسحب منه.

إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلاً مع اكتشاف المستثمرين لمزايا المشروع الكبير وحصولهم على أرباح تفوق بكثير ما كان يتحصل لديهم منها حينما كان العرف السائد يقضي بالاكتفاء بحجم صغير معين من المشروعات، وهكذا كان النزوع نحو التركز الاقتصادي، وقد ساعد على ذلك أيضاً طابع العلاقات الدولية القائمة آنئذ.

ويمكن إرجاع نشأة الاحتكارات إلى تلك الحقبة (أي إنها ولدت من باطن سوق المنافسة الحرة) وذلك ما بين عامي 1860- 1870 حين تكرر قيام أزمات اقتصادية ابتداء من عام 1863 أدت إلى تغير في الفكر الاقتصادي السائد وشيئاً فشيئاً أصبح قيام التكتلات والاحتكارات أمراً مقبولاً وأصبح «الكارتل»  منذ نهاية القرن التاسع عشر واحداً من أهم أسس الحياة الاقتصادية، وذلك في أثر الأزمة الاقتصادية التي حدثت ما بين 1900- 1903، إلى أن تحول النظام الرأسمالي إلى مرحلة متقدمة جداً سميت فيما بعد رأسمالية الدولة الاحتكارية. ولقد لوحظ أنه بالرغم من صدور قوانين تحرم التكتل أو الاحتكار في كثير من دول النظام الرأسمالي مثل قانون 17 حزيران 1891 وقانون التفرقة بين الاتفاقات الاحتكارية الحسنة والسيئة 1926 في فرنسة، وقانون شيرمان Act Sherman الذي أصدره الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت في الثاني من تموز عام 1890، وقضى بمحاربة اتفاقات قيام الاحتكارات، وذلك في بداية الحرب العالمية الأولى وقانون /1914/ الصادر عن حكومة فيمان Weiman الألمانية الذي يجيز حل كل احتكار من قبل وزير الاقتصاد الذي شكل محكمة سميت «الكارتل» وعلى الرغم من كل هذه القوانين التي انصبت على محاربة الاحتكار، تغير الحال في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فقد شجع قانون صدر في الولايات المتحدة الأمريكية في أول عهد الرئيس فرانكلين روزفلت 1933 نشوء الاحتكار، ويرى بعض الباحثين أن القانون المذكور ذهب إلى حد إنشاء الاحتكار الإجباري. وفي ألمانية تكرر الأمر بعد صعود هتلر إلى سدة الحكم 1933. وفي فرنسة شجع المشرع ما بين 1938و 1939 تكوين جماعات الاستيراد وإقامة اتفاقيات بين المنتجين.

لقد اشتدت وتيرة «التركز الاقتصادي» اشتداداً ملحوظاً في القرن العشرين وأصبحت الطابع الرئيسي للنظام الاقتصادي الرأسمالي سواء كان ذلك على صعيد الوحدات الإقليمية أم على صعيد بروز نزعة التمركز الاقتصادي على مستوى الفعاليات الاقتصادية الرأسمالية العالمية.

الاحتكار في التاريخ العربي

فهم الاحتكار أو دراسته في التاريخ العربي مرتبط برأي الشريعة الإسلامية وفقهها، فعلى مر العصور كانت الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع وما زالت في بعض الأمصار مصدره الوحيد، وفي بعضها مصدره الأول، والاحتكار في الشريعة اشتراء طعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء (ابن عابدين) وهو حرام في الإسلام، ولقد ورد ذكر تحريمه في أحاديث نبوية كثيرة نجدها في كتاب البيوع من صحيح البخاري وموطأ مالك وسنن الترمذي وأبي داود، وفي كتاب المساقاة من صحيح مسلم، وفي مواضع من مسند الإمام أحمد بن حنبل.

وأما حكم الاحتكار في الفقه، فقد أورد ابن القيم شرحاً واضحاً له فقال: «إن المحتكر هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد غلاءه عليهم وهو ظالم لعموم الناس ولهذا كان لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل، عند ضرورة الناس إليه، مثل من  عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة مجاعة أو سلاح لا يحتاج إليه والناس يحتاجون إليه للجهاد أو غير ذلك، فإن اضطر إلى طعام غيره أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل،ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره فأخذ منه بما طلب لم يجب عليه إلا قيمة مثله» .

وفي آثار الفقهاء ما يدل على أنهم لاحظوا أشكالاً من الاحتكار في غير ما يخص الأرزاق وحبسها، فأخضعوها للدرس والتمحيص وأعملوا فيها الأحكام التي أعملوها في احتكار الأموال.

قال ابن القيم: «ومن أقبح الظلم إيجار الحانوت على الطريق أو في القرية بأجرة معينة على أن لا يبيع أحدٌ غيره فهذا ظلم حرام من المؤجر والمستأجر، وهو نوع من أخذ أموال الناس قهراً أو أكلها بالباطل» .

ومنع غير واحد من العلماء (كأبي حنيفة وأصحابه) القسّامين الذين يقسمون العقار وغيره بالأجرة أن يشتركوا، فإنهم إذا اشتركوا والناس يحتاجون إليهم أغلوا الأجرة.

وأضاف ابن القيم إلى ذلك قوله «وكذلك ينبغي لوالي الحسبة أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك، لما في ذلك من غلاء الأجرة عليهم، وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم كما الشهود والدلالين وغيرهم. والمقصود أنه إذا منع القسّامون ونحوهم من الشركة لما فيه التواطؤ على إغلاء الأجرة، فَمَنْعُ البائعين الذين تواطؤوا على أن لا يبيعوا إلا بثمن مقدر أولى وأحرى». وكذلك يحرم الاحتكار عند الحنفية والشافعية والحنابلة في طعام البهائم.

بنية الأسواق وأنواعها

يقصد بالسوق، الاتصال الذي يقوم بين البائع والمشتري وليس من المحتم في عصرنا هذا أن يكون للسوق مكان محددة، أو زمان معين، فمجرد قيام الاتصال بين البائع والمشتري (عبر وسائل الاتصال أو عبر نشاطات الوسطاء) وسيادة هذا النوع من الاتصال أو ذلك يَعْقِد السوق.

سوق المنافسة الحرة

الأصل في السوق أن تقوم على منافسة العارضين الحرة الكاملة فيما بينهم التي تضمن حرية المبادلات التجارية، وبالتالي حرية إنتاج السلع. وفي هذا النوع من الأسواق لا يمكن قيام تفاهم واتفاق بين المتزاحمين، وينتج من ذلك عدم جواز حصول جزء من العارضين على أرباح تجارية زائدة_ من دون بقيتهم _ ويرى المدافعون عن هذا النموذج من الأسواق أنه يؤمن التنظيم العفوي للاقتصاد في ظل وفرة كبيرة من السلع تتناسب وإمكانات استيعاب السوق، بحيث تنخفض الأسعار والأرباح ويختفي العارضون الهامشيون ويصبح الطلب هو السيد المطلق في السوق. ويمكن أن تعمل المزاحمة الحرة على تحقيق الانتقاء بين المؤسسات والأسعار في مستويات متقاربة في كل فروع الإنتاج.

ولقيام سوق منافسة كاملة أركان وشروط معينة هي:

كثرة عدد البائعين والمشترين: ويعني هذا عدم تأثر العرض الكلي أو الطلب الكلي نتيجة لدخول بائع فرد إلى السوق أو خروجه منه، أو تغير حجم إنتاجه، وبالتالي عدم تأثر الثمن بحركة البائع الآنفة الذكر.

حرية دخول السوق والخروج منه وانعدام وجود اتفاق بين أطرافه: وهذا يعني عدم قيام حواجز أو موانع في وجه البائعين أو المشترين تحول بينهم وبين دخول السوق والخروج منه بحرية مطلقة سواء أكان القيد يقع على الاستهلاك أم على الإنتاج، أم كان منصباً على حجم المعروض والمطلوب منه، ويعني من جهة أخرى عدم جواز قيام اتفاق بين المشترين أو بين البائعين على اتباع سياسة معينة كتحديد الأسواق أو الأثمان أو توزيع الأرباح ويتطلب هذا حرية انتقال عوامل الإنتاج بين مختلف فروع الإنتاج.

التجانس المطلق بين وحدات السلعة: ويعني هذا قدرة وحدة ما من وحدات السلعة على أن تحل محل أية وحدة أخرى في تقديم الإشباع نفسه للحاجة نفسها، وذلك من وجهة نظر المستهلك، ويفترض، في حالة المنافسة الحرة الكاملة أن العارضين يعملون في أماكن متقاربة حتى تنعدم نفقات النقل.

العلم: ويعني معرفة البائع والمشتري المسبقة بظروف السوق، وبالشروط الأخرى الخاصة بالبيع والشراء،وبالتالي بالثمن السائد فيه.

سوق الاحتكار: إن سوق الاحتكار الكامل هو نقيض سوق المنافسة الكاملة، وهو نموذج يعقد بمعزل عن شروط انعقاد المنافسة الكاملة الآنفة الذكر.

ولما كان تحقق الشروط الأربعة المذكورة لقيام سوق المنافسة الحرة الكاملة تحققاً كاملاً حالة افتراضية يصعب تحققها في الواقع العملي فإن أمر انتفاء وجودها وتحقق الاحتكار الكامل هو أمرٌ افتراضي أيضاً. والحال إن الأسواق الواقعية هي حالات أو نماذج تقع بين الحدين السابقين:

حد المنافسة الكاملة وحد الاحتكار الكامل. ويمكن إجمالها تحت عنوان المنافسة غير الكاملة، أو المنافسة الاحتكارية.

     تُعقد سوق المنافسة الاحتكارية في كل مرة ينعدم فيها شرط تجانس السلعة مع وفرة البائعين والمشترين، وعلى هذا فإن المنافسة الاحتكارية تقع في مركز وسط بين الاحتكار والمنافسة الكاملة.

والمقصود بعدم تجانس السلعة اختلاف السلعة موضوع البحث في ذهن المستهلك عن السلع الأخرى التي يعرضها الآخرون. والمنتجات المعروفة ليست متجانسة كما هو الحال في سوق المنافسة الكاملة، ولا هي بديلات بعيدة بعضها عن بعض كما في سوق الاحتكار. وهذا يعني وجود محتكرين متعددين يتنافس كل منهم مع الآخرين، ولا ينتج هؤلاء سلعاً تختلف فيما بينها اختلافاً كاملاً. والتباين بين هذه السلع في الحدود المذكورة يعود إلى بعض الشروط المتعلقة بالتصنيف والتنويع: العبوات والعلامات التجارية والشكل الخارجي وتغيرات طفيفة في التكوين الطبيعي للسلعة.

وقد يعزى عدم تجانس السلعة من وجهة نظر المستهلك إلى عاملين:

الأول: هو صفات البائع الشخصية وطريقة معاملته للزبائن وأمانته وقرابته مع المشترين وأسلوب مقاربته لهم وطريقة عرضه للسلعة وقدرته على إقناع المشترين.

والثاني: هو الصفات الموضوعية للسلعة، سواء كان ذلك فيما تحمله السلعة من بعض الفروق التي ذكرت آنفاَ، أم ما يمكن أن يحدثه البائع من فروق بين سلع متشابهة في ذهن المشتري، وأخيراً ما يمكن أن تؤدي إليه الدعاية أو الإعلان من فروق أيضاً في ذهن المشتري. إن ارتفاع الثمن في المنافسة الاحتكارية، عن النفقة المتوسطة يؤدي إلى ربح غير عادي، ويؤدي أيضاً إلى دخول مشاريع جديدة تنتج سلعاً متقاربة من سلعة المشروع الأول، مما يدفع المشتري إلى الانصراف عن سلع المشروع الأول، وإلى انخفاض الطلب على منتجاته وبالتدريج يقترب الثمن من النفقة المتوسطة، ويختفي الربح غير العادي، وتتوقف المشروعات الجديدة عن الدخول أو الإقبال على الاستثمار في مثل هذه الفروع الإنتاجية، وينتج عن ذلك أن هذا التوازن المفترض الذي يمكن أن يتم في سوق المنافسة الاحتكارية يترافق مع تبذير في الطاقة الإنتاجية، إذا ما أخذنا بالحسبان ظروف السوق العامة، التي تمنع المنتجين من الوصول إلى حدود النفقات المتناقصة، وهذا يعني وجود فائض غير مستغل من الطاقة الإنتاجية. ومن جهة أخرى فإن نفقات الدعاية والإعلان، ونفقات البيع إضافة إلى النفقة المتوسطة تجعل الثمن في سوق المنافسة الاحتكارية أعلى من مثيله السائد في سوق المنافسة الحرة. وأخيراً فإن ارتفاع الثمن في هذه السوق يخفض من الكمية الكلية التي يحصل عليها المستهلكون في سوق المنافسة الحرة، والتوازن هنا مقترن بالتقصير عن حاجة المستهلكين.

احتكار القلة: إن أشكال السوق في نموذج المنافسة الاحتكارية، تلك التي تقع بين حدي السوق، المنافسة الحرة الكاملة والاحتكار الخالص، كثيرة. ومن الأشكال المهمة السائدة في سوق المنافسة الاحتكارية احتكار القلة oligopoly وهي أضيق أنواع المنافسة الاحتكارية.

واحتكار القلة سوق تحوي عدداً صغيراً من المنتجين قد لا يتجاوز في بعض الحالات اثنين وتدعى سوق الاحتكار الثنائيduopoly. إن مشاكل سوق احتكار القلة تختلف اختلافاً واضحاً عن مشاكل أسواق المنافسة الحرة الكاملة والمنافسة الاحتكارية وسوق الاحتكار الخالص.

ففي الاحتكار الثنائي، سواء كانت السلعة مصنفة أم متنوعة أم متشابهة، يضطر المنتج الفرد إلى أن يأخذ بالحسبان الآثار غير المباشرة التي تترتب على اتخاذ قرار تغيير الثمن أو الإنتاج، فأي قرار سيتخذه المنتج أو العارض الأول سيلقى رد فعل مباشراً من المنتج الثاني، وسينعكس قراره على حالة العارض الأول. إذ إن منحنيات إيراد المنتج، في حالتي المنافسة الكاملة والاحتكار الكامل وتكلفته هي مستقلة تماما ًعن تصرفات العارض في حالة السلع غير المصنفة. والحال إن تحديد كل من حجم الإنتاج وتكلفته في احتكار القلة لا يعرف إجابة واحدة أو حلاً محدداً، بل هو خاضع لافتراضات كثيرة تمليها قرارات الطرفين، وردود الفعل المحتملة في كل مرة يَتَّخذ فيها أحدهما قرارا ًمتعلقاً بحجم إنتاجه. وبالتالي فإن على كل من المتنافسين أن يدرك_ حين اتخاذه قراراته_ أن له غريماً منافساً.

إن سيادة ثمن واحد (مع تشابه السلع وتساوي كلفة الإنتاج) في حالة الاحتكار الثنائي يمكن أن يتم نتيجة لاتفاق فعلي أو ضمني بين الطرفين، أو نتيجة لقرار يتخذه كل منهما بمعزل عن منافسه. ومن الواضح أنه لن يكون من مصلحة المتنافسين والمحتكريْن أن يحددا ثمناً يختلف عن الثمن الذي يعرضه المحتكر الفرد، وهو الثمن الذي يحقق أقصى ربح ممكن، ومن ثم فإن الأرباح المشتركة لهما ستكون في ذروتها، وإلا فإن أحدهما سيقضي على الآخر بآلية رفع الأثمان وخفضها ومن دون اتفاق. هذا الأمر نتيجة طبيعية لحرب الأسعار التي يثيرانها في ظل شروط معينة.

أما في حالة احتكار القلة في سوق تعرض فيها منتجات مصنفة أو متنوعة فإن الاتفاق الاحتكاري قد يكون أصعب منه في حالة السلع غير المصنفة أو المتنوعة، كما أن الوصول إلى اتفاق حول سياسة سعرية معينة سيكون صعباً أيضاً، إذ إِن لكل مؤسسة سلعها ومواصفاتها التي تحملها، ولها أيضاً زبائنها الذين تحرص على الإنتاج لهم، ولن يكون قرار رفع الثمن من قبل أحد العارضين سبباً في دخول حرب سعرية بين العارضين أو المنتجين (كما في الحالة الأولى)، وذلك بسبب اختلاف السلع بوجه أو بآخر، وبالتالي فإن اقتسام السوق بالتساوي بين العارضين كما في الحالة الأولى فرض بعيد الاحتمال في هذه الحالة. أما إذا قرر المنتجون الخروج من هذه الفروض والدخول في حرب الأسعار فإن النتائج ستكون قاتلة لبعض المنتجين أو ستكون سبباً في إزالة الأرباح غير العادية ثم في إقصاء مجموعة من المنتجين الذين لم يستطيعوا الصمود في حرب كهذه، ويكون التوازن في السوق مشابهاً للتوازن في سوق المنافسة الاحتكارية.

الاحتكار الكامل: يقصد بالاحتكار الكامل أو الخالص انفراد مشروع واحد أو عارض واحد بعرض سلعة ما ليس لها بديل، وهذا يعني أن هذا العارض لايصطدم بأية منافسة في السوق لا من مشروع ينتج السلعة نفسها ولا من مشروع ينتج سلعاً بديلة. وعلى ذلك فإن شرط الاحتكار الكامل هو اختفاء المنافسة تماماً من السوق، وانفراد منتج فرد أو عارض وحيد بإنتاج سلعة ليس لها بديل أو عرضها.

ويتحقق الاحتكار الكامل عندما يبلغ المنتج من القوة درجة كبيرة تمكنه من الحصول على جميع دخول المستهلكين مهما كان حجم إنتاجه، أو بتعبير آخر عندما يصل إلى درجة تمكنه من أن يرفع الثمن إلى المستوى الذي يحصل معه على كل دخول المستهلكين. وهذا يعني أن المحتكر لا يستطيع أن يحصل  على أكثر من هذه الدخول في أحسن الحالات. 

ويتم ذلك حينما يكون الإيراد الكلي للمشروع ثابتاً عند أي ثمن، أي حينما تكون درجة مرونة منحنى الطلب (منحنى الإيراد المتوسط) واحداً صحيحاً. وما دام المنتج في حالة الاحتكار الكامل فإنه يستطيع أن يحصل على إيراد كلي وثابت (وهو دخول المستهلكين جميعاً). وبغض النظر عن مستوى الإنتاج فإن ربحه يبلغ أقصاه - وهو ما يسعى إلى تحقيقه - حينما تكون النفقات الكلية عند أدنى حد ممكن، ولذلك فإنه يسعى، تحقيقاً لهذا الغرض، إلى خفض الإنتاج إلى أدنى درجة ممكنة - ولو إلى وحدة واحدة - وإلى رفع الثمن إلى أقصى مستوى ممكن،وهذا يعني أن المنتج أو العارض يستطيع أن يحصل في حالة الاحتكار الكامل على جميع دخول المستهلكين.

ولا يعدو الاحتكار الكامل، بالمعنى الذي سبق، والذي ينصرف إلى انعدام المنافسة انعداماً تاماً، أن يكون أكثر من حالة افتراضية، إذ لا يمكن وجود محتكر لا يقابل أية منافسة له، ذلك أن السلع تتنافس فيما بينها، ولا توجد سلعة لا بديل لها.

الاحتكار البسيط: ينصرف الاحتكار البسيط إلى انفراد منتج أو عارض واحد بعرض سلعة لها بديل قريب، مما يعني أن المحتكر الموجود في الواقع يقابل منافسة من السلع الأخرى البديلة لسلعته. ويمكن أن يعرَّف المحتكر بأنه المنتج الوحيد لسلعة ليس لها بديل قريب. ومن هنا يتضح الفرق بين الاحتكار الكامل إذ لا يقابل المحتكر فيه أية منافسة، والاحتكار البسيط إذ يقابل العارض منافسة غير شديدة. أما الإيراد فإن وضعه يختلف في هذه الحالة عن وضعه في حالة المنافسة الكاملة نتيجةً لاختلاف سلطة المنتج أو العارض الفرد عن سلطته في السوق الأخيرة. ذلك أن المحتكر يملك سلطة مجموع المنتجين في حالة المنافسة الكاملة.

سلوك الاحتكارات

يتبين مما سبق أن من الممكن القول إن الاحتكارات العارضة تستطيع وحدها تحديد كمية ما تعرضه من السلع التي تنتجها، الأمر الذي يضمن لها سلطة تحديد الكمية المعروضة للبيع وسلطة تحديد الثمن. على أن سيطرة الاحتكار على كل عناصر السوق ليست كاملة، فهو يسيطر على العرض، ويمكنه أن يؤثر بذلك في الثمن، ولكنه لا يسيطر على الطلب وعلى هذا فإنه لا يستطيع أن يحدد الكمية المبيعة والثمن معاً، بسبب عدم سيطرته على الطلب:

فهو إما أن يحدد الكمية المبيعة وفي هذه الحالة يترك تحديد الثمن للطلب، وإما أن يحدد الثمن وفي هذه الحالة يترك تحديد الكمية المبيعة للمشترين. فإذا اختار تحديد الثمن مثلاً عليه أن يضع في حسابه مرونة الطلب ودرجته، فهو قيد على سلطة المحتكر، في تحديد الثمن، إذ أن شدة مرونة الطلب تعني عدم استجابته لرفع الثمن، بل قد يكون في مصلحة العارض خفض الثمن لكي يرتفع الطلب بنسبة كبيرة، والعكس في حال ما إذا كان الطلب غير مرن.

ويمكن القول إن المنافسة الكاملة قد تؤدي إلى وحدة الثمن، إلا أن وحدة الثمن ليست ضرورية في حال الاحتكار إذ يمكن للمحتكر أن يلجأ إلى تعدد الأثمان للسلعة المعروضة نفسها في الوقت ذاته، ويبدو أن التباين بين أثمان السلع على وجوه كما يأتي:

التمييز في الأثمان تبعاً لفئات المستهلكين:

وذلك في السوق الواحدة، كأن يعمد إلى اقتضاء ثمن مرتفع للسلعة المخصصة للاستهلاك المباشر، وآخر منخفض على ثمن تلك التي تستخدم مادة أولية في الإنتاج.

ويستند في ذلك إلى درجة مرونة الطلب لكل فئة من فئات المستهلكين، كما يتوقف نجاح سلوكه هذا على قدرته على الفصل بين هذه الفئات، إذ لا تتمكن فئة اشترت منه بثمن منخفض من أن تنوب عنه وتبيع فئة أخرى بهامش ربحي.

ـ التمييز تبعاً للكميات المشتراة فيما يتعلق بالمستهلك الواحد: وذلك تبعاً للكمية التي يشتريها إذ يطلب الاحتكار ثمناً أعلى عن الوحدات الأولى حتى حد معين، وثمناً أقل عن الوحدات التالية.

ويفسر هذا التمييز فيما يتعلق بالمستهلك الواحد «بفائض المستهلك» أو ما يعرف أيضاً «بربح المستهلك» ذلك أن الوحدات السلعية الأولى تمثل للمستهلك منفعة أكبر من تلك التي تمثلها الوحدات التالية، كما ترى المدرسة النمسوية في المنفعة الهامشية ومؤسسها كارل منجر، وهو ما يعني أن المستهلك مستعد لأن يدفع في الوحدات الأولى ثمناً أعلى مما يدفعه في الوحدات التالية.

ـ التمييز في الثمن تبعاً لطبيعة السلعة: وذلك بإدخال تعديلات على بعض وحدات السلعة المحتكرة، كتقسيم خدمات النقل إلى درجات مختلفة وهذا التمييز منتشر في حقل الخدمات، وذلك لأن الخدمة أو السلعة المعروضة بثمن منخفض لا يمكن لشاريها أن يبيعها إلى مستهلك آخر بثمن مرتفع.

ـ التمييز في الثمن تبعاً للأسواق: يلجأ المحتكر إلى التمييز في الثمن من سوق إلى أخرى حينما يكون الطلب على سلعته مرناً، بسبب وجود سلع أخرى بديلة يمكن أن تحل محل سلعته، ويحدث هذا في حالة عرض المحتكر لبضاعته في سوق أجنبية،حيث يعمد إلى عرض بضاعته بثمن يقل عن ذلك الذي يتقاضاه في سوقه الوطنية [ر. الإغراق] على أن تكون في هذه السوق بضائع أخرى يمكن أن تحل محل سلعته. ويشترط لنجاح هذا الأسلوب أن تكون الأسواق منفصلة بعضها عن بعض، وهو ما يحدث عندما تكون تكاليف النقل والرسوم الجمركية لا تقل عن الفرق بين الثمنين في السوقين، حتى لا تعود السلعة إلى السوق الوطنية ويعاد بيعها بسعر مزاحم يكسر الاحتكار، أو عند وجود حظر على الاستيراد في السوق الوطنية.

التركز الاقتصادي والتطور الاقتصادي

يرى المعارضون للنظام الرأسمالي أن المشروعات الرأسمالية تميل نحو التركز أو التمركز concentration من دون توقف إِذ إِنها، لاستعدادها الضخم من حيث التقنيات ورأس المال، تستبعد صغار المنافسين وتسلبهم منافذهم، وكأن المنافسة طبقاً لرأي هؤلاء المعارضين تؤدي إلى الاحتكار. ويرى الرأسماليون أن من العسير على الكثيرين أن يفهموا من الأرقام المتاحة ما إِذا كان ذلك الاتجاه قائماً باستمرار أم لا. والواقع أن هناك نزعة واضحة في العالم الصناعي ترمي إلى إِيجاد نوع من التعاون بين المشروعات الاحتكارية الضخمة والمشروعات الصغيرة، وذلك في حقل تكليف الأولى الثانية تصنيع بعض القطع التبديلية أو أجزاء معينة من السلع النهائية، وذلك للاستفادة من مزايا التخصص التقني التي تتمتع بها بعض المشروعات الصغيرة إضافة إلى تخلصها من زيادة رأس المال الثابت ومفاجآت تغيرات الفن الإنتاجي.

وبغض النظر عن وجهتي النظر السابقتين فإن التركز الاقتصادي المستمر في المشروعات يعدّ مظهراً من مظاهر التقدم المادي والنمو الاقتصادي في المجتمع، سواء أكان ذلك في ظل نظام اقتصادي رأسمالي حر أم تدخلي مخطط، وذلك لما تحققه المشروعات الكبيرة - التي تنتهي عادة إلى حالة احتكار أو شبه احتكار - من مميزات اصطلح على تسميتها بـ «الوفورات الداخلية»، تلك الوفورات التي تعود بأصلها إلى الموارد الخاصة بالمشروع أو إِلى تنظيمه ومقدرته الإدارية والفنية، علماً بأن حركة التركز الاقتصادي في التجارة قد ظهرت متأخرة عنها في الصناعة. وتمثل المشروعات الضخمة الاحتكارية مركزاً مفصلياً في دول العالم المتقدم صناعياً، علماً بأن نمو المشروعات ووصولها إلى الحجوم السائدة في عالمنا هذا قد سار ضمن اتجاهين: اتساع حجم المشروع القائم وزيادة عدد منشآت المشروع.

ومن الممكن أن يتخذ التحول إلى المشروع الكبير شكل التركز الأفقي أو الرأسي. ويعني التركز الأفقي نماء نشاط المشروع في نوعه الإنتاجي نفسه، وذلك بزيادة عدد عماله أو رأس ماله من دون أن يغير نوع نشاطه الذي يمارسه.

أما التركز الرأسي فهو قيام المشروع بإنجاز عمليات إنتاجية متكاملة، بمعنى أن تستخدم منتجات كل فرع فيه مادةً أولية في الفرع الذي يليه من المشروع نفسه.

ولفهم علاقة التركز الاقتصادي بالتطور الاقتصادي فإنه لا بد من دراسة مزايا المشروعات الضخمة الاحتكارية أو شبه الاحتكارية.

إن من الممكن القول، في ميدان الوفورات الداخلية إِن زيادة جميع عوامل الإِنتاج تؤدي إلى تزايد الناتج الكلي وكثيراً ما يتجه هذا التزايد نحو الارتفاع سعياً وراء التوسع وللإفادة من مزايا المشروع الكبير. ويفترض في أثناء عرض مزايا المشروع الكبير ثبات مستوى الفن الإِنتاجي (التقنية الإِنتاجية) السائد في الاقتصاد القومي، إذ إِن المعالجة تنصب على آثار توسع المشروع الكبير على استيعاب أحدث التقنيات المحلية والعالمية. وتبدو الزيادة الإنتاجية في الجوانب الأربعة التالية:

الأول هو ارتفاع إِنتاجية عامل الإِنتاج المتزايد: ترتفع إِنتاجية بعض عوامل الإِنتاج إلى حد ما بزيادة عدد الوحدات المستخدمة من هذه العوامل، وذلك لأن زيادة هذه الوحدات تؤدي إلى الإفادة من نفقة عوامل الإِنتاج (وهذا هو مضمون ظاهرة الغلة المتزايدة) وتترجم هذه الظاهرة بانخفاض نفقة الإِنتاج.

والثاني هو الوفورات الفنية: وتتمثل في الإفادة من الفن الإِنتاجي المتقدم، وذلك أن اتساع مشروع يؤدي، مع افتراض ثبات مستوى الفن الإِنتاجي إِلى الأخذ بمعطيات هذا الفن القائم في الإنتاج. ففي حالة المشروع الكبير يمكن لهذا النمط أن يأخذ بتقسيم العمل وبالتنظيم العملي على نطاق واسع، وأن يستخدم متخصصين من مستوى رفيع، وأن يحصل على أحدث أنواع التقنية وأن يستوعبها، وأن يوفر لهذه التقنيات إِمكانات الاستخدام المستمر، على عكس المشروعات الصغيرة التي لا تستطيع الحصول عليها أو لا تستطيع تشغيلها تشغيلاً مستمراً. ويمكن أن يضاف إِلى ذلك قدرة المشروع الكبير على تخصيص مبالغ مهمة للبحث العلمي، بغية الوصول إلى مكتشفات علمية جديدة أو تطوير ما بين يديه، وإِدخالها في دورته الإِنتاجية.

والثالث هو الوفورات الإنتاجية: يمكن للمشروع الكبير أن يحقق وفورات كبيرة في أثمان عوامل الإِنتاج التي يشتريها بسبب ضخامة استجراراته، مستفيداً من أثمان الجملة، ويمكنه أيضاً أن ينقل بضائعه بتعرفات مخفضة ويتمتع بقدرة ملحوظة على مساومة البائعين بنسبة ضخامة مشترياته،كما يمكن أن يصل إلى حد تمتعه بمركز محتكر الشراء وبذلك تتاح له فرصة سعر الشراء الملائم له.

ومن جهة أخرى يحقق  المشروع الكبير في غالب الأحوال مبيعات كبيرة بسبب قدرته على الانتشار في الأسواق بالدعاية والإِعلام، علماً بأن نفقاتهما لا تزداد بزيادة رقم المبيعات، وقد تصل في حالات أخرى إِلى مرحلة التأثير المطلق أو شبه المطلق في السوق كما في حالة الاحتكار.

يضاف إِلى هذا كله قدرة المشروع الكبير على الشراء من أسواق متعددة (حرية الاختيار) والبيع في أسواق متعددة. ويؤدي تنوع مصادر الشراء والمنافذ إلى تقليل المخاطر، علماً بأن الطابع الاحتكاري السائد في عالمنا المعاصر في أسواق البيع والشراء بدرجة أو بأخرى يقلل إلى حد بعيد من شأن هذه الميزة، وأخيراً يمكن للمشروع الكبير أن يعمد إلى سياسة البيع بأثمان منخفضة لتحقيق أرقام كبيرة في المبيعات.

أما الرابع فهو الوفورات المالية: يتمتع المشروع الكبير بثقة أطراف السوق سواء كانوا أفراداً أم مؤسسات، ويوفر له هذا فرصاً سهلة لإيجاد مقرضين له أو قروضاً بأسعار فائدة مخفضة، كما تقدم الحكومات الدعم للمشروعات الكبيرة وذلك بأشكال كثيرة سواء كان العون مباشراً أم ضماناً أم معونات تصدير أم تعويضاً.

وتسمح حجوم هذه المشروعات وقدرتها الإنتاجية والمالية بتغطية فعاليتها وتقلبات السوق بعقود تأمين مناسبة تقيها شر المخاطر، وتؤمن هذه العقود من جهة أخرى القدرة على تخفيض احتياطاتها إلى حدود دنيا تبعدها عن تفضيل السيولة لمواجهة الطوارئ.

تحتاج المشروعات الكبيرة حتى تصل إلى حجوم تتمتع بالميزات المذكورة إلى طاقة تركيز اقتصادي عالية، علماً بأنها تحاول التغلب على الصعوبات الناتجة عن حجومها الكبيرة في تقسيم هذه الحجوم إلى منشآت شبه مستقلة، مرتبطة فيما بينها بمركز تنسيق موحد، يدير مجموعة المنشآت طبقاً لاستراتيجية عمل موحدة مقسمة لآجال محدودة وإدارة المشروع الكبير تستعين في عصرنا بأحدث التقنيات الإدارية سواء على صعيد تأهيل العنصر البشري الإداري أو العامل، أو على صعيد استخدام الحواسيب المركزية التي تتناسب وحجومها وفعالياتها. إن هذه الحجوم تترافق وأعلى درجات الاحتكار، وتعمل ضمن صراع أو اتفاق فيما بينها، إلا أنها تسهم في دفع عجلة الاقتصاد الكلي في الدول،وكذلك تعمل على صعيد معطيات الثورة التقنية في العالم، بغض النظر عن طابع النظام السياسي الاقتصادي الذي تعمل في ظله.

أنواع الاحتكار

يأخذ الاحتكار في العصر الحاضر عدة أشكال أو أنواع تتناولها الفقرات الآتية:

التروست: يعود تعبير التروست Trust في أصله القانوني إلى استعماله لدى رجال القانون الأنكلوسكسون في الحديث عن النظام الذي يدير بمقتضاه شخص موضع ثقة أموالاً لحساب غيره. أما الاستعمال الاقتصادي لهذا الاصطلاح فيعبر عن نوع من الاتحاد الاحتكاري يبدو في اندماج مشروعات بهدف تكوين مشروع واحد كبير، وذلك بغرض تحقيق حالة احتكارية أو شبه احتكارية، أو بغرض تخفيض النفقات، ورفع معدلات الأرباح. ويأخذ الاندماج عدة أشكال قانونية على الوجه التالي:

ـ ابتلاع مشروع مشروعاً آخر.

ـ انحلال عدة من الشركات بهدف تكوين شركة جديدة، على أن يمنح المساهمون القدماء أسهماً في الشركة الجديدة تعادل ما كان لهم من ملكية في شركاتهم القديمة. ويلاحظ أن هذه العملية (الانحلال والاندماج) تحمل الشركات نفقات باهظة. لذلك تعمد المشاريع التي تود إنجاز مثل هذا الاندماج إلى أسلوب الشركة القابضة holding .

ـ الشركة القابضة هي مؤسسة أو مشروع مشارك في مؤسسة أو في عدة مؤسسات إنتاجية بحيازة أسهم هذه المؤسسات بما يتيح لها الحق في مراقبة إدارتها مالياً وإنتاجياً وتجارياً وهي بوجه عام أحد الأشكال الأكثر انتشاراً في بلدان عديدة من أجل الوصول إلى وضع احتكاري أو شبه احتكاري. والشركة القابضة من جهة ثانية تتكون أصولها أو معظم أصولها من أسهم شركات أخرى مستقلة صورياً.

ـ ويمكن التفريق بين التروست الأفقي الناتج من اتحاد شركات فرع صناعي واحد، والتروست العمودي وهو الشكل الذي يقوم بين مشروعات تؤلف سلسلة متكاملة ويكوّن منْتَج كل واحد منها مادة أولية أو مساهمة رئيسية في منتج المشروع الذي يليه، والتروست في هذه الحالة إما أن يكون تجمعاً متبايناً ينتج مواد أولية ويدير مؤسسات صناعية تستخدمها، ثم ينتج منتجات نهائية وشبه نهائية وإما أن يكون متجانساً يتألف من تجمع شركات تنتج مواد أولية ومنتجات شبه نهائية، تسهم كلها في إخراج منتج نهائي واحد.

ويغلب أن تحتفظ الشركات المندمجة بشخصيتها القانونية وتبقى مستقلة من حيث الشكل إلا أنها تفقد في الواقع استقلالها الاقتصادي لتكون مشروعاً واحداً.

الكارتل: نشأ الكارتل Cartel أو اتحاد المنتجين في ألمانية أول مرة في عام 1862 حينما تأسس كارتل الحديد الأبيض، وفي عام 1906 وصل عدد هذا النوع من الاندماج الاحتكاري إلى 385 تضم 12000 مؤسسة.

والكارتل اتفاق بين عدد من المشروعات التي تنتمي إلى فرع معين من فروع الإنتاج يكون الهدف منه الحد من المنافسة فيما بينها أو منع قيام المنافسة وفي غير موضوع الاتفاق يحتفظ كل من المشروعات باستقلاله الاقتصادي والمالي والفني. وهذا يعني أن السوق تواجه عدة مشروعات، ولا تواجه مشروعاً واحداً كما في حالة التروست. والكارتل والحالة هذه، هو اتحاد تجاري مهتم باقتسام الأسواق فيما بين الأطراف المتعاقدة، أو بتحديد أسعار معينة للبيع، أو بتحديد حصص الإنتاج. ولا تعني السوق في هذه الحالة السوق الوطنية فقط، فقد تكون سوقاً قاريّة أو عالمية. ويقوم الكارتل، أخيراً بتوزيع الأرباح بعد أن تقوم الهيئة العليا بجمع أرباح المشروعات المنضمة، وبإعادة توزيعها على أساس النسب المتفق عليها.

ويشترط لنجاح الكارتل، في النظام الاقتصادي الرأسمالي شروط عدة أهمها:

ـ التزام الأطراف المتعاقدة نصوص العقد التزاماً مطلقاً.

ـ انضمام أغلب المنتجين إلى اتفاق الكارتل،وذلك لتشكيل القوة اللازمة لتنفيذ الاتفاق في السوق.

ـ قلة عد المشروعات التي تقوم بالإنتاج في الفرع الذي يراد إقامة الكارتل فيه لتكون عملية الاتفاق سهلة.

ـ تقارب درجة كفاية المشروعات الفنية التي تندمج في الكارتل وذلك في الغالب من الأحوال.

الكونسورتيوم (اتحاد شركات)

الكونسورتيوم Consortiom أو اتحاد الشركات هو تجمع يضم شركات كبيرة يقوم لمواجهة طلب كبير يفوق قدرة كل واحدة منها على حدة. ويمكن أن يكون اتفاقاً مؤقتاً أو اتفاقاً منصباً على طلب معين لمصلحة جهة حكومية أو خارجية. كما يمكن أن يكون اتفاقاًً دائماً في حالات تكتل المصدرين أو المستوردين،وهو شكل حديث من حيث الانتشار أو كثافة الفعالية وحجمها. وفي هذه الحال يحتل اتحاد الشركات مركزاً مسيطراً على أقنية العرض في حالة الطلب الخاص (أي الاتفاق المؤقت) ومركزاً مشابهاً إن لم يكن مطابقاً لهذا في الحالة الثانية (أي تجارة الاستيراد والتصدير التي تحاول أن تواجه الصراع على الأسواق، فإن هذا النوع من الاتحادات يعمل بفعالية عالية ويفلح في معظم الأحيان في السيطرة على العرض في السوق الرأسمالية وذلك في الحالتين المذكورتين.

المجموعة المالية: إن كثافة التركز الاقتصادي لرأس المال الصناعي، في القطاع المصرفي وفي فروع اقتصادية أخرى، وتطور الاحتكارات الصناعية والمصرفية، والدمج بين رأس المال الصناعي والمصرفي، إن كل ذلك أدى إلى ولادة نموذج جديد من التمركز عرف بالمجموعة المالية أو مجموعة رأس المال المالي. ويتميز هذا النموذج من سابقيه في أن فعالياته الاقتصادية متسعة جداً وتصيب مجمل الفروع الاقتصادية في الاقتصاد الوطني، بل كثيراً من المجالات الحيوية الاجتماعية السياسية في الدولة. وفي الوقت نفسه فإن تركيب هذه المجموعات يتمتع بقدرة عالية على الحركة واللامحدودية والقدرة هذه خاصة استراتيجية تتطلبها بنيته أولاً، وأهدافه البعيدة ثانياً.

ففي النظام الاقتصادي الرأسمالي، ولاسيما في أوربة الغربية وأمريكة الشمالية تقع مجاميع كبيرة من الشركات المنتجة في دائرة نفوذ المجموعات المالية، وتقوم الشركات الكبيرة جداً بدور مراكز القرارات المهمة للشركات المنضمة، وذلك فيما يخص القضايا التي تقع خارج النشاطات اليومية الجارية لها.

وتقوم المجموعة المالية بمراقبة عدد من المؤسسات المنتجة التي تسيطر عليها وتدفع بقدرتها باستمرار حتى إنها تخرج في كثير من الأحيان من السوق الوطنية إلى السوق الدولية.

وترتبط المجموعات المالية الرئيسية بروابط قوية جداً تعمل على تنسيق النشاطات والفعاليات الاقتصادية والسياسية فيما بينها. وتُهمل المجموعات المالية الرئيسية الإطار الجغرافي لحقل نشاطاتها ويزداد انفصالها عن المصالح الوطنية العليا للدولة الأم وتتجه نحو النظر إلى العالم وحدةً اقتصادية واحدة تمارس فيها فعالياتها.

وتتشكل المجموعات المالية في غالب الأحيان بالسبل التالية: تبادل الشركات الأسهم فيما بينها،وإعادة تعيين أشخاص كانوا معينين من قبل أعضاء في إدارة أكثر من شركة، الاتفاق فيما بينها وهو اتفاق يختلف عن الاتفاق في حالة الكارتل.

الاحتكارات الدولية والسيطرة الاقتصادية

في الثلث الأخير من القرن العشرين تنامى دور الاحتكارات الدولية في الاقتصاد العالمي وفي السياسة العالمية أيضاً، وقد شمل  تأثيرها جميع مجالات الاقتصاد الرأسمالي العالمي من دون استثناء، وقد بلغ الصراع العالمي بين الاحتكارات العملاقة حداً لم تعرفه من قبل، ومن الملاحظ أن هذا الصراع قد ترافق مع بروز اتجاه متزايد نحو التعاون والتشاور بين احتكارات دول مختلفة.

إن الثورة التقنية العلمية وتنامي تدويل العلاقات الاقتصادية الدولية وتكثيف التمركز العالمي في الإنتاج ورأس المال، وتقليص رقعة السيطرة الإقليمية للاستعمار بتأثير حركة التحرر القومي الجارية في العالم وتخطي الحدود الوطنية من قبل الرأسمالية الاحتكارية الدولية، كل هذا لا يتطلب تكون احتكارات عالمية وتعزيز دورها في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية فحسب،وإنما يتطلب كذلك تنويعاً في نشاطات هذه الاحتكارات وتعقيداً أكبر وأشكالاً جديدة، وطرائق أحدث من تلك التي سادت في حقبة «الاحتكارات الكلاسيكية» .

لقد أدت الاحتكارات الكلاسيكية الدور الرئيسي في الصراع على مناطق النفوذ وأسواق التصريف في بداية القرن العشرين، (التروستات العالمية، وكذلك الكونسرتات، والكارتلات) وتعدّ التروستات والكونسرتات، من الأشكال الأقل انتشاراً بالنسبة للاتحادات الدولية، إذ يجب تفريقها عن الاحتكارات الوطنية التي لها نشاطات خارجية. أما التروستات والكونسرتات الضخمة التابعة لدول رأسمالية كبرى، فإن سيطرتها تغطي أيضاً جزءاً لا يستهان به من النشاط الاقتصادي في دول كبيرة.

وعلى ذلك فإن التفريق بين الاحتكار الوطني أو الدولي يتوقف على مدى سيطرة أقطاب المال على قيادة هذا الاحتكار أو ذاك في بلد معين وتوجيهه، ويمكن تسمية احتكار ما احتكاراً عالمياً أو متعدد الجنسيات عندما يسيطر على مقدراته رأسماليون من بلدين أو أكثر، ويلاحظ أن التروستات والكونسرتات ظهرت حتى الحرب العالمية الثانية من اندماج أو انصهار شركات بلد معين بمشروعات بلد آخر، أو عن طريق تأسيس شركات جديدة مشتركة من قبل احتكارات دول مختلفة. أما بعد الحرب فإنه يصعب القول إِن هذين الشكلين كانا أكثر انتشاراً. فلقد تغير مضمون اتفاقات الكارتلات اليوم تغيراً جذرياً إِذ حلت الشركات المتحدة محل الكارتلات الدولية التقليدية أو الكارتلات الغنية.

والشركات المتحدة إنما هي اتحادات من أنواع مختلفة يتم تنظيمها وفقاً لمنطلقات إنتاجية وعلمية وتقنية، وتنفذ في الوقت نفسه مهام الكارتل التقليدي. يرمي هذا النوع من الاحتكارات إلى تطوير المواصفات وتوحيد القطع والأجزاء التي تنتجها الشركات الأعضاء من بلدان مختلفة، وإلى تبادل المعلومات العلمية والتقنية والتجارية، وإلى تنسيق النشاطات التجارية الدولية لهذه الشركات كما تقوم بإجراءت تنظيمية تتعلق بالسياسات السعرية، مستخدمة الطرائق الكلاسيكية التي كانت تستخدمها الكارتلات الدولية على نحو واسع،وعن طريق شكل هذه الاتحادات(اتحاد الشركات العاملة في فرع معين ضمن الأهداف المنوه عنها) تقوم الاحتكارات القيادية بإخضاع المتوسطة والصغيرة المنتسبة للاتحاد لسيطرتها التامة. ويتم توجيه هذه الشركات إلى القيام بالتوريدات الثانوية، أو إلى التخصص بإنتاج أنواع القطع التبديلية أو بعض أجزاء السلعة النهائية، الأمر الذي يحكم ارتباطها بالاحتكارات القيادية إحكاماً أشد.

ويلاحظ أن اتحاد الشركات يعمل كشخص اعتباري مشهور تجارياً أو صناعياً إذ يتم تسجيله شركة مساهمة في غالب الأحوال وهنا يبرز فارق كبير بينه وبين الكارتل، إذ يتيح هذا الشكل القانوني لإدارة الاتحاد إكمال النظام وتعديله واتخاذ القرارات وفقاً لتقديراته الخاصة، ومن دون أخذ موافقة جميع المشاركين، على عكس ما هو الحال في الكارتل الذي تمنع اتفاقياته اتخاذ أي  إجراء بصورة منفردة.وتملك اتحادات الشركات الوطنية المنضمة إلى اتحادات الفروع الدولية، وسائل ضخمة للتأثير في حكوماتها، فهي تمارس نفوذها الواسع في التدخل في التركيب الشخصي لمختلف اللجان الاقتصادية الحكومية العليا، وتشارك مشاركة مباشرة في إعداد مشاريع القوانين المتعلقة بالسياسة التجارية وحقوق براءات الاختراع والصنع والضرائب، وتعدّ اتحادات الشركات الدولية غالباً بمنزلة مكان حتمي للاتفاق بين الاتحادات الضخمة لفروع حول التعرفة الجمركية وغيرها من القضايا الاقتصادية، ويتم فيما بعد تنفيذ اتفاقاتها عن طريق الحكومات التي تساندها أو من قبل أجهزة قارية أو عالمية مثل الأسواق المشتركة.

ولهذا يمكن عدّ اتحادات الفروع الدولية، الشكل الحديث للتنظيم الاقتصادي الرامي إلى اقتسام العالم الرأسمالي، وهو أشمل وأرقى من شكل الكارتلات الدولية وفعاليتها. ومن جهة ثانية ينسجم هذا الشكل مع المرحلة الحالية لتطور رأسمالية الدولة الاحتكارية بسبب قدرته على السيطرة على القرار الحكومي واتساع رقعة فعالياته وكثافة التركز الرأسمالي فيه، وأخيراً استخدام أعلى القدرات التقنية والإدارية الحديثة.

وفي معرض معالجة الاحتكارات والاقتصاد العالمي لا بد من ذكر ما يمكن ذكره عن الاحتكارات الوطنية التي خرجت عن حدود وطنها الأم. فلقد اتسعت حركة خروجها هذه بعد الحرب العالمية الثانية اتساعاً كبيراً، وينطبق ذلك على الاحتكارات الأمريكية خاصة. لقد ساعدت قدرة هذه الاحتكارات، وانتشار بعض الليبرالية في التجارة الدولية وتخفيف القيود المفروضة على القطع، وزيادة حجم كتلة الأموال في أسواق العملات الأوربية لقد ساعد هذا كله على إيجاد الأسس الموضوعية لتطوير فعاليات الاحتكارات بهذا الاتجاه. علماً بأن هذه الظاهرة تعممت بعد ذلك فيما سُمي بالشركات «المتعددة الجنسيات»  ولم تعد مقتصرة على الاحتكارات الأمريكية. إن حصة هذه الاحتكارات الوطنية في مجمل الاقتصاد العالمي الرأسمالي - على شكل استثمارات خارجية - في نمو مستمر،وإن كثيراً من الفروع الصناعية المتقدمة غدت تخضع لسيطرة هذه الاحتكارات (أوربة الغربية) وتختار هذه الاحتكارات «المتعددة الجنسيات» الفروع التي تتميز بالتقنية المتقدمة،عن طريق استخدام المبتكرات الجديدة، وتحقيق معامل مرتفع في النمو، وتنتشر هذه الشركات في دول العالم الثالث (في الصناعات الاستخراجية والملوثة) وتسهم في الخلل الكبير والواضح في معدلات التبادلات التجارية الدولية بين هذه الكتلة وتلك الشركات. وتتسع الفجوة السعرية بين منتجات هذه الشركات النهائية وأسعار المواد الأولية المسيطر على مكامنها في العالم الثالث من قبل الشركات المتعددة الجنسيات ويمكن القول إن مركز القرار الموحد للشركة المتعددة الجنسيات هو أحد مميزاتها الرئيسية، تلك الميزة التي تؤلف تهديداً خطيراً لبلدان العالم المضيفة لها. والحال إن مركز القرار المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبنى والمصالح الاقتصادية وميزان مدفوعات الدولة الأم، لا يمكن أن ينطلق في قراراته إلا من ظروفه المحلية المذكورة المحيطة به، كما أن كثيراً من نشاطاتها لم يخضع ولا يمكن أن يخضع لضوابط قانونية دقيقة في البلدان المضيفة،ومن ذلك قدرتها على تغيير حجم الإنتاج وحقها في بناء منشآت إنتاجية جديدة،أو إغلاق بعضها،واختيار التخصصات الإنتاجية، واختيار الموردين والمشترين والأسواق وتحويل الأرباح.

وبصور عامة ترتكز قراراتها على قاعدة جني أكبر قدر ممكن من الأرباح في صراعها الخارجي، ولا تراعي تلك الشركات المصالح الوطنية العليا للدول المضيفة بصورة متناسبة ومتوازنة،وتتجاهل أيضاً إمكانات التشغيل أو حجم التجارة الخارجية واتجاهها وإسهاماتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتلك الدول. لقد دفعت نشاطات الاحتكارات الدولية بكل أنواعها - كارتل - كونسرتيوم - تروست، اتحاد شركات وطنية،اتحاد شركات فروع، شركات متعددة الجنسيات...، الاقتصاد العالمي إلى حال من اللاتوازن واللاتكافؤ، سواء كان ذلك على صعيد تشديد وتيرة نمو معدلات الأرباح على مستوى الاقتصادات الوطنية، أو على مستوى الاقتصاد العالمي، أو على صعيد الخلل في معدلات التبادل الدولية.

إن نزعة الاحتكارات الرأسمالية الواضحة إلى النظر إلى العالم كله وحدةً جغرافية اقتصادية واحدة، وانتشارها على هذا الأساس، وقيام أشكال متعددة من التنسيق بين إداراتها، فيما يتعلق بالمواجهة مع المصالح الوطنية لدول العالم الثالث، أو باقتسام الأسواق أو تنظيم السعر العالمي. إن هذه النزعة لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن الحماية الرسمية والدعم الحكومي لحكوماتها الأم.

رأسمالية الدولة الاحتكارية

إن رأسمالية الدولة الاحتكارية أعلى طور للرأسمالية في مرحلتها السائدة في البلدان الرأسمالية المتقدمة اقتصادياً. ولقد ظهرت رأسمالية الدولة الاحتكارية من خلال التطور الرأسمالي نتيجة للتناقض بين رأس المال والعمل من جهة، وبسبب تركز رأس المال وازدياد الطابع الاجتماعي لقوى الإنتاج من جهة أخرى.

ويمكن أن يضاف إلى ذلك الظروف التي رافقت الحربين العالميتين وقيام الدول الاشتراكية، ثم ما طرأ على النظام الرأسمالي القديم، وتنامي حركات التحرر القومي.

إن رأسمالية الدولة الاحتكارية هي نمط رأسمالي جديد تتحد فيه قوة الاحتكارات الرأسمالية الكبرى وقوة الدولة في فعاليات واحدة مشتركة، بهدف حماية المؤسسات الإمبريالية وتشديد وتيرة أرباحها. وبهذا يظهر شكل جديد من احتكار المجموعات المالية للسلطتين الاقتصادية والسياسية. وتقدم الدولة في هذه المرحلة إسهامات جدية ومهمة في عمليات تطور التراكم الرأسمالي وتركز رأس المال والإنتاج على كل الصعد ومنها الصعيد الدولي. كما ترتبط العلاقات السياسية والعقائدية بعلاقات الإنتاج السائدة وتخضع لها بوجه متزايد، وتزداد روابط الاقتصاد بالسياسة، ويصبح تدخل الدولة بالاقتصاد أكثر عمقاً وتتوطد العلاقات بين جهاز الدولة والمجموعات الاحتكارية.

وفي المراحل الأولى لبلورة هذا النمط الاحتكاري برزت الدولة ممثلاً للمصالح الاقتصادية المشتركة للطبقة الرأسمالية في السياسة الخارجية. ولأن الدولة هي التي ضمنت المصالح المشتركة للطبقة الرأسمالية في السياسة الخارجية. ولأن الدولة هي التي ضمنت المصالح المشتركة لبرجوازيتها في الصراع التنافسي في الأسواق العالمية، فقد تحملت نفقات حماية النشاط التجاري وغيره من نشاطات البرجوازية الوطنية في الدول الأخرى (السفارات والقنصليات). كما جعلت الدولة، في هذه الحقبة، من النشاط العسكري (نحو الخارج) وسيلة لحماية المصالح التجارية للأمة كلها ووسيلة للحفاظ على هيبتها. أما على الصعيد الداخلي فقد أصبح تدخل الدولة لحماية شكل الإنتاج السائد عن طريق التنظيمات القانونية للعلاقة بين العمل ورأس المال من أهم وظائف الدولة.

لقد أصبح التدخل في شؤون السوق من جانب الدولة أمراً ممكناً بعد دخول الرأسمالية مرحلة الاحتكار بسبب قلة عدد العاملين في السوق وسهولة التفاوض والاتفاق معهم.

وصدرت قوانين عديدة (قوانين منع الاحتكار مثلاً) توحي بأنها تعمل على حماية المستهلك، إلا أن المستثمرين الكبار التفوا عليها واستفادوا من قوانين أخرى دفعت بالتركز الرأسمالي إلى مراحل كبيرة (مثل قانون المشاركة المتعددة بأكثر من شركة) من دون أن يكون رصيد أموالهم مرتبطاً بواحدة منها (قانون دمج الشركات) وتقديم ضمانات الدولة لقروض الشركات (قانون دعم الشركات التي تعاني من صعوبات). إن الدولة، في مرحلة رأسمالية الدولة الاحتكارية، تتصرف كمالك لجزء من الدخل القومي الذي يدخل الخزينة العامة عن طريق فرض الضرائب وطريق الأوراق المالية والرقابة على الدورة النقدية، وإذا أضيف دور الدولة (كمقرض) في مجال التسليف يتبين أنها تمارس تأثيراً فعالاً في مجمل نظام علاقات الإنتاج في مجال الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.

وثمة مثال يمكن ذكره هنا. فقد اتضحت، في حقبة الحرب العالمية الثانية وما بعدها محدودية قدرة حركة السوق على تنظيم الاقتصاد الرأسمالي بما يتناسب وظروف الحرب، وظهر أنه لم يكن على الدولة إقامة الصناعات العسكرية فقط، بل وَجَب عليها كذلك إدخال رقابة صارمة على توزيع مصادر الإنتاج المحدودة وظهر كذلك أنه كلما ازدادت عسكرة الاقتصاد اتسع إطار ملكية الدولة في المجال الاقتصادي، الأمر الذي ارتبط منذ البدء ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر بإنتاج الأسلحة.

.......................................................................................

المصادر/

1- الدكتور  ماتياس رات / موقع برنامج مدينة كمنتس

2- الدكتور نور الدين هرمز/  الدكتور فادي الخليل/دريد العيسى/مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث   العلمية _ سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية المجلد (29) العدد (1)2007

3-  جريدة الاقتصادية الالكترونية

4- حسن عبد ربه المصري/ جريدة الزمان العراقية

5- سمير محمود ناصر / الحوار المتمدن

6- الموسوعة العربية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 2 آذار/2008 - 23/صفر/1429