الثقافة والطائفية: احتمالية التسلل والانجراف

اعداد/ ميثم العتابي

 شبكة النبأ: من الإشكالية الأيدلوجية السياسية الحزبية التي وقع في فخها المثقف العربي والتي آلت ببعض النتاجات الأدبية إلى أن تُركن أو تُمنع، من قبل أحزاب وسلطات ذات توجهات معارضة لها، وبالتالي كانت وماتزال هذه الثقافات والأدبيات مرحلية تمثل وتعبر عن وجهة نظر مؤدلجة زمنية ضيقة في فضاء ومناخ معين. الآن بات الخطر أكثر إنتشارا من ذي قبل خاصة اذا تسللت هذه الأيدلوجيات بقناع جديد إلى الدين لتصنع من سياستها القادمة مرض ووباء خطير عرف بإسم الطائفية.

ولتأصيل الموضوع وتعميق الرؤية فيه، والتوسع للإحاطة بجوانبه المهمة، رصدت (شبكة النبأ) بعضا من هذه الاستطلاعات، إذ تحدث القاص عباس خلف في حوار له مع الشبكة: المثقف يتجنب دائما الخوض في استنباطات مكرهه له وإذا ما دعي المثقف إلى الانجرار للحديث عن البعد الطائفي ومدى تأثيره على بنية المجتمع فإن هذا الانزلاق سيكون خطيرا إلى مدى لا يمكن أن يؤدي إلى سياق معقول وخصوصا إننا الآن في القرن الحادي والعشرين الذي اخترق الفضاء، واضاف، ان العلم في العصر الحالي تجاوز الإمكانيات الخصوصية التي حتما تذوب في التصور الهائل لتسبح في فضاء الوعي الذي لابد أن يغادر هذه الجزيئات التي تحجبه عن رؤية هذا العالم.

الشاعر (هادي الربيعي) إنحاز إلى رؤية للإبداع بقوله لـ شبكة النبأ: كان الإبداع منذ القدم وحتى الآن وما زال ايضاً لاغياً للمسافات ولاغياً للحدود وما تفرقه السياسة كان الأبداع يجمعه بقوة الكلمة وتأثيرها رغم ان هذا التأثير يبدو محدوداً، ولكنه في الحقيقة تأثيرٌ فاعل ويمتلك سلطة غير مرئية وتتوضح هذه السلطة في قوة العلاقات بين المثقفين والأدباء التي تتجلى في المهرجانات التي تقام بين الحين والآخر.

ويضيف، ان المبدع الذي ينتمي لهذه الطائفة أو تلك سيكون بالضرورة خاضعاً لتأثيرات هذ الطائفة أو تلك على حساب القضية الإبداعية التي لا تتوقف عند طائفة أو وجهة نظر خاصة، فالإبداع عطاء إنساني لا يعرف الحدود.

القاص (طامي هراطة عباس) تحدث عن غياب التعريف الدقيق لمصطلح الثقافة والمثقف: أجد من الضروري أن نفترض مجازا بأن المثقف هو الذي يكتنز ما يكفي من المعرفة التي تؤهله للتفهم والتفاعل مع المحمولات الفكرية والثقافية بأجنداتها المتنوعة والعمل على جعل حضوره مؤثرا في وسطها.

واضاف، إن انسياق المثقف خلف النزعات الطائفية والمذهبية تعبر بوضوح عن انسلاخه الفكري من منظومة الثقافة ببعدها الفكري / الإنساني الشمولي، وهذا الانسلاخ هو مدخل لنكوص أعمق حين يجد المثقف نفسه في عالم ضيق للغاية، ليس فيه غير رائحة ولون طائفته، وسوف يستنبط بالتالي ما يكفي من الأوهام لتهميش وإلغاء الأخر وتبرير مساهمته في تدمير لحمة النسيج الوطني.

وأكد طامي هراطه متابعا: إن الانتماء لطائفة بعينها يجب أن يحضى باحترام منقولاتها الدينية والفقهية وتعميق فكرة التسامح والتعايش كمبدأ حيوي في التعامل مع الأخر، وليس هناك ما يعيب في الانتماء للطائفة والدفاع عنها لكن المغالاة وتكريسها لدوافع محددة ستحول المثقف إلى سياف من نوع أخر .

اما القاص حسين رضا فصور المشهد على إنه دخيل، كما صرح في لقاءه مع (شبكة النبأ) قائلا: الطائفية واحدة من الظواهر الجديدة في الحياة العراقية برزت بوضوح بعد العام 2003 وتركزت في الحالة السياسية الراهنة، وتابع، الخشية هنا أن يكون صوت المثقف معبرا عن أحلام وتطلعات طائفة في ظل ضغوطات متعددة الوجوه. وفي كل الأحوال على المثقف العراقي أن لا يكون أسير طائفته.

كيف يمكن الفصل بين الثقافة والطائفية

من جهتها سلطت وكالة اصوات العراق الضوء على هذه الظاهرة في تحقيق لها تطرق الى الاستقطاب الطائفي الذي وضع المثقف موضع اتهام كما يقول أحد المثقفين، ورأى آخر ان الانتماء الطائفي ثقافة ويكمن الخطر في تسييسه وحذر آخر من الخلفية الاتباعية التي تجعل المثقف طائفيا مع الموجة السائدة.

الكاتب والناقد السينمائي علي حمود الحسن، قال لـ(أصوات العراق): الطائفية تتضخم عندما يشعر المثقف بالخطر، فينكص بدوره مرتدا  ليحمي نفسه، والمفارقة إن المثقف الذي لا ينتمي شفاهيا على الأقل لطائفته، مدان على اعتباره مارقا أو فاسقا أو مجدفا (علماني ، ديمقراطي ، شيوعي ... الخ)، وبذات الحجم هو مستهدف من الآخر الطائفي المختلف، فيكفي أن يكون اسمه دالا على طائفته، كي يُستهدف.

أما القاص محمد خضير سلطان فيرى ان: الانتماء الطائفي هو أحدى الهويات الاجتماعية  التي تشكل نظاما إنسانيا، إلا إن المشكلة الحقيقية هي تسييس الانتماء ليجعل الأمر بين اتجاهين يبدوان متلازمين، أولهما رفض الثقافة الطائفية  بوصفها تراجعا للماضي.

والاتجاه الثاني يحدده سلطان بـ تبني الاتجاه الطائفي على نحو سياسي مكيف مع السياقات الراهنة والدعوة إلى التحديث من خلال إعادة توجيه المنظور السياسي الطائفي، وبهذا يتم تصنيم القيم الإنسانية الحديثة وجلب الماضي إليها – أي الطائفة - وعبر الاتجاهين الحادين يضيع  الجانب الثقافي في السياسي  وبالعكس. بحسب أصوات العراق.

وأضاف سلطان: المطلوب من الثقافة (في العراق تحديدا ) أن تفصل الثقافي الطائفي بوصفه هوية اجتماعية عن السياسي كونه وجهة نظر شاملة  للعالم لقيادة المجتمع.

أزمة الهوية والمشروع الثقافي العراقي

وأشار الكاتب والإعلامي سيف الدين كاطع، إلى أن وجود مثقف عراقي نوعي بلا انتماء ما لطائفة يبدو ضربا من اللاواقعية.

وأضاف كاطع لـ(أصوات العراق): ، بأن الإشكالية تتعلق أصلا بوجود مثقف خالص، بمعنى انتمائه إلى الحداثة وانغماسه في تياراتها. ويرى، أن الحداثة يمكنها أن تؤسس إلى نظرة سليمة وجادة، أمام التحديات الكبيرة التي يمر بها المجتمع  العراقي أو العربي.

ويضيف الكاطع، إن العوامل والأحداث السياسية الكبيرة ألقت بأعبائها على المثقف العراقي وجعلته اتباعيا، أو تابعا لأفق تحرك طائفته وأنماط سيرها، سواء منها الفقهية أم الأصولية أم السياسية، كذلك خصوصياتها التي لا يبدو انفصالها ممكنا في هذه المرحلة وعلى مستوى وصعيد زمني معين."

ويحيل الكاطع الموضوع الى: التربية التاريخية والنسيج الاجتماعي الثقافي والإيماني لهذا المثقف، مفسرا انتماء المثقف لخصوصية طائفته مازالت تلعب دورا كبيرا وأساسيا في نمطية التوجهات الاجتماعية ومؤشراتها التي تتصاعد في جميع المستويات، ومنها السياسية والإدارية وفلسفة بناء الدولة والمؤسسات، وهذا ما نراه يتجسد الآن في عراق اليوم.

مدير الاوركسترا السيمفونية الوطنية العراقية كريم كنعان وصفي لا يجد ربطا بين الثقافة والطائفية، لكنه يستدرك هذا لايعني عدم احترام الطائفة وتحجيم الثقافة ضمن إطار طائفي معين، وان كان المثقف قد اختار لنفسه أن يكون حبيس وضع معين، فهذا التوجه لديه لن يستطيع أحد أن يغير منه شيئا.

وتابع وصفي، لا تستطيع أية طائفة تحديد الثقافة العامة وماهية المعرفة. ولا يمانع وصفي من وجود مثقف طائفي الانتماء لكنه يحذر من التشدد ويفترض فيه أن يحترم الطوائف الأخرى ويعترف بوجودها، مثلما يجل انتماءه.

القاص أسعد اللامي يرى أن الموضوع بحد ذاته، ربما يشكل جزء من فشل المشروع الثقافي العراقي في ترسيخ وعي ثاقب وشامل، بالهوية الوطنية. ويضيف، الكثير من المثقفين العراقيين يعانون، وأنا أحدهم، من الغلو الذي صاحب هذا الإعلاء المشين للانتماء الضيق، ووصوله إلى حد طرد وتهجير الآخرين من بيوتهم، وقتلهم، ولأنني أحد هؤلاء  المهجرين، أجد نفسي محاصرا بين ما يفرضه وعيي وثقافتي، وبين هذا وذاك الوعي يقودني إلى رد الأمر إلى أسباب سياسية واقتصادية، بينما يسخر الآخرون المحيطون بي، أعني عائلتي وأصدقائي ويرددون: أنت تستحقها مادمت متسامحا إلى هذا الحد.

وحذر اللامي من أن الثقافة تكون خطرة جدا، لو انحرف بها المثقف، وحرفها عن نسقها الصحيح، وبحث طويلا في ضغائن التاريخ وانحرافات الجغرافيا وسيكون المثقف أشد خطر من المواطن البسيط الذي يفهم الانتماء على علاته. علينا التفريق بين الطائفة والطائفية، الأولى انتماء، والثانية تحمل روح إقصاء وادعاء للحقيقة المطلقة، وربما سلاح لسوق القطيع، وفق مصالح ضيقة وأحلام خطرة.

هل يتحول المثقف إلى سيّاف من نوع آخر

الروائي حنون مجيد يقول: لا أظن منظور المثقف إلى الطائفة ثم الطائفية تتناقض مع ثقافته المتسامية على الحدود الضيقة والتسميات الغريبة ذات الأثر الضار والمؤذي على  أكثر من صعيد، فالمثقف أكثر الفئات الاجتماعية وعيا بالمصادر التي تنطلق منها هذه الدعوات الملغومة وأعمق إدراكا بمصلحة المجموع، لأن تلك الدعوات والتسميات غالبا ما كانت رديفا للأزمات الوطنية والاحتباسات السياسية.

ويضيف، بقدر ما تصبح البلاد منفتحة على مشروعها الوطني الواضح، ويأخذ كل ذي حق حقه، بما يتناسب مع فعله الوطني وحاجة الوطن إليه، يسقط من المشروع الثقافي للمثقف شيء اسمه الطائفة والطائفية، ويتحول إلى كائن أثيري يتجول في كل الأنحاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23 شباط/2008 - 15/صفر/1429