المِنْبَرُ الخِطَابيّ الإسْلامِيّ... إلى أيّنْ ؟؟؟.

(الحلقة الأولى)

محمّد جواد سنبه

 إن المنبر الخطابي الاسلامي بصورة عامة، والحسيني بصورة خاصة، يعتبران وسيلتين رئيسيتين لنشر الوعي الاسلامي، والثقافة الاسلامية معاً، إذا ما أحسَن استخدامهما الاشخاص الذين يتولون مخاطبة الآخرين، عبر هذه الوسائل بصفة خطباء او مرشدين. إنّ تعدد وسائل العمل الاسلامي، وثراء مادته وضخامة موضاعاته، لم تستثمر بطريقة علمية، لعلاج واقعنا الاجتماعي المتردي، باستثناء تجربة الشيخ الدكتور احمد الوائلي (طيب الله ثراه)، وبعض الشخصيات الناضجة الأخرى، إلاّ أنّ ندرتها لا تعالج الشرخ الكبير، في جسم وعينا الاسلامي.

لقد استخدمت هذه المنابر، بكفاءة عالية جداً في العراق، (ومن كل الاطراف الدينية الاسلامية)، بعد الاحتلال الامريكي للعراق في 9 نيسان 2003. لكن ليس للتوعية الاسلاميّة، وانّما للشحن الطائفي، وإراقة دماء العراقيين المسلمين وغير المسلمين، وتسقيط المسلمين بعضهم لبعض، استناداً للهوية المذهبية. واشتملت حملة التسقيط مستويات متعددة، كان من اهمها موضوعا العقيدة والفكر. وياليت شعري أ يعلم هؤلاء المسقّطون انهم يهدون الاسلام هداً بأفواههم، ويدمروه تدميراً بالسنتهم ؟. و كان جرّاء هذه الممارسة السلبية، ظهور حالة الانكماش أو التحسس من الاتجاه الاسلامي (هذا التحسس قد لا يبرز بوضوح، في الاوساط الجاهلة من المجتمع، لكنه موجود بوضوح في الاوساط المثقفة والواعية).

فالشرائح الاسلامية الناضجة في الساحة العراقية، تعيش حالة من المراجعة. مراجعة على مستوى القناعات بالشخصيات، التي كانت صورها مرسومة في داخل ذات المسلم الواعي، أو على مستوى مراجعة العمل الاسلامي برمته، وتقييم منجزاته وتأثيراته في الساحة العراقية، منذ سقوط النظام الدكتاتوري ولحد الآن. وعند اجراء موازنة تقيمية بين ما متاح من الوسائل، وما اثمرت النتائج، تكون الموازنة مخيّبة للآمال بشكل مفرط. فالأمر يتطلب من القائمين على العمل الاسلامي، أو المهتمين به (على الأقل)، الكثير من الحكمة والفطنة ونكران الذات، لترميم حالة الاحباط، او الانكسار النفسي التي تعتري المسلمين الواعين لواجباتهم، والمدركين بعمق لمسؤلياتهم. لأن انعكاسات العمل سواءاً كانت سلبية أو ايجابية، فانها تمس صميم واقع المجتمع. فالعجز الذي اصاب الموضوع المركزي لقضية الشعب العراقي (من وجهة نظر اسلامية، باعتبار ان الاسلاميين هم الأكثر تضرراً والاكثر تضحية من بين العراقيين). فكان المتوقع أن يظهر خطاب اسلامي سياسي، بعد احداث 9 نيسان2003، يملأ فسحة الفراغ الكبيرة جداً، الحاصلة في النشاط المعرفي والفكري للانسان العراقي المسلم. وإذا ما صاحب هذا الفراغ في النضج والوعي، (عند الكثير من المسلمين العراقيين)، واقترانه بعدم وجود رؤية سياسية مستقبلية مستقلة، عند الكثير ممن يتبنون العمل السياسي الاسلامي، اضافة إلى توفر مساحة كبيرة، من حرية إبداء الرأي والتعبير، واذا ما زيد إلى هذه العوامل، عامل غياب القيادة الناضجة، والذي يعتبر هو المحور الرئيسي، في تحريك أيّة قضية بالاتجاه الصحيح، لغرض تحقيق الاهداف المرسومة سلفاً، فمن المؤكد سيكون الحال مأساوياً.

 ومن غير المستبعد على الاطلاق ان تستثمر جماعات معينة، هذا الخلل لتؤمّن من خلالة غطاءاً لتحركاتهم ونشاطاتهم، باسم الاسلام، كما حصل مع جماعة جند السماء سابقاً، وجماعة اليماني التي ظهرت قبل ايام في محافظتي البصرة والناصرية (أنصار المهدي هم من أتباع رجل يدعى أحمد بن الحسن اليماني يزعم أنه النائب الخامس للإمام المهدي المنتظر، وأنه أحد رسله الذين يسبقون ظهوره في آخر الزمان)(العربية نت). إن اجتماع هذه الخلطة من العوامل المختلفة اسهمت بانتاج، خطأً كبيراً لا يمكن تجاهله، هو زعزعة ثقة المسلم بفاعلية العمل الاسلامي، إن لم نقل ارتباك ثقته بالاسلام.

 إن الاسلام يختلف عن بقية العقائد الأخرى، بامتلاكه مشروعاً شمولياً للحياة، يتحرك بكفاءة عالية بين مفرداتها المختلفة، راسماً بصماته عليها بشكل جلي و واضح. وإذا ما فشل الاسلاميون في تصحيح مسار العمل الاسلامي، ليلبي احتياجات المسلم، ويجيب عن الأسئلة التي تتطلب إجابة قوية وواضحة ومقنعة، فإنّ الاسلام سيُصَوّر في أذهان الكثير، إنّه أشبه ما يكون بمجموعة كبيرة من التعاليم اللاهوتية، التي لا يمكن تطبيقها ابداً على أرض الواقع. وهذا ما يريده بالضبط أعداء الاسلام. إنّ الخلل كبير والمهمة الاصلاحيّة صعبة (وإن لم تكن مستحيلة).

وسيكون تشخيصنا اكثر دقّة عندما نلمس أنّ العراق، ساحة جيدة لاستقبال تاثير العمل الاسلامي. وهذه الساحة تحمل تجربة قاسية، ومن المفروض ان يخرج منها المسلم، أصلب عوداً و أعظم شكيمة، إذا ما أخذنا في نظر الاعتبار، البعد الروحي الذي تنتجه جغرافية المراقد المقدسة، لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، المرتبطة بتاريخ فكري واسلام حركي، يتصل بعواطف مجتمع عاشق ومتجاذب بانفعال، مع رموزه العقائدية والروحية والفكرية. الخلل الكبير موجود في منظومة التوعية الاسلامية عامة، ومنظومة القائمين على التوعية بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) خاصة، وعجزهما من التواصل الفكري والثقافي مع الجماهير المتلقية، وفشلهما في اختراق الحواجز الفكرية، التي أنتجتها الثقافات الأخرى. وللموضوع صلة في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى. 

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 20 شباط/2008 - 12/صفر/1429