عقود نفط كوردستان.. سرقة لا سقف لها ولا قاع

الجزء الثاني

علي الأسدي

 أشرت في الجزء الاول من مقالتي السابقة بأن عقود النفط الموقعة من قبل وزير الموارد الطبيعية لأقليم كوردستان السيد هاورامي، تعتبر سابقة خطيرة في تاريخ عقود النفط، لكونها مخالفة للدستور الاتحادي، حيث ينص صراحة على ان " النفط ملكا الشعب العراقي حصرآ". وبناء عليه تفقد تلك العقود شرعيتها وتصبح وكأنها لم تكن. واعتمادا على هذا تعتبرالاطراف المتعاقدة مسؤولة عن التصرفات التي تقوم بها تنفيذا لتلك العقود وتخضع للمسائلة القانونية

واخطر ما يمكن توقعه من الاصرارعلى مثل هذه العقود التي تفضلها شركات النفط، أن يكون السيد هاورامي وكيلا معتمدا للشركات النفطية الاجنبية، ليزرع في العراق هذه النبتة المسمومة المتمثلة في عقود الشراكة في الانتاج، بصفقة اشبه بتلك التي يعقدها اللصوص فيما بينهم، في سابقة لم يحدث مثيلا لها في تاريخ الاتفاقات النفطية منذ صدور(  قانون رقم 80 لسنة 1961 ) الذي اصدرته حكومة ثورة 14 تموز1958.

أن العديد من المختصين في السياسة والعلاقات الدولية والخبراء في شؤون النفط، قد عبروا عن ارائهم في التوترات السياسية القائمة حاليا بين بغداد و اقليم كورد ستان بشأن الصلاحيات،   والتعاقد مع شركات النفط الدولية على نشاطات تقع في مناطق تابعة لمحافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى،وايضا بخصوص عقود الشراكة في الانتاج المثيرة للجدل.

ففي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست للباحثان مايكل اوهانون وعمرتاسبينارمن( معهد بروكينغز للدراسات في واشنطن) في عددها ليوم الاحد 3/02 الجاري، حذرا القيادة الكردية في اقليم كوردستان من مغبة ما وصفاه بأحلامهم القائمة على الاستقلال عن العراق والاستئثار بكركوك، وحثاهم على التحلي  بالواقعية  للحيلولة دون  تفتيت العراق.

واتهم الخبيران الاكراد باعاقة جهود التوصل الى توافق سياسي بين الطوائف الرئيسية وبشكل متزايد مما ستكون له اثار خطرة على العراق وجيرانه وكذلك الولايات المتحدة. واكدا أن امكانية النجاح في العراق تعتمد على تقديم تنازلات في القضايا الخلافية، وتحديدا في مسألتين.

الاولى/ تتمثل بسعي الاكراد لأستغلال حقول النفط في كردستان بالتعاون مع شركات نفط اجنبية من دون التنسيق مع الحكومة العراقية في بغداد، على الرغم من أن الدستور العراقي يشترط موافقة بغداد،.

الثانية/ هي عزم الاكراد على ضم محافظة كركوك الى اقليم كوردستان والسيطرة على حقولها النفطية.

واشار الباحثان في مقالهما الى أن الاكراد يرتكبون خطا فادحا عندما يتصورون انهم سيكونون بمنأى عن اية مشاكل في حال تم تقسيم العراق، وعليهم أن يدركوا جيدا أن تركيا التي تضم 15 مليون كردي تتعامل باعصاب مشدودة للغاية حيال استقلال كردستان، وان الحرب الكردية التركية ليست قدرا محتوما. وحث الخبيران الاكراد على اعادة النظر بسياساتهم والتعامل بانصاف مع الولايات المتحدة التي منحتهم فرصة للمساعدة في اعادة بناء العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، والعمل على ما فيه صالح اقليم كوردستان والدول المجاورة.

أن الاراء التي عبر عنها هذان الباحثان لا تعبرعن قناعة شخصية بقدر ما تمثل رأيا عاما  لغالبية فقهاء السياسة ورجال الفكر والعلاقات الدولية. ولايمكن اعتبار وجهات النظر المعلنة في الواشنطن بوست بالمنعزلة ويمكن تجاهلها، كما لا يمكن ايضا تصنيفها باعتبارها معادية لا تصب في مصلحة الشعب الكوردي.  بل بالعكس، هي الاقرب والاكثر واقعية  للتعامل مع طموح الاكراد لتحقيق امانيهم ضمن العلاقات والظروف السياسية والاثنية الراهنة في العراق وفي المنطقة. ومن الخطأ اهمالها والانقياد بدلا عن ذلك  صوب المغامرات المفتوحة  على المجهول.

الخبيرالعراقي النفطي السيد سعد الله الفتحي رئيس المؤسسة العامة لتصفية النفط وصناعة الغاز ومدير دراسات الطاقة في (اوبك ) سابقا- يعارض الصلاحيات التي منحها لنفسه اقليم كوردستان في التعاقد مع الشركات النفطية دون الرجوع والتنسيق مح الحكومة المركزية.

ولاحظ ان قانون نفط اقليم كوردستان اقر في 6/08/2007 خلال يومين من تقديمه لمجلس نواب الاقليم،ومباشرة بعد ذلك اعلن عن العقود الجاهزة ومن ثم التوقيع عليها فعلا. مما  يعني أن هناك محاولة مسبقة لخلق واقع معين على الارض والضغط باتجاه تعديلات اضافية في مسودة قانون النفط للاقليم واجبار مجلس النواب على اقرارها بشكل يجرد الحكومة المركزية  في بغداد من أي  سيطرة فعلية على موارد البلاد. ويتسائل:

هل يعقل أن يقوم الاقليم بتوقيع 15 عقدا خلال فترة لا تتجاوز ستة اسابيع؟؟.

وبحسب الخبير فأن قانون النفط  لاقليم كوردستان والعقود الموقعة بموجبه قد قادت الى تجاوز على حدود المحافظات وخاصة نينوى وديالى وصلاح الدين،وقيام سلطات الاقليم بمنع النشاط النفطي الذي كانت تقوم به وزارة النفط الاتحادية في تلك الماطق.

حيث تم ايقاف عمل الفنيين التابعين لوزارة النفط الاتحادية من نصب معدات تطوير(حقل خورمالة) الذي هو جزء لا يتجزء من حقل كركوك. ثم قامت سلطات الاقليم لاحقا بمنح الحقل المذكور الى" شركة نفط كوردستان الوطنية"، كمرحلة اولى تمهيدا لمنحه الى شركة نفط اجنبية.

والشيء ذاته يمكن قوله عن( حقل كورمور) الغازي الذي كانت وزارة النفط الاتحادية  تعمل على ربطه عن طريق( حقل جمبور) بمجمع غاز الشمال في كركوك، لزيادة الغاز المغذي للمجمع بقصد انتاج المزيد من الغاز الجاف والغاز السائل. الا أن حكومة الاقليم وقعت عقدا منفصلا لتطويرالحقل بصورة مستقلة مما سيؤدي الى اهدار المبا لغ المستثمرة في الحقل فعلا والتي ستبقى عاطلة في مجمع غاز الشمال، اضافة الى التجاوز على حدود محافظتي صلاح الدين وكركوك.

ويبدي خبير النفط العراقي السيد محمد علي زيني من مركز دراسات الطاقة العالمية الذي مقره بالعاصمة البريطانية، مخاوفه من أن الاستراتيجية النفطية الكردية يمكن أن تؤدي الى نتائج عكسية، وان كوردستان تعرض نفسها لهجمات غير ضرورية، ولا يعتقد أن المسؤولين في كردستان سيكونون قادرين على الافلات من هذه الازمة اذا ما واصلوا التحدي، لان كوردستان محاطة باليا بسة في وقت هي بحاجة الى تصدير النفط. واذا ما اصرت الحكومة العراقية أن تكون صاحبة الكلمة الاخيرة، فلا يعرف كيف سيكون الكرد قادرين على تصدير النفط مالم يعقدوا صفقة مع تركيا، ومن الواضح أن مثل هذه الصفقة غير منظورة او محتملة.

ووفق صحيفة الاندبندنت البريطانية المستقلة، أن الشركات النفطية الكبرى تتجه حاليا الى عدم وضوح سياستها حيال كوردستان لانها تتخوف بشكل بعيد من اغضاب وزارة النفط العراقية التي تهيمن على الحقول العملاقة في جنوب العراق. ومعظم الشركات الكبرى بضمنها( شل و شيفرون) وغيرهما، قدمت عروضا اولية لوزارة النفط في بغداد في اواخر كانون الثاني لعقد اتفاقات خدمية تقنية لتطوير حقول النفط في الجنوب.

أن وزيرالموارد الطبيعية لاقيم كوردستان يدعي، أن ارباح الشركات المتعاقد معها لن تتجاوز 15%.  في  و قت تدور بين المهتمين في العقود النفطية اخبارا اكثر مصداقية. فقد ذكر ان العقد الموقع مع ( د ن و) النرويجية قد منح نسبة  ربح بلغت 40% وليست 15 % من ارباح العمليات كما اعلن الوزير،وان هذ النسبة قد تم رفعها في العقود اللاحقة مع هذه الشركة. و لأن السيد الوزير لم يتحدث عن ذلك ولا يريد أن يتحدث لأن تفاصيل مثل هذه العقود ستبقى سرية حسب رأيه، لكنه سيعرف لاحقا انه على خطأ.

نشير على السيد الوزير أن يقرأ  العقود النفطية جيدا قبل أن يوقعها، وليته يستعين بأخرين من العراقيين الوطنيين ذوي الخبرة والنزاهة، والا فأن خارطة كورد ستان التي يعلقها على صدره اينما ذهب ستكون حديقة خلفية للشركات النفطية الاحتكارية. ففي دراسة اجراها الخبير النفطي العراقي في وزارة النفط الاستاذ طارق شفيق نشرت في صحيفة الحياة البيروتية بتاريخ 3/10/07  توقع عائد الاستثمار الداخلي لهذه العقود بين 60 –  99 %  لحقل ذي احتياطي يبلغ مليون برميل. وعائد استثمار بين 70 – 115 % لحقل ذي احتياطي 2 مليون برميل بسعر نفط !  يتراوح بين 35- 70 دولارا للبرميل الواحد على التوالي.

وفق هذه النتائج يتبين حجم ما ستحققه الشركات النفطية  من ارباح مجانية لها وفق عقود السيد هاورامي، الذي لا يقول الحقيقة لشعب كوردستان او شعب العراق. فهو يستطيع أن يوزع ما يشاء من وعود لا واقع لها ابدا لا في الحاضر ولافي  المستقبل.

أن عقود النفط الموقعة ليست شرعية  كما بينا سابقا،ولأنها وقعت بناء على اتفاق ثنائي بين السيد هاورامي والشركات النفطية كل على حدة دون المرور بعملية استدراج العروض. واذا ما رغبت الشركات المتورطة في هذه العقود أن تعمل في العراق وفق الدستور، عليها أن تفتح مفاوضات جديدة بعد اتباع الاساليب الاصولية من خلال المشاركة في عملية استدراج العروض والمفاضلة بينها التي اعلنت عنها وزارة النفط الاتحادية في الصحافة العالمية.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19 شباط/2008 - 11/صفر/1429