عين التمر في كربلاء.. مدينة سياحية واثرية

كربلاء/ مرتضى توفيق

شبكة النبأ: يقع قضاء عين التمر على بعد 85 كم عن كربلاء المقدسة، وعندما تقطع الصحراء يمكنك ان تتصور حكايات عظمية وتاريخية في تلك المنطقة.. و عين التمر تجدها لوحة خضراء في وسط لون رمادي، لوحة أرادها الله أن تكون شاهداً على قدرته حين فجّر عيوناً تجري فيها المياه العذبة لتسقي أرض تنتج انواعاً مختلفة من الأشجار والثمار.

  يمكننا ان نعدها من المدن السياحية الاثرية حيث تمتد جذورها الى ما قبل الاسلام بنحو أربعة آلاف سنة.. حين كانت ممراً للقوافل والحجيج والتجارة والحروب والملوك، وكانت دار أستراحة للمبشرين حين ينتبذون مكاناً تحت نخيلها وأشجار تفاحها ويشربون من ينابيع عيونها.. 

وقد أندثرت المدينة القديمة بفعل عوامل عديدة لعل ابرزها انحسار المياه عنها، وكذلك تفشي مرض الملاريا الذي قضى على معظم أهلها، والمدينة المسماة اليوم بـ (عين التمر) هي قرية من قرى عين التمر في الماضي والتي تدعى أيضاً بـ(شثاثة) وهي كلمة آرامية تعني (الرائقة الصافية) وقد تم تغيير اسم المدينة عام 1938 من شثاثة الى عين التمر تخليدا لمدينة عين التمر التاريخية المندرسة التي كانت من احسن المراكز العسكرية، فقد كانت حصناً منيعا للفرس قبل الإسلام، وحصناً إسلامياً حتى زمن اندثارها.

وقد امتازت عين التمر بعيونها المائية المعدنية التي يخرج الماء من اعماقها ويجري حتى يصل الى مسافات بعيدة ليسقي الأراضي الزراعية، ويصل عمق الماء في هذه العيون قرابة أربعة أمتار او أكثر، وتحتوي عيونها على الكلوريدات والكبريتات.

 العيون المائية والمناطق الاثرية

 (عين السيب) ويقال أن التسمية (السيب) جاءت من اللفظة الفارسية (سيب) ومعناها (التفاح) وذلك لكثرة أشجار التفاح القريبة منها، ويقال أيضاً انها تعني بالعربية (مجرى الماء) وبسبب انسياب الماء من الأعلى الى الأسفل سميت بعين السيب من (الانسياب) وهذه العين محاطة ببساتين النخيل والفاكهة وخصوصاً أشجار التفاح، وهي تقع في الطرف الشرقي من المدينة وشكلها بيضوي، وكثيراً مايستحم بها لبعدها عن القرى والمارة.

  أما العين الأخرى الكبيرة فهي (العين الحمراء) أو (العين الحمرة) ويقال انها سميت الحمراء نسبة الى الأرض المسماة (الحمرة) الموجودة فيها، أو لأن لونها يميل الى اللون الأحمر. وكذلك عين الزرقاء وعين أم الكلواني وعين أم طير وعين بيت السمينه وعين السورة والقيامة وعين جفه وعين المالح.

امتاز قضاء عين التمر بوجود مناطق أثرية ومقامات كثيرة لأهل بيت النبي محمد (ص) مثل مقامات الأئمة، علي (ع) والحسن (ع) وزين العابدين (ع) والنبي أيوب (ع) وبنات الإمام الحسن (ع) وسدرة الإمام علي (ع)، ومقام (خسيف) قرب المدينة بمسافة 3 كم، وهو مكان رجوع السبايا من الشام ومبيتهم فيه.. بالاضافه الى مرقد السيد احمد بن هاشم وقطارة الامام علي (ع).

وكذلك امتاز القضاء بكثرة النخيل وتنوع التمور ولم تكن عين التمر حديثة العهد بزراعة النخيل، فقد كان النخيل حتى في المدينة المندثرة مصدرا مهما في أنتاج التمور وتصديرها وقد ذكرت (المس بل) في كتابها المعروف، ان عدد النخيل في شثاثة عام 1924 يبلغ 170 ألف نخلة، ولأن مدينة عين التمر تقع داخل الواحة التي يغطي النخيل معظم مساحتها المزروعة والبالغة 64352 دونم، فقد صارت هذه المنطقة المجهز الرئيسي للتمور، حيث بلغت نسبة تجهيز المدينة من واحة عين تمر 85% ومن واحة الرحالية القريبة منها 15% ويبلغ إنتاج الواحتين 12 - 14 ألف طن سنوياً، وهو من اجود انواع التمور مثل الزهدي، الخستاوي، البربن، عوينة أيوب ، أدكلة أسيود، وغيرها.

  لقد لعبت شجرة النخيل دوراً كبيراً في تأطير حياة هذه المدينة الصحراوية، حيث تكاد تعتبر اشجار النخيل عصب الحياة فيها، فضلا عن الاستفادة من ثمرها الذي يعتبر من أجود اصناف التمور، أما اليوم فان نخيلها الباسق يعاني من الأمراض شأنه شأن نخيل العراق بشكل عام الذي عانى الاهمال المتعمد أيام النظام البائد وقد أخذت منه حشرة الدوباس والحميرة الشيء الكثير.

 الفرص الاستثمارية

 من أهم الفرص الاستثمارية في القطاع الصناعي لقضاء عين التمر هو (النفط) الذي ثبت علمياً وجوده في أراضي منطقة (خضيرة) التي تبعد عن مركز القضاء  22 كم، عن طريق الملاكات الهندسية التابعة لوزارة النفط وتتمثل بمجموعة من الآبار بخزين ستراتيجي جاهزة للاستخراج بين عامي (1988-1990).

  كذلك وجود المواد الأولية لصناعة الأسمنت مثل توفر مادة حجر الكلس وتراب الحديد بكميات كبيرة جداً ولقربها من سطح الأرض يسهل أستخراجها ويمثل فرصة أستثمارية متكاملة في إنشاء مجموعة من معامل الأسمنت كما أستفادت من ذلك الشركة العامة للأسمنت الجنوبية وأنشأت أضخم معمل للأسمنت ضمن الحدود الإدارية لقضاء عين التمر.

  شهد قضاء عين التمر تنفيذ العديد من المشاريع بعد سقوط النظام، ستطال كافة المفاصل الحيوية فيها. 

يقول فلاح حسن عطية رئيس لجنة الاعمار ومسؤول مشاريع القضاء.. قد شهد قضاء عين التمر حملة إعمار واسعة شملت معظم مرافقه الحياتية.. واشار الى ان هذه المشاريع  تم تمويلها من مبالغ برنامج تنمية الأقاليم وتسريع الاعمار.. منها انشاء بناية للاتصالات تحتوي على بدالة (كورية) تزود 3 آلاف خط هاتفي وستشمل جميع مناطق القضاء، اضافة الى تجهيز دائرة الكهرباء بمواد احتياطية كمحولات واسلاك وأعمدة حديدية وأستبدال خطوط نقل الطاقة لمجمعات الماء الصالح للشرب.

 اما فيما يخص القطاع التربوي فقد تم بناء ثلاثة اجنحة في مدارس مختلفة وكذلك صيانة مرقد الامام أحمد بن هاشم (ع) وإنشاء عدد من السيطرات على الطرق الخارجية وبناء مركز صحي متطور رصدت له مبالغ من الدول المانحة فضلا عن تجهيز المستشفى باجهزة والمعدات الضرورية لها واكساء الأزقة بالقضاء.. وسيتم بناء ردهات في مستشفى عين التمر بالاضافة الى مجموعة مشاريع رياضية تقدر بـ( 40) مليون دينار وتبليط طريق المالح وكذلك تجهيز محطة كهربائية (33-11) وتحسين الشبكات الكهربائية في القضاء خلال ميزانية عام 2008.

 ويضيف عطية.. ان هناك مشاريع اخرى تشمل مشروع الري بالأنابيب لمساحة 2000 دونم وإكمال بناية دائرة الأنواء الجوية.

   كما واشار رئيس لجنة الاعمار.. هناك المشاريع المستقبلية التي نعمل على انجازها بالاشتراك مع الدوائر ذات الاختصاص وهي.. اكمال دراسة قناة المياه من سدة الرمادي على نهر الفرات، كذلك الاستثمار لأهم الموارد في القضاء سواء (صناعة الأسمنت، المواد الإنشائية الأخرى، القطاع السياحي) وإنشاء قرية زراعية عصرية في منطقة (القصير)، واكمال صيانة الطريق بين المحافظة والقضاء ونصب محطة كهرباء متنقلة في منطقة الأخيضر وإكمال مشروع الطريق الحولي للقضاء بمسافة 6 كم وتطوير المدخل، ونطمح بإنشاء مدينة رياضية وكراج موحد نموذجي والمجمع العدلي وعدد من الدوائر في القضاء، بالاضافة الى تطوير كمية ونوعية الخدمات (البلدية، الماء، الكهرباء) بصورة عامة.

كما نطالب بزيادة التخصيصات المالية والتي تحسب فقط على أساس الكثافة السكانية بغض النظر عن بعد القضاء عن مركز المحافظة ومساحته الشاسعة التي تشكل 30% من مساحة المحافظة والحيف الكبير الذي لحق بدوائر القضاء الخدمية في ظل النظام السابق والأهمية الجغرافية والتاريخية والاجتماعية باعتبارها جزءاً من المجتمع الكربلائي الرصين.

جفاف العيون وامدادات الماء

  ان قضاء عين التمر ظهر الى الوجود من خلال العيون المائية التي حولت الصحراء الى واحات خضر، وخوفاً من المجهول ومستقبل البحيرات، فقد بادرت الكوادر الهندسية في القضاء الى محاولة إيجاد السبل المناسبة لانقاذها، يقول منعم سطاي قائم مقام القضاء.. ان دائرة الموارد المائية قد بدات بحفر آبار، وقد تم تشكيل لجان من دائرة البيئة وشركة حفر الآبار وبعض الدوائر ذات الإختصاص والعمل على تحديد العلاجات اللازمة لهذا الغرض، حيث أن بعض الاراضي تعاني من عدم وصول الماء إليها ، فقد قامت دائرة الموارد المائية بايصال مياه السقي من خلال أنابيب تربط على العيون وتصل مباشرة الى الأراضي حتى لا يتم هدر كميات المياه الزائدة، وتم وضع اقفال لمنع التلاعب بإيصال المياه الى جميع الأراضي وللحفاظ على مياه العيون وهي عين الزرقاء والحمراء والسيب وعين أم الكلواني وعين أم طير وعين بيت السمينه وعين السورة والقيامة وعين جفه وعين المالح.

  وعن دور القضاء في معالجة الجفاف، قال فلاح عطية.. قد خصصت الوزارة مبالغ لوضع دراسة لفتح قناة من سدة الرمادي باتجاه القضاء، ويعتبر هذا المشروع من أهم متابعاتنا مع الوزارة، كذلك البدء بمشروع الري بواسطة الأنابيب وهو من المشاريع الريادية ويغطي مساحة 2000 دونم في مرحلته الأولى وسيتم زيادة الري الى 12000 دونم كمرحلة ثانية.

 هذا هو قضاء عين التمر، قضاء كبير بحجمه ولكنه ينظر بعين الأمل ان تصل اليه مراحل الاعمار، ولأن القضاء الذي يشكل واجهة جميلة خضراء وسط الصحراء وأنه مرفأ سياحي لو أستغل بطريقة أفضل، وتبقى طيبة أهله هي مفتاح الخير والأمان لكل من يدخل اليه. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 13 شباط/2008 - 5/صفر/1429