الأمن والحريات المدنية يدخُلان حلبة الصراع الانتخابي في امريكا

شبكة النبأ: يبدو ان السجال الذي يدور بين الديمقراطيين والجمهوريين منذ نهاية عام 2005 حول برنامج التنصت السري على الأمريكيين في الداخل والخارج والذي وضعته ادارة الرئيس بوش بالتعاون مع وكالة الأمن القومي منذ عام 2002، قد دخل الآن مزاد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فالديمقراطيون يصرون على انه يمكن تحقيق الأمن مع حماية الحريات المدنية للمواطن الامريكي ومنع التجسس عليهم دون إذن قضائي مسبق، بينما يقابلهم الجمهوريون بالحديث عن هاجس الأمن ومنع تكرار التهديدات الإرهابية داخل امريكا وبما يحفظ الهامش الأكبر لحريات المواطنين ويكفل للرئيس ممارسة احد حقوقه الدستورية وسلطاته الرئاسية. بحسب تقرير واشنطن.

مضمون مشروع القانون الجديد

ارتفعت وتيرة هذا الجدل بشكل تصعيدي بعد أن صوت مجلس النواب، وعلى عكس رغبة إدارة بوش يوم 15 نوفمبر الماضي وبموافقة 227 عضوا مقابل اعتراض 189 على مشروع قانون جديد تبناه بعض النواب الديمقراطيون، يقضي بحماية خصوصية الأمريكيين وحرياتهم المدنية لدى اعتماد برامج التجسس والتنصت على المشتبه بهم في الداخل أو من يقيمون علاقات أو اتصالات مع إرهابيين بالخارج، حيث يقر القانون حماية الأمريكيين وحظر استهدافهم تحت ذريعة استهداف الأجانب، وإذا أرادت الوكالات الاستخباراتية في الولايات المتحدة استهداف مواطن أمريكي حتى ولو كان يقيم في الخارج، فإن عليها الحصول على إذن قضائي يستند إلى أسباب وجيهة تبرر الاستهداف بعملية التنصت.

ويتضمن المشروع بعض الضمانات الجديدة لمنع التنصت على الأمريكيين بما يخالف قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية The 1978 Foreign Intelligence Surveillance Act (FISA) الذي أقره الكونجرس عام 1978 والذي وضع إجراءات تحقيق الأمن الوطني، بما فيها التنصت على المكالمات، تحت نظام تشرف عليه محكمة خاصة.

ويطرح المشروع العديد من الضوابط القانونية للرقابة على الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني للأمريكيين بالداخل لحماية خصوصية الأمريكيين بحيث يتطلب الأمر إذنا قضائيا مسبقا من المحكمة الفيدرالية السرية التي تأسست منذ 30 عاما لهذا الغرض، أي لمراقبة اتصالات أي شخص يشتبه به داخل الولايات المتحدة.

وفي نفس الوقت يسمح مشروع القانون بالتحرر من القيود المفروضة على مراقبة الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني لأهداف وأشخاص استخباراتية بالخارج مع زيادة الدور المنوط بالمحكمة السرية الخاصة بمراقبة الاستخبارات الخارجية، أما لو وجدت احتمالات أن تكون الأهداف الخارجية لها ارتباط أو علاقة مع أشخاص داخل الولايات المتحدة فإن السلطات الخاصة تتبع ما يسمى المظلة التحذيرية "blanket" or "umbrella" warrant حيث يسمح للحكومة الحصول على إذن محدد بتنظيم المراقبة على أهداف متعددة.

ويمنع القانون أيضا الرئيس القادم من اتخاذ أية خطوات أو إجراءات خاصة بالرقابة الإلكترونية خارج نطاق هذا القانون الجديد أو تخالف الإجراءات الواردة في قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية.

ومن المنتظر أن يعرض المشروع الجديد للتصويت في مجلس الشيوخ في الأيام الأولى من ديسمبر الجاري بعد انتهاء لجنتي الاستخبارات والقضاء بالمجلس من النقاشات حوله.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ قد تراجعت عن قرارها السابق والمؤيد للإدارة بشأن السماح للجهاز التنفيذي برصد الاتصالات الإلكترونية للمواطنين الأمريكيين، ووافقت على المشروع الجديد وإن لم تطلب من الجهات الحكومية الحصول على تراخيص قضائية للتنصت على الإرهابيين الأجانب المشتبه بهم، بل عززت الرقابة القضائية على الإجراءات التي يتم بها التنصت على الأمريكيين.

ويجري سجال آخر داخل اللجنة القضائية بالمجلس ربما يجعل إدارة بوش تتخلى عن إصرارها على جعل الرقابة على الأشخاص المشتبه فيهم دائمة بدلا من أن تكون ستة أشهر.

وفي كل الأحوال، فإن هذا المشروع الجديد يمثل تحولا كبيرا في موقف الديمقراطيين من هذه القضية، فبعد الكشف في أواخر عام 2005 عن أمر رئاسي سري لوكالة الأمن القومي للرقابة على الأمريكيين وغيرهم داخل الولايات المتحدة للبحث عن النشاطات الإرهابية دون قرار قضائي، عقدت العديد من جلسات الاستماع بمجلسي الكونجرس لمناقشة هذه القضية.

وفي يناير 2007 وافقت الإدارة على أن تخضع الرقابة الإلكترونية للإرهابيين لموافقة محكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية وأنها لن تطلب سلطات إضافية مستقبلية فيما يتعلق بالمراقبة، ثم صدر قانون حماية أمريكا في 5 أغسطس 2007، وافق عليه مجلس النوَاب بأغلبية 227 مقابل 183 صوتا ووافق عليه مجلس الشيوخ بأغلبية 60 صوتا مقابل 28، ويقضي بتحديث قانون "التنصت الاستخباراتي الخارجي"، ويخول لوكالة الأمن القومي ولمدة ستة أشهر فقط، أي حتى الأول من فبراير 2008، الرقابة على اتصالات الأفراد داخل الولايات المتحدة وخارجها دون الحصول على إذن قضائي مسبق ولا يشترط سوى موافقة مدير الاستخبارات القومية والنائب العام.

لكن الديمقراطيين عادوا في 20 أكتوبر الماضي لطرح مشروعهم الجديد، والذي قوبل برفض الجمهوريين عبر إطالة النقاشات والتهديد بالانسحاب من الجلسة قبل موعد التصويت، ليعيد الديمقراطيون الكرًة مرة ثانية وتتم موافقة مجلس النواب على المشروع الجديد.

البيت الأبيض واستخدام حق "الفيتو"

حاول الديمقراطيون عبر هذا المشروع القيام بإعادة مراجعة شاملة تفند ادعاءات بوش بموافقة الكونجرس على استخدام حقه وسلطاته في استخدام القوة العسكرية واعتماد برامج تنصت داخلي وخارجي لمراقبة من يشتبه في أنه إرهابي أو على صلة بالإرهابيين منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي يرى الديمقراطيون أنها إجراءات جاءت مخالفة لقانون مراقبة الاستخبارات الخارجية وللتعديل الرابع من الدستور الأمريكي الذي يفرض على الحكومة الحصول على إذن قضائي مسبق قبل الاطلاع على البريد الإلكتروني للمواطنين، أو التنصت على مكالماتهم التليفونية، كما يفرض عليها تحديد الهدف من المراقبة وما تتوقعه منها.

وبينما يرى الديمقراطيون أن هذا المشروع يوازن بين تحقيق الأمن وصيانة الحريات المدنية للأمريكيين، كما تقول رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي Nancy Pelosi بأنه "لا رئيس يجب أن يخول سلطة جمع معلومات استخباراتية حول الأمريكيين إلا تحت طاولة القانون"، فإن الرئيس بوش علق في خطاب له عقب إقرار المشروع بالقول: "لقد مرر الديمقراطيون هذا المساء قانونا سوف يضعف من قدراتنا على حماية الأمة من التهديدات الخارجية".

وجاءت تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرنو Dana Perino لتؤكد على أنه في حال تم تمرير المشروع أيضا بنفس الصيغة في مجلس الشيوخ فإن الرئيس سوف يستخدم حق النقض "الفيتو" لمنع تمريره لأن المشروع "يفشل جهود وأدوات المجتمع الاستخباراتي التي يحتاجها لكشف الإرهابيين، وهو لا يقدم حماية للشركات التي تعاونت مع الإدارة لحماية أمريكا منذ هجمات 11 سبتمبر 2001".

ويرى البيت الأبيض أن مراجعة الديمقراطيين الشاملة لقانون مراقبة الاستخبارات الخارجية تعتدي على وتقلص صلاحيات رئيس الجمهورية، ويعتقد البيت الأبيض بضرورة إعادة صياغة وقراءة القانون بما يناسب التطور التكنولوجي الراهن في وسائل الاتصالات التي باتت أكثر تعقيدا عن وقت إقرار القانون عام 1978 حيث لم يعد الاعتماد يقوم فقط على الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار التي تعينها على التقاط محتوى الرسائل والمكالمات الهاتفية المتبادلة بين طرفين أجنبيين في دولتين مختلفتين، بعد أن طرأ تحول جوهري على وسائط الاتصال الحديثة، بفضل إدخال تكنولوجيا الألياف البصرية عليها مؤخرا إذ لم تعد المحادثات تنتقل عبر الهواء، وإنما عبر هذه الألياف. وهذا ما دعا وكالة الأمن القومي إلى اللجوء لاستخدام تكنولوجيا الخطوط الأرضية الهاتفية.

ودستوريا، لا يزال الرئيس بوش يدافع عن موقفه بشأن المراقبة السرية على الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني لأشخاص مشتبه بهم داخل الولايات المتحدة دون الحصول على إذن قضائي لأن ذلك يدخل في صميم صلاحياته الرئاسية واختصاصاته الدستورية لأنه ينفذ مبدأ أو عقيدة أسرار الدولة State Secrets Doctrine المعتمد منذ نصف قرن، والذي يقتضي قيام الرئيس بتجاوز التوازن بين السلطات لحماية معلومات تتعلق بالأمن القومي وعدم كشفها أو إذاعتها لمحاكم الادعاء أو للمراقبين من الكونجرس.

وهذا الرأي الذي يبديه بوش يفتح الباب واسعا في الأيام المقبلة لتفسيره ومدى قانونيته أمام كل من المحاكم الفيدرالية والكايبتول هيل، حيث يتم الرجوع إلى قضايا مشابهة في بعض المحاكم الأمريكية للحكم على صحة هذا الادعاء من عدمه.

جدل حول حصانة شركات الاتصالات

من جانب آخر رفض النواب الديمقراطيون مطلب الرئيس بوش إعطاء حصانة لشركات الاتصالات التي لعبت دورا في برنامج التجسس الداخلي على الأمريكيين وألا تتم ملاحقتهم قضائيا أو ترفع عليهم دعاوى قضائية تطبيقا لمبدأ عدم تطبيق القانون بأثر رجعي، وأكدوا أنهم لن يعطوا أية حصانة لهذه الشركات حتى يثبت عدم مخالفتها أي قانون ينتهك حرية الأمريكيين.

ويذكر أن نحو 40 دعوى قضائية رفعت فعليا ضد عدد من شركات الاتصالات الأمريكية بسبب اشتراكها مع الإدارة في التجسس على الأمريكيين دون وجود إذن قضائي مسبق، من بينها AT&T, Verizon and Sprint Nextel Corp، وتتهم هذه الشركات بانتهاك حرية الأمريكيين في ظل برنامج التجسس السري الذي أقرته إدارة بوش منذ عام 2002.

وقد قررت لجنة القضاء بمجلس الشيوخ يوم 16 نوفمبر بأنه لن تعطي أية حصانة لهذه الشركات إلا بعد إجراء مناظرة طويلة بقاعة المجلس كما ذكر رئيس اللجنة السيناتور الديمقراطي باتريك لاهي Patrick Leahy، كما رفضت هيئة المستشارين بالمجلس أي محاولة لنزع مراجعة الحصانة خارج نطاق مشروع القانون الجديد لأن إعطاء الحصانة برأي لاهي هو "شيك على بياض" لإدارة بوش يوفر لها مسوغا لتبرير برنامجه للتنصت السري على الأمريكيين.

بينما يرى رئيس الجمهوريين في هيئة الاستشاريين السيناتور آرلين سبيكتر Arlen Specter أن الحالات القائمة حاليا أمام بعض المحاكم الأمريكية سوف تكون السبيل الوحيد للكونجرس ليعلم من المصيب ومن 

المخطأ في هذه القضية. ويؤيده ممثل الجمهوريين في اللجنة القضائية بمجلس النواب العضو لامار سميث Lamar Smith بقوله: هذه الشركات تستحق الثناء لا أن نعمد إلى رفع دعاوى قضائية ضدها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9 شباط/2008 - 1/صفر/1429