حذاء الفلسطيني والعلم العراقي!

نضير الخزرجي

قد يبدو العنوان مستفزا لكثيرين ممن يعتبرون العلم هو رمز البلد، وهو كذلك بالفعل، لان الراية علامة فارقة لكل بلد أو أمة أو عشيرة، ولكن التلازم بين الحذاء والعلم على وضاعة الأول وكرامة الثاني، فرضتها واقعة حصلت أيام الدراسة الإعدادية في النصف الثاني من عقد السبعينات في عراق الحزب البائد، تكشف رداءة الأخلاق التي يتحلى بها رجال النظام، وضحالة الفكر الذي يتغنون به.

القصة وما فيها ان أستاذا فلسطينيا في إعدادية القدس في كربلاء المقدسة* اعتاد أن يجلس في كرسي خاص في غرفة الأساتذة، وكان من شأنه بعد عودته من الدرس أن يمسح عن حذائه غبار الطبشور الأبيض والملون بقطعة من القماش وضعها تحت الكرسي بعد ان يرمي بجسده في قعر الكرسي ويمد يده من تحت الى قطعة القماش، لكن مشكلة الأستاذ  الفلسطيني في نظر الأساتذة الحزبيين هو عدم تحزبه، وقد تحايل عليه الحزبيين في ضمه الى الحزب الحاكم لكنه امتنع عن ذلك مرات، وبعد ممانعات ومماحكات انقدحت في رأس أحد الحزبيين خطة خبيثة لإذلال المدرس الفلسطيني وحمله على الانضمام للحزب البائد وهو صاغر.

ترى ما هي الخطة الفظيعة التي ستجعل مستقلا ينبطح على قدمي حزبي يرجوه ضمه الى الحزب البائد؟

الخطة الذكية تكمن في القطعة الغبية التي اعتاد الفلسطيني على استخدامها في تلميع حذائه، فقد استبدلها المدرس الحريص على قدسية العِلم (بالكسر) والعَلم (بالفتح) بعلم عراقي دسّه تحت كرسي المدرس الفلسطيني، وما أن حضر المدرس الى قدره ومدّ يده كعادته الى قطعة القماش وراح يمسح بها حذاءه حتى تعالت صيحات المدرس الحزبي ومعه مجموعة من الناعقين، فنهض الفلسطيني من كرسيه فزعا ربما ظن ان أفعى أو عقربا تحت مقعده، فنظر الى تحت فلم يجد شيئا، فأعاد النظر إليهم مستغربا، وازداد تعجبه عندما شعر انهم يريدون بنظراتهم الشزرة أكله عن آخره من رأس شعره حتى حذائه، التفت الى يده فوجدها تمسك بالعلم العراقي وقد اتسخ، فرماه بعيدا وهو فزع، وحار جوابا وتلعثم بالكلام، اعتذر مما هو فيه، لكن العذر عند لئام القوم مرفوض، فقرر المدير تشكيل لجنة تأديبية وتنادى المدرس الحزبي بالويل والثبور وطالب بنقل القضية الى الجهات العليا، فاسقط الفلسطيني في يده فخاف العقوبتين والثانية فيها روحه، توسل بالحزبي أن ينقذه مما وقع فيه وهو في حالة يرثى لها!، فأسرّها اللئيم في نفسه، وقال ان خلاصك في انتمائك الى الحزب حتى تثبت احترامك لعلم البلد الذي يؤويك (!) ولما كان الغريق يتشبث بكل قشة، فإنه وقع على يديه يقبلها طالبا الانتماء على عجل!

وهكذا أمِن رأس الفلسطيني من العقوبة بجناية سيقت إليه سوقا، بعد ان اعتدى على قدس أقداس نظام الحزب البائد.

 فهل عرف القارئ الكريم مغزى العلاقة بين الحذاء الفلسطيني والعلم العراقي؟!

..........................

 *لاحظ الترابط بين فلسطين والقدس وكربلاء، وبعد فترة ألغت وزارة التربية إعدادية القدس وضمت طلبتها الى إعدادية كربلاء، ربما بعد أن فشل نظام الحزب البائد في تحرير القدس عبر تحرير طهران من الفرس المجوس!

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5 شباط/2008 - 27/محرم/1429