مجلس النواب العراقي في الميزان

خالد عليوي العرداوي /مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

ونحن في مطلع العام الميلادي 2008، يحق لنا كمواطنين نعيش على ارض العراق ( كثيرة الخيرات )، ان نتأمل قليلا المشهد العراقي في السنة المنصرمة (2007)، لاشك ان هذا المشهد فيه الكثير الكثير مما يحتاج الى التأمل، حيث الوعود التي ذهبت ادراج الرياح، واستمرار العنف والفوضى - وان بدرجة اخف-، واستمرار العراق كدولة تخضع للوجود الاجنبي على اراضيه، وانعدام وجود المشروع الوطني العراقي الذي يجمع كل الاطراف السياسية، وبقاء حالة الغبن والتهميش واهدار الحقوق لفئات متعددة من الشعب، وبقاء العراق بأمتياز كدولة تقع في اعلى سلم الفساد المالي والاداري العالمي،..... والجعبة فيها  مافيها، ولايمكن تناول كل جوانب المشهد  في مقال محدود، لذا سنقتصر بالحديث عن جانب واحد من جوانبه، واخترنا ان يكون هذا الجانب هو مجلس النواب العراقي، اذ ماذا قدم المجلس الموقر لابناء الشعب العراقي؟،.

عند تحليل دور المجلس خلال العام 2007، نجد ان المجلس نال بأمتياز التقييم الاتي:

أ – لازال السادة النواب غارقين في جدلهم البيزنطي، في الوقت الذي يغرق المواطن العراقي بآهاته التي اسمعت الصخر، ولكنها عجزت عن هز مشاعر واحاسيس اعضاء سلطته التشريعية، ويبدو ان هؤلاء الاعضاء يعتقدون انهم يتحركون في زمن العربة والحصان لا في زمن العولمة وقيمها، حيث   بدأ الانسان يفكر في غزو الكواكب، و حيث ان السرعة في التحرك والتقرير هي العنوان الرئيس لتقدم الشعوب لا استهلاك الوقت بالجدالات العقيمة والصراعات الشخصية والفئوية الضيقة، لذا نجد ان المجلس لازال متأخرا جدا في اداء دوره في اصدار القوانين والتشريعات التي تخدم العراق واهل العراق.

ب- لازال – ايضا – اعضاء المجلس، على الرغم من مرور فترة لابأس بها على تشكله، بعيدين عن الانسجام والتأقلم مع الدور الحيوي الذي تمثله مراكزهم، فيتصرفون كمبتدأين في العمل البرلماني، فيتغيب من يتغيب منهم بلا رقيب عتيد يمنعه، ويصرح من يصرح  في الشاليهات والمنتجعات الخارجية والداخلية، دون ادراك وتمحيص لهذه التصريحات حتى لو كانت تصريحات قد تشعل الشارع العراقي وتراكم فوضاه، ولعل التصريحات التي تتحدث عن الانقلاب او تغيير الحكومة للمجئ بحكومة انقاذ وطني او حكومة زعيم فذ بمقاسات مفصلة في الخارج دليل على ذلك، بل ان تعطيل عمل المجلس سواء بداعي الحج، او الانسحاب، او الاحتجاج ووو استمر هذا العام، في الوقت الذي نجد قياداتنا الدينية الحكيمة – السيد السيستاني على سبيل المثال – قد اوصت باستمرار عمل المجلس لأداء مهامه الملقاة على عاتقه، ولكن بلا جدوى.

ج- ان المجلس، وهو سلطة رقابة وتحقيق ومحاسبة، الى جانب كونه سلطة تشريع، لم يفعل شيئا يذكر في معالجة الفساد المالي والاداري المستشري في البلد، ولم يفعل شئ في تقصي سبل وطرق انفاق الثروة العراقية، نعم كانت ثروة البلد في عصر الدكتاتورية مسلوبة منهوبة لاينال المواطن منها حقه، فهل تغير الامر ونحن نعيش زمن الديمقراطية المشلولة؟، ثم هل تمت محاسبة المقصرين ومستغلي النفوذ والسلطة؟، وهل راجع ممثلو الشعب سجل حقوق الانسان العراقي للوقوف على مقدار احترام هذه الحقوق ومقدار انتهاكها؟، ولماذا يوصف العراق بأنه اكثر دول العالم فسادا؟. ان انجازات المجلس في هذا المجال لازالت دون المستوى المطلوب، ففشل في مهمته خلال هذا العام.

د- ولاء الاعضاء: ان مسألة الولاء في السلطة التشريعية مهمة جدا، لان هذه السلطة هي من اهم سلطات الدولة، بل اهمها  على الاطلاق، فرقيها وصلاحها عنوان لرقي وصلاح بقية السلطات – والبلد ايضا -، وفي الوقت الذي نؤمن بأن الدول البرلمانية، التي على شاكلة العراق، متوقع ان تضم برلمانيين  ببرامج سياسية  متعددة، على ان تكون هناك حدود بين العمل السياسي، والانتحار السياسي، فالاول مفيد ويخلق التنافس ويشجع على الرقابة والتدقيق والمحاسبة، لتخرج افضل القوانين من خلال فلاتر سياسية متنوعة. اما الثاني فأنه يرجح الولاءات الضيقة على الولاء الوطني، ويقود البلاد الى الاحتقان والفوضى والتشرذم السياسي، ومشكلة سلطتنا التشريعية في العام الماضي ان اعضائها كانوا يلعبون وفقا لقواعد الانتحار السياسي، واستمرار سيرهم على هذه القواعد انساهم المواطن، وجعلهم يراهنون على الوطن، مما سمح بتدخلات خارجية، واضطرابات داخلية تحتاج الى حنكة العقلاء، واندفاع الاكفاء المخلصين للخروج منها بسلام والا على العراق السلام.

ه- الثقة الشعبية بالمجلس: عندما سارت ملايين العراقيين للاستفتاء على دستور عام 2005، وشاركت في الانتخابات التي جاءت بالحكومة والمجلس الحالي، كانت هذه الملايين ممتلئة ثقة بأنها تعمل من اجل مستقبل زاهر وحياة افضل، لكن مرور الايام والشهور، جعل الاحباط والنفور والغضب يمتد الى نفوس الناس، وهم يرون ان آمالهم واحلامهم قد تبخرت، حيث لازالت آهاتهم والامهم تعتصرهم، فالبطالة مرتفعة، والتضخم المعيشي مرتفع، والخدمات في ادنى مستوياتها، ومصلحة المواطن مهدورة لصالح النخب السياسية...

 كل ذلك اوجد فجوة مستمرة بين الشعب ونوابه الذين انتخبهم لانقاذه حتى وصل الامر الى فقدان الثقة بهم، وقديما قال كونفشيوس الحكيم الصيني: اذا فقد الشعب ثقته بالحاكم فلا بقاء لحكمه، وفقدان الثقة مؤشر خطير على العلاقات بين السلطة والشعب، وبين المكونات الاجتماعية، بل وبين السياسيين انفسهم، حتى صار مجلس نواب العراق مثالا لخيبة الامل وضياع الامال والطموحات.

ان هذه المؤشرات التي تخرج بها السلطة التشريعية العراقية خلال عام 2007، ليس الهدف منها الانتقاص منها، او تجريحها، او تعميم الحكم على كل افرادها، بقدر ماهي حقائق عامة تحتاج الى الوقوف عندها ومعالجتها تجنبا لتكرارها، ولعل في ذكرها تنبيه للغافل، وتبصرة للمخلص. ولعل افضل علاج لها هو ان يدرك كل برلماني عراقي جسامة  الدور الذي يلعبه بمصير شعبه ومستقبله، ولم نشهد شعبا نهض وارتقى بتخندق نخبه لبعضها، واهمالها لعنصر الزمن في العمل والبناء، وتولي غير الاكفاء للمناصب المهمة والحساسة، وغياب المشروع الوطني الجامع، والسماح للاجانب ان تكون لهم الكلمة العليا في شؤونه، وعدم بناء الثقة بين افراده وفئاته وسلطاته.

نرجو من الله ان  يجمع شمل العراقيين ويوحدهم، وان يخرجوا من المحن المبتلين بها وان لاتنتهي سنة 2008 فيكون تقييم سلطتنا التشريعية بالصورة التي كانت عليها في العام الماضي.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

http://fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31 كانون الثاني/2008 - 22/محرم/1429