ثلاثيّة العراق وجند السماء وأنصار المهدي.. إلى أين؟

 محمّد جواد سنبه

عندما تكون الدولة ضعيفة في قدراتها الامنية والعسكرية، واجهزتها الامنية مخترقة من قبل جهات داخلية، تحمل الافكار المضادة للدولة. وتكون هذه الدولة غير قادرة على خلق حالة من توازن القوى والمصالح مع دول الجوار. فمن الطبيعي جداً أنْ تنمو على أرض هذه الدولة، الجماعات المناوئة أصلاً لوجودها، والتي يتم تغذيتها من الدول التي لا تطمئن لوجود تلك الدولة على أرض الواقع. لا بل تقلق هذه الدول اساساً من جود تلك الدولة المزعجة لها، ولا ترغب في بقائها أصلاً.

 إنّ مثل هذه الساحة التي تكثر فيها صراعات المصالح، الدينية والاثنية والاقتصادية، بين أبناء الشعب الواحد من جهة، وبين دول الجوار من جهة اخرى، تكون خصبة جداً لجماعات تحمل مشاريع التغيير أو التمرد، خصوصاً إذا كان القائمون على أمور الدين والدنيا، والذين يمثلون بصفتهم المرجعية، قمّة الهرم الروحي والدنيوي لغالبية الشعب، غير مكترثين للتصدي فكرياً وأمنياً لهذه الجماعات، فبالتأكيد ستكون النتائج مفجعة، أكثر مما هي مؤلمة، وهذا ما يحصل بالضبط في العراق.

ففي 30 /1/ 2007 جرت احداث دامية في منطقة (الزركة) في قضاء الكوفة، بقيادة (ضياء عبد الزهرة كاظم الكرعاوي، من مواليد 1968). وكان عدد القتلى في تلك المعارك وصل الى 250 شخصاً، وقدّرت المجموعة التي يقودها الكرعاوي بألف شخص. وعندما تمّ توجه الاسئلة لمسؤولي الدولة العراقية، كانوا يوحون باجاباتهم على الدوام، بأنّهم على بيّنة دقيقة بمجريات الأمور. فمثلاً قامت فضائية العربية بتاريخ 12محرم 1428، في برنامج (بانوراما من هم جند السماء؟، و ادارت النقاش فيه المذيعة منتهى الرماحي)، فوجهت سؤالاً إلى الناطق الرسمي للحكومة العراقية (علي الدباغ)، عن جماعة جند السماء، فكانت إجابة الدباغ (العليم بالشاردة والواردة!!) : (لكن الشيء المؤكد والمثبت أن هذا التنظيم له وجود، (يا سلام!!)(من الكاتب)، لأنه لديهم قاعدة فكرية انطلقوا منها , ولديهم رؤية ونظرية، وهي النظرية معروفة للنجف، لأهل النجف، معروفة وحتى للمناطق الأخرى، معروف هذا التنظيم لنا , لكن كان في إطار الفكرة عندما خرج)(انتهى). حتى ان هذه الاجابة جعلت المذيعة تستطرد على الفور بما يلي : (عندكم معلومات دكتور علي.. عندكم معلومات أنهم منذ متى كان هؤلاء يتجمعون ويتدربون ويجمعون الأسلحة؟. د. علي الدباغ : أنت تريدين تدخلين في صلب معلومات أمنية دقيقة لا أستطيع...)(انتهى). عندما وضع السيد الدباغ في الزاوية الحرجة من الاجابة، تملص منها بحجة الكشف عن معلومات سريّة.

والسيد الدباغ يصرح في راديو سوا بتاريخ 1/2/2007 مايلي (... أن زعيم الحركة واسمه الحقيقي ضياء عبد الزهرة كاظم الكريعاوي، ومن مواليد عام 1968 وهو من أهالي الحلة قام بتجسيد المنطلق الفكري للحركة في كتاب اسمه "قاضي السماء " وقد تم طبعه في بغداد. وتابع المتحدث الحكومي أن هذه الحركة أسست في عام 1990 شمال الكوفة وقد استولت على أحد معسكرات ما كان يسمى بجيش القدس في عهد النظام السابق بالإضافة إلى عدد من البساتين القريبة )(انتهى). هذه المرة يصرح المسؤول الحكومي ان القضية لها جذور منذ عام 1990، ليعلق الاخفاق على التاريخ !!.

وفي التاسع من محرم 1429 (18/1/2008) حدثت اشتباكات عنيفة في مدينتي الناصرية والبصرة، قتل فيها 97 شخصاً وجرح 325 آخرين حسب آخر المعلومات. وفي هذه المرة ظهرت جماعة (احمد بن الحسن اليماني)، وقاد هذه المجموعة في البصرة(ابو مصطفى الانصاري). يقول احد المسؤولي الامنيين في الناصرية كما ظهر على شاشة فضائية العربية عصر يوم 22/1/2008 : (نحن على علم بهذه المجموعة... والشعار لهذه المجموعة هو شكل يشبه نجمة داوود، بالرغم من عدم وجود أدلة مع اسرائيل.)(انتهى). إن المصادر الاخبارية تشير بان لجماعة اليماني شعاراً، يشبه النجمة السداسيّة، وضعت الاسماء المقدسة بالتوالي (الله، محمد، علي، فاطمة، حسن، حسين) على رؤوسها الستة. كما ورد في موقع أصوات العراق مايلي : (قال الوائلي إنه "تم اعتقال ما يقارب الـ 200 عنصر في مدينتي البصرة والناصرية." وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع قال، الأحد، إن القوات الأمنية قتلت 51 من مسلحي وأعضاء جماعة أنصار المهدي خلال معارك البصرة والناصرية، واعتقلت 192 آخرين، فضلا عن إصابة 29 تم وضعهم تحت الحراسة في المستشفيات. وذكر المتحدث اللواء محمد العسكري لـ ( أصوات العراق) أن خسائر الجيش العراقي خلال المعارك "بلغت خمسة قتلى، هم: أربعة ضباط وجندي واحد، فضلا عن 11 جريحا"، مشيرا إلى أن خسائر قوات الشرطة "بلغت ثلاثة قتلى و23 مصابا." ونفي الوزير شيروان الوائلي وجود "علاقة بين هذه الجماعة ( أنصار المهدي) وحركة جند السماء التي قال إنه تم القضاء عليها في السنة الماضية")(انتهى).

من الملاحظ أنّ لجماعة (أنصار المهدي) موقعاً الكترونياً، (الرابط الالكتروني له هو: http://www.nsr313.com/home.html)، وهذه الجماعة تصدر جريدة في النجف الاشرف، تحمل اسم (الصراط المستقيم)، وتباع بسعر 250 دينار للنسخة، وتحمل هذه الصحيفة شعار : (البيعة لله، نصر من الله وفتح قريب)، ويرأس تحريرها (الاستاذ عبد الرزاق الانصاري)، هذه المعلومات موجودة على صفحة الموقع لهذه الجماعة. ويتصدر الصفحة الاولى لهذه الصحيفة، كما في عددها السابع الصادر يوم الاحد (15 ذو الحجة 1428هـ / 25/11/2007)، مايلي : (بسم الله الرحمن الرحيم دعا السيد أحمد الحسن الفقهاء للمناظرة بالقرآن والعقائد ودعاهم للمباهلة في حال التكذيب والى قسم البراءة ولم يستثن من ذلك اليهود والنصارى ولم يجبه احد. وقدابدى استعداده لاقامة المعجزات..... ولم يترك طريقا إلا سلكه ولا باباً إلا طرقه لاثبات أنه وصي ورسول الامام المهدي (ع) واليماني الموعود، ولكن الجواب منذ خمس سنوات ما يزال (ارجع يابن فاطمة) ونحن انصار الامام المهدي (ع) ندعو كل من يكذب هذه الدعوة الى المناظرة العلمية العلنية لكي لا تبقى حجة لأحد... اللهم فاشهد... اللهم فاشهد)(انتهى).

كما تصدر هذه الصفحة النصّ التالي (فصل السيد احمد الحسن تناقضات الديمقراطية تفصيلاً دقيقاً في كتاب (حاكمية الله لا حاكمية الناس) مبيناً مدى التضليل والخداع الذي تمارسه ابواب الغرب ومن تبعهم تحت مسميات معسولة لخداع الناس كالديمقراطية والحرية)(انتهى).

إن هذه المعلومات تشير بوضوح ان هذه الجماعات لا تعمل في الخفاء، وإنّما تمارس نشاطها تحت مرأى ومسمع الجميع، وأكثر من ذلك فان جماعة (انصار المهدي)، طلبت المناظرة والمحاججة، ليس مع المسلمين فحسب، وإنّما مع اليهود والنصارى أيضاً. ومن الجدير بالذكر، أن هذه الصحيفة تذكر في نهاية الصفحة الرابعة منها، عناوين لانصار المهدي (ع) في عدد من المحافظات العراقية.

خاتمة المطاف، لقد دفع الشعب العراقي الكثير من الدماء، ولحد الآن لم تكشف الحكومة بشكل صريح، من يقف وراء هذه الاعمال بشكل صريح وواضح، وإنّما الاكتفاء أن دول الجوار تدعم عمليات الارهاب. ولحد اليوم لم تسمِ أيّة دولة من دول الجوار، بالاسم الصريح لها. كما لم تسمِ لحد الآن، الجهة التي خططت ونفذت فاجعة جسر الأئمة عام 2005، ولم تسمِ لحد الآن الجهة التي قامت بتفجير قبّة الامامين العسكريين (الاول والثاني). الظاهر إن نظرية الصمت والتكتم، التي تتبناها الحكومة، باعتبارها السلطة الدنيوية للشعب العراقي، متناغمة تماماً مع نظرية الصمت والتكتم، التي تمارسها السلطة الروحية لهذا الشعب المسكين.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29 كانون الثاني/2008 - 20/محرم/1429