مصطلحات نسوية: الخيال العلمي

 الخيال العلمي: Science Fiction

شبكة النبأ: ظهر مصطلح الخيال العلمي في منتصف القرن التاسع عشر، ولكنه اكتسب معنى جديداً وراج مرة أخرى في أواخر القرن العشرين على يد الأمريكي هيوجو جيرنزباك محرر المجلات، الذي يرجع إليه الفضل في إشاعة القصص المستوحاة من كتابات هـ. ج. ويلز وجول فيرن. فكان جيرنزباك يرى أن قصص الخيال العلمي يتخللها التكهن العلمي والرؤية التنبؤية، ويعتبر الخيال العلمي نتاجاً لحقبة التطور العلمي والتكنولوجي السريع واستجابة له، ولذلك يهتم ذلك اللون القصصي دائماً بالترويج للطرق الجديدة للرؤية، وعلى الرغم من أن شعبية الخيال العلمي قد ترجع إلى ابتعاد الكثير من الأعمال القصصية في التيار الرئيسي الحديث عن الأشكال التقليدية للقص، فإن اهتمام الخيال العلمي بالأدب الذي يقوم على التكهن والإغراب يميزه عن تقاليد الواقعية الكلاسيكية، إذ يمثل الخيال العلمي وجهة نظر مختلفة اختلافاً جذرياً، ويتساءل: "ماذا يعني ذلك للإنسان؟" وجدير بالذكر أن الخيال العلمي يمكن أن يصبح في أيدي الكاتبة النسوية أداة لتفكيك العلاقات بين الجنسين والأدوار المنوطة بهما، ووسيلة لاستشراف الإمكانيات الجديدة أمام المرأة. وهكذا فإن الخيال العلمي النسوي يوحي دائماً بأنه نتاج المكان والزمان الحاضر، ولكنه لا يتجاهل التاريخ، بل يراجعه ويعيد فهمه وكتابته وتفسيره.

خيال علمي(1)

الخيال العلمي Science fiction (تكتب اختصار أيضا بالانكليزيةsci-fi أو sf ) نوع من الفن الأدبي يعتمد على الخيال حيث يخلق المؤلف عالما خياليا أو كونا ذو طبيعة جديدة بالاستعانة بتقنيات أدبية متضمنة فرضيات أو استخدام لنظريات علمية فيزيائية أو بيولوجية او تكنولوجية أو حتى فلسفية . من الممكن ان يتخيل المؤلف نتائج هذه الظواهر أو النظريات محاولا اكتشاف ما ستؤول إليه الحياة و متطرقا لمواضيع فلسفية أحيانا . و قد تتناول موضوع القيم في عالم جديد مختلف . ما يميز أدب الخيال العلمي أنه يحاول ان يبقى متسقا مع النظريات العلمية و القوانين الطبيعية دون الاستعانة بقوى سحرية أو فوق طبيعية مما يجعله متمايزا عن الفانتازيا

المؤلف الفرنسي العظيم جول فيرن (Jules Verne) فهو من مقدمة كتاب الخيال العلمي, ومن المعروف عنه أن معظم ما آتى به في رواياته قد تحقق لحد مذهل فيما بعد, وتكفي روايته المشهورة 20 فرسخ تحت الماء التي كتبها عام 1870م والتي تدور أحداثها حول غواصة تجول تحت الماء وما تواجهه من مخاطر, بالإضافة إلى إرفاق تفاصيل لشكل الغواصة ومواصفاتها, ووصف للصواريخ بعيدة المدى, والطائرات النفاثة أيضاً! وكانت تلك أموراً سابقة ً لأوانها, فلا وجود للغواصات أو الطائرات النفاثة آنذاك, ولا ننسى رواية فيرن من الأرض إلى القمر (From Earth to the Moon) والتي وصف فيها الهبوط على القمر وشكل المكان هناك وطريقة مشي الرواد وكيف تنطلق المركبة من الأرض عن طريق صاروخ يقذف بها, والطريقة التي يعود الفريق بها, وذلك بأن يهبطوا على البحر بالمظلات, وهو ما حدث بشكل مشابه جداً مع مركبة أبولو 11 وذلك بعد مرور قرن كامل على روايته.

كما يعتبر ويلز (H. G. Wells) من أشهر الكتاب الإنكليز في الخيال العلمي, والذي يعتبره البعض المؤسس الحقيقي للخيال العلمي الحديث. ومن أشهر رواياته وأعظمها على الإطلاق هي آلة الزمن (The Time Machine) عام 1895م, تلاها الرجل الخفي (The Invisible Man) عام 1897م. وتأتي أيضاًَ ضمن مؤلفاته حرب العوالم (The War of the Worlds) عام 1898م، وآخرها كان أول أناس على القمر (The First Men in the Moon) عام 1901م.

الكاتب الكسي نيكولايفتش تولستوي 1883–1945م, كاتب روائي وقاص ومسرحي روسي, كتب في الخيال العلمي روايته بعنوان هيبر بولويد المهندس غارين سنة 1925م, انتخب عضواً في أكاديمية العلوم السوفيتيية عام 1939م. وتوفي في موسكو في 23 شباط عام 1945م.‏

ومن أشهر كتاب الخيال العلمي في الغرب إسحاق أسيموف و راي برادبوري و آرثر سي كلارك.

وأما في العالم العربي فنجد رائده الأول هو نهاد شريف ومن أشهر أعماله: قاهر الزمن, وسكان العالم الثاني, وأحزان السيد مكرر. والكاتب السوري طالب عمران وروايته إكسير الحياة عام 1974م, والكاتب المصري الدكتور مصطفى محمود وروايته العنكبوت عام 1964 و د.نبيل فاروق الذى كتب سلسلة ملف المستقبل و غيرها من الروايات التى تنتمى لأدب الخيال العلمي .

الخيال وسيلة لأدب الأطفال(2)

 لقد أثارت وقائع ندوة كتب الأطفال في دول الخليج العربية لعام 1987م موضوع الخيال في تأليف كتب الأطفال وخلصت إلى معلومات غنية نرى أن نوجز توصياتها كما ندعو إلى العمل بها حتى تعم الفائدة.

والخيال العلمي يقصد به الخروج عن الواقع المحدود بأبعاده المعروفة بدرجة تتخطى خدود التفسيرات العلمية القائمة.

ويُعَرف مصطفى فهمي التخيل بأنه: ((القدرة على تفسير الحقائق بطريقة تدعو إلى تحسين الحياة، وهو بهذا النوع من التفكير تستعمل فيه الحقائق لحل المشكلات في المستقبل والحاضر)). وهكذا كان الخيال الخصب الذي تميز به المخترعون والعلماء، هو السُّلَّم الذي أوصلهم إلى مخترعاتهم وابتكاراتهم.

أما عبدالقادر والإبراشي فَيُعَرِّفان التخيل بمعناه الخاص على أنه: ((تصور أشياء أو حوادث لم تدرك من قبل ولم تدخل في دائرة التجارب الماضية)) إن الخيال أو التخيل يكون ركناً أساسياً في حياة الطفل في سن المدرسة.

فالمعروف أن خيال الأطفال في المرحلة السابقة على دخولهم المدرسة، كان خيالاً من النوع الإيهامي، وهو الذي يعبر عنه الطفل في أثناء لعبه أو في أحلامه.

أما ابتداء من سن السادسة فإنه تخيل الطفل يتخذ اتجاهاً جديداً، نتيجة للتفتح العقلي الذي وصل إليه في هذه السن، ويصير تخيله في المدرسة الابتدائية كما يشير د. مصطفى فهمي ـ تخيلاً إبداعياً أو تخيلاً تركيبياً، وهو النوع الذي يسهل توجيهه وتنميته في هذه السن، مما يضيف على المدارس ووسائل الإعلام المختلفة عبء اكتشاف أفضل الوسائل لإذكاء الخيال لدى الناشئة في هذه السن.

ـ وسائل إشباع الخيال العلمي المتاحة للطفل العربي:

إذا كان التلفاز قد أصبح أكثر وسائل الإعلام انتشاراً وأبعدها أثراً على الأطفال جميعاً مهما اختلفت هوياتهم، إذن لنترك جانباً ـ ولبعض الوقت ـ وسائل الإعلام الأخرى ونركز تفكيرنا على ما يقدمه التليفزيون من إذكاء للخيال العلمي بين الأطفال سنجد ما يلي:

1 ـ معظم البرامج التي يمكن عدها برامج لإثراء (الخيال العلمي) غير مستساغة للطفل العربي، لأنها تعبر عن المجتمع الغربي والثقافة الغربية حتى الأسماء التي تطلق على الأفراد تباعد بين الطفل العربي وبين الاستمتاع الكامل بهذه البرامج لإحساس الطفل العربي بالغربة لدى رؤية هذه البرامج وأمثالها.

2 ـ وحتى في البرامج المستوردة التي تطوع لتلائم الطفل فإنها تكون في غالب الأحيان ممسوخة حيث لا تتناغم كافة المكونات معاً: الصورة والكلمة والرسم.

ومن هنا كانت الحاجة ماسة لتحديد مواصفات ((الخيال العلمي)) الذي يمكن أن يسد حاجة الطفل، وأهم هذه الموصفات:

أ ـ ليس هو الخيال المستورد من الغرب، والذي تفرضه تليفزيوناتنا وإذاعاتنا في الغالب لما هناك من اختلاف بين الخليج والغرب بسبب الظروف والمثيرات الثقافية.

ب ـ الخيال العلمي الذي ننشده للطفل أن ينبثق من البيئة العربية المسلمة، وما يعكسه تراثها وظروفها الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

ج ـ يجب أن يكون الخيال العلمي متمشياً مع مقتضيات العقيدة الإسلامية ولا يتعارض مع مبادئها في قليل أو كثير.

د ـ يسمح بإطلاق خيال الطفل ولكن في حدود مقبولة.

أدب الخيال العلمي بنكهة عربية!(3)

الرواية حين تتجاوز إخفاقات العلماء

العودة إلى الماضي السحيق قد تصلح لتقديم نموذج لا بأس به عن إرهاصات الخيال العلمي لدى العرب، لكنها لا تصلح بأي حال كإجابة شافية عن السؤال المطروح لسببين: الأول أن العرب كانوا متقدمين علميا في الفترة المشار إليها، أما الثاني فهو أن الفجوة بين انتاجنا الحالي للعلوم واستهلاكنا للمستورد منها أصبحت شاسعة. هنا لا يصلح الماضي للإجابة عن سؤال الحاضر، نعلق فيعقب نهاد شريف: «كلمات المستشرق الألماني قادتني إلى ما تشير إليه. ففي الماضي بدأنا من الصفر في مجال العلوم فأنتجنا فكرا علميا خاصا بنا، لكن ما يحدث حاليا جعل الأمور أكثر تعقيدا. فقد بدأنا ننقل العلوم عن الغرب، لكنني مقتنع بمقولة سبق أن قرأتها لأنيس منصور، فقد قال إننا أخذنا من الغرب أشياء كثيرة جدا، لكن هناك فرقا كبيرا بين ما يفكرون فيه وما نفكر نحن فيه. من هنا أرى أننا قد ننطلق من قاعدة علمية واحدة، لكننا نختلف في التوجهات وأسلوب التعامل معها بعد ذلك». في سياق كهذا هل يمكن أن يكون لأدب الخيال العلمي العربي خصوصية تميزه عن غيره؟ يجيب نهاد شريف عن هذا السؤال، قائلا: «هناك عدد من النقاد الذين تابعوا الكتابات العربية في هذا المجال، وأكدوا أن من يقرأ كتاباتي يشعر بتجديد حقيقي في أدب الخيال العلمي، ويحس بوجود لمسات عربية حقيقية تمثل إضافات له».

يحدث هذا رغم أن الأمر لم يخل من معوقات تواجه كتاب الخيال العلمي العرب بصفة عامة، منها: «تجاهل المؤسسات الرسمية لهذا الأدب، إضافة لعدم اهتمام النقاد به، والتعامل معه على أنه أدب درجة ثانية». لكن هذا لم يمنع من وجود بعض ما يبعث على الأمل: «لأول مرة في تاريخها تضم لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة كاتبا متخصصا في هذا المجال، فقد تم ضمي لها منذ سنوات بعد أن كانت تقتصر عضويتها على المتخصصين في مجال العلوم فقط. وما يبعث على الأمل أيضا، هو إقبال جيل جديد من الشباب على كتابة الخيال العلمي، كل هذا يعد بمنجز حقيقي، في هذا المجال، حتى لو كنا نستورد علومنا من الغرب».

* نقّاد عدوانيون

في منتصف الثمانينات كان أول ظهور لسلسلة «ملف المستقبل»، السلسلة الموجهة للشباب كانت تدور حول فريق يقوم بمغامرات بعيدة عن أجواء المخابرات المعتادة وكذلك السياقات البوليسية. كان الفريق معنياً بمشكلات تدور كلها في أجواء الخيال العلمي. تسببت السلسلة في شهرة مؤلفها الدكتور نبيل فاروق الذي ترك الطب ليتفرغ للكتابة. وحظيت السلسة بانتشار أكد أن هناك جمهورا متعطشا للخيال العلمي. ولأن نبيل فاروق يجمع بين الشقين العلمي والأدبي، فقد كان طرح السؤال عليه مهما، بعد لحظة صمت أجاب: «لا أعتقد أن المشكلة تكمن في كوننا منتجين أو مستهلكين للعلوم، المهم هو مدى استيعابنا للمعلومة العلمية والقدرة على توظيفها لإنتاج أدب متميز. فالعلم تراكمي، ولا توجد دولة في العالم تستطيع أن تدعي احتكارها للعلم. العلم عالمي كالموسيقى مثلا، والمهم أن أستوعب الحقيقة العلمية وانطلق منها وأبني عليها». منطق يملك قدرا لا بأس به من الوجاهة، لكن هذا المنطق لم يحم صاحبه من تهمة تعرض لها كثيرا، بأنه ينقل أفكاره من منابع عالمية. نواجهه بهذه التهمة، فيرد: «هناك حالة عدوانية من النقاد تجاه كتاب الخيال العلمي، بعضهم يرى أنه أدب غير واقعي، لأن هناك نقادا لا يملكون سوى ثلات أو أربع تيمات تدور في مدارات سياسية أو اجتماعية، ومن يكتب خارجها لا يعترفون به، لقد سيطر عليهم المنهج الدراسي ويحاولون فرضه علينا». الهجوم على النقاد يبدو مبررا، لكنه لا يرد بوضوح على الاتهام الذي وجه إلى نبيل فاروق بالنقل عن الغرب، نعقب فيعلق: «سبق وأن طلبت منهم أن يأتوا بالأصل الذي نقلت منه أفكاري، فلم يرد أحد. والمطلوب هنا هو أصل الفكرة وليست التيمة. ففكرة السفر عبر الزمن مثلا تم تناولها من جانب الكثيرين، هذه تيمة يمكن لكل كاتب أن يتناولها بأسلوبه. أنا أرى أنه خلل نقدي عربي. اتهمني أحدهم ذات مرة بأنني سرقت فكرة الفيلم الأمريكي «يوم الاستقلال»، ولم يكلف نفسه بمراجعة التواريخ، ولو فعل لاكتشف أنني نشرت قصتي قبل الفيلم بسبع سنوات كاملة».

* أدباء يتحدون القرّاء

في ظل تشابه التيمات هل يمكن الوصول إلى أدب خيال علمي ذي خصوصية عربية؟ سؤال يجيب عنه نبيل فاروق، قائلا: «في مجال الخيال العلمي لا يوجد فرق بين كتابة عربية وأخرى أجنبية، وعندما يترجم يمكن فهمه بكل بساطة، وهو في هذا يختلف عن الأدب الاجتماعي الذي يحتاج عند ترجمته إلى إلمام بتفاصيل عن المجتمع العربي لكي يمكن أن يفهمه المتلقي الغربي». يصمت قليلا ويتابع: «ورغم ذلك أعتقد أن كتاب الخيال العلمي العرب أنتجوا أدبا ذا رائحة عربية تماما رغم اعتماده على المعلومة العلمية". العبارات الأخيرة أفرزت مفارقة من وجهة نظرنا، فكيف يمكن أن تستقيم عبارة : لا يوجد فرق بين كتابة عربية وأخرى أجنبية، وبين عبارة أنتجوا أدبا ذا رائحة عربية؟ نسأل فيجيب نبيل فاروق: «لا يوجد تعارض في كلامي، فأدب الخيال العلمي سيكون مفهوما للقارئ الغربي عند ترجمته، لكن رائحته المرتبطة بالتقاليد والعادات العربية لن يشمها ويلحظ خصوصيتها إلا القارئ العربي». الحديث عن القارئ العربي يقود إلى مفارقة أخرى، فقد أقبل الشباب على قراءة كتابات نبيل فاروق بصورة مبالغ فيها من دون أن يمتد ذلك بنفس المعدل إلى كتابات أكثر قربا من الأدب الراسخ الذي يتعامل معه بعض النقاد بوصفه أكثر جدية. وبينما نشر نبيل فاروق 155 رواية كاملة وأربعين قصة متوسطة وستين قصة قصيرة تنتمي كلها للخيال العلمي، نجد أن أعمال كتاب آخرين لم تصل حتى إلى ربع هذا الإنتاج. نعقب فيعلق نبيل فاروق: «الأمر مرتبط بإيقاع العصر، أنا واكبت العصر في كتاباتي، لكن هناك كتابا كبارا يكتبون بإيقاع زمن آخر، هنا تحدث الفجوة. فليس مطلوبا من هذا الجيل أن يقرأ كتابة تنتمي إلى عصر آخر، أقول هذا رغم أنني أستمتع بهذه الكتابات. نحن في زمن لا يميل فيه الجمهور إلى الإغراق في التفاصيل، وأنا فعلت هذا، لكن هناك من لا يفعلونه وأعتقد انه نوع من العناد مع القارئ. فالكتاب الكبار يرفضون الاعتراف بذلك رغم أننا في مرحلة انتقالية، تحتاج إلى نظرة مغايرة».

روايتان وسبع مجموعات قصصية ومسرحيتان، هو مجمل أعمال الإذاعي صلاح معاطي في مجال الخيال العلمي حتى الآن. قبل سنوات كان نهاد شريف قد بشر به ككاتب خيال علمي متميز. وأصبح معاطي واحدا من الكتاب القلائل الذين أخلصوا لهذه النوعية من الكتابة، رغم أنه كتب في مجالات أخرى، لذلك تم تكريمه في المؤتمر الذي أقيم في سورية وأشرنا له في البداية. طرحنا عليه السؤال نفسه: هل نستطيع أن نكون منتجين لأدب خيال علمي رغم كوننا مستهلكين للاختراعات العلمية؟ فأجاب: «لا يمكن أن نفصل بين الاستهلاك والإنتاج في الأعمال الأدبية وخاصة في مجال أدب الخيال العلمي، ربما يصلح ذلك في مجال العلم والبحث العلمي، فأن نكون مستهلكين علميا فهذا أمر واقع ولا بد أن نسلم به، ولكن علينا أن نغير هذا الواقع أو على الأقل نتحايل عليه. قد لا يمكننا أن نشارك بشكل كبير في عملية الإنتاج العلمية، وهذا يرجع إلى ظروف كثيرة منها البعد الاقتصادي والبعد الثقافي والتعليمي، لذلك فلنقبل أن نكون مستهلكين اليوم على أمل أن نشارك في الإنتاج العلمي مستقبلا وهذا يحتاج إلى خطط قومية على أعلى مستوى». لكن في وضع كهذا هل يمكن أن نصل إلى أدب خيال علمي عربي ذي خصوصية؟ يجيب: «العلم لا يتجزأ، بمعنى أن النظريات العلمية والاكتشافات العلمية التي تحدث في أمريكا لا تختلف عما يمكن أن يكتشفه العرب، إذا قدر لهذا أن يحدث. فالنظريات العلمية واحدة في العالم بأسره، ولكن يمكن تطويع الأحداث لتتناول المواطن العربي، وهنا يكون اهتمام بالشق الأدبي. فالخصوصية هنا في الأحداث والصراع داخل العمل الأدبي أما الإطار العلمي فلا يمكن أن يحمل خصوصية عربية. كذلك الحال في الغرب فأدب الخيال العلمي في أمريكا لا يتناول نظريات علمية واكتشافات علمية تطبق في أمريكا فقط، ولا تطبق في الشرق ولكن العبرة بالأحداث». التعامل مع العلم يقودنا إلى نقطة جديدة، فالأجيال الجديدة أكثر ارتباطا بالتطورات العلمية المتلاحقة، هل يعطي هذا ميزة نسبية للكتاب الشباب في مجال الخيال العلمي مقارنة بالكتاب الأكبر سنا؟ يرد صلاح معاطي قائلا: «العبرة هنا ليست بالقدرة على متابعة المستجدات، وإنما بالقدرة على التخيل وكيفية استخدام الاكتشاف العلمي وتطويعه في عمل أدبي. ولكن بالتأكيد الشباب لديهم فرصة كبيرة للتعامل مع هذه النوعية من الأدب نظرا لاستيعابهم الفائق لمنجزات العلم. والأمل في جيل يجمع ما بين خيال الأدباء وعلم العلماء... وأن تكون لديهم القدرة على التنبؤ اعتمادا على مجريات الأحداث العلمية في الماضي. ومن خلال دراسة كاتب الخيال العلمي لإنجازات العلم في الماضي يمكنه استشراف المستقبل مستندا الى حقيقة علمية محاولا أن يقيم لها دراسة ذهنية لما يمكن أن تكون عليه هذه الحقيقة العلمية في الزمن القادم».

* العلم بنكهة عربية

لكن في ظل التطورات العلمية المتلاحقة هناك سؤال يطرح نفسه: أيهما أسبق في الوقت الراهن: التقدم العلمي أم الخيال العلمي؟ وهل يمكن أن يصبح أدب الخيال العلمي بأسره مهددا في ظل اكتشافات يرى البعض أنها تفوق الخيال؟ يجيب معاطي: «التقدم العلمي والتكنولوجي يبلغ من السرعة ما يجعل الخيال العلمي عاجزا عن التنبؤ بالمستقبل، لذلك نجد كتاب الخيال العلمي في حيرة لما يصادفونه من صعوبات متزايدة في العثور على موضوعات تصلح لأن نطلق عليها: خيال علمي. بل إن هناك موضوعات تركت الخيال العلمي وأصبحت تأتي في سياق القصص والمسرحيات التي لا تنتمي إلى أدب الخيال العلمي، كالروبوت الذي شهد تقدما مذهلا، وأصبحت الشركات تنتج منه أجيالا، تستطيع القيام بأعمال خرافية. وهكذا صار التنبؤ بما يمكن أن يحدث لتقنيات الروبوتات في المستقبل مستحيلا. فما الذي يمكن أن تفعله هذه الروبوتات بعد أن صارت تفعل كل شيء حتى أنها تدخلت في أمور حياتنا، إلا في الأعمال التي تتنبأ بتمرد الإنسان الآلي على الإنسان البشري وهذا ما تناوله كتاب الخيال العلمي منذ فترة طويلة لدرجة أنه أصبح موضوعا مستهلكا بدوره».

يرى معظم كتاب الخيال العلمي أن هناك إهمالا نقديا لكتاباتهم يصل إلى حد التعالى من النقاد. لكن الناقد يوسف الشاروني يخرج عن هذا السياق، ففي عام 2000 صدرت الطبعة الأولى من كتابه «الخيال العلمي في الأدب العربي»، وعلى مدى سنوات طويلة كان من أهم المتحمسين لكتابات نهاد شريف. بحكم اهتمام الشاروني بهذه النوعية من الكتابة نطرح عليه سؤال الاستهلاك والإنتاج، فيجيب: «إنها مفارقة حقيقية أن نكون مستهلكين للعلوم الأجنبية ومنتجين لأدب خيال علمي عربي، لكن هذا يحدث فعلا. إنه طموح الأدباء العرب أن يعوضوا ما لم يفعله العلماء في بلدانهم». لكن هذه المشكلة ليست وحيدة من وجهة نظر الشاروني، فهناك مشكلات أخرى تعوق التلقي، وربما الإنتاج الأدبي ذاته: «ليست مشكلة استهلاك العلوم هي الوحيدة، فنصف الشعب المصري لا يزال أميا، كما أن هناك الأمية الثقافية، أضف إلى ذلك الأمية العلمية، لكن هناك كتابا تجاوزوا ذلك». هل امتد هذا التجاوز إلى الأفكار أم أن الاتهام الذي يوجه إلى كتاب الخيال العلمي بأنهم ناقلون قائم؟ سؤال يرد عليه يوسف الشاروني قائلا: «لا، هناك كتاب عرب نجحوا في طرح موضوعات مختلفة عما هو متداول في الغرب». إذن لماذا يتعامل معظم النقاد مع هذا الأدب على انه أدب درجة ثانية؟ يجيب: «أعتقد أنه تقصير من النقاد وتكاسل منهم، لأنهم يجرون وراء السائد ويهملون الجديد». يحدث هذا رغم أن الشاروني يؤكد أن هناك منجزا عربيا حقيقيا له نكهة عربية: «لكن أمام زخم الخيال العلمي في الخارج ربما يكون اهتمامهم بكتابات الخيال العلمي لدينا قليلا مقارنة باهتمامهم بالأدب الاجتماعي الذي يغوص في المحلية، إذا كان هذا مبررا في الخارج فلا ينبغي أن يكون هو المهنج المعمول به في الداخل».

الخيال العلمي وأدب الأطفال: هاري بوتر.. دلالات ومعان

ينظم المجلس الأعلى للثقافة في مصر احتفالية كبرى، في الفترة من 26 الى 28 سبتمبر( أيلول ) الحالي، بمناسبة مرور مائة عام على رحيل رائد أدب الخيال العلمي الفرنسي جول فيرن، من ضمن محاورها «أدب الأطفال»، وقد يكون من المفيد هنا القول إن سلسلة روايات أدب الأطفال العالمية «هاري بوتر» Harry Potter التي توقف أمامها كتاب أدب الأطفال في أنحاء العالم بالبحث والدراسة، خاصة بعد صدور الجزء السادس وقبل الأخير من هذه السلسلة التي ترجمت الى 62 لغة، وحققت أجزاؤها الخمسة السابقة، مبيعات مذهلة وصلت الى نحو 275 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، لتتحول الى ظاهرة عالمية، وتدعونا الى أن نتساءل هل فعلا «هاري بوتر» ظاهرة غير عادية تستحق هذا الاهتمام والنجاح والانتشار السريع؟ وما هي الأسباب والأسرار وراء هذا النجاح والآثار الايجابية والسلبية التي يمكن أن تنعكس على أطفالنا وشبابنا من وراء قراءة ومشاهدة «هاري بوتر»؟ وهل يمكن أن يكون لدينا «هاري بوتر» عربي نابع من بيئتنا وتراثنا الأدبي وتاريخنا بخصوصياته؟

تستحق سلسلة روايات «هاري بوتر» الدراسة والقراءة المتأنية من كتاب ونقاد وخبراء أدب الأطفال في عالمنا العربي، كما أن مؤسسات الثقافة لدينا بحاجة أيضا للتعرف على الأسباب وراء الرواج الكبير والتوزيع الخيالي لهذه السلسلة، لاستخلاص الدروس التي يمكن أن تفيدنا في ارساء قواعد جديدة لكتابة أدب الأطفال، تتناسب مع متغيرات العصر الحالية.

يذكر أن «هاري بوتر»، هي سلسلة روايات عالمية للكاتبة البريطانية جوان كاتلين رولينغ، المولودة في 31 يوليو 1965، وتقع أحداث هذه السلسلة في مدرسة داخلية مليئة بالمغامرات المثيرة، حيث يتعلم فيها الأطفال الألعاب السحرية، وهي تتناول قصة صبي نحيف يتيم يرتدي نظارة طبية، ويعاني من الاضطهاد الأسري، ودائما يتغلب على قوى أكبر منه بكثير، كما يمكنه أن يحقق النجاح بسهولة باستخدام السحر، والشهرة عن طريق الشجاعة، وقد صدر من هذه السلسلة حتى الآن ستة أجزاء.

يقود النجاح والرواج الهائل لهذه السلسلة للتساؤل عن أسباب نجاحها، وهل تعود لما فيها من خيال أو ما تتناوله من السحر؟ قد يكون ذلك أحد الأسباب، ولكن ما لدينا منذ زمن بعيد من أعمال أدبية رائدة، سواء في الأدب العربي أو العالمي، التي تتناول الخيال والخيال العلمي وقصص السحر والسحرة، ما يجعلنا نقول، ربما ارتبطت شعبية هذه السلسلة بكون هاري بوتر، رغم قدراته السحرية، شخصية قابلة للتصديق تتعامل مع قضايا الحياة اليومية، وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي للنجاح والرواج السريع لهذه السلسلة، فالكاتبة رولينغ وضعت يدها على واقع وآمال وآلام وطموحات الأطفال والناشئة في العصر الحاضر، واستطاعت برؤية حديثة وبمهارة ولغة جذابة سلسة، مع استخدام عنصر التشويق، أن تشبع رغباتهم وحاجاتهم وأحلامهم وأن توضح لهم كيفية مواجهة ما يقابلهم من مواقف حياتية، فعلى سبيل المثال هذه الروايات تشبع رغبة الفرد في النجاح بسهولة باستخدام السحر، ويؤخذ على ذلك أنه يولد لدى البعض عدم رغبة في العمل وانتظار المجهول، لتحقيق الأحلام، كما أن الروايات أيضا تشبع رغبة الفرد في السيطرة، فالصبي النحيف هاري بوتر، يستطيع التغلب على قوى أكبر منه بكثير، كما أن هذه الروايات تشبع لدى الناشئة العديد من الحاجات كالحاجة الى الشجاعة والشهرة والرغبة في مواجهة القهر والاضطهاد الأسري، الذي يواجهه الصبي اليتيم هاري بوتر، الذي يعيش منبوذا ومهانا في بيت خالته وزوجها وابنهما، ورغم هذا يستطيع بنجاح التغلب عليهم وفرض ارادته، وهذا ما نلمسه حاليا من بعض أطفال وشباب العصر الحالي، اذ يحاولون مواجهة ما قد يتعرضون له من اضطهاد وتسلط أسري. لهذا فان روايات «هاري بوتر»، ليست كما يعتقد البعض روايات سحر وخوارق، بل أنها تعالج برؤية حديثة الحكايات السحرية وأيضا رغبات وحاجات أطفال وشباب العصر الحالي.

وأخيرا فان ظاهرة «هاري بوتر»، تجعلنا نتساءل هل يمكن أن يكون لدينا عمل أدبي للاطفال يصل للعالمية ويحقق مثل هذا النجاح والانتشار الهائل، وكيف ذلك؟ كما أنها دعوة للدراسة المتأنية والجادة لواقع أدب الأطفال في عالمنا العربي، وكيفية النهوض به بما يتناسب مع احتياجات ورغبات أبنائنا، وبما يتماشى مع التطورات والمتغيرات السريعة الحادثة الآن في العالم، اذ من الملاحظ أن بعض كتاب أدب الأطفال ما زالوا يكتبون لهم من خلال طفولتهم هم، من دون أن يدركوا أهمية الأخذ في الحسبان قيمة وأهمية أن تتضمن أعمالهم الأدبية متغيرات العصر الجديدة، التي تنعكس على حياة وطريقة تفكير أبنائنا، كما أن الاقبال الشديد على سلسلة «هاري بوتر»، يؤكد أهمية وضرورة الاهتمام الجاد بالأعمال الأدبية التي تنمي الخيال بصفة عامة، والخيال العلمي بصفة خاصة، على اعتبار أن الخيال العلمي مدخل مهم لإعداد المبدعين وضرورة لاستيعاب علوم وتقنيات العصر الحديثة والاستعداد للمستقبل.

قصص الخيال العلمي تثري المجتمع والعلوم(4)

 تنطلق المركبة نحو الفضاء في سماء ولاية  فلوريدا المشرقة وعلى متنها ثلاثة رواد يواجهون المجهول بشجاعة في أول رحلة فضائية إلى القمر. تاريخ الحدث: 1865. 

كان كتاب الأديب الفرنسي جول فيرن "من الأرض إلى القمر" مماثلاُ جداً في الكثير من النواحي لأول رحلات أبولو إلى القمر، وهي الرحلة التي تم القيام بها بعد صدور الكتاب بأكثر من قرن. فالمركبتان تنطلقان من ولاية فلوريدا، ويتألف طاقم كل منهما من ثلاثة رواد، وتهبط كل منهما في المحيط بعد عودتها إلى الغلاف الجوي الأرضي. وفي حين أطلق على وحدة القيادة في مركبة أبولو اسم "كولومبيا"، أطلق فيرن اسم "كولومبياد" على وحدة القيادة في مركبته الفضائية الخيالية. 

وقد ساعدت قصة فيرن بشكل غير مباشر، مثلها في ذلك مثل الكثير غيرها من قصص الخيال العلمي، في تحويل الرحلات الفضائية إلى حقيقة واقعة من خلال إثارتها اهتمام عامة المواطنين بالفكرة التي كانت تبدو غير محتملة وحتى غير قابلة للتصديق ومن خلال دفعها علماء المستقبل إلى الانشغال بفكرة الرحلات الفضائية.

وقالت مارغريت وايتكامب، القيمة على قسم تاريخ الفضاء في المتحف القومي الأميركي للطيران والفضاء، في مقابلة مع نشرة واشنطن في 9 آب/أغسطس، إن  سبب العلاقة المهمة التي تربط بين أدب الخيال العلمي والعلوم هو أن كتاب القصص الخيالية العلمية الجيدين يتابعون الأبحاث العلمية الحديثة ويطرحون سؤال "ماذا لو" (حدث هذا أو ذاك من الأمور)؟ وهذه الأسئلة التي يطرحونها على أنفسهم وتدور أحداث مؤلفاتهم حولها هي بعض نفس الأسئلة التي يطرحها العلماء وتدور في خلد عامة المواطنين في الكثير من الأحيان. 

وأضافت أن كتاب القصص والروايات الخيالية العلمية يستطيعون جعل هذه القضايا أكثر إثارة وذات صلة أكبر بحياة قرائهم.

فعلى سبيل المثال، ارتكزت قصة الكاتب الأميركي مايكل كرتشتون "سلالة أندروميدا" التي صدرت في العام 1969 إلى هاجس حقيقي لدى العلماء آنذاك. فقد كانوا يخشون، إبان الرحلات الفضائية الأولى إلى القمر، عودة بعض الكائنات الحية مع الرواد من القمر إلى الأرض وقضاء تلك الكائنات على معظم سكان العالم، بشكل يماثل ما حدث قبل ذلك بقرون نتيجة حمل الأوروبيين فيروسات أمراضهم إلى القارة الأميركية عندما قضت تلك الفيروسات على الكثير من السكان الأصليين. وقد تناول كرتشتون في كتابه كيفية تحول تلك الإمكانية إلى حقيقة واقعة وما سيكون لها من تأثير على العالم بطريقة جعلت الفكرة مفهومة حتى لأولئك المفتقرين إلى خلفية علمية.

أما قصة فيرن، فتناولت من جهتها إمكانية مثيرة للاهتمام والحماس لا للرعب والخوف. وسرعان ما تمت ترجمة القصة، التي وضعت أصلاً باللغة الفرنسية، إلى الإنجليزية والروسية وغيرها من اللغات، مما حقق لها تأثيراً عالميا. 

وتروي القصة كيفية قيام أعضاء في نادي المدفعية في بلطيمور، بعد أن لم تعد لديهم مهمات ملحة في نهاية الحرب الأميركية الأهلية، بصنع مدفع لإطلاق كبسولة إلى القمر. ومما يثير الانتباه كون الكثير من حسابات وتكهنات فيرن، التي جاءت على أساس ما توفر في تلك الأيام من معلومات علمية محدودة عن الفضاء، كانت صحيحة ودقيقة إلى حد مدهش. وقد تطرق المؤلف الفرنسي في قصته إلى المواد التي يتم استخدامها وإلى طريقة ابتداع نظام فعال لتنقية الهواء وكيفية امتصاص الصدمة الناجمة عن التيار الهوائي الذي يسببه الانفجار العنيف المؤدي إلى إطلاق الكبسولة، وهي بعض نفس المشاكل التي واجهها العلماء بعد ذلك.

وأشارت وياتكامب إلى أنه في حين أن قصص وروايات الخيال العلمي كانت في بادئ الأمر مجرد أعمال أدبية تلقى رواجاً بين القراء العاديين، إلا أن ذوي الاهتمام العلمي بالرحلات الفضائية بدأوا يقبلون على قراءتها هم أيضاً بحلول بداية القرن العشرين. 

وقد قام روبرت غودارد، الذي يعرف بأنه "أب الصواريخ الحديثة" نظراً للتجارب التي أجراها على الصواريخ العاملة بالوقود السائل في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، بوضع إشارات على بعض الجمل والفقرات في نسخته من قصة فيرن في محاولة منه لمعرفة ما إذا كان من الممكن تحويل الخيال العلمي إلى حقيقة. كما سطر ملاحظاته في حواشي الكتاب وصحح بعض المعادلات الواردة فيه. 

وتعود بعض جذور أحدث الإضافات إلى مجال الرحلات الفضائية "مركبة الفضاء رقم 1" (سبايسشبون) هي أيضاً  إلى أدب الخيال العلمي. فقد تلقت هذه المركبة، وهي أول مركبة يصنعها القطاع الخاص للقيام برحلات فضائية مأهولة، الكثير من التمويل اللازم لصنعها من بول ألن، أحد مؤسسيْ شركة مايكروسوفت. وكان ألن يقرأ القصص والروايات الخيالية العلمية في طفولته ويلعب بالصواريخ المصنوعة للأطفال. وقالت وايتكامب: "سرعان ما تخطى اهتمامه ما يمكن لتلك الألعاب القيام به." وهكذا قام بقطع رجل مجوفة مصنوعة من الألومنيوم من إحدى قطع الأثاث الموجودة في باحة منزل العائلة، وملأها بوقود صواريخ صنعه في المنزل واستعد لإطلاقها. 

ولكنه نسي التدقيق في درجة الحرارة التي يذوب فيها الألومنيوم، مما أدى إلى عدم انطلاق صاروخه.

ولكن "مركبة الفضاء 1" حققت نجاحاً أكبر، إذ وصلت الفضاء مرتين وفازت بجائزة أنساري إكس لعام 2004، وقيمتها 10 ملايين دولار.

وقد أدرك بعض العلماء قدرة أدب الخيال العلمي على الاستحواذ على مخيلة الجمهور. وهكذا تعاون فيرنر فون براون، الألماني المولد وأحد أبرز علماء برنامج الفضاء الأميركي، مع مجلة كيولييرز في الخمسينات من القرن الماضي في نشر سلسلة من المقالات التي ناقشت احتمالات السفر إلى الفضاء. وقالت وايتكامب إن تلك المقالات كتبت على أساس علمي، إلا أنه تم إدخال عنصر الإثارة، وإن كان بشكل ضئيل، على بعض الرسومات الإيضاحية. 

وقد نشرت سلسلة مقالات كولييرز قبيل افتتاح أول مدينة من مدن ملاهي ديزني لاند في ولاية كاليفورنيا. وقال مايك رايت، المؤرخ في مركز مارشال للرحلات الفضائية في ولاية ألاباما، وهو مركز تابع لوكالة ناسا، في مقال بعنون "تعاون ديزني-فون براون وتأثيره على استكشاف الفضاء"، إن ديزني لاند اتصلت بفون براون طالبة مساعدته في تصميم قسم "أرض الغد" (تومورو لاند) في المدينة، فلم يتردد في اقتناص تلك الفرصة.

كما تعاونت شركة ديزني مع فون براون في وضع البرنامج التلفزيوني "رجل في الفضاء." ومزج فيلم "القمر مقصدنا" الذي عرض في عام 1950، هو أيضاً بين الترفيه والعلم، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل مؤثرات خاصة. وقد ساعد هذا التعاون كل من الطرفين في تعزيز شهرته ومكانته وفي كسب مزيد من المال. 

وقالت وايتكامب، في سياق حديثها عن استخدام أدب الخيال العلمي لإثارة اهتمام عامة المواطنين بالعلوم، إن "ما يحتاج إليه المرء قبل قيام الكونغرس بإصدار قوانين لتمويل (البرامج العلمية)، هو أشخاص متحمسون لها."

ولكن أدب الخيال العلمي يجسد أيضاً الرأي العام السائد. وقد ذكرت وايتكامب، كمثال على ذلك، شخصية الرجل العنكبوت (سبايدرمان). فقد اكتسب الرجل العنكبوت الأصلي قوته الخارقة عندما لدغه عنكبوت مشعّ، مما عكس المخاوف النووية في الخمسينات من القرن الماضي. أما في أحدث صيغة لهذه القصة، فإنه يكتسب قوته الخارقة نتيجة لدغة عنكبوت تم تعديل جيناته، مما يعكس بواعث القلق السائدة اليوم.

وقد عادت قصص وروايات الخيال العلمي إلى مجال الرحلات الفضائية أخيرا، وهو المجال الذي ساعد فون براون في ريادته. ولكن السؤال المطروح الآن، بعد أن أصبحت الرحلات الفضائية أمراً مألوفاً، هو المكان التالي الذي سيتم الانطلاق إليه. وقالت وايتكامب: "إن الأفلام مثل فيلم "أرمجدون" وفيلم "رعاة بقر الفضاء"... تدور من نواح عديدة حول كون وكالة الطيران والفضاء الأميركية، ناسا، في مفترق الطرق، تحاول اكتشاف توجهها الجديد. فمع مرور الأعوام على بدء برنامج المكوك الفضائي، ومع مرور الوقت على بدء برنامج الفضاء، تحاول التفكير بما سيكون التوجه الجديد لاستكشاف الفضاء."

يمكن الحصول على مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع بالرجوع إلى صفحة "العلوم والتكنولوجيا" وصفحة "الحياة والثقافة الأميركية،" على موقع يو إس إنفو الإلكتروني، باللغة الإنجليزية.

الخيال العلمي ومستقبل الوعي الإنساني(5)

مفهومان للخيال العلمي: الخيال العلمي كفن من فنون الكتابة, وهو فن روائي مستحدث في القرن العشرين, وليد الوعد الذي بشرت به الطفرة الهائلة في مجال تقدم العلوم والتقانة في عصر الصناعة, وآثار تلك الابتكارات القائمة والمحتملة, سلبا وإيجابا, على حياة المجتمعات والأفراد والبيئة.

وتمثل الاكتشافات والتطورات العلمية الفعلية والمتخيلة, خلفية العمل الروائي للتكهن بالإمكانات العلمية مستقبلا وبواقع حال المجتمعات والأفراد والطبيعة. وعرف أدب الخيال العلمي أسماء أدباء وسينمائيين ومفكرين عديدين من أمثال ألدوس هكسلي, وهربرت جورج ويلز, وعظيموف, وماريون زيمربرادلي, وكليف ستابلس لويس, وستابلدون وليام أولاف. وكانت لكتاباتهم تأثيرها الكبير في الخيال العلمي الحديث الذي عرف طريقه إلى الإخراج السينمائي.

الروائي والعالم: بين المغامرة المعرفية والطفرة الحضارية

وأدب الخيال العلمي هو خيال لروائي مثقف علميا, متابع لإنجازات العلوم, مجذوب مبهور باحتمالاتها, وتغدو كتاباته مسرحا تنطلق عبره خيالاته طليقة العنان بين الكواكب وفي الأعماق ومع الكائنات, وإن اتخذ من إنجازات العلوم منطلقا له مبشرا بوعد العلم أو منذرا بوعيده. ويفتح بكتاباته آفاق الكون ميسورة لخيال ومدارك العامة, ليتحد الإنسان مع الكون الذي يغدو على اتساعه اللانهائي بيئة مألوفة له, وموطنا يسكنه ويسكن إليه, ويتحرك فيه مؤمنا بقدرته على الفعل والتغيير. ويتميز أدب الخيال العلمي باتساع آفاق مداركه, واندفاع رغباته نحو البحث والمغامرة المعرفية, والسباحة بخياله, وربما بفعله مستقبلا, في أجواء الفضاء وأعماق الكون. إنه قارئ عصر حضارة الصناعة والمعلوماتية على عكس قراء تهويمات القصص عن عالم سفلي أو عالم الجان الذين يتطلعون إلى الكون في خوف ورهبة وضعف وسلبية.

وقد يكون الخيال العلمي, وهذا هو المعنى الثاني, خيال العالم الباحث. ومثل هذا الخيال حافز ومقدمة للإبداع, وهادٍ ومرشد لطريق البحث العلمي, وتعبير صادق عن حلم يغدو علما في المستقبل… ربما المنظور… أو ليبقى نقطة بحث في جدول أعمال البحث العلمي. هكذا كان خيال الإنسان بشأن اختراع طائرة مثلا, أو خياله بشأن النقل الإذاعي عبر الفضاء, وكذا خياله في القرن العشرين بشأن شبكة اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية وهو ما تطور وتجسد في صورة شبكة الإنترنت, أوخيال راهن بشأن إنسان المستقبل.. الوعي والمعرفة, واتحاد وعي الإنسان بالتقانة, ودخول عصر جديد يصفه الخيال العلمي بأنه عصر ما بعد المعلوماتية أو عصر التقانة الواعية.

إن العالم في بحثه النظري أو المعملي يسبقه خياله المؤسس على المتوافر لديه من إمكانات وإنجازات, وبذا يكون خياله هنا خيالا علميا وإن لم يصغه في نسيج روائي.ويمثل الخيال العلمي هنا الوقود الروحي لقوى الابتكار التي تضع حلولا لمشكلات الحاضر, أو تنطلق بالإنسان ماديا وعقليا ومجتمعيا إلى مستقبل يتجاوز حدود وقيود الواقع الراهن. ومن ثم يكون الخيال العلمي عمليا سبيلا لطفرة تطورية تجسد نقلة حضارية ترتقي بالإنسانية.. أو هكذا ينبغي أن تكون, ما لم تفسده مخاطر وأطماع وشهوات الصراع الإنساني.

والخيال العلمي بأي من المعنيين مشروط اجتماعيا من حيث الميلاد والنشأة والنضج والشيوع. إنه وليد واقع اجتماعي منتج للعلم, سبّاق في مضمار المنافسة بين أحلام العلماء ومشكلات واقع حياة المجتمعات. وهو في غير مجتمعات العلم لطيم يتيم غريب, إن لم نقل غير موجود. وإن تيسرت قراءته ترجمة, فهو تزجية فراغ وتجل لمعجزات, وليس عدة باحث يرى الفعل العلمي والعقل العلمي أداة إنجاز وتحقيق أحلام.

الخيال العلمي وعلوم المستقبل

والخيال العلمي غير علوم المستقبل… ذلك أن علم المستقبل تخطيط لممكن تأسيسا على إنجازات واقع مدروس في ضوء مناهج بحث لعلوم متداخلة, وتأسيسا على احتمالات تكاد تصل إلى حد اليقين بفضل تطوير ما هو ميسور من إنجازات التقدم العلمي التقاني. ولكن الخيال العلمي, خيال العلماء, حلول مأمولة انطلاقا من البحث العلمي الدءوب, ومن خيال طليق يطوع الواقع… الممكن أداة في أيدي أهل النظر والسياسة والتخطيط, والمأمول حلم يراود العالم ويتحدى به الممكن ليتجاوزه, وربما تنفتح عليه أبواب وتتهيأ قدرات لم تكن في الحسبان.

ومن أمثلة هذا الضرب من الخيال العلمي أوخيال العلماء كتاب بعنوان: (عقل المستقبل - الذكاء الاصطناعي), تأليف جيروم كلايتون جلين, والذي كان مصدر وحي وإلهام لمدارس فكر فلسفي, ولأحلام علماء معنيين بالسيبرناطيقا والاتصالات. والكتاب في واقعه أقرب إلى الخيال العلمي, ورؤية علمية لمستقبل الإنسانية تأسيسا على وقائع وإنجازات العلوم الآن واحتمالات المستقبل المتمثلة في تجاوز عصر المعلوماتية إلى عصر ما بعد المعلوماتية… عصر التقانة الواعية, ونتائج ذلك على الإنسان والمجتمع والاقتصاد والسياسة.

التقانة الواعية

يوضح جلين أن المجتمعات الصناعية يسودها اعتقاد بشأن المستقبل يتمثل في أن البشر سيندمجون مع التقانة, وأن التقانة ستندمج مع الوعي. وأصبح بإمكان التقانة الآن أن تحاكي خصائص المعرفة عند البشر, وخصائص تركيب الصوت, والبرمجة الذكية للكمبيوتر. وسوف تجري صناعة أدوات وأجهزة متناهية الصغر نستخدمها ملحقات لأجسام البشر سواء لاستبدال أعضاء أو لمضاعفة القدرات. وهكذا تختفي تدريجيا مظاهر التمايز والاختلاف بين البشر والآلات. وتظهر التقانة الواعية ويبدأ معها عصر حضارة التقانة الواعية أو عصر ما بعد المعلوماتية. ويمكن فهم التقانة الواعية على أنها, حسب رأيه, نظرة إلى العالم ترى أن الحضارة تتطور في صورة متصل تقاني بشري, عن طريق اندماج التقانة مع أجسادنا, واندماج أجسادنا مع التقانة, وبذا تتوحد نظرة الفيلسوف الباطني والتقاني إلى العالم. ويرى أن تكوين تقانة متناهية الدقة والصغر لاستخدامها في أغراض علاجية أو لمضاعفة قدرات البشر يمثل اتجاها قويا نحو سبرجة الإنسانية, أي ظهور ما يسميه السيبورج أو الإنسان التقاني (الإنسقاني) حيث تتحد التقانة مع جسم الإنسان لأداء الوظائف الحيوية.

ومع زيادة معارفنا بشأن النمو الحيوي وكيفية محاكاته, سوف نعيد تنمية أجسامنا على نحو جديد, بدلا من عمليات الزرع الإلكتروحيوية, وهكذا تظهر كائنات فائقة القدرة. وليس هذا بغريب, حيث إننا الآن نصنع تقانة متناهية الصغر لتأدية مثل هذه الوظائف وكأنها ملحقات مكملة لأجسامنا, شأن منظم القلب. ويتوقع الوصول إلى تقانة تضاعف من قدرات أجسادنا, من ذلك: - زرع رقائق عصبية لتكون أدوات وصل إلكترونية مع الخلايا العصبية للمرء وتتصل بكمبيوتر. - زرع رقائق حيوية من مركبات عضوية وتؤدي الوظائف الحيوية العادية.

- شجرة المعرفة التي تجسد هذا العالم المتفاعل من الاتصال المشترك الحاسوبي والسمعي والبصري وأجهزة الاستعادة. ذلك أنه مع استخدام التقانة متناهية الصغر, ومع دمج المنظومات التقانية, وتوافر قابلية النقل والاتصالات وأدوات الاستشعار البيولوجية سوف تنشأ حالة ربط تربط المرء بالعالم بحيث يتمكن من الاتصال بكل من وما يريد الاتصال به.

شجرة المعرفة

إن شجرة المعرفة بهذا المعنى ستكون منظومة اتصال واستعادة متموضعة وشاملة العالم كله.

وهي منظومة حاسوبية وسمعية وبصرية عبر أقمار اصطناعية فائقة القدرة وتعمل مع أجهزة استقبال ذات قوة منخفضة محمولة بحيث يمكن نقلها وضبطها وملاءمتها للتركيب على هاتف أو راديو أو تلفزيون. وسوف تكون شجرة المعرفة هذه هي جواز السفر الحقيقي للمرء إلى المنظومات الكوكبية.

وتساعد على توسيع نطاق المعرفة والاتصال للمرء, ومن ثم نشوء علاقات متنوعة علاوة على زيادة تعقد وشدة الخبرة البشرية وتفاعلاتها على نطاق كوكبي. إنه إنسان فائق القدرة (سيبورج) معرفيا وفكريا أيضا.

وإذا كانت شجرة المعرفة هي جواز سفر المرء, فإنها هي وتقانة الوعي ستخلق إنسانا جديدا من حيث القدرات المادية والمعرفية والفكرية هو السيبورج - الإنسان فائق القدرات - مع توحد الجسم والأفكار. ولن ينتمي إلى هذا المحيط ويفيد به وينعم بثرائه إلا إنسان أو مجتمع استطاع بفضل مساهماته العلمية التقانية أن يتجاوز واقعه الراهن. ولن يتجاوزه إلا من ينتمي عضويا إلى شجرة المعرفة, جواز السفر الجديد. إنه إنسان وسعت قدراته المعرفية والفكرية أطراف الكون, يعيش شبكة كونية يتفاعل ويتواصل معها بفضل رصيده من فكر, ورصيده من فعل ونشاط, ورصيده من أحلام المستقبل, أي الخيال العلمي. ويرى البعض هذا بشيرا لحياة أفضل, ونذيرا للمجتمعات التي آثرت التواكل.

ويقول جلين إن الأفكار تدفع وتصوغ مستقبل العلم والتقانة, ولكن الكيفية التي نسوس بها الأفكار هي التي تحدد معدل ونوع الاكتشافات العلمية, مما يعني تطوير منهج جديد لإبداع وإدارة الأفكار. يضاف إلى هذا بنوك المعرفة والمعلومات التي تختزن الأفكار وتنظمها في صورة نسقية أو في صورة علم لقوانين الفكر سوف تجعل جهدنا في إدارة الأفكار أمرا سهلا, وسوف يكون للقائمين بإبداع وتنظيم واستثمار هذه الأفكار قدراتهم الفائقة بفضل امتلاكهم لهذا الرصيد وقدرتهم على إدارته وتغذيته. وطبيعي أن الاندماجات الجديدة بين الوعي والتقانة, وربط قواعد وقوانين المعلومات المستقبلية بشبكات الكمبيوتر الدولية وشجرة المعرفة الكوكبية, كل هذا سوف يؤدي وبشكل جذري إلى سرعة توليد وتحليل أفكار جديدة ومهولة من حيث الكم, ومتلائمة مع قدرات السيبورج, الإنسان المتحد مع التقانة المجسدة في الوعي الكوكبي… أو العقل الكوكبي المتفاعل مع الأفراد بإمكاناتهم الجديدة التي هيأها العلم والتقانة. وهنا يكون عقل المرء عقدة وصل عصبية داخل شجرة المعرفة. وجاء هذا الخيال منطلقا لمدرسة علمية فلسفية معاصرة تحمل اسم مشروعها الطموح أو مشروع المبادئ الأساسية للسيبرنية. وتعكف المدرسة على دراسة مستقبل التقانة والعقل في المجتمع, وهو ما سوف نعرض له في مقال آخر. ودفع هذا الخيال العلمي مفكرين آخرين من أمثال جون بي. كلعون إلى بحث إمكان بناء ما يسميه الإضافة المخية, أي إضافة رقائق عصبية تقانية مكملة للمخ. ويتنبأ بأن أجهزة تماثل الكمبيوتر ومنظومات متشابكة ومتداخلة من هذه الأجهزة سوف تحاكي الوظيفة البيولوجية للمخ, ومن ثم معالجة أكثر كفاءة وفعالية لمنتجات فكر المخ البشري, ومعالجتها لاستخدامها مرة ثانية في التأمل البشري وتهيئة إمكانات لطفرات حضارية متوالية.

برمجة المخ

ويرى مفكر آخر هو تيموثي ليري أن التاريخ في جوهره هو حوار بين الجهاز العصبي المركزي وبين الدنا DNA. ومن ثم فإن الكشف عن أسرار (الدنا) من بين القضايا الأساسية في البحث من أجل إعادة ابتكار الحياة بفضل إنجازات الهندسة الوراثية. ويؤكد أن الدنا تصنعنا تاريخيا, ولكننا نتقدم باطراد من أجل إعادة صنع وصوغ الدنا تماما مثلما نصنع الكمبيوتر والروبوت وإذا بهما يعيدان صنعنا, أي تنقلنا التقانة إلى حياة جديدة الصياغة والقدرات والآفاق.

ومثل هذه الحياة المتخيلة والممكنة سوف تخلق إطارا فكريا/ثقافيا لبرمجة مخ الإنسان على النحو الذي نبرمج به الكمبيوتر. وليس في هذا جديد من حيث النهج, حيث إن دور الثقافة الاجتماعية تاريخيا هو برمجة المخ على أساس ما نسميه فضائل نلتزمها ورذائل نتجنبها ونصوغ ما نسميه الضمير.

لهذا, فإن الاستعداد لحياة المستقبل يستلزم ما يصفه جلين بعبارة كهربة التعليم, أي إحداث تغيير ثوري جذري في التعليم وصولا إلى تعليم يخلق أذكياء..أي المُنْتَج هو الذكاء. ويقول ناقدا حياة الغرب التعليمية: إن خطأنا الأساسي أننا ندفع مقابل مدخلات تعليمية ولا ندفع مقابل مخرجات تعليمية… وأهم هذه المخرجات الذكاء… والقدرة الإبداعية… وخلق الحافز الذي يحفزنا لكي نكون أذكياء ذوي مناعة ضد وسائل الحروب الجديدة. إن الصراع قاعدة الحياة. وإن الحروب بين المجتمعات كان هدفها في عصر الزراعة السيطرة على الأرض. وكان هدفها في عصر الصناعة السيطرة على رأس المال الإنتاجي وعنصره. ولكن الحروب في عصر المعلومات هدفها السيطرة على العقول. وإذا استطعت أن تجعل العالم يغير عناصر مدركاته وتفكيره ليفكر على نحو ما تريد أنت, إذن لا حاجة للغزو بجيش بري, والنصر لزاما للأقوى علميا وتقانيا, للأذكى المشارك عضويا في حضارة المستقبل. إنه سيد حضارة العصر الجديد, حضارة عصر التقانة الواعية أو عصر ما بعد المعلوماتية والمتحكم في شجرة المعرفة. وهنا مناط التمييز والتمايز بين خيال علمي حافز وتخييلات أو تهويمات مفارقة لا تضع أقدام أصحابها على أرض الواقع.

لماذا الكتابة في الخيال العلمي ؟(6)

قلت في نفسي عندما بدأت هذا المقال: ماذا سأكتب لقراء لم تسمح لي الفرصة أن تعرفت على ميولاتهم واهتماماتهم ومستوياتهم؟

ربما بعضهم سمع عني أني أكتب في الخيال العلمي، ولو أنّ المثقفين العرب وحتى الأجانب لا يهتمون كثيرا بهذا الأدب. لكنّ تجربتي أقنعتني أنّ الشباب يهتمّ كثيرا به، ويرغب في مطالعته رغم قلة كتابه في اللغة العربية. وحتى أستدرج بعض المثقفين الرافضين لهذا الأدب فسأحاول الإجابة عن هذا السؤال: لماذا ولمن أكتب رواية الخيال العلمي؟

بادئ ذي بدئ لا بدّ أن أشير هنا أني زيادة عن كتابتي في الخيال العلمي فإني كتبت رواية “واقعية” وسأصدر قريبا رواية ثانية في هذا الصنف.

أكتب في الخيال العلمي لأنه بكل بساطة يمكنني من نظرة شاملة للبشرية. أعتقد راسخا أنّ الجنس البشري واحد، وأن الاختلافات الثقافية والحضارية هي تنوع ثري لهذا الجنس؛ ولذا عندما أكتب في الخيال العلمي أحاول أن أرى هذا الإنسان يعترف بهذه الحقيقة التي تتداول في كل مكان لكنها لا تتجسد في واقع إنسان اليوم.

كتابة الخيال العلمي تسمح لي بأن أعانق الكون بكل أبعاده، كما تمكنني من نشر ثقافة كونية مبنية على ما توصل إليه الإنسان من معرفة عن هذا الكون. فرواية الخيال العلمي، زيادة عن التقنيات السردية التي يجب أن يمتلكها الكاتب، فهي تفرض عليه اطلاعا جيدا على العلوم المختلفة المتصلة بالسياق، وخيالا واسعا يسمح له بأن يركب قطار الزمن سواء في رحلته إلى المستقبل أو في رجوعه إلى الماضي.

الزمن والعلم والخيال هي العناصر الأساسية في رواية الخيال العلمي.

الزمن يغريني بكل أبعاده. تصرف الإنسان مع الزمن هو ثلاثي الأبعاد: يعيش الحاضر لكنه لا يتخلص نهائيا من الماضي، ولا يمكنه أن لا يتطلع إلى المستقبل. كاتب الخيال العلمي يسمح لنفسه بأن ينظر إلى هذه الجدلية بمنظار محايد بعيدا عن لحظة التبلور، وغير ملتصق بلحظات الماضي، ومتحكما في سياق المستقبل. وهذه اللعبة شيقة إلى حدّ كبير يجد فيها كاتب الخيال العلمي متعة لا توصف، كما أنها تمكن القارئ من الإبحار في عوالم متعددة. الزمن هو الكون لأن المادة التي تكوّن هذا الكون ترضخ إلى جدلية الزمن. ألم يقل أينشتاين أن الكون يتمطط مثل الزمن، وإنّ فرضية تسريع الزمن تضعنا في عالم غير مادي. كاتب الخيال العلمي ينطلق من هذه المقولة العلمية ليبحث من خلال تمطط الكون فرضيات مختلفة لواقع الكون، ويسعى إلى تسريع الزمن ليكتشف ولو بخياله كيف تتحول المادة إلى طاقة، وكيف يمكن للإنسان العيش خارج كتلته المادية. أليس هذا مغريا للكاتب؟

العلم بالنسبة لكاتب الخيال العلمي ليس تلك المادة الجافة صاحبة اللغة الخاصة العصية، أو تلك المعادلات الرياضية التي تسمح بامتلاك الدقة والموضوعية والنجاعة في التطبيق. العلم بالنسبة لكاتب الخيال العلمي هو ما يمكّن الإنسان من فهم دقيق لعالم المادة ولتفاعلاتها، للحياة وتشعباتها، للإنسان وتناقضاته. ومنطلق كاتب الخيال العلمي عندما يستند إلى العلم في سرده هو الحقيقة العلمية التي توصّل إليها العلماء بأدواتهم وآلياتهم ومعادلاتهم. تلك الحقيقة التي تفجّر خيال الكاتب فيُنشأ بها عالما خياليا لكنه ممكن التحقق بما أنه يستند إلى الحقيقة العلمية. ففي هذا المجال يسمح كاتب الخيال العلمي بأن يستبق تطبيقات الاكتشافات العلمية، ويصنع واقعا ربما يرى النور في أحد محطات الزمن الراكض أبدا نحو المصير المجهول. ولا أدلّ على ذلك مما قام به أحد رواد كتاب الخيال العلمي المعاصرون الفرنسي جول فارن Jules Verne ، فقد رأت مخترعات جول فارن العلمية الخيالية، وجودا فعليا مائة سنة بعد وفاته. بل هناك من العلماء من يترقب من كتاب الخيال العلمي تجسيدا لتصوراتهم العلمية، لأن صاحب الخيال عندما يمتلك المعرفة العلمية يصبح أكثر التصاقا بمستقبل الاختراعات العلمية.

لا بدّ أن أشير هنا أني لست بالعالم، ولكنّ مطالعاتي مكّنتني من اكتساب معرفة علمية سمحت لي بفهم القضايا العلمية التي يطرحها علماء هذا العصر.

الخيال هو الذي مكّن الإنسان من الخروج من طور الحيوانية بالمعنى البهيمي للكلمة إلى طور الإناسة. فلولا خيال الإنسان لما طوى كل تلك المراحل من تطوره ليصل إلى ما هو عليه اليوم. خياله هو الذي دفعه للاستنباط، وهو الذي قرّب إليه المعرفة، وهو الذي مكّنه من تصور عالم أفضل يتبدل كلما أدركه لأن طموح الخيال لا حدود له. كان الرسام في المجتمعات البدائية يصنع الحدث لأنه بخياله يتنبأ بما سيحصل للصيادين وهم في طريقهم إلى الصيد، وتلا الرسام الراهب الذي قرأ الرموز. وفي مجتمعاتنا العصرية عوّض الأديب كل من الرسام والراهب، وجاء كاتب الخيال العلمي ليتنبأ بمستقبل البشرية. لعبة الخيال لدى كاتب الخيال العلمي فيها متعة كبير لأنها متحررة من كل ضوابط التخيل في المجالات الأخرى.

والخيال في كتابة الخيال العلمي يسافر إلى اتجاهات متعددة:

- حلبة الزمن وهي التي تسمح بالعودة إلى الوراء حيث ما شاء الخيال، بل تسمح أيضا بمزج الحاضر والماضي، وخلق شخصيات تعيش بين حافتي الزمن، تعيد الماضي، تجترّه، وتقتني من الحاضر تتغذى به. لعبة ولع بها الأمريكان في السنوات الأخيرة، بينما هي ولدت في القرن التاسع عشر، وظهرت منها روايات كثيرة شغف بها الجمهور في ذلك الزمن.

- بؤر الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، والبراكين، وارتطام صخرة كونية بالأرض. وهنا يتفنن الخيال في الوصف والتدقيق والإثارة. ويظهر مكنونات النفس البشرية ومدى تأثير القيم الإنسانية في تلك الوضعيات العصيبة في حياة المجموعات البشرية. كما يظهر مدى عبقرية الإنسان في استنباط البدائل، واختراع الوسائل لحماية الحياة. وهذا النوع من الروايات والأفلام طغى في السنوات الأخيرة على جل رفوف وشاشات العالم المتقدّم صناعيا.

- أطوبيا المدينة الفاضلة، وهو نوع قديم قدم الأدب، وكان من رواده الفيلسوف الإغريقي أفلاطون برائعته “الجمهورية”. هذا النوع من كتابات الخيال العلمي أقرب الأنواع للخيال البناء الذي يصبو إلى عالم جديد متجدد، يكون فيه الإنسان مسؤولا عن مصيره، متحكما فيه حسب ما يتوفّر له من معرفة وإمكانيات مادية وعقلية. وهذا النوع يسمح لكُتّاب الخيال العلمي من نقد واقع مجتمعاتهم، أو واقع البشرية بصفة عامة مع تقديم الحلول الكفيلة بإخراج الإنسان من التردي الذي يصيبه عندما لا يدرك أنّ الحياة لا قيمة لها دون قيم الرقي والتقدم والطموح إلى الأفضل.

عالم اليوم يغلب عليه الغموض، والتناقضات، وانسداد الرؤى. فما أحوجنا إلى الخيال العلمي لكي نرى المستقبل أكثر وضوحا، ونرى قيم التقدّم تتغلب على قيم التخلف، ونستجلي عالما يتحد فيه البشر من أجل المعرفة والرقي وتطويع المادة لخدمة إنسانية الإنسان. هذا ما أحاول طرحة في رواياتي للخيال العلمي والتي كتبت منها ثلاث، وأطمح أن أكتب أكثر. وكل ما أصبو إليه هو أن تجد كتاباتي طريقها للقراء عبر العالم العربي.

كلمة أخيرة: تأخرت في الكتابة الأدبية لأنّ تكويني اللغوي لم يكن يسمح لي بممارسة لغتي الأم، إذ تكونت منذ الصغر بلغة فلتار، وحذقتها، وكتبت بها غير الأدب. ثم اكتشفت أنّ تلك اللغة أي الفرنسية تشبه الشجرة التي تحجب الغابة. وعندما اهتديت إلى الغابة، أي لغة الجاحظ، عدت ألتقي بذاتي، وقررت أن لا أتوقف عن الكتابة لأن لغتي الأم، العربية وجدت فيها متعة، ورحابة صدر، وجمالا فياضا أسعدني.

الخيال العلمي فى الأدب العربي المعاصر.(7)

الكـتاب: الخيال العلمي فى الأدب العربي المعاصر.

المؤلف: يوسف الشاروني.

النـاشر: مكتبة الأسرة، سلسلة الأعمال الكاملة 2004.

فى العام التاسع من عمر مهرجان القراءة للجميع، قدم المهرجان عدداً من السلاسل الجديدة، كان من أهمها: سلسلة الأعمال الكاملة، والتى تحوى الأعمال الكاملة للعديد من الكتاب، وكان كتاب (الخيال العلمى فى الأدب العربى المعاصر) ضمن الأعمال الكاملة للكاتب القصصى والناقد الأدبى (يوسف الشارونى).

فى مقدمة الكتاب يحكى المؤلف عن السيرة الذاتية للكتاب، والتى بدأت مع (نهاد شريف) عام 1971 وروايته (قاهر الزمن)، التى أصبح الخيال العلمى بعدها أحد اهتمامات (الشارونى)، وكما يقول: ".... تتيقظ حواسى النقدية، كلما عثرت على عمل إبداعى ينتمى إلى هذا النوع الأدبى، ويستحق التقديم للقارئ العربى .."

وعلى مر الشهور والسنين، تبلورت وتكونت فصول هذا الكتاب، ورأى المؤلف من حقها أن تتجاور لتتكامل، وتخرج إلى الوجود كائنًا أدبيًا، شاهدًا على الجهود المبذولة فى هذا النوع من أدبنا العربى المعاصر، حتى نهاية القرن العشرين.

الفصل الأول بعنوان (دراسات فى أعمال أدبية) يبدأ بالكلام عن رواية (قاهر الزمن) للكاتب (نهاد شريف)، والتى تقوم على تساؤل هام: هل للطبيب العالم أن يستخدم جسد الإنسان حقلاً لتجاربه، وهل يباح ارتكاب جريمة باسم العلم، وتعذيب إنسان بغرض إطالة حياة إنسان آخر ..؟!

 

وفى المجموعة القصصية الأولى لـ (نهاد شريف) بعنوان (رقم 4 يأمركم) والتى كانت سمتها الأولى الصراع الدرامى بين قوى تستخدم العلم لقهر الإنسان، وقوى أخرى تستخدمه للقضاء على هذا القهر، ويكون النصر فى جانبها.

ثم ينتقل المؤلف للكلام عن الرواية الثانية لـ (نهاد شريف) بعنوان (سكان العالم الثانى) والتى تدور حول حلم البشرية فى استغلال قيعان البحار والمحيطات، عن طريق مجموعة من العلماء الشبان، الذين لجئوا إلى قاع البحر، لبناء ما يشبه المدينة الفاضلة، بهدف العمل الجدى من أجل خدمة الجنس البشرى وسعادته.

يتوقف المؤلف عند هذا الحد فى الكلام عن أعمال (نهاد شريف)، وينتقل إلى كاتب آخر هو (محمد الحديدى) وروايته (شخص آخر فى المرآة) والتى تدور حول لاعب الكرة (تامر مدكور) الذى أصيب بحادث هشم مخه تمامًا، والدكتور (رمزى حبيب) الأستاذ بالجامعة، والذى وقع له حادث هشم جسده تمامًا، فأجريت له جراحة عاجلة، نزعوا خلالها جزءًا من مخ الدكتور (رمزى) لزرعه فى رأس لاعب الكرة، ليصبح أمامنا شخص اسمه (تامر) نجم من نجوم الكرة، يحمل فى أعماقه شخصية الدكتور (رمزى) أستاذ الجامعة، وتكون هذه الازدواجية هى الأساس الدرامى للرواية.

بعد ذلك يعرض المؤلف لرواية (هروب إلى الفضاء) للكاتب (حسين قدرى) المنشورة عام 1981، والتى تدور حول سفينة فضائية سرعتها فى الثانية الواحدة تساوى ست ساعات أرضية، والتى استخدمها العلماء للوصول إلى كوكب بعيد، حيث يتواجد بشر آخرون، لكنهم يعيشون فيما يشبه المدينة الفاضلة.

وفى آخر صفحات هذا الفصل، يقدم لنا المؤلف رواية (جريمة عالم) للدكتورة (أميمة خفاجى) والتى نشرت فى موسكو عام 1990، والتى تدور أحداثها حول الهندسة الوراثية –مجال دراسة المؤلفة- ومخاطرها.

فى مقدمة الفصل الثانى المعنون (الخيال العلمى فى الأدب العربى)، يتكلم المؤلف عن فكرة أدب الخيال العلمى، وعن اتجاهين أساسيين فى أدب الخيال العلمى، الأول قاده الروائى الفرنسى العظيم (جول فيرن) والذيى يقوم على استخدام العلم على أساس واقعى، أو كما يقول (فيرن) نفسه: "لقد بنيت دائماً اختراعاتى على أساس من الحقائق، واستخدمت فى صناعتها طرقًا وموادًا ليست فوق مستوى المعلومات المعاصرة والهندسة الماهرة." ويهدف هذا الاتجاه إلى استغلال الحقائق العلمية لتسلية القراء بمغامرات ممتعة.

أما الاتجاه الثانى فقاده الكاتب الإنجليزى (هـ. جـ. ويلز) الذيى يقول عن رواياته أنها: "تدريبات للخيال، ولا تدعى تناول أشياء يمكن تحقيقها." وهذا الاتجاه يقوم على تسخير الأدب والمتعة القصصية والتشويق لخدمة الثقافة العلمية.

ثم يتناول الكاتب فى نقاط هذا الفصل عددًا من الشخصيات التى تناولت الخيال العلمى فى أعمالها الأدبية، ومن ضمن هذه الشخصيات: الدكتور (مصطفى محمود) .. (رءوف وصفى) .. (يوسف السباعى) .. (فتحى غنيم) .. (توفيق الحكيم) .. وغيرهم.

وتدور صفحات الفصل الثانى حول تيمة (اليوتوبيا) أو المدينة الفاضلة فى قصص الخيال العلمى، ويتصدر هذا الفصل مقدمة أو لمحة تاريخية عن نشأة فكرة المدينة الفاضلة، ثم يعرض نماذج لهذه التيمة من خلال أربع روايات لأربعة مؤلفين.

أما الفصل الرابع فيدور حول تيمة أخرى، هى تيمة (الأطباق الطائرة) فى أدب الخيال العلمى، ولكنه فى هذه المرة يقتصر على نموذج واحد فقط هو (نهاد شريف) فى مجموعته القصصية (أنا وسكان الفضاء) وروايتيه (الشيء) و (ابن النجوم).

ويعود المؤلف فى الفصل الخامس إلى فكرة تجميد أجساد البشر، والتى سبق مناقشتها فى الفصل الأول، ولكن هذه المرة من خلال كاتبة كويتية هى (طيبة أحمد الإبراهيم) وثلاثيتها: (الإنسان الباهت) .. (الإنسان المتعدد) .. (إنقراض الرجل) .. والتى تندمج فيها فكرة الاستنساخ أيضاً، وتنتهى بنهاية مفتوحة مثيرة إلى أقصى حد .. تحمل خيارًا من اثنين: إنقراض البشرية .. أو بداية جديدة لها !

وفى الفصل الأخير من هذا الكتاب، يتناول المؤلف عرضًا لكتاب (الخيال العلمى أدب القرن العشرين) للكاتب (محمود قاسم)، الذى كتب عن مراحل تطور الخيال العلمى، وتناول الأقسام الفرعية لأدب الخيال العلمى، مثل الفانتازيا العلمية، والظواهر العلمية الخفية، ويختم (محمود قاسم") كتابه بفصل عن أدب الخيال العلمى عن الأدباء العرب، وفصل أخير عن السينما وعلاقتها بالخيال العلمى.

لست طبعًا فى مستوى نقد عمل متميز كهذا، لكاتب قدير مثل (يوسف الشارونى)، لكننى فقط سأعلق على بعض السلبيات ، من وجهة نظرى ، التى لفتت انتباهى أثناء تصفح الكتاب، وأولى هذه السلبيات: التكرار الممل لسرد أحداث الروايات التى تعرض لها المؤلف فى فصول الكتاب المختلفة، فعلى سبيل المثال: تكرر سرد (رقم 4 يأمركم) مرتين فى الفصل الأول، و (سكان العالم الثانى) و (قاهر الزمن) مرة فى الفصل الأول، ومرة أخرى فى الفصل الثانى، ثم (سكان العالم الثانى) مرة ثالثة فى الفصل الثالث !

تجلت هناك حفاوة غير عادية بكتابات (نهاد شريف)، فقد خصص له المؤلف نصف الفصل الأول تقريبًا، والباب الرابع بأكمله، كما تناول أعماله مرة أخرى فى الفصلين الثانى والثالث، هذا سوى الحديث المتناثر عنه فى بقية صفحات وفصول الكتاب.

كما تعرض الكاتب لبعض التجارب الروائية والمسرحية، والتى لا تنتمى إلى الخيال العلمى فعليًا، وإنما هى على حد تعبير المؤلف: "على هامش الخيال العلمى" ولا يعتبر الخيال العلمى فيها هدفًا أو أساسًا فى حد ذاته، وإنما كان مجرد وسيلة لإيصال فكرة أو مضمون فلسفى، ينتقد الواقع الذى نحياه. ويذكر من ذلك تجارب لأديبنا الكبير (توفيق الحكيم) و (فتحى غنيم) و (يوسف السباعى)، فى الوقت ذاته تجاهل المؤلف كتابًا بارزين فى عالم الخيال العلمى، أمثال د. (نبيل فاروق)، الذى قرأت له أجيال عدة من المحيط إلى الخليج، وأصبحت له مدرسته الخاصة جدًا والمتميزة فى كتابة الخيال العلمى.

وربما جاءت الفقرة الأخيرة من الكتاب بمثابة اعتذار عن تلك النقطة بالذات، حيث يقول المؤلف: "وأخيرًا فإن هناك نقدًا قد روجه إلى الكتاب أنه أغفل كثيرًا من الأسماء اللامعة، التى كتبت فى أدب الخيال العلمى، ولا سيما من بين الكاتبات، لكن الرد على ذلك هو أن هذا الكتاب لم يقصد به مؤلفه أن يكون موسوعة فى أدب الخيال العلمى، بل هو مجرد بداية ومؤشر، وخطوة على الطريق."

أدب الخيال العلمي(8)

يقال: "إن الأفكار لا تهبط من السماء بل تصعد إليها، وتتفتق في المجرات لتعود إلى الأرض من جديد لتترك بصمة في كل الأشياء من حولنا"، فالمصطلحات التي تطلق على الأعمال التي تبالغ في تصوير المستقبل وتنقلنا إلى عالم الميتافيزيقيا أو ما يعرف بما وراء الظواهر المحسوسة هي نفسها التي تعرف بالخيال العلمي الذي لا يمكن للعقل البشري أن يصل إليه إلاّ عن طريق التخمينات والتأملات·

ولعب هذا الخيال دورا كبيرا في النفاذ إلى أعماق المستقبل واستشراف جزء كبير من معطياته، بل إن بعضه تمكن من النجاح في تحقيق نسبة دقيقة من المقاربة بين الخيال والواقع المعيش لدرجة قد تذهل المطلع على بعض الحقائق من دقة هذا الخيال في رسم صورة الواقع خاصة في الوصول إلى الاكتشافات والاختراعات العلمية·

ولعل أدب الخيال العلمي هو الرائد في بلورة هذا الفن أو العلم ووضع الخيال على المحك والرهان على تحوله إلى حقيقة في يوم ما، ويعتبر المؤلف الفرنسي العظيم جول فيرن من أوائل كتّاب الخيال العلمي، ومن المعروف أن معظم الخيال في رواياته قد تحقق لحد مذهل فيما بعد، وتكفي روايته المشهورة "20 فرسخا تحت الماء" التي كتبها عام 1870م·

التي تدور أحداثها حول غواصة تجول تحت الماء وما تواجهه من مخاطر، وإسهابه في إرفاق تفاصيل لشكل الغواصة ومواصفاتها، ووصفه للصواريخ بعيدة المدى، والطائرات النفاثة التي كانت سابقة لأوانها بما تعنيه الكلمة، فلا وجود للغواصات أو الطائرات النفاثة آنذاك، أيضا كتب فيرن روايته "من الأرض إلى القمر" التي وصف فيها الهبوط على القمر وشكل المكان هناك وطريقة مشي الرواد وكيف تنطلق المركبة من الأرض عن طريق صاروخ يقذف بها، والطريقة التي يعود الفريق بها، وذلك بأن يهبطوا على البحر بالمظلات·

وهو ما حدث بشكل مشابه جداً مع مركبة أبولو 11 وذلك بعد مرور قرن كامل على روايته، وإلى جانب جول فيرن تبرز العديد من الأسماء التي ساهمت في تطور هذا الأدب وكان اقرب إلى علم التنبؤ من كونه نوعاً من فنون الكتابة ولعل أشهرهم الكاتب الانجليزي هيربرت ويلز الذي يعتبره البعض المؤسس الحقيقي للخيال العلمي الحديث ومن أشهر رواياته وأعظمها على الإطلاق "آلة الزمن" التي كتبها عام 1895·

وتؤكد الكاتبة "صفات سلامة" وهي إحدى المتخصصات في هذا الحقل على أن أهمية الخيال تكمن في أنه يجعل الفرد مبدعا في تفكيره، إضافة إلى انه ينمي لديه القدرة على التصور لما ستكون عليه الأشياء والأحداث في المستقبل وكيفية الاستعداد لمواجهتها، لذلك أدركت الدول المتقدمة أهمية الخيال العلمي في إعداد وتنشئة جيل من العلماء والمبدعين، فقامت بإدراجه في مناهج التعليم المختلفة، وافتتحت أقساما دراسية بالجامعات في تخصص أدب الخيال العلمي·

وأكدت على أن دراسة الخيال العلمي جزء لا يتجزأ من استراتيجيات المستقبل، وتقارن الكاتبة بين هذا الوضع في العالم المتقدم وبين الوضع في عالمنا العربي الذي لم يشهد اهتماما مماثلا أو حتى متناسبا مع تلك الأهمية، وذهبت الكاتبة إلى توضيح مواضع الإخفاق في هذا المجال وتحديدا في الثغرات التي تعاني منها نظم التعليم العربية من عدم إعطاء الخيال والإبداع حقهما من الاهتمام، مما يؤدي إلى إغفال تنشيط قدرات النشء الإبداعية، فلايزال البعض ينظر بحساسية واستغراب لهذا النوع من الأدب، وبالتالي يحجم الكثير من مؤسسات الثقافة ودور النشر عن نشر هذا الأدب لعدم إدراكها لأهميته في تطور العلم والتكنولوجيا وفي إعداد العلماء والمبدعين·

ومن المعروف أن الخيال العلمي هو الذي يقرب مفردات العلم من عقلية الطفل، فربط العلوم النظرية بالتطبيق أي تثقيف الطفل علمياً بشكل صحيح لا يتأتى إلا بربط العلوم النظرية بالواقع منذ المراحل الأولى للطفولة، وتقسم مراحل الطفولة إلى أطوار يختلف في تقسيم سنين هذه المراحل علماء النفس إلا أن الغالبية تتفق علي أن الطفل بين الثالثة والخامسة يتميز بخياله الجامح المقيد في البيئة التي يحيا فيها، ويقلد بأفعاله من حوله، ويقتبس عنهم أعمالهم وتحركاتهم، لذا يتحتم توجيه الطفل للتعلم الجاد المنتج والعناية بتثقيفه العلمي·

وشحن تصوراته وأفكاره بقصص تتحدث عن إنجازات العلم الباهرة، ومستقبله المضيء· فالتخيل عملية استحضار لصور لم يسبق إدراكها من قبل إدراكاً حسياً كاملاً، مثل استحضار الطفل صورته لنفسه وهو يقود مركبة فضاء أو يلتقي بكائنات عاقلة من كواكب أخرى أو أن ينتصر على بطل العالم في المصارعة·

أو يلعب في مباراة حامية بكرة القدم مع فريق عالمي، وغير ذلك من الصور التي ترتبط بالعوالم التي يتابعها، ما يؤدي إلى رسم صورة ذهنية تحاكي ظواهر عديدة في الكون، لنصل إلى حقيقة مفادها أن الخيال أميز صفات الإنسان، وكلما برع في التخيل، برع الابتكار والاختراع·

وإذا تعمقنا في هذا الفن المتميز بين فنون الكتابة الأدبية سنجد أن أدب الخيال العلمي في عالمنا العربي لا يزال نادرا، بل ان هناك الكثير من التساؤلات التي تحيط به ولعل أهمها يرتبط بمدى الوعي بأهمية هذا الأدب والموضوعات التي يتصدى لها·

إضافة إلى اتفاق النقاد على وجود أزمة مصطلح في الإعلام العربي حيث تدخل كلمة فنتازيا على خط أدب الخيال العلمي وللإنصاف هناك بعض الكتاّب الذين اشتهروا بالكتابة في هذا المجال ومنهم نهاد شريف ومن أشهر أعماله قاهر الزمن، وسكان العالم الثاني، وأحزان السيد مكرر، والكاتب طالب عمران وروايته إكسير الحياة، والكاتب الدكتور مصطفى محمود وروايته العنكبوت، ود·نبيل فاروق الذي كتب سلسلة ملف المستقبل وغيرها من الروايات التي تنتمي لأدب الخيال العلمي·

ولا يخفى أن العالم العربي ممثلا بأدبائه قد غذتهم الأساطير وتغلغلت إلى أعماقهم لدرجة الاستحواذ، بل يمكن القول إنهم برعوا في هذا النوع من الكتابات، ولعل تاريخ "ألف ليلة وليلة" خير دليل على سيطرة الأسطورة على ميولهم الأدبية حتى الوقت الراهن، وإذا كان الأدب العربي قد حصد نجاحه من التاريخ، فإن الأدب الغربي يعيش عصره الذهبي من امتطاء صهوة الخيال والتحليق بعنفوان في ارض خصبة، فهل يحمل لنا المستقبل من ينافس مؤلفة "هاري بوتر" في سلسلة نجاحاتها، بترجمة تتجاوز ثلاثاً وستين لغة·

أنواع و تيمات الخيال العلمى(9)

فى العدد الاول من المجلة تكلمنا عن الخيال العلمى، حاولنا تعريفه و التمييز بينه و بين الفانتازيا .. و قلنا انه يعتمد اكثر ما يعتمد على الافكار و الابداع فى تخيل او توقع ما سيحققه العلم .. دعونا نبحر الآن مع اهم تيمات الخيال العلمى..

مدارس الخيال:

من اهم التقسيمات المتداولة تقسيم الخيال العلمى حسب الدقة العلمية للتنبؤات و استخدام القوانين و الظواهر العلمية فى الاستنتاج و هذا يفرق الى مدرستين - الفروق بينهما ليست واضحة بالقدر الكافى و غير متفق عليها اتفاقا تاما- و هما :

1-الخيال العلمى الصعب ( hard science fiction):

كتاب هذا النوع من الخيال العلمى يلتزمون بقواعد العلم بدقة شديدة و يحاولون الاعتماد علي الدقة التقنية قدر الامكان مما يؤدى الى اهمال تطور الشخصيات و افتقارها للعمق اللازم .. و يلاحظ اعتماده على المواد العلمية البحتة مثل : الفيزياء و الكيمياء و علم الفلك..

من ابرز الامثلة لادباء هذا النوع :

جول فيرن (Jules Verne ) قديما.. و ارثر سى كلارك(Arthur C. Clarke) حديثا

2- الخيال العلمى اللين ( soft science fiction ):

لا يتم الالتزام بحرفية العلم و الدقة بقدر الاهتمام بالتشويق و الابداع فى السياق القصصى،و الاهتمام بالشخصيات و تطورها على مدار العمل .. و يلاحظ ميله الى العلوم الاقل مادية و الاكثر اجتماعية مثل : علم الاجتماع و الانثروبولجى و العلوم النفسية

ابرز امثلة ادباء هذا النوع:

هربرت.ج.ويلز ( H. G. Wells ) قديما.. و روبرت هاينلاين (Robert A. Heinlein ) حديثا .

 

هناك انواع اخرى من تصنيفات الخيال العلمى : مثل الخيال العلمى الاجتماعى و الخيال العلمى العسكرى و قصص السايبربنك و غيرها من الانواع الذى يمكن اعتبارها كتيمات و البعد عن وضعها كتصنيفات مستقلة .

المرة القادمة سنهتم بالتركيز على مدرستى الخيال اللين و الخيال الصعب، نتناول اهم الكتاب و نبحر مع بعض الأعمال التى تركت بصمات دائمة فى عالم الخيال .

 أهم التيمات :

نعتمد هنا على ما قام به د. احمد خالد توفيق فى العدد رقم 40 من سلسلة فانتازيا .. مع بعض الاضافات الفرعية .

1- غرباء بيننا : هذا هو عالم الفضائيين الاوغاد الذين يغزون الارض .. سواء كانوا واضحين لنا (قصص الغزو) او مجهولين ( رعب هل امك هى امك حقا؟) .. كقاعدة لا تثق فى الكائنات الفضائية فتسعة من كل عشرة منهم سفلة .. اى تى ( ET) هو الاستثناء الوحيد الذى يؤكد القاعدة.

يضم الى هذا ما يعرف بالخيال العلمى العسكرى : الذى يتناول صراعات عسكرية ارضية او فضائية و تكون فيه الشخصيات الاساسية لجنود اوافراد قوات خاصة .. و تتضمن القصة تفصيلات عن تكنولوجيات متطورة للاسلحة و تقنيات حربية جديدة و قد يتوازى هذا مع صراعات تاريخية حقيقية او يكون امتدادا لها. هذا الخيال العسكرى نستطيع ضمه تحت قصص (ما بعد المحرقة) او قصص (نقيض اليوتوبيا).

2- التاريخ البديل: Allohistory او الاوكرونيا Uchronia

ماذا لو لم يغز (هتلر ) روسيا و بذلك احتفظ بقوته ليغزو انجلترا و امريكا؟ .. ماذا لو لم تهزم (روما ) هانيبال؟.. ماذا لو لم نكتشف لبترول كمصدر طاقة ؟

هناك كذلك العاب تاريخية اخرى عديدة مثل : التاريخ يكرر نفسه ( فى دورات زمنية طويلة او قصيرة المدى).. او ال ( psychohistory) و هو نوع من الخيال العلمى يمزج بين العلم التطبيقى و علم الاجتماع و الاحصاءات الرياضية ليصور - تقريبا - النمط الحرفى لمستقبل مجموعات كبيرة من البشر و ابرز كتاب هذا النوع الكاتب الشهير (اسحق عظيموف – Isaac Asimov) ..

ايضا فكرة ( التاريخ السرى – shadow history) من الافكار الشيقة جدا التى تفتح المجال لمحاولة مراجعة التاريخ و اعادة قراءة العديد من الاحداث التى تم تغييرها عن عمد او نسيانها .. مسلسل ( The X Files) له نصيب كبير من هذه الفكرة .. و كذلك كتاب (Foucault’s Pendulum) للمؤلف (امبرتو ايكو – Eco) .

3- العوالم البديلة (parallel worlds) : هناك مجرات اخرى، عليها ارض اخرى، و بكل منها نسخة منك اخرى ..

طبعا هذه الفكرة مع فكرة الفجوات الزمانية ( hyperspace) تستخدم كثيرا سواء فى السفر عبر الزمن او فى حروب الفضاء.

4- تحدى الجاذبية : هذا ببساطة حلم الطيران .

5- الانتقال الجزيئى ( الانتقال الآنى او اللحظى- teleportation ) : تدخل الكابينة فى مصر تذوب جزيئاتك و تظهر فى استراليا.

التطور فى وسائل النقل من اهم مفردات التنبؤ بالمستقبل و يضم العديد من الافكار مثل: الطرق المتحركة و الجيمات ( GEMS) اختصارا ل ( Ground Effect Machines) و- هى ماكينات تتحرك فوق وسادة هوائية و تعمل فوق البحر او الارض عن طريق الديناميات الهوائية- وهى ايضا تسمى ب ( الطوافة الهوائية - Hovercraft) .. وغيرها الكثير من الافكار و الاشكال الجديدة للمنطاد و الطيران العمودى او غير ذلك .

6- خلف الحقول التى نعرفها : عوالم اخرى تختلف عنا فى كل شئ .. يطلقون عليها القصص التولكينية نسبة ل ( Tolkien) صاحب سيد العوالم (Lord Of The Rings)..

هنا يتداخل الخيال العلمى مع الفانتازيا كما سبق ان فصلنا فى تبويب الفانتازيا العلمية او ال ( science fantasy).

7- مدن الغد : المدن التى يعيش فيها فضائيون او بشر الغد.

8- السايبر بانك ( cyberpunk) : عالم التسلل على الانظمة (Hackers ) والكمبيوترات او الروبوتات ذات الذكاء الصناعى (Artificial Intelligence) و السايبورج ( cyborg) و هو مزيج بين الانسان و الروبوت.. و عوالم محاكاة الواقع او ال ( Virtual Reality).. فيلم ماتريكس من ابرز الامثلة لهذا النوع ..

و هناك جانب اخر ميتافيزيقى و هو سحر الفودو و الزومبى على نطاق فضائى طبعا .. اذكر هنا مثالا من لعبة (نصف حياة – Half Life 2) حيث تقوم القوات الغازية للارض بتطوير جيل من البشر الفضائيين (combine) يقوم بدور الحرس و القوات المسلحة لهم على الارض .. و نتيجة حدوث العديد من الكوارث و الظواهر الغير طبيعية يتحول بعض هؤلاء الى زومبى !! – زومبى مزيج بشرى فضائى ذو ذكاء صناعى- و يطلق عليهم فى اللعبة اسم (zombine).

9- اليوتوبيا (Utopia) المدينة الفاضلة .

10-نقيض اليوتوبيا ( Dystopia) او ( Kakotopia) المستقبل الذى ينتظرنا شنيعا ككابوس .. ابرز مثال لهذه القصص هو رواية الكاتب (جورج اورويل - Orwell) الشهيرة 1984 و كذلك رواية الكاتب ( راى برادبورى Bradbury-) فهرنهايت 451 و غيرهم..

تنضم هذه القصص الى تصنيف يسمى الخيال العلمى الاجتماعي الذى يهتم بدراسة المجتمعات و يحاول كتابه ان يستشفوا مستقبل المجتمعات البشرية و تطور القيم الاخلاقية مع الابتعاد عن اوبرات الفضاء و التكنولوجيات المعقدة .. هذه القصص لها وظيفة تنبؤية و كذلك تحذيرية مع محاولة لنقد الاوضاع الحالية الخاطئة و فى بعض الاحيان محاولة تقديم الحلول ..

11- الادراك الفائق للحواس ( ESP = Extra Sensory Perception) و فى هذه السلة ضع قارئى الافكار و المحركين عن بعد و المستبصرين و العرافين و غيرهم ..

يتداخل هؤلاء مع السوبرمانات و اصحاب القوى الخارقة عامة .

ايضا ال psi (psyche) + electronics ( machines) : (Psionics) .. و هو مصطلح شهير فى عالم الخيال العلمى يدمج بين القوى النفسية و القدرة على تحسينها او تطويرها تكنولوجيا.

12- البحث عن الخلود : بكل اشكاله ومتضمنا الاحياء المؤقت و الكرايونيكس (Cryonics) و هو التجميد .. هناك افكار كثيرة تتعلق بهذا المفهوم و هو يشغل الانسان منذ الازل . و نجد له اثارا فى اغلب الاساطير الشعبية و التاريخية مثل : جلجاميش .

13- الارض التى غفل عنها الزمن : العنوان لا يحتاج لتوضيح فهناك الف رواية تدور على هذا المحور بدءا ب (اطلانتيس) و قارة (ليموريا) و انتهاء بمجاهل الكونجو.. ادجار رايس بوروز (Burroughs) من ابرز الكتاب هنا.

14- الاختفاء : لا يحتاج العنوان الى تفسير..

15- الخيال العلمى الشهوانى ( Space Erotica) : نوع شائع جدا فى الغرب

16- اوبرات الفضاء ( Space Opera) : و الحقيقة ان اغلب الناس يعتقدون ان هذا هو الخيال العلمى و لا شئ سواه .. سيوف اليزر و الامبراطور و معارك مكوكات الفضاء .. فيلم حرب النجوم ( star wars) نموذج باهظ التكاليف من هذا النوع .. يقول ناقد امريكى ان هذه القصص تتلخص فى (ان هناك الكثير من القذارة فى الفضاء الخارجى) .. و هى معلومة لا تبرر كل هذا الانفاق .

17- السوبرمانات (Superhuman ) : هذه سلة تضع فيها سوبرمان و الرجل العنكبوت و كل من يتسلل الى زقاق مظلم ليبدل ثيابه ثم يطير ليمنع الطائرة من السقوط .. هذه من النقاط الامريكية المهمة التى يلتقى فيها الخيال العلمى بفن الشرائط المصورة ( الستريبس)او ال (comic strips) و هما صنوان لا يفترقان فى الثقافة الشعبية الامريكية.

18- السفر عبر الزمن: طبعا هذه تيمة لم يستطع كاتب خيال علمى واحد ان يفلت منها منذ ان بدأها الكاتب النرويجى (هيرمان فيسل) مرورا بالقصة الاشهر ل ( ويلز)

19- اعماق البحار : تيمة اخرى لن ننساها .. و قد تتداخل مع التيمة رقم 14 غالبا ما يقابل الغواص قارة مغمورة هى (اطلنتس) على الارجح.

ايضا الرحلة الى مركز الارض - على عنوان قصة جول فيرن الشهيرة - تظل دائما تشغل تفكير البشر

20- ما بعد المحرقة ( Post-apocalyptic Fiction) : الارض بعد حرب نووية او وباء او نفاد الطاقة حيث يعود الانسان لحياة الكهف و يصير اقرب الى الوحوش .. طبعا هذه من اهم التيمات لدى كتاب الخيال العلمى

21- العلم ينفلت عياره : هنا كل انواع التجارب الخاطئة التى لا تكف عن صنع المسوخ او طفرات وراثية يقوم بها مخابيل او علماء عديمو المسئولية .. هذه قصص رجعية جدا ترى ان العلم فى حد ذاته خطر داهم و هنا يظهر العسكريون لينقذوا العالم .. انهم الاكثر حكمة و كفاءة حسب هذه القصص..

سوف نلاحظ هنا انها نفس اجواء الرعب القوطى .. فقط انزع مصاص الدماء او الشبح و ضع بدلا منهما مسخا او اختراعا مخيفا .

التكنولوجيا الحيوية او ( البيوتكنولوجى – Biotechnology) بكل وسائلها و منتجاتها تدخل تحت هذه التيمة من الخيال العلمى كما يمكن استخدامها فى تيمات اخرى عديدة .. تكنولوجيا ال )دى ان ايه معاد الاتحاد - Recombinant DNA ) فتحت ابوابا عديدة فى هذا المجال.. و اهم مجالات البيوتكنولوجى : الاستنساخ و الهندسة الوراثية و الاعضاء الصناعية او مايسمى بال ( artificial organs) و كذلك نقل الاعضاء ..و تداعيات كل هذا .

ايضا مصطلح ال (Bionics) يجذب الانتباه فى هذا المجال و هو مكون من :

Bio (biology) + electronics و هو يحاول تعريف محاولات الهندسة العلمية لتصنيع ميكانيزمات او بدائل لظواهر طبيعية حيوية (المضاهاة او المشابهة الحيوية - (biomimetics و هو يفتح المجال امام العديد من التطبيقات شديدة الاهمية مثل (artificial neurons) او (الخلايا العصبية الصناعية) و غيرها من التطبيقات.

22- النوع الذى يضم اكثر من تيمة او يضم هذا كله. 

الخيال العلمي في أدب الأطفـــــــــال(10)

   ان قصص الخيال العلمي تدخل في باب الادب الخالص من بعض الوجوه وتدخل في باب العلم الصرف من وجوه اخرى..انه خيال نقي متعلق بعلم النفس بكثافة من ناحية القوانين السايكولوجية التي تتحكم في الخيال من حيث كونه ظاهرة سايكولوجية ملحوظة ومألوفة وطريفة في آن واحد وهذا ما يجعل الادباء وعلماء الطبيعة وعلماء النفس والتربويين معنيين جميعاً به كل من زاويته الخاصة

وعليه:يحتل ادب قصص الخيال العلمي مكانة مرموقة في المجتمع المتقدم الحديث ويحظى باهتمام علماء الطبيعة من علماء الرياضيات والفيزياء كما يحظى باهتمام الادباء وعلماء النفس وكذلك لدى المعنيين بشؤون التربية والتعليم فيما يخص طلاب الصفوف الثلاثة الاخيرة في التعليم الابتدائي من البنين والبنات الذين تتراوح اعمارهم بين السنة العاشرة والثانية عشرة من العمر..

ان من المهام الوطنية على المعلم ان ينمي هذا الخيال ويرعاه ليسهم في توسيع مدارك التلاميذ ويطرح لهم صوراً شيقة ذات مردود ايجابي تجعل التلميذ يحلق عالياً في سماء تفكيره ويلتذ حسياً بالسرد القصصي للصور الخلابة ليتقبلها عفوياً من خلال الشعور بلذة الاستمتاع لما يقوله المعلم وهو يجسد القيم التربوية بلغة غير مباشرة كأن يتحدث لهم عن اسد يدافع عن عرينه بعد خطر داهم ويهبّ لنصرته بنو جلدته من الاسود مدافعين معه وبذا يكون المعلم قد رمز للدفاع عن الوطن وحشد مفاهيم التعاون والمساعدة وغرس في اذهان التلاميذ مفهوم الدفاع ونمّا عندهم حالة الانتصار للاسد من خلال تفاعلهم الوجداني معه وعليه:

فان ادب قصص الخيال العلمي يتصف بصفتين متلاحمتين من حيث المحتوى:

الجانب السلبي الذي ينصب على نقد الجوانب السلبية الشائعة في المجتمع الحديث والجانب الايجابي المتمثل في البديل الافضل الذي يتخيله الكاتب.

ومضافاً الى هذا يتصف ادب قصص الخيال العلمي بصفتين اخريين من حيث الاسلوب:

هي الوصف الموضوعي الواقعي للاحداث مقروناً  بالمبالغات الادبية ثم الجانب الرومانتيكي (الخيالي الجمالي) اي العرض الشيّق كون ادب قصص الخيال العلمي عموماً مستمداً من حيث محتواه الاجتماعي من الواقع المحسوس الذي يعيشه الكاتب وهذا هو جوهره وهو بطبيعة الحال ليس ادباً جامداً بل صاعداً في حركته الى الاعلى ومتقدماً الى امام بمراحل ثلاث متتابعة ومتبادلة هي:

الماضي بمنظور الحاضر والحاضر بمنظور المستقبل كحاضر منظور من الناحية الفنية الجمالية معبر عنها بالاناقة الفنية وعليه تصبح الرومانتيكية بمعنى (الدينامية) جزءاً لا يتجزأ من الواقعية في ادب القصّ العلمي الخيالي وهذا ناجم عن ان الصور الادبية الانيقة التي تطرحها روايات كتّاب ادب قصص الخيال العلمي ذات المحتوى الاجتماعي هي في حقيقتها تعبير عن عالم المحيط الاجتماعي والطبيعي لكنها ليست تعبيراً فوتوغرافياً طبق الاصل.

اي ان محتوى تلك الصور الفنية ذات الصفة الجمالية مستمدة في الاصل من الواقع الذي يعيشه الاديب بخياله المجنّح مراعياً فيه الزمان والمكان من حيث البعد والقرب.

وبما ان الخيال في جوهره هو الجانب اللاواقعي في حياة الانسان العقلية والانفعالية بالرغم من كون عناصره ومقوماته مستمدة اصلاً من البيئة الطبيعية والاجتماعية التي يعيش فيها الانسان الا انه في المحصلة يتحول الى خيال يعبر عن نفسه في التأليف او الجمع غير المألوف بين اشياء محسوسة موجودة بشكل مبعثر ومتباعد في الزمان والمكان لغرض اظهارها بأشكال جديدة غير مألوفة من حيث علاقتها ببعضها علماً ان الخيال يظهر في جميع نواحي المعرفة الانسانية والعلوم بما فيها الرياضيات والفنون والادب والشعر بدرجات متفاوتة البعد عن الواقع.

وكلما ابتعد الخيال عن الواقع المحسوس كان ارقى بحيث يوحي للاطفال بانه حدث جديد برغم الاختلافات الكبيرة والكثيرة في تباين اراء الكبار والصغار الناجمة عن الفرق في الثقافة والنضج الاجتماعي والقدرة على التعبير علماً ان خيال الطفل يعبر عن نفسه في سن مبكرة من خلال استخدام الطفل الادوات والاشياء المنزلية المألوفة باشكال غير مألوفة (في نظر الكبار) اي ان الاطفال ينظرون الى الاشياء المادية الموجودة حولهم والى علاقاتها ببعضها ثم الى وظائفها في ضوء قرينة جديدة يراها الكبار غريبة وربما تافهة او سخيفة احياناً وهذا واضح في العاب الاطفال ورسومهم واسئلتهم وتفسيراتهم للحوادث الامر الذي يتطلب من الاباء والامهات والقائمين على تعليمهم في المرحلة الابتدائية تشجيع هذه المبادرات والتساؤلات الفردية واثرائها بالايضاح والتحليل والتطوير بجميع الوسائل المتاحة تصاحبها رحابة صدر بالرد وبلغة شفافة عن السكوت الذي يعتبره الطفل اهمالاً لقيمته ككيان  شخصي ناشئ يصاب بالاحباط او بالزجر والانفعال الامر الذي يكبح تطلعات الطفل الى جو ارحب فينطوي على نفسه ويخلد الى تفسيراته وتعليلاته المتناسبة مع مستوى تفكيره.وحين لايجد الطفل من يقف الى جانبه يشد ازره في تعليلاته وتساؤلاته نتيجة لضعف المستوى الثقافي للمحيطين به ليجنح الى اطلاق العنان لاخيلته بما شاء لها من التعليل وعليه..لابد من تهيئة جميع المستلزمات المادية المساهمة في فتح منافذ الخيال عند الاطفال ولعل ابسطها واضعفها هو التشجيع والتوجيه والتفاعل الوجداني المقرون بالحنان والربت على كتفي الطفل من باب اشعاره بقيمته الانسانية واعلان الاهتمام به من خلال المشاركة الوجدانية والاشادة بجهوده مهما كانت متواضعة وهذا التعامل يسهم في بناء شخصية الطفل تربوياً ويدفعه نحو التحفيز على بذل مزيد من الجهد الاضافي وتوسيع افقه الثقافي وتطوير قدراته الذاتية لتوفير فرص الابداع مستقبلاً حيث تكون عملية الاعتزاز بالذات عاملاً مباشراً في غرس الثقة بشخص الطفل عن طريق اعداده كرجل للمستقبل.

نظرة حول افلام الخيال العلمي الاخيرة(11)

 حرص القائمون على صناعة السينما في هوليود على انتاح مجموعة من افلام الوحوش في حقل أفلام الخيال العلمي ، لقد كانت البدايات الاولى في عام 1930 ، حيث كانت سينما الخيال العلمي مجرد خيالات بدائية مع الموسيقى المستقبلية التي تلائم النغمة التوافقية على سبيل المثال افلام ميترو بوليس ، عام 1935 نذكر فيلم امبراطور الاشباح “phantom Embir” وفيلم الكاوبوي “جين أوتري” وفيلم سفينة الصحراء عام 1963 وفيلم “ فأر في القمر” ، كانت بداية لرحلة أولى لكوميديا الخيال تحت اسم افلام “فلاش جوردن” ، ثم بدأت عجلة أفلام الوحوش بالدوران ، حتى عام 1950 عندما ظهر فيلم “ليلة الجني” “The night of the lepus” وهو تصوير لعالم الوحوش الضارية ومدى سيطرتها على البشر ، أما فيلم “اوديسا تحت الماء” Odyssey under-sea موضوع يصور مغامرات تقوم بها الغواصة “جوليس فير” تحت الماء ومواجهتها لاخطار المارد العملاق الذي يحاول تدميرها بأي شكل من الاشكال ،   

 افلام جديدة في تعاملها مع المفاهيم المستقبلية بمزيد من المنطقية في تصوير الاحداث ، ثم انتقلت هوليود الى انشاء مباني كبرى تمثل المدن الفضائية والمخلوقات الغريبة التي تعيش في تلك المدن الفضائية مع اضافة تقنيات جديدة تعتمد على الكمبيوتر كأسلوب جديدة في تصوير أفلام الخيال العلمي بقالب جديد ، استمد السينمائيون قصص افلام الخيال العلمي من العلوم الحديثة ومن سلسلة التجارب الحديثة التي تتعامل مع التنبؤات ، وعلاقة الكائنات الحية بعضها مع بعض مع ظهور بعض الاختلافات العلمية بين حين و آخر ، ظهر ذلك واضحا في فيلم “ مستودع الشظايا “ The dumping of canister” ويصور مرض عظام الاطراف وهو داء مزمن يتميز بتضخم اليدين والقدمين والوجه لوجود خلل في الغدة النخامية وتعبير للبشر الذين يستهلكون كميات كبيرة من الاسماك ثم يصور عملية نقل الهرمونات الصناعية الى الانسان المصاب ، أخرج الفيلم بيتر شاشدي مامر ، ان المشاكل الحقيقة في ترجمة أدب الخيال العلمي الى الشاشة تتطلب نقل الروح الاصلية الى الفيلم لصنع نتائح تاريخية لافلام لاتنسى واستخدام السرد القصصي والحيل السينمائية ، ثم انتشرت أفلام تصور عالم القردة بحميع تفاصيلها الخيالية وذلك في فترة السبعينيات من القرن الماضي من خلال تصوير كوكب القردة وهم يحاولون السيطرة على البشر ويستعبدونهم لأداء أعمال حقيرة لاتقوم بها الا الحيوانات حيث يتحول البشر الى عبيد والقرود الى أسياد ، وذلك في فيلم “ الهروب من كوكب القرود” الذي يصور رحلة الهروب البشري من كوكب القردة وكفاح الأم من أجل الحفاظ على الطفل الذي ولد من احدى فصائل حيوان الشمبانزي، كان تصوير عالم القردة يبدو غريبا وشاذا بالنسبة للمشاهدين عبر تلك التكنولوجيا السريعة ولكن سرعان ما تآلفوا على مشاهدتها بعد مرور سنوات من عرضها، أما فيلم “ انني اسطورة” للمثل شارلسوت جيستون ذو الاداء الرائع وهو يصور الكفاح من أجل البقاء ، هجوم الجراثيم التي قتلت أغلب سكان الارض وتركت الناجين يواجهون المصير المحتوم بعد أن تحولت أجسادهم اثر اصابتهم بالحراثيم الى مصاصي دماء، وفيلم “ انفجار الفقاقيع” ويصور الرجل الآكل للبروتوزم انتج الفيلم عام 1971 ولقد شكل مادة خصبة لصانعي افلام الخيال العلمي و تصوراتهم للتطورات العلمية في القرن المقبل ، أما فيلم كوبريك”Over blowen epic” فهو يتحدث حول ايكولوجيا جديدة تصور رائد فضاء يرحل بمركبته حول مدار المشتري في سنة 2001 مع تصوير لمحات من يوم النهاية وأجزاء من ذلك الفضاء الضخم الذي يستعمر بواسطة“ ديرن وهو رجل ذو مخالب مخيفة يتعاون مع ثلاثة روبوتات صغيرة تدمر البيوت والمساحات الخضراء على كوكب الارض ويواصل عمليات التهريب وقتل الآدميين ويستعين بمجموعة من الوحوش الضخمة نشر الهلع والرعب والدمار في المدن، لقد حاول المخرج التركيز على مجسمات هياكل الحيوانات العملاقة كمؤثرات مقنعة تقرب الدور الى الحقيقة، ويعتبر فيلم كوبريك انطلاقة جديدة في عالم الخيال العلمي، لقد صورت المشاهد في منطقة مهجورة من الولايات المتحدة الامريكية، في وادي فورج ، يعتبر ستانلي كوبرك صانعا محترفا لافلام الخيال العلمي من خلال اطلاق نسخته الاولى من فيلم :اوديسا الفضاء” ونال سمعة شهيرة من خلال استخدامه لهياكل المركبات الفضائية وأجاد استخدامها وتوظيفها في الافلام الخيالية العلمية ، في فيلم “ البرتقالة الميكانيكية” استخدم كوبريك الموسيقى كنموذج لتحويل كل الاشياء وبضمنها الفن الى مسح لعالم السينما المخيف، يستوحي بطل الفيلم مالكولوم ماكدول، صورا للسادية والعنف من سيمفونية بيتهوفن التاسعة خاصة في نشيدها انشودة الروح الذي اخذ شعره من قصيدة الشاعر شيللي، يجني فيه ثمار الانتصار السامي لروح الانسان لقد استخدم كوبريك اللونين البرتقالي والازرق كمضامين هامة في فيلم البرتقالة الميكانيكية وهي مضامين سايكولوجية رمزية، النصف العنيف الاول من الفيلم يعالح الانحرافات الجنسية والاجتماعية للبطل مالكولم ماكدول وهو يبحلق بجنون في العدسة ثم التعليقات السرية التي تشكل تلاحما ممتعا، يعبر عن روعة أداء البطل في النهاية ونرى كوبريك يقدم لنا نظرة عميقة للمحيط الفيزيائي للفيلم والبطل بيده قطعة حلوى جالسا بذهول سببه تأثير العقاقير المخدرة نتيجة لذلك العصر المجنون. أما فيلم “ كوكب القردة” يصور الحياة بعد التسعينات حيث يعامل البشر كالعبيد وظهور الطفل الذي يعامل الحيوانات الاليفة بكل مودة ومحبة، ثم يكبر الطفل ويحاول تخليص البشر من حكم القرود المتوحشة، أخرج الفيلم“ جي توم بيسن” وكتب السيناريو بول دينس، صور الكاتب في تلك القصة المشاكل التي تظهر في تلك الحقبة الزمنية وهجوم القرود على البشر وتلك الفلسفة النابعة من سيطرة الحيوانات على البشر، وذلك نتيجة طبيعية من أجل البقاء، يصور فيلم الضفادع Fauna التلوث الذي يسببه نوع من الضفادع وهي تعيش في حقبة زمنية معينة ، أخرج الفليم جورج موران وكتبه روبر بوس، أما فيلم الطيور الذي أخرجه العبقري هيتشكوك ، عام 1963 وهو امتداد لافلام الرعب التي انتشرت في فترة الستينيات من هذا القرن، صورت تلك الافلام عالم الحيوانات المتوحشة التي تهاجم البشر في أي لحظة ، مثل السحالي ، الضفادع والثعابين، والطفيليات الملوثة والعناكب التماسيح والتلوث البيئي، اعتمد في تصوير تلك الافلام على الحيل والخدع السنيمائية والمفاهيم التي تبنى عل تصورات مستقبلية، ثم يأتي دور الممثل في التعبير عن القصة، يختار المنتج كريستوفر لي أسلوب المغامرة في صناعة مملكة خيالية، في علم الخيال العلمي لتصوير الرعب الطبيعي لعالم الاشباح في فيلم لاشيء سوى الليل No thing but the night كتابة بريان هاي حيث عالم الاشباح المخيفة التي تهيمن على البشر، ثم ظهر نوع جديد من أفلام الرعب الشهيرة بالاداء الرائع للممثلين وتصوير لمشاهد الرعب الناجحة التي انتشرت بصفة رئيسية في فترة الستينات والسبعينات في بريطانيا وأطلق على ذلك النوع من الافلام “ الرعب الممتاز” Horror express” الشهيرة فيلم “ المسعور” Panico وفيلم الاحافير البشرية Humanoid Fossil حول اكتشاف نوع جديد من الاحافير البشرية في روسيا ، ان أفلام الخيال العلمي تشكل خليطا متنوعا من المواد التي تزخر بها العلوم من تجارب العلماء الحديثة والحياة على الكواكب الاخرى وعالم الرحلات الفضائية ثم قصص الرعب و الشياطين و سيطرة عالم الحيوان على الانسان اليوم تتجه أفلام الخيال العلمي الى مسلك جديد من خلال استخدام التقنيات الحديثة التي تسبق الحدث وتقترب من الواقع، بعد أن كانت في الماضي تستغرق وقتا طويلا في انجازها.

أدب الخيال العلمي(12)

 الخيال العلمي: هو الانتقال في آفاق الزمن، على أجنحة الحلم المطعم بالمكتسبات العلمية، وغالباً ما يطرق مؤلفو قصص الخيال العلمي science fiction أبواب المستقبل بتنبؤاتهم من دون زمن محدد. وفي قصص الخيال العلمي نظرة واسعة إلى العالم يدخل فيها العلم فيمتزج بحقائقه مع خيال الكاتب، وتُرسم أحداث تنقل القارئ إلى المستقبل، أو الماضي السحيق، فتثيره وتذهله.

    والرابطة بين العلم والخيال رابطة مؤطّرة متماسكة، ومن يكتب في هذا النوع من الأدب لا ينجح إلا بثقافة علمية ممتازة يستخدمها في أحداث قصصه ورواياته.

    رواد الأدب العلمي

    بعد الكاتب الفرنسي جول فيرن Jules Verne [ر] الأب المؤسس لقصة الخيال العلمي، وقد كتب أول أعماله «خمسة أسابيع في منطاد» في فرنسة (1863)، ثم أتبعها بروايته «رحلة إلى جوف الأرض» Journey to the Center of the Earth (1864) وبعدها كتب رائعته «من الأرض إلى القمر» (1865) التي تخيل فيها رحلة إلى القمر. ولكن هذا الخيال من الرواية تحقق بعد قرن وبالتحديد في 20 تموز 1969 إذ هبط أول إنسان على القمر.

    كتب فيرن كثيراً من الأعمال في الخيال العلمي إضافة إلى ما ذكر، ومن بين ما كتب «عشرون ألف فرسخ تحت الماء» Twenty Thousand Leagues Under the Sea (1870) حكى فيها عن غواصة تنتقل تحت الماء. وفي عام 1877 كتب روايته «هكتور سيرفاداك» التي تتحدث عن مذنب يقتطع قطعة من كوكب الأرض، وترافق هذه القطعة المذنب في رحلته حول الشمس. وكتب فيرن أيضاً قبل عام واحد من وفاته روايته «سيد العالم» (1904)، وفي روايات فيرن خيال مجنح غلب عليه المنطق العلمي، وهذا ما جعله أشبه بنبوءة علمية. فقد تخيل في روايته «من الأرض إلى القمر» انطلاق محطة فضاء من الأرض إلى القمر بوساطة مدفع هائل الطول هبطت على القمر. ووصف الرواد سطحه والمناظر من فوقه وعادوا إلى الأرض حيث هبطوا بمظلة في البحر، بطريقة شبيهة بما فعله رواد المركبة الفضائية أبولو - 11. كما كتب جول فيرن عن الغواصة ووضع وصفاً لها، وكتب عن الطائرات النفاثة والصواريخ بعيدة المدى والغوص في أعماق المحيطات، وكلها تنبؤات تحولت إلى حقيقة في العصر الحالي. إلى جانب فيرن الفرنسي يعد الكاتب الإنكليزي هربرت جورج ويلز [ر] H.G.Wells شكسبير الخيال العلمي، كما وصفه النقاد. وقد ولد ويلز في بروملي وهي ضاحية من ضواحي لندن عام 1866 وكتب أول رواياته العلمية الخيالية «آلة الزمن» The Time Machine عام 1895 وتعد أعظم روايات الخيال العلمي على الإطلاق، وفيها يتخيل أن بطله صنع آلة حين يدير عجلتها يستطيع أن يقفز فوق الزمن، يعود إلى الماضي أو يخترق المستقبل لسنين بعيدة، بحسب الجهة التي يدير بها العجلة. تخيل ولز في آلة الزمن أن مصير الإنسانية التي انغمست في الدعة والسلام وقنعت بالعافية من الهموم، سيكون قاسياً، فحين ينتقل بطل الرواية إلى المستقبل بعد أن يدير عجلة آلته، فإنه يرى البشر وقد تحولوا إلى قبائل بدائية ضعيفة حركتهم خابية، وجمالهم كاذب،جندوا لخدمة قبائل «المرلوك» المتوحشة، التي تستوطن الكهوف والسراديب وشقوق الأرض، بعيداً عن الضوء. ويبلغ به الحزن حد الفجيعة وهو يرى فناء الذكاء البشري، وكيف آل أمره إلى الانتحار على يد الإنسان الذي خلد إلى حياة المذلة والنعيم.

    وفي عام 1901 كتب روايته «رجال القمر الأوائل» The First Men in the Moon وكان قد كتب قبلها روايته المشهورة أيضاً «حرب العوالم» (The War of the Worlds (1898، و«طعام الآلهة» The Food of the Gods (1904) وبعدها بعام «اليوتوبية الجديدة» Modern Utopia تلتها أعماله الكثيرة المنوعة في قصص الخيال العلمي.

    واتسع انتشار أدب الخيال العلمي في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة، وكثر النتاج الغث لبعض الكتّاب الذين أخذوا يكتبون من دون ثقافة علمية كتباً غلبت عليها الخرافة وشطحات المبالغة البعيدة عن المنطق العلمي، وأصبح أدب الخيال العلمي أحياناً صرعة لدى بعض الكتاب الذين رأوا فيه منفذاً إلى عوالم الجنس والحبكات البوليسية والخرافية.

    ولكن تلك الكتب التجارية اصطدمت بنقاد كانوا أقسى من نقاد الفنون الأدبية الأخرى، لأنهم وجدوا فيها خطورة على الأجيال الناشئة. ومع ذلك فإن الأدب الحقيقي يظل فاعلاً وله استمراريته. ففي عشرينات القرن العشرين كتب تولستوي [ر] Tolstoy عن رحلة إلى المريخ في «آيليتا» كما كتب عن آلة جبارة تثقب الأرض وتستخرج الذهب من باطنها «هيروبوليد المهندس غارين» وكتب عن الطبقات الداخلية للأرض والنفوذ إليها وعن المفاعل النووي بوجه قريب للحقيقة.

     ويحتل إسحق عظيموف [ر] Isaac Asimov مكانة وثيقة بين كتاب الخيال العلمي لخياله الواسع ومعرفته العلمية الممتازة. وقد ولد في روسية عام 1920 وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصل على الجنسية الأمريكية مع أهله عام 1928 وهو أحد علماء الكيمياء الحيوية اليوم إذ حصل على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم من جامعة كولومبية بمدينة نيويورك، وعمل كيمياوياً في البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، وغدا عام 1949 عضواً في هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة بوسطن. ومن المشهور عنه أنه كتب قصصاً كغيره عن كائنات العوالم الأخرى،وفي إحدى محاضراته، وكان يتحدث عن الحياة في العوالم الأخرى، سألته إحدى الطالبات عن رأيه بالأطباق الطائرة وهل يعتقد أنها موجودة فأجاب: «لا يا آنسة، وأعتقد أن كل من يؤمن بوجودها هو إنسان خيالي» ويردف قائلاً: «صحيح أنني أكتب عنها ولا أنفي بكتاباتي وجودها ولكن كتاباتي مجرد خيال، خيال محض».

    الخيال العلمي في السينما والتلفزة والصحافة

    لعل أول أفلام الخيال العلمي التي ظهرت في السينما الفيلم الذي أخرجه جورج ميليس عام 1902، وهو فيلم صامت بطول ست عشرة دقيقة، وقد استوحى قصته من رواية فيرن «من الأرض إلى القمر» وقصة ويلز «رجال القمر الأوائل». وقد أظهر الفيلم المعارك بين القادمين من الأرض وسكان القمر وكانت أجواء القمر التي ظهرت شبيهة بالصور المنقولة حالياً عن مركبات الفضاء الدائرة حول هذا الجرم القريب من الأرض.

    وتتابعت سلسلة أفلام الفضاء والخيال العلمي فظهر فيلم «الشيء» عام 1936 وفيلم «20 مليون ميل عن الأرض» عام 1957 ثم فيلم «آلة الزمن» اعتماداً على رواية ويلز الشهيرة وقد أخرجه جورج بال عام 1961. وفي عام 1968 أخرج ستانلي كوبريك فيلمه الشهير «2001 أودية الفضاء» الذي تميز بوصفه أفضل فيلم علمي خيالي أُنتج في الستينات.

    وتتابعت الأفلام فظهر «حرب النجوم» Stars War لجورج لوكاس الذي تحدث عن احتمال حدوث حرب فضائية، بين الكائنات التي تسكن الكواكب، نتيجة للتطور السريع للعلوم والتكنولوجية، كما ظهر فيلم «لقاء من النوع الثالث» الذي يتحدث عن طبق طائر هبط في منطقة من الأرض وأجرى لقاء مباشراً مع سكانها، كما تحدث فيلم «سولاريس» لأندريه تاركوفسكي عن المشاكل البيولوجية والنفسية التي يمكن أن تحدث لرواد الفضاء. أما فيلم «أصداء من الفضاء» لريتشارد فيكتوريف، وهو من جزأين، فيتحدث عن رحلة فضائية كبرى يقوم بها رواد فضاء شبان صغار مدربون، يتعرضون لمشاكل في اختراقهم الفضاء، وهم يتجهون نحو كوكب في مجموعة «ذات الكرسي» ليساعدوا سكانه في حل المشاكل الخطرة التي يعانون منها. ويتحدث فيلم «E.T» لسبيلبرغ عن مخلوق هبط من الفضاء إلى الأرض يعلم الناس الحب والتسامح والسلام، على الرغم من منظره البشع. وتتابعت أفلام الخيال العلمي حتى أصبحت توجهاً جديداً في الإنتاج، بعد أن كانت محدودة، قبل أن يغزو الإنسان الفضاء ويهبط على القمر عام 1969.

    انتقلت العدوى إلى التلفزيون، إذ تنافست شركات الإنتاج في إنتاج مسلسلات تتحدث عن رحلات فضائية إلى عوالم بعيدة، مثل «الغزاة» و«الفضاء عام 1999» و«رحلة النجوم» Star Trek وأغلبها من إنتاج أمريكي بسبب تنافس شركات الإنتاج الأمريكية ضمن هذا التوجه الجديد في رحلات خيالية تشد الناس إلى المستقبل، فينتقلون بأحلامهم إلى عوالم غامضة مجهولة في حكايات قد تبدو خرافية.

    وقد نشطت فعاليات الخيال العلمي حتى في الصحافة إذ تنافس الكتاب في نشر القصص والروايات المسلسلة في مجلات متخصصة حتى أن بعض المجلات العلمية اختصت بالخيال العلمي مثل المجلة الأمريكية «مجلة الخيال والخيال العلمي» Magazine of Fantasy and Science Fiction .

    أدب الخيال العلمي عند العرب

    هل عرف العرب الخيال العلمي من قبل؟ قد لا يخطر هذا السؤال على بال الكثيرين من الناس، ربما للمسافة الزمنية التي تفصلنا عن الحضارة العربية التي بلغت أوجها في القرن العاشر الميلادي.

    والجواب عن السؤال يبدو صعباً لأن الخيال العلمي لم يكن معروفاً عند الناس بهذه التسمية المحدودة. ولو تمت العودة للتاريخ في محاولة سبر الإبداعات في الأدب على اختلاف توجهاته لتبين أن أسطورة «حي بن يقظان» لابن طفيل قريبة من الأدب الذي عُرف منذ أواخر القرن التاسع عشر باسم أدب الخيال العلمي. لأن هذه القصة الأسطورة تحوي مقومات الخيال العلمي بصورة واضحة وتتحدث عن عملية التكوين الإنساني والخلق والمؤثرات الطبيعية، وترسم شكلاً واضحاً لحياة نشأت مع الطبيعة من دون مؤثرات بشرية بصورة غنية بالخيال العلمي.

    لم يعرف العرب حديثاً أدب الخيال العلمي إلا في الستينات حينما نشر مصطفى محمود روايته «العنكبوت» ثم روايته «رجل تحت الصفر» وقد غلب على الأولى الأسلوب الغيبي إذ مزج الكاتب فيها بين القضايا العلمية وقضية تقمص الأرواح. أما الثانية «رجل تحت الصفر» فتمثل عالم القرن الحادي والعشرين عندما تصبح وسيلة النقل فيه صاروخاً يضيِّق الفوارق بين البلدان والمدن والأقاليم، وتسهم كل أمة بقسطها في إغناء الحضارة الإنسانية ويكون الحب هوائياً يكافح القوى المجهولة من حقد وحسد وبغضاء.

    وظهرت في السبعينات محاولات أخرى لنهاد شريف في «قاهر الزمن» وهي رواية تتحدث عن فكرة السُّبات عند الإنسان بتجميد جسده لسنوات ثم إحيائه، وقد تحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج كمال الشيخ، ثم مجموعة قصص بعنوان «رقم 4 يأمركم» وهي تلفت النظر بسعة خيال كاتبها ومدى فهمه الدقيق لتطور العلوم، مع أنه يحمل إجازة في التاريخ.

    يتحدث نهاد شريف في قصصه عن الإنسان الآلي وإمكانية سيطرته في المستقبل إلى أن يطرد البشر ليستقل بنفسه في إدارة المصانع والآلات، ويتخيل الكاتب أن بوادر الانقراض بدأت تهدد الإنسان الآلي إذ بدأت العاطفة بالتحكم فيه. ويتحدث عن كائنات المريخ العاقلة التي تحذر البشر من خطر تكديس السلاح النووي ومن تمكن العلماء العرب من الوصول إلى كوكب المشتري حيث يقع الرواد في أسر كائنات هلامية، كما يرصد في تلك المجموعة عالم المستقبل الحافل بالمفاجآت العلمية.

    وقد ظهرت لنهاد شريف رواية «مردة المجال الثاني» وظهرت محاولات في قصة الخيال العلمي للكاتب رؤوف وصفي. ولطالب عمران عدة قصص من الخيال العلمي، بينها ما هو للأطفال مثل «كوكب الأحلام» (1978) و«محطة الفضاء»، وبينها ما هو للكبار مثل «العابرون خلف الشمس» (1979) و«ليس في القمر فقراء» (1983) و «خلف حاجز الزمن» (1985).

    وكما في العالم، نشط المتطفلون على هذا النوع من الأدب في الوطن العربي أيضاً، وقد رأوا فيه مرتعاً لخيالاتهم التي لا تستند إلى أسس علمية، وأخذ بعضهم يدعي انفراده بكتابة مثل هذا النوع من الأدب (مع افتقاره إلى الثقافة العلمية). وكتب بعضهم عن رحلة لمحطة تنجح في الهبوط على كوكب المشتري، وهو كوكب سائل غازي، كما تهبط فوق حلقات كوكب زحل وهي حلقات شفافة تتكون من جسيمات متباعدة وأتربة وحبات برد. وأطلق بعضهم مصعداً خرج من الطابق العاشر في بناية بعشرة طوابق وهبط فوق القمر، كما حلقت فقاعة صابون في داخلها طفلة فوق الأرض لمسافات كبيرة.

    مستقبل أدب الخيال العلمي

    لقد اتسع انتشار الخيال العلمي في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة، وهو يعتمد العلم محوراً فاعلاً في أحداثه وأبطاله، ويلجأ بعض الكتاب المتميزين في فن القصة والرواية إلى الاستعانة بالعلماء لكتابة رواية أو قصة من الأدب العلمي، حتى لا يساء إلى هذا الأدب وحتى يتميز العمل الأدبي بمنطقيته العلمية الضرورية.

    كما توجه الخيال العلمي مؤخراً إلى الأطفال إذ تخصص بعض الكتاب بكتابة أدب الخيال العلمي الموجه للطفل. وقصة الخيال العلمي قد تكون البديل الحقيقي لكل هذا الركام المطروح على الطفل بطريقة فجة لإدخال العلم بقوالب جامدة إلى رأسه الذي لا يتقبل حشر المعلومات العلمية مما قد يؤدي إلى انصرافه عن العلم أو عدم الاهتمام به. والعلم، كما هو معروف، هو لغة العصر، والدور الحضاري لأية أمة من الأمم لا يكون إلا بالعلم وإبداعاته في مختلف جوانب الحياة.

العلم والخيال العلمي(13)

 لقد اخترق العلم حجباً كثيرة وحول الأعاجيب إلى مجرد أمور اعتيادية. من هنا تميز العلم عن سواه من المناهج المعرفية التي عرفها ارتقاء الفكر البشري, يقول أحد أثمة الميكانيك الكوانتي إن من لم تستحوذه الدهشة ولم تعقد الغرابة لسانه لدى قراءته الميكانيك الكوانتي. هو ذاك الذي لم يستطيع فهم الميكانيك الكوانتي. ولا غرو في هذا القول, فالميكانيك الكوانتي, الذي تحيط بنا تطبيقاته من كل جانب وتشكل واقعاً موضوعياً قائماًُ بذاته هو نفسه النهج المعرفي الذي يقع ابعد ما يمكن عن الموضوعية, تلك الموضوعية التي انفرد بها العلم منذ بروزه كنهج مستقل والتي استمرت حتى عهد قريب.

تلكم هي صورة العلم: تأتي النسبية لتدفع بالنمطية الموضوعية للفكر العلمي حتى الذروة. فالعلم وفق النسبية مكون من مراجع تتطابق في رؤيتها لهذا العالم ولا تستطيع تحقيق الصلة الفيزيائية إلاَ عبر ساحة محددة وسرعة حدية يستحيل تجاوزها. سرعان ما يلج الميكانيك الكوانتي المسرح ويصل في أطروحاته حد نفي وجود العالم لا يتحقق إلاَ عندما نتعامل معه. وعدا ذلك فهو عالم غير معين وغير معروف. بل غير معروف أصلاً. إذن هناك علم لعالم موجود بشكل مستقل عن ‘رادتنا, وهناك علم لعالم لا قيمة له بل لا وجود له بدون وعينا. والمفارقة هي إن هذين العالمين هما عالم واحد. وعلى الرغم من التباين الكبير بين النسبية وبين الميكانيك الكوانتي, فإن للوعي دوراً في كل منهما. فالمرجع الدارس في النسبية يجب أن يمتلك القدرة على التفسير وهو بذلك وعي. أما في الميكانيك الكوانتي, فالوعي هو حجر الزاوية في الوجود.نتطرق إلى الدور المذكور بسرد المثال البسيط التالي : كيف تتبادل الأرض والشمس فعل التجاذب الثقالي ,هل إن معرفة هذين الجسمين الكونين بقانون الجذب الثقالي تدفعهما للامتثال له كما يفعل الناس عندما يقررون سلوكهم وفقاً لبنود القانون الوضعي, إن القادم من كوكب آخر والمراقب لذلك السلوك سيستنتج آجلاً أم عاجلاَ صيغة القانون الوضعي. فإذا كان من اتباع العلم السببي الموضوعي, فإنه لن يقبل بأية حال من الأحوال بحقيقة أن معرفتنا بذلك القانون هي التي تقرر أنماط تصرفاتنا. لاشك أنه سيقع في نفس المأزق الذي وقعنا فيه عند تأملنا آلية الجذب الثقالي بين الأرض والشمس, ولما كنا متفقين على انعدام الوعي في الأرض والشمس كجسمين فيزيائيين, فإننا نعود إلى أطروحة أولوية الوعي من طرف خفي ذلك أن الوعي يبدع صورة التجاذب المدروس ويضعها في صيغة مرمزة هي القانون العلمي. ولما كان الوعي في الأرض والشمس معدوماً. فإن انطباق قانون الجذب الثقالي عليهما لا يعزى إلى استجابتهما لذلك القانون لكنه بالأحرى تناغم الوعي مع الصيغة آنفة الذكر . يقرر أينشتاين في هذا السياق إن غاية الرياضيات والفيزياء ليست هي اكتشاف العلاقات القائمة بين الأشياء المادية وإنما العلاقات القائمة بين الأحاسيس. فالعالم الواقعي هو مركبات من الأحاسيس . إن الرياضيات والفيزياء تغدوان عند العلماء الكبار فصلين من فصول علم النفس.

نشير هنا إلى أن الفيزياء تبرز باعتبارها المساق الأهم عند التحول إلى تطبيقات الرياضيات. أما القضية الرياضية الأصح فهي القضية الرياضية الأبسط. إنها منظومة باطنة تحقق تناغماً أعلى ضمن العالم الداخلي المبدع. إنها المسقط الداخلي لذلك التناغم: التناغم الذي يتأتى أولاً وأخيراً عن تعقيدات الأحاسيس الداخلية. تلك الأحاسيس التي يكاد وجود العالم أن يرد إليها. صحيح أن العالم يعج بالموجات والجسيمات , لكنها لا تفسر ولا تصنف ولا تحمل المعنى إلاَ عند ارتطامها بالوعي. من هنا كان العالم مفتوحاً لكل التعاريف.

لعلنا نواحه مفارقة عند هذه المرحلة. فطالما أن الميكانيك الكوانتي غير معنى بقانون علمي قاطع, فربما أنه يضع الوعي في المرتبة الثانية. الأمر على عكس ذلك تماماً فالعالم في الميكانيك الكوانتي جملة  من الحالات وهي تختلف عن أحوال الوعي الدارس الذي تقوده أحاسيسه وانفعالاته إلى الاستجابة للقوانين الوضعية والانتقال بالتالي من حال إلى حال. ولما كانت الأحاسيس والانفعالات معدومة في الكون الفيزيائي,فإن الميكانيك الكوانتي يسقط السببية كآلية دافعة لذلك الكون للانتقال من حال إلى حال, وإذ ذاك يصبح الكون المذكور مع كل تحولاته مجرد احتمالات. لنلاحظ أن الصيغة الأخيرة بدورها صورة عقلية من إرهاصات الوعي. يشدد الميكانيك الكوانتي على هذه الصورة عندما يقرر أن الكون لا يتحقق إلا بإقدام الوعي على عملية الإبداع , فإن الإجابة عن ماهية العلم هي ببساطة: محاولة جديدة من محاولات الوعي لفك أغلال وحدته في خضم المحيط الفيزيائي غير الواعي, تلك المحاولات التي دأبت على تجاوز حقيقة الوعي المرمى في العالم دون سبب معطى.

لا ينتظر البحث العلمي أن يحظى بالقبول الاجتماعي, فالبحث العلمي  عمل إبداعي يقدمه أحد الموهوبين. أما تفنيد بحث محدد فهو أمر مختلف وهو عمل إبداعي بدوره يقده موهوب آخر. تحدث غاليله عن ذلك بقوله: إن إجماع ألف شخص في سياق تقويم التساؤلات العلمية لا يقارن ولا يرقى إلى سوية المحاكمة المنطقية المتواضعة لإنسان فرد. وقال أينشتاين: صانع العالم هو الإنسان الفرد العظيم. إن العلم ليس مجموعة من المصادرات الناجزة. إنه ليس مقولات ثابتة ذات تفسيرات متغيرة وهو ليس مضموناً ثابتاً يستطيع احتواء الصيغ المتبدلة. إن العلم هو الحقيقة المتكونة أبداً. وهو عملية تذهنية تتوقف على البنيوية  الخاصة بالفكر المبدع. لنتصور أحفادنا المستقبلين الذين سيولدون ويعيشون في ظروف انعدام الجاذبية وربما في الفضاء الكوني حيث تسود الظلمة المطبقة ويخيم الصمت المطلق. كيف ستغدو بناهم وما هي التأملات التي ستترتب على تلك البنى. إننا لن نستطيع مجرد تصور حالاتهم تلك.

إن ما يهم من القانون الفيزيائي هو مقدرته على التنبؤ, لم يعد العلماء يولون أي اهتمام لصيغة معينة للقانون الفيزيائي إذ تأخذ بألبابهم النبوءات وحسب. إن القوانين الفيزيائية عيا نية الطابع. وهي بذلك مختزلة ومحدودة لأنها تتناول كيانات متباينة, أما المقابلات النفسية للقوانين الفيزيائية فمتعددة وكثيرة لأنها تطال عناصر متماثلة , ف‘ذا أبصر أحد إلكتروناً فكأته شاهد كل الإلكترونات, تجيَر الفيزياء  وعلى الدوام إلى المستقبل,على الرغم من أنها فيزياء راهنة, أي يتم الحديث عن لحظة مفترضة هي نفسها اللحظة الراهنة, ، قبلنا بأن الكون محكوم بقوانين الفيزياء وبأنها علَة وجوده, فعلينا ألاَ نتناسى أن الكون كما نعرفه يردَ إلى شروطه الابتدائية التي ستبدو مستقلة تمام الاستقلاال عن القوانين الفيزيائية. تبنى القوانين الفيزيائية باستخدام العناصر الرياضية, لكن الطبيعة ليست حملة من عناصر رياضية, ناهيك عن أنها ليست نظرية بحال من الأحوال, من هنا كان رأي أينشتايتن الذي رأى في القوانين الفيزيائية أنماطاً من المركبات النفسية, أفضت التطورات المتلاحقة في الفيزياء إلى أضعاف مبدأ السببية الذي ترسخ في وجدان البشري لآلاف السنوات, إن كانت السببية إحصائية منقطعة الجذور فإننا نعدم أية إمكانية لتفسير القوانين السببية إلاَ باعتبارها تخيلات فرضها الفكر البشري, في هذه الحالة تنطبق القوانين الفيزيائية على العنصر في حالة وجوده ضمن مجموعة لا تنطبق عليه بمفرده, أما إن كانت السببية معرفية فلن تستطيع قبول القوانين الفيزيائية إلاَ باعتبارها مفسرة لذاتها, إن التعلم هو طريق المعرفة, والمعرفة بذلك هي علة الفردانية. لذا لا يمكن للمعرفة أن تكون موضوعية سببية, أنى لنا أن نتفهم النموذج الفعلي للعالم بعد ذلك.

هكذا العلم تجربة لم تكتمل. وفي المقياس الأوسع , الحياة تجربة ومعها العالم تجربة بدورها لم تكتمل. إن الحديث في التجربة هو حديث تذهني بطله الفكر, وما من كينونة أخرى تشارك الفكر خشبة مسرح الوجود. والفكر هو ما يأتي بكل ما هو غير مألوف معبراً عن التواصل الوجداني بين جمهور المبدعين. ذلكم هو الاشتراط الأساسي في الإبداع . من هنا كانت ابستمولوجية الخيال العلمي. إنه يسبق العلم في الدوائر المحيطة بالمبدعين, لكنه والعلم سواء عند المبدعين, إن أية إضافة في العلم أو الخيال العلمي هي لبنة جديدة في صرح  التجربة غير المكتملة. وهل يمكن لتجربة أن تكون مكتملة. إن الخيال العلمي هو مفردات العلم عندما تنتشر في الاتجاه الأفقي وهو العلم باعتباره المحفز الأول لمخيلة المبدع.ضمن هذا الإطار وهذا الإطار فقط , لا نفرق بين العلم وبين الخيال العلمي إن خطة العلم. الخيال العلمي ليست مرسومة بشكل مسبق لدى المبدع. لا بل إنها ليست خطة من حيث المبدأ, إن العلم ليس مشروعاً هندسياً. هو لحظة انبثاق وتفجر كما الرسام يقدم لنا رائعة جديدة. هكذا تتعدد النظريات المفسرة لظاهرة ويأخذ العلماء بالنظرية الأجمل منها. إن هناك نظريات كثيرة للجذب الثقالي ,لكن النظرية النسبية العامة هي الأجمل بينها, من هنا كانت النسبية العامة الأكثر قبولاً.

نعرج على بعض الأطروحات العلمية التي يصعب أن نفرقها عن الخيال العلمي, في النسبية , إن تحرك جسمان بسرعتين متساويتين, لخص كل من الجسمين إلى حكم مفاده أن الجسم الآخر ساكن. إن زادت سرعة كل منهما مع بقائهما متساويتين, لما تغير الحكم. إن هذا الحكم ليس مطلقاً, إذ تستثنى منه الأشعة , تقرر الأشعة وهي تنطلق بسرعة الضوء, أن أي شعاع ضوئي ينطلق بسرعة الضوء أيضاً, ليس ساكناً البتة, بل يبدو متحركاً بالنسبة لسرعة الضوء, إذا حاولنا تسريع جسم بشكل مطرد عن طريق توفير كميات متنامية من الطاقة, لزادت سرعة الجسم وزادت عطالته أي مقاومته للتسارع, مما يحول في النهاية دون بلوغه سرعة الضوء مهما كانت الطاقة الموظفة, نضيف إلى ما تقدم أن الجسمين المتحركين يرى كل منهما الآخر وقد تباطأ. إنها مفارقة كبيرة, هذا عن النسبية الخاصة, أما النسبية العامة فتأتي بما هو أعجب فالمادة تحفر الفضاء وتقوسه. تقع المادة تبعاً لذلك في أسر الفجوات والمنحنيات التي تحفرها في الفضاء, وفق النسبية العامة تتباطأ الأزمنة في جوار الكتل الكبيرة. إن المسافة من الأرض إلى الشمس هي أكبر من المسافة من الشمس إلى الأرض , فالزمن المستخدم في قياس المسافة يتباطأ في جوار الشمس أكثر مما يتبطأ في جوار الأرض, لأن كتلة الشمس أكبر بكثير من كتلة الأرض لقد أضاف أينشتاين حداً إلى معادلته هو الثابت الكوني لمحاولة منع تمدد الكون, لكنه عاد عن ذلك عندما ظهر له أن الكون يتمدد فعلاً, واليوم يرجع العلماء إلى الثابت الكوني في محاولة لرأب الصدع الخاص بالانفصال السببي في الكون والذي ينجم عن صغر عمر الكون إلى حد يستحيل معه تبادل الرسائل والأسباب بين أجزائه, المفارقة هنا هي أن الكون يبدو مرتبطاً من المنظور السببي تتعمق المفارقة إذا أخذنا بتمدد الكون إذ لا بد عندها للثابت الكوني من أن يطابق الصفر تزداد المفارقة إذ حاولنا العودة إلى السببية بتبني قيمة غير صفرية للثابت. لكن الكون يتحول إذ ذاك إلى فراغ بلا طاقة.

أما في الميكانيك الكوانتي فهناك تنعدم الأسباب والنتائج, والعالم مجرد حالات ولكل حالة حتما, ينتقل العالم من حالة إلى أخرى بقفزة كوانتية أي دونما حاجة لأية استمرارية, فالإلكترون عندما يغير مداره حول النواة منتقلاً إلى مدار أخر إنما يفعل ذلك بقفزة كوانتية, إنه يختفي في المدار الأصلي ليعود إلى الظهور في المدار الجديد. يعرف كل جسم بمجموعة من الأعداد المجرة الكوانتية, إنها مجردة على الرغم من أن بعضها يبدو مألوفاً, فهناك الشحنة والكتلة واللف والغرابة وغيرها, إن للوعي دوراً مركزياً في العالم, فالعالم في حقيقته هيولى متلاطمة عديمة المعالم ويتعين كل شيء لحظة ارتطام الوعي بهذا العالم, إن فصل مكونات الكون بتكميمها أي بتوصف كل منها بقيم معينة للأعداد الكوانتية هو ضرورة أزلية وإلا عدم الكون من يتحدث عنه. إذ تتكاثر نظائر العناصر بإيقاع غير منتهَ حاجبه كل فعالية  فكرية, ذلك أن الفعالية الفكرية تقوم أولاً وأخيراً على التعريف. لكن ذلك يرتبط أصلاً بالوعي الذي يصوغ التعاريف وهنا تكمن المفارقة. تتظاهر كل كينونة بأنها جسم وبأنها موجة. ولأن الموجات تتداخل , تفعل الأجسام مثلها لأنها موجات, إن كل شيء متقطع فالزمان متقطع ويتكون من فترات منفصلة تتواصل. تدعى كل فترة بفترة هايزنبرغ. تخرق كل قوانين الفيزياء أثناء هذه الفترة لتعاود الانطباق بعد مضيها ومن ثم السقوط في فترة تالية كذا شأن الطاقة , فهي ليست مستمرة وليست متصلة. إنها تتكون من كمات دنيا كشأن النقد في أي بلد من بلدان العالم.

إن ما نحن بحاجة إليه هو إبستمولوجية مشتركة تذوب وتتحد فيها كل عناصر العلم وكل مقومات الخيال العلمي. نحاول هذه الإبستمولوجية على النحو التالي ننطلق من تعريف الإنسان بأنه كائن المعرفة. فمنذ فجر التاريخ والفكر البشري يبذل ما بوسعه لاكتشاف العالم والحياة يعني ذلك اختزال العالم إلى نماذج تقطن في الذهن الفردي وتهبط إلى عمق الوجدان الجمعي التاريخي. أما التاريخية هنا فنقصد بها تلك التي تقبل التفسير اللاتاريخي. إن العلم هو أحدث محاولة في هذا السياق, إنه آخر الأساطير بحق. نعرف الأسطورة بقولنا أنها التفسير الذي يرضى طالب المعرفة ولو إلى حين من ذلك كان العلم أسطورة الحين المعاصر. ومن التجربة الدؤوبة المثابرة للفكر البشري نشتق التصنيف التالي: ندعو أسطورة من النوع الأول إن استطاع الباحث تعريف الظاهرة ومن ثم تفسيرها. مثال ذلك قوس قزح. لقد بهر الأقدمون بقوس القزح وقدمت أساطيرهم تفسيراً له. لكن التفسير كان مفتقراً إلى التعريف والتحديد, بالتالي لم يكن مرضياً على نحو حاسم. وكان أن قدم نيوتن تفسيراً له. غير أن تفسير نيوتن طرح إلى الساحة إشكالية جديدة لا زالت مستعصية تتعلق بطبيعة الضوء. وعلى الرغم من أننا نستطيع تعريف الضوء, إلا أننا لا زلنا عاجزين عن صياغة تفسير كامل لظاهرة الضوء. أما الأساطير من النوع الثاني فتضم الظواهر المعرفة المفتقرة إلى التفسير, كما تضم الظواهر المعرفة التي تقبل أكثر من تفسير, وقد يفشل كل تفسير منها في كشف النقاب عن حقيقة الظاهرة. لنا في الأطباق الطائرة خير مثال. فالظاهرة معرفة, لكن التفسيرات تتراوح بين بالونات الأرصاد الجوية والإشاعة البصرية. إلى احتمال زوار قادمين من عوالم أخرى. يفرض علينا الوضع المعرفي من هذه التسمية المزدوجة التأكيد على ضرورة تحريك الأساطير من النوع الثاني ودفعها إلى حيز الأساطير من النوع الأول. إن لم يكن لسبب فلإزالة الصبغة الخرافية عنها.

ما هو الفرق أصلاً بين الأسطورة والخرافة. نتحدث هنا في نظرية المعرفة. الأسطورة هو حلم مبادر دافع وخلاق. تشعر الأسطورة الإنسان بوجوده وتبرر له تقدم السيالة الزمنية. وعلى الرغم من أن الخرافة هي حلم بدورها. إلا أنها حلم كابح مستكين يفرض التوقف ويبرره بمصادرات تتنافى مع تعريف الإنسان ككائن معرفة. تخلق الخرافة نشوة ورهبة قاتلين بينما تؤجج الأسطورة فعلاً خلاقاً بسيطاً وصادقاً .وبينما تكشف  الخرافة عن عجز أصحابها عن تلمس الحقيقة, تعكس الأسطورة مصدر راحة عابرة, فإن الخرافة ترضي بشكل مستمر. من ذلك تصنف التكنولوجيا غير المتبدلة والأفكار الثابتة في عداد الخرافات, أما المعرفة العلمية المتطورة المواكبة لأطروحات الخيال العلمي, فهي أسطورة بحق.نكمل تصنيفنا بإضافة الأسطورة من النوع الثالث حيث تفتقر الظاهرة إلى التفسير والتعريف في آن معاً. ندعو الظاهرة في هذه الحالة أيضاً الخرافة من النوع الثاني . قد يبدو للوهلة الأولى أن الظاهرة في هذه الحالة تقع أبعد من أم تطالها إمكاناتنا في التفسير. إلا أن المثال التالي يدحض هذا الظن . لقد رأى العلماء الفيكتوريون المتأخر ون في إطلاق الاورانيوم لوهج غامض لغزاً محيراً أقرب إلى السحر. وقعت الظاهرة آنذاك وفق تصنيفنا في نوع الأسطورة الثالث أو الخرافة الثاني. سرعان ما تحركت الظاهرة إلى نوع الأسطورة الثاني أو الخرافة الأولى بتعريف الإطلاق على أنه إصدار للطاقة. وفي مرحلة تالية اندفعت الظاهرة إلى نوع الأسطورة الأول باكتشاف النشاط الإشعاعي وتحميله مسؤولية الظاهرة. إن الخيال العلمي هو الباعث والمحرك الأول لانتقالات كهذه. ولولا الخيال العلمي لبقيت أنواع الأسطورة معزولة عن بعضها, من هنا كانت أسبقية الخال العلمي على العلم. إنها أسبقية بالضرورة إذ لا علم بلا خيال علمي. في المنظور الابستمولوجي الصرف يوفر الخيال العلمي العناصر الجمالية التي لاغنى عنها في حياة النظرية . إنه يمهد لحالة توازن واجبة في العلم بدونها لا يخرج العلم عن أنواع الخرافات. لكن الخيال العلمي نفسه يخضع لذات التصنيف الذي أوردناه للتو مع فارق أنه يصبح علماً إن صعد إلى تصنيف الأسطورة من النوع الأول. تفيدنا الحكمة القديمة بضرورة الحفاظ على توازن بالغ الدقة بين الإيقان الساذج وبين الشك القاتل. ها هنا تقبع مسؤولية الخيال العلمي. إن الكون مكان غريب مبهج وفاتن على نحو لا يصدق, لا بل ويتجاوز كل دهشة قد تولدها سرائر البشر, فأنى لنا أن نحول هذه البهجة والفتنة إلى رهبة واستكانة. وإن نصادرها في النهاية.

السينما … ومراحل تطور افلام الخيال العلمي..(14)

 أثارت موجة أفلام الخيال العلمي في اوائل العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي صرخات المشاهدين في أرجاء المعمورة بعد سلسلة من المشاهد الفوضوية التي تخلو من الثرثرة السينمائية أطلق عليها مصطلح السينما المستقبلية في أمريكا أم الدنيا

    أطلق عليها مصطلح سينما العوالم السفلية حلقت بعض الافلام في أرجاء الكون الخيالي مسجلة وصفا للحياة المثلى التي لم نعشها بعد وربما سنعيشها في المستقبل القادم ، لقد أبدع كبار المخرجين العالميين في صنع مجموعة من تلك الافلام خلدت في تاريخ السينما صورت عالم الفضاء والحياة على الكواكب الاخرى وزوار كوكب المريخ ، الصحون الطائرة واللقاء الذي طال انتظاره بين الغرباء وسكان الأرض كما صورت بعض تلك الافلام مدى العنف الذي استشرى في العلم وسيطرة الآلة على البشر ودخول الروبوت الى المجتمعات الصناعية كما صورت تلك الافلام عالم الاحلام والكوابيس والطقوس والاسطورة والارواح الشريرة والاشباح مثل أفلام "ماركوبولس” الذي استقى معظم موضوعات افلامه من الاساطير اليونانية القديمةو افلام جوردان نلسون واغلب موضوعاته صوفية عميقة مستوحاة من الأدب البوذي الفلسفي ودرس نظريات العالم يونغ: السيكولوجية لاخراج افلام اسطورية ترمز الى المراحل الثلاثة لسفر التكوين في الفضاء وهي مرحلة الاختراق والعودة والموت ، التعلث بالفراغ الكوني ، الولادة الثانية كما صور المخرج العالمي جورج لوكاس في سلسلة افلام حرب النجوم سنة 1977 سخصية البطل القادم من الفضاء والمخلوق الخرافي الصغير مع استخدام مجسمات جديدد للكواكب والمخلوقات الفضائية الاخرى في اسلوب فريد متميز من خلال استخدام مؤثرات تقنية عالية الجودة ان ملحمة الخيال العلمي ليست مزيفة بالتأكيد وان حاول بعض المخرجن الكبار اضفءة بعض الرتوش علة قصص تلك الافلام لاضافة مسحة خفيفة من الواقعية تعتبر سلسة افلام حرب النجوم نثلة نوعية في سينما الخيال العلمي عبر رحلة الى عوالم غريبة عجيبة تتضمن متعة حقيقية وليست مزيفة محققة بذلك ايرادات ضخمة وانتشارا واسعا في العالم فهي سينما القرن القادم التي تحاكي الزمن في لغة سينمائية مستقبلية.

.............................................................................

المصادر/

1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

 2- د. محمد علي الهرفي/ موقع البلاغ

 3- إيهاب الحضري / جريدة الشرق الاوسط اللندتية

 4- إلايزا وولتن / نشرة واشنطن عن مكتب برامج الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية الأميركية

 5- شوقي جلال /  مجلة العربي

 6- الهادي ثابت / موقع دروب

 7- مدونات مكتوب

 8- مريم سالم / جريدة الطليعة الكويتية

 9- مدونة اسرة سوا

 10- فاخر الداغري/ جريدة الصباح العراقية

 11- انتصار الغريب /  جريدة الاتحاد العراقية

 12- طالب عمران/ الموسوعة العربية

 13- المهندس فايز فوق العادة / الجمعية الكونية السورية

 14- جريدة كل العراق

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24 كانون الثاني/2008 - 15/محرم/1429