قانون المساءلة والعدالة: مكافأة الجلّاد على حساب الضحية

شبكة النبأ:  أثار إقرار قانون المساءلة والعدالة ردود أفعال متباينة من فئات من المجتمع العراقي تضرروا من النظام السابق، معتبرين إقراره ظلما وجورا لهم، فيما اعتبره آخرون انه مجزٍ بعد التعديلات التي أجريت عليه قبل إقراره.

واقر مجلس النواب السبت الماضي قانون "المساءلة والعدالة" وهو القانون البديل لاجتثاث البعث، بعد أن صادقت عليه الحكومة العراقية، وأجرت لجنة اجتثاث البعث في مجلس النواب بعض التعديلات عليه قبل إقراره.

وقال علي فيصل اللامي المدير التنفيذي للهيئة الوطنية لاجتثاث البعث لوكالة (أصوات العراق) إن الهيئة لم تصدر أي موقف رسمي إزاء إقرار القانون حتى الآن، لكن الهيئة استطاعت تمرير التعديلات التي طالبت بها على القانون قبل إقراره من قبل مجلس النواب.

وعبر اللامي عن اعتقاده بأن القانون بصيغته الحالية بعد إقراره لا يختلف كثيرا عن قانون اجتثاث البعث، ومنها إبعاد كبار البعثيين عن الوظائف الأمنية والوظائف الأخرى من خلال إحالتهم على التقاعد، وهذا فيه إنصاف لضحايا النظام السابق .

وأضاف أن ضحايا النظام السابق وعلى مستوى مؤسسات مثل مؤسسة الشهيد ومؤسسة السجناء السياسيين على اتصال مستمر مع الهيئة وقد ابدوا اعتراضات قدموها للهيئة قبل إجراء التعديلات على القانون لكنهم لم يعترضوا بعد ذلك.

من جهة أخرى وفي اطار الرأي العام العراقي قال أبو نبأ العبادي ،50 عاما من مؤسسة السجناء السياسيين، كان الأولى بمجلس النواب أن يقر قانونا ينصف ضحايا النظام السابق، أفضل من إقراره قانونا ينصف (الجلاد) .

وأضاف العبادي، نصف عمري قضيته بالسجون والمعتقلات، وتعرضت لتعذيب في دوائر الأمن، واليوم اعمل في محطة لتعبئة الغاز، فيما يسمح للبعثيين بالعودة إلى وظائفهم وحقوقهم مصانة، وهذا في تقديري ظلم لنا، ولابد من إنصافنا وإعادة حقوقنا المستلبة قبل حقوق البعثيين الذين حكموا البلاد لأكثر من ثلاثة عقود بالنار والحديد.

أما عدنان الربيعي ( 45 عاما) فيقول، إن البعثيين أقدموا على إعدام أخا لي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كان طالبا في إحدى الجامعات العراقية، بدعوى انتمائه لأحد الأحزاب الدينية , وترتب على ذلك حرماني  من الوظيفة , وكذا الحال مع بقية أفراد العائلة. وكذلك بقينا مراقبين من قبل المنظمات الحزبية على مدى 20 عاما، وشملت المراقبة حتى الهواتف الأرضية وتحركاتنا الطبيعية  ومنعنا من السفر، واليوم الساسة الجدد يمنحونهم حقوقا، ونحن على حالنا بل أسوأ.

وأضاف الربيعي، هكذا هم البعثيون كما عهدناهم، أول من يستفيدوا وأخر من يضحوا، فهم مكرمون في العهد السابق ومصانة حقوقهم بالعهد الحالي، فيما بقي المظلوم مظلوما.

ويقول فتاح الشيخ رئيس مؤسسة اشراقات الصدر وعضو الجمعية الوطنية السابق، إذا سلمنا بأن إقرار قانون المساءلة والعدالة هو إنصاف للبعثيين، فلا بد من إنصاف المتضررين من النظام السابق، وإنصاف المتضررين من النظام الحالي، بما في ذلك المعتقلين والمضطهدين منذ 9 \ 4\ 2003 أي منذ احتلال العراق.

وأضاف، نحن مع اجتثاث من تلوثت أيديهم بدماء الشعب العراقي، ولكننا ليس مع اجتثاث من اجبر على الانتماء  إلى حزب البعث المنحل بحكم عمله أو وظيفته.

وقانون المساءلة والعدالة المثير للجدل، هو البديل لقانون اجتثاث البعث، والأخير تم تشريعه من قبل الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، الذي رأس السلطة المدنية لقوات التحالف وحكم العراق بعد سقوط النظام السابق في نيسان أبريل عام 2003 بهدف حظر نشاط حزب البعث الذي حكم العراق لأكثر من 35 عاما، وطرد أعضاءه من الوظائف القيادية في الدولة.

ويتيح القانون الجديد لنحو 30 ألفا من المنتمين السابقين للبعث بالعودة إلى مناصبهم الوظيفية والحصول على حقوقهم التقاعدية، بعدما حرموا منها بموجب قانون الاجتثاث.

ويقول سعدون الساعدي ( 54 عاما)، لا يهمني أن يشرع قانون يضمن حقوق البعثيين بقدر ما يهمني، إنصاف المظلومين ومنحهم حقوقهم في كل الأزمان والعهود , فالظلم موجود في كل العهود , ورغم أنني تعرضت للاعتقال أكثر من مرة في عهد النظام السابق بدعوى التحريض والمساس بأمن الدولة، إلا أنني لا اهتم بأمر قانون المساءلة بقدر ما اهتم بإرجاع حقوق المظلومين , وأنا منهم. وأضاف الساعدي، أنا شخصيا مع المصالحة الوطنية إذا كان فيها مصلحة للعراق والعراقيين , شرط أن لا يكون ذلك على حساب الأبرياء , أو منطلق مصالحة الجلاد والمظلوم.

 ويرى علي محمود، عضو اللجنة العليا لمنظمة مركز حلبجة ضد الأنفلة والإبادة الجماعية، أن القانون الجديد يمنع، مَن تثبت عليه قضائيا ارتكاب جرائم بحق المواطنين، مِن شغل مواقع رسمية عليا في الدولة.

وأضاف، نحن نؤيد كل القوانين التي تصدر وتتضمن العدالة ولا تتجاوز على حقوق الضحايا أبدا.

وتابع، نحن مع الملاحقة القانونية لمرتكبي الجرائم ضد المواطنين العراقيين بشكل عام والجرائم لتي ارتكبت بحق شعبنا الكردي بشكل خاص.

ويقول لقمان عبد القادر، رئيس جمعية ضحايا القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، والذي فقد ستة من أفراد عائلته (والداه وزوجته واثنتان من شقيقاته وشقيقه)  في القصف الكيمياوي لمدينتهم، نحن مع القانون الذي ينصف من اضطر الانتماء لحزب البعث سواء من اجل لقمة العيش أو بالقوة، ولكننا مع أنزال اقسى العقوبات بحق من شارك في ارتكاب الجرائم بحق شعبنا.

وقال اسعد علي من البيشمركة  القدامى واحد الذين تضرروا من النظام السابق، اعتقد أن كل ما يجري في هذا الشأن هو مهزلة حقيقية سواء كان ما يخص قانون اجتثاث البعث أو القانون الجديد، لأن ضحايا النظام سواء كانوا من الشهداء أو السجناء أو غيرهم، لم يحصلوا طيلة السنوات التي تلت سقوط النظام، على جزء ولو بسيط من حقوقهم، بينما الكثير من البعثيين، وحتى من المجرمين منهم، ما زالوا يشغلون مناصب مهمة في الحكومة الحالية بعد أن انتموا إلى الأحزاب الحاكمة الرئيسة ولا يستثنى من ذلك أي حزب.

 وانتقد المواطن آراس عابد، الذي فقد 12 من عائلته (والداه و7 من شقيقاته و3 من أشقائه) القانون الجديد، وقال، يصعب على الضحايا العفو عن البعثيين وخصوصا أولئك الذين ساهموا في مأساة هؤلاء الضحايا، علما أننا كتبنا على مقبرة شهداء القصف الكيمياوي، يمنع دخول البعثيين، وهذا لا يعني أننا مع عدم إنصاف الذين لم يساهموا في ارتكاب الجرائم من البعثيين. 

وكان عدد من القياديين البعثيين السابقين في حزب البعث المنحل مقيمين بدمشق وعمان عبروا عن رفضهم لقانون المساءلة والعدالة الذي صادق عليه البرلمان العراقي ووصفوه بأنه "أسوأ" من قانون اجتثاث البعث ويمثل "حربا على الحريات".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16 كانون الثاني/2008 - 7/محرم/1429