شبكة النبأ: اللغة السريانية قد يكون
تدريسها ضمن الوحدة الجغرافية للسريان امرا حيويا بكونها تعني فيما
تعنيه الخصوصية السريانية لكن مسالة تدريسها خارج الوحدة الجغرافية تعد
من العبث بمصير طلابها وانتشارهم الوظيفي في الخارطة العراقية بشكل عام
إضافة الى انها وفي داخل مربعها المجتمعي في حدود منطقة الموصل او
اربيل تفتقر الى الكادر التدريسي فكيف بها في مناطق اخرى وهذ الامر
الذي يدفع اغلب ذوي الطلاب بمنع اولادهم من دراستها بكونها ستكون عائقا
امامهم لتولي وظائف عامة خارج الكثافة السكانية التي تعنيهم. وبعد ان
كان ديدنهم أبدا أن يتعلم أبنائهم لغتهم الأم يرفض البعض من السريان
الآن إرسال أولادهم الى مدارس تدرس المنهج التعليمي حصرا باللغة
السريانية خوفا من ان تقل اختيارات الابناء المستقبلية ناهيك عن صعوبات
ترتبط بنقص الكوادر التعليمية وتباين اللهجات فضلا عن تجاذبات سياسية.
والسريانية هي إحدى لغات العراق القديمة التي ما يزال يتحدثها نحو 3
ملايين عراقي مسيحي من أبناء الكنائس الكلدانية والآشورية والسريانية،
وتعد لغتهم الأم.
ورغم الاهتمام بهذه اللغة من جانب أهلها وتزايد المدارس التي تدرس
بها إلا أنها مازالت تتأرجح بين رغبة الطالب السرياني في أن يتعلم لغته
الام وبين رغبته في زيادة اختياراته المستقبلية للجامعة والاختصاص الذي
ينشده.
يقول دانا عزيز جرجيس (17 سنة) الطالب بثانوية أور السريانية بعين
كاوا: أنا الآن طالب في الصف الخامس في ثانوية أور السريانية بعين
كاوا، التي تدرس جميع المواد المقررة باللغة السريانية.
وأضاف: بصراحة، لم يكن اختياري لهذه المدرسة عن رغبة شخصية، وإنما
لأن والدي كان معلما فيها، لكن مع مرور الأيام أعجبتني وأنا الآن سعيد
لأنني درست فيها.
وتدرس اللغة السريانية في معظم المدارس التي يشكل السريان فيها
أكثرية منذ عام 1992 في اقليم كردستان العراق.
ويوضح نزار حنا المدير العام للتعليم السرياني في وزارة التعليم
بإقليم كردستان ، بحسب وكالة (أصوات العراق) إن السريانية تدرس في
معظم المدارس التي يشكل السريان فيها أكثرية في اقليم كردستان وخاصة في
محافظة دهوك والقرى والبلدات التابعة لها ومنطقة عين كاوا بمحافظة
أربيل منذ عام 1992 بعد انتخاب برلمان كردستان وإقراره التعليم باللغة
الأم لجميع القوميات.
ويضيف حنا بدأت المدارس السريانية بشُعَب داخل المدارس الكردية، ثم
تطورت إلى مدارس ابتدائية مستقلة، وفي عام 1997 تم فتح مدارس متوسطة،
تلتها في عام 2001 مدارس ثانوية. وأوضح نزار حنا المدير العام للتعليم
السرياني لدينا نوعان من المدارس السريانية، الأول ذات المناهج
السريانية، أي تدرس جميع المواد الدراسية فيها باللغة السريانية
والثاني ذات المناهج الكردية، أي تدرس جميع المواد الدراسية فيها
بالكردية مع درس واحد للغة السريانية.
وأستطرد: أن اللغة السريانية في المدارس من النوع الثاني تدرس ست
حصص للصفوف الأربعة الأولى من المرحلة الابتدائية وأربع حصص للصفين
الخامس والسادس ابتدائي، وحصتان لجميع الصفوف في المرحلة الثانوية، لأن
بعض أولياء الأمور يرفضون إرسال أولادهم إلى المدارس ذات المناهج
السريانية. مشيرا إلى أن عدد المدارس الابتدائية السريانية هو 36 مدرسة
في إقليم كردستان يدرس فيها نحو 4 آلاف طالب وطالبة، منها 22 مدرسة
ذات المناهج السريانية يدرس فيها نحو 60 بالمائة من مجموع الطلبة ، و14
مدرسة ذات المناهج الكردية يدرس فيها نحو 40 بالمائة من مجموع الطلبة،
وهناك أيضا 10 مدارس ثانوية 6 منها ذات المناهج السريانية و4 ذات
المناهج الكردية مع درس سرياني.
وتحدث بنيامين حداد ( 77 سنة) وهو مختص باللغة السريانية ومؤلف
قاموس سرياني- عربي بعنوان (روض الكِلم) عن تاريخ هذه اللغة فقال:
يرجع تاريخ اللغة السريانية إلى أكثر من قرنين أو ثلاثة قبل الميلاد،
ولدينا نصوص تثبت ذلك منها نص لمارا سرابيون وهو عبارة عن رسالة تظهر
لنا اللغة السريانية لغة متكاملة وقد أخذت خصوصيتها.
وأضاف بعد ذلك تصلنا نصوص على شكل كتب من نهاية القرن الثالث
الميلادي أبرزها كتاب ( شرائع البلدان) لبرديصان، وهو أول فيلسوف وشاعر
سرياني مجدد، ثم يتوالى الشعراء كأفرام السرياني ويعقوب السروجي
وفيليكسينوس المنبجي ومار نرساي وغيرهم في القرون المسيحية الأولى.
وتابع، وفي القرنين الثاني عشر والثالث عشر برز أفراهاط وابن العبري
وخاميس القرداحي وكوركيس وردة، ثم أبدع عبد ايشوع الصوباوي في حبكة
القصيدة وتطورها الفني.
ويبين الطالب دانا جرجيس أنه لا يجد صعوبات في دراسته بالسريانية،
وقال قد يكون الطلاب الآخرين مرتاحين أيضا في مدارسهم الكردية أو
العربية ويتصورون إن طلابا أمثالي يلاقون صعوبات جمة لأنهم يدرسون كل
المواد الدراسية بالسريانية.
وأوضح إلا أنني لا أجد أي صعوبات وخاصة إنني أهيئ نفسي لقسم اللغة
الانكليزية في الجامعة، أي أن دراستي ستكون بالإنكليزية مثلي مثل
الطلاب الذين سيدرسون بالإنكليزية أيضا في الفروع العلمية بالجامعة،
وهنا نحن لا نحتاج إلى معرفة واسعة بالكردية أو بالعربية.
وكما ان للغة السريانية لهجاتها المختلفة فان البعض يختلف ايضا في
تسميتها ويقول د. سعدي المالح مدير عام الثقافة والفنون السريانية
بوزارة الثقافة في إقليم كردستان إن نحو ثلاث ملايين شخص في العراق
وبلدان المهجر يتحدثون بالسريانية اليوم، وهي لغتهم الأم، يستخدمونها
في حياتهم اليومية، في قراهم ومدنهم المنتشرة في شمال العراق وتجمعاتهم
في بغداد والموصل والمدن العراقية الأخرى.
ويضيف كما تستخدم في عدد من دول الشرق الأوسط كسوريا ولبنان وتركيا
وإيران، وأيضا حيث يتواجد المهاجرون السريان في الشتات وخاصة في
الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والسويد وعدد من الدول
الأوربية الأخرى.
وتابع إلا أن الكثير من أبناء هذه اللغة يختلفون في تسميتها مثل
اختلافهم في اسمهم القومي، فيسمونها اللغة الكلدانية أو الآشورية،
لأنهم عادة يعتبرون الاسم الكنسي اسما لقوميتهم، وهذه إشكالية كبيرة
ترغم البعض إطلاق تسمية الكلداني السرياني الآشوري المركبة على هذا
الشعب تجنبا للفرقة.
ولايعني القدرة على التكلم باللغة استطاعة الكتابة بها فالعديد من
السريان لا يعرفون القراءة والكتابة باللغة الام مما يزيد مصاعب قرار
ارسال أبنائهم الى مدارس تدرس بالسريانية.
رغد عبد المسيح بولص (35 سنة ، مدرسة رياضيات) تذكر أنها انتقلت من
كركوك إلى أربيل عام 2004 ، وكانت ابنتها آنذاك قد نجحت إلى الرابع
الابتدائي ، وكانت دراستها بالعربية. ولهذا أدخلتها المدرسة العربية،
وقالت "بينما بلغ ابني سن الدراسة هنا فأدخلته المدرسة العربية أيضا،
لكن عندما سألوني إن كنت أريد له تعلم السريانية كدرس إضافي وافقت
فورا.
وأضافت، لكن مشكلتي هي إنني لا أتمكن من مساعدته في هذا الدرس
لأنني أنا شخصيا لا أعرف السريانية قراءة وكتابة.
وأوضح مدير عام الثقافة والفنون السريانية أن أكثر من نصف الكلدان
الآشوريين السريان لا يعرف القراءة والكتابة باللغة الأم السريانية
بسبب عدم تدريسها سابقا في المدارس كجزء من سياسة الأنظمة المتعاقبة
على الحكم، والعراقيل التي كانت تضعها السلطات العراقية أمام تعلم هذه
اللغة في الكنائس والمؤسسات الخاصة.
وربما زاد الطين بله التباين في اللهجات مما صعب اعتماد برامج
تعليمية موحدة لتدريس السريانية.
وهنا يوضح كوثر نجيب ( محاضر للغة السريانية في كلية بابل للاهوت
ومؤلف كتاب لتعليم اللغة السريانية) لست مع تدريس كافة المواد باللغة
السريانية طالما أن مدارسنا السريانية تعتمد اللهجات في تعليم اللغة
وليس لغة موحدة، وتعتمد البرامج التعليمية لهذه اللهجات على اجتهادات
بعض المهتمين وليس على قواعد ثابتة ومفردات متفق عليها. ولهذه الأسباب
لن يستفيد الطالب من سنوات دراسته الاستفادة المرجوة مستقبلا، ونكون قد
ظلمناه.
ويفضل بعض الطلبة الدارسين بالسريانية الالتحاق بالكليات العلمية
لانها تدرس بالانكليزية التي درسوها في مدارسهم بلاضافة الى السريانية.
ايفان تاور دنحا ( 19 سنة )، طالب في كلية طب الأسنان بجامعة أربيل
الطبية، درس في احدى المدارس ذات المناهج السريانية في جميع المراحل
الدراسية، قال الآن في الجامعة لا أشعر بأن هناك أي فارق بيني وبين
الطلاب الذين درسوا بالكردية أو بالعربية ، ولا علاقة للغة التي درسنا
بها في المرحلتين الابتدائية والثانوية بدراستنا الجامعية لأننا ندرس
الآن باللغة الانكليزية وهذا هو حال جميع الكليات العلمية كالهندسة
والطب والعلوم وغيرها.
ويفضل بعض الاباء من السريان ارسال اينائهم الى مدارس لاتدرس
المناهج بالسريانية لزيادة خياراتهم المستقبلية.
يقول سلام نعمت هرمز ( 33 سنة ، ماجستير ، مدرس في قسم اللغة
الانكليزية بجامعة صلاح الدين بأربيل) الذي يرسل أولاده إلى المدارس
الكردية أعتقد أن القضية هي قضية مستقبل الأبناء وأضاف: صحيح أن
السريانية هي لغتنا الأم لكني أفضل أن يدرسوا أبنائي الكردية والعربية
بشكل جيد لأن مستقبلهم مرتبط بهاتين اللغتين مستقبلا في منطقتنا
وأريدهم أن يكونوا طلقاء باللغتين الكردية والعربية.
وتابع، إن أولادي يتكلمون السريانية بطلاقة، ويجيدون الكتابة
والقراءة إلى حد ما، فهم يتعلمون السريانية كلغة إضافية في مدرستهم،
وهذا يكفي.
لكن نزار حنا المدير العام للتعليم السرياني قال المدارس السريانية
هي من ضمن المدارس المتقدمة في نسب النجاح على مستوى الإقليم وطلبتنا
من ضمن الأوائل دائما، ويدرس الآن، خريجو المدارس السريانية، في عدد من
معاهد وجامعات الإقليم وباختصاصات ذات أهمية.
ويولي نزار حنا أهمية خاصة للمدارس ذات المناهج السريانية فيقول
هذه المدارس لها منافع كبيرة لطلبتنا خصوصا أن لغتنا السريانية غنية
بالمصطلحات ولها قابلية للتطور، فضلا عن أهميتها في إثبات وجودنا
القومي.
وقد تلقي التجاذبات السياسية ايضا بظلالها حتى على تدريس اللغة مما
يجعل الاهالي يعزفون عن ارسال ابنائهم لمدارس تعلم بالسريانية.
وهنا يشير مدير عام الثقافة والفنون السريانية إلى أن بعض الصراعات
السياسية والطائفية والمناطقية تفرض أحيانا نفسها على عملية التعليم
السرياني، وتحد من إقبال الأهالي عليه، وتعد هذه الصراعات عائقا فعليا
أمام تطورها.
وفوق هذا وذاك تعاني السريانية ايضا من نقص الكوادر التعليمية
المختصة فيها وان معظم الأكاديميين المختصين بها الان هم من غير اهلها.
روبن بيت شموئيل (50 سنة ) عمل مقررا لقسم اللغة السريانية بجامعة
بغداد لسنتين، وهو الآن طالب دراسات عليا في اللغة السريانية بجامعة
لايدن الهولندية، قال: في الحقيقة إن معظم أساتذة القسم هم من العرب
المختصين، أي من غير السريان، الذين حصلوا على الماجستير بالسريانية من
قسم اللغة العبرية في الكلية نفسها، وهم يعرفون السريانية أكاديميا
وليس تحدثا معللا ذلك لعدم وجود كوادر أكاديمية من السريان باللغة
الأم.
ويشارك مدير عام التعليم السرياني رأي بيت شموئيل ويعتبر نقص الكادر
التدريسي عائقا يواجه التعليم السرياني إذ يقول من أهم المعوقات التي
تواجه التعليم السرياني الابتدائي والثانوي هو نقص الكادر التدريسي
المختص، لذلك تفتح مديريتنا دورات سنوية مستمرة لإعداد الكادر
التدريسي. مشيرا إلى أن خلال السنوات العشر الماضية دخل أكثر من 400
معلم ومعلمة بمستويات مختلفة هذه الدورات.
ويجد روبن بيت شموئيل المخرج من هذه الأزمة في إرسال طلبة سريان
إلى الخارج لدراسة اللغة السريانية وآدابها أكاديميا، وقال إن الحل
يكمن في إرسال طلبة سريان من خريجي المدارس السريانية خاصة لدراسة
اللغة السريانية وآدابها دراسة أكاديمية صحيحة ونيل الشهادات العليا
بها من الجامعات العالمية، وبالذات من إقليم كردستان لعدم وجود أي كادر
أكاديمي بهذه اللغة، ويختتم روبن بيت شموئيل: لابد للسريانية من ان
يدرّسها سرياني يتكلمها ويتقنها. |