
شبكة النبأ: مع التطور الحاصل في
المستلزمات وظهور حاجات اكثر مرونة في الاستعمال واكثر صحية فان
المستلزمات القديمة انسحبت تدريجيا من الاستعمال اليومي في العراق او
في غيره من الدول إلا ان الحنين الى القديم هو ما يحرض البعض للسعي
بامتلاك تلك الحاجات، وها هي الحاجّة أم سالم في بحثها بين شوارع سوق
العشار وأزقته بمدينة البصرة عن العثور على محل لبيع المصنوعات
الفخارية لتشتري منه حِب ( إناء ماء فخاري كبير) تستخدمه خلال أيام
عاشوراء في تقديم ماء سبيل للمارّة كتقليد سنوي اعتادت على إقامته منذ
زمن طويل في هذه المناسبة الدينية، فجميع المحال التي كانت تختص في بيع
مثل هذه المنتجات المحلية استبدلتها ببضائع وسلع أخرى حديثة ..
غير إن أم سالم (70عاما) نالت مطلبها بعد أن أوصت احد معارفها في
بغداد بشراء حب الماء وإرساله لها وهي تصفه قائلة رغم تغير الزمن وتطور
السلع والأجهزة المنزلية لكن (البستوكه) و(الحِب) و(الكوز) أصبحت جزءا
من تراثنا وبها نستذكر الماضي القريب الذي كانت فيه هذه الأواني هي
وسيلتنا الوحيدة لشرب المياه الباردة.
وتعد صناعة الفخاريات أبرز الموروثات الشعبية في الصناعات اليدوية
في العراق، ويشير الباحث التاريخي عامر محمد نايف إلى إن هذه الصناعة
ازدهرت في بلاد وادي الرافدين قديما نتيجة توفر مادته الأولية وهي
الطين الخالي من الأملاح، لاسيما بعد اختراع دولاب الفخار في موقع تل
العبيد قرب مدينة الناصرية جنوبي العراق في أواخر العصر الحجري القديم.
مشيرا إلى انه عثر في مواقع عديدة من العراق على أنواع مختلفة من
الفخاريات التي صنعها الإنسان بطرق بسيطة لسد احتياجاته المنزلية.
وأشار إلى انه منذ ذلك التاريخ أبدع الإنسان العراقي في صناعة
الفخاريات وحافظ على هذه الصنعة حتى وقت قريب وتكاد هذه الصناعة تندثر
مع التطورات الحديثة البديلة.
في سوق العشار وسط البصرة، يقول الحاج جبار شنشول لوكالة اصوات
العراق، أنه خلال الفترة الحالية تضاءل الطلب على شراء هذه الحاجيات
وأصبح العمل بها غير مربح بسبب ارتفاع تكاليف النقل من بغداد إلى
البصرة وهو ما انعكس على أسعار هذه المنتجات لذلك استبدلت المحلات التي
كانت تختص في بيع أنواع الفخاريات عملها بسلع وبضائع أخرى.
وأشار إلى إن بعض الناس ما زال يحتفظ بهذه الفخاريات كجزء من التراث
وان المعامل المتخصصة في صناعتها في بغداد ما زالت مستمرة في إنتاج
مختلف الأنواع منها غير أن في محافظة البصرة لم يعد هنالك محل متخصص في
عرض وبيع هذه المنتجات.
واستذكر الحاج شنشول قائلا كان للفخاريات كالحب والكوز والبستوكة
والمدانة والشربة سوق رائج في محافظة البصرة وباقي محافظات العراق، إذ
لا يخلو بيت من بيوت البصرة أو محل في فترة الخمسينيات والستينيات من
وجود (حب) الماء فهو يقوم مقام الثلاجة والبراد في الوقت الحاضر.
وأضاف كان إقبال الناس على شراء هذه المنتجات المحلية كبير جدا في
ذلك الوقت خاصة خلال فصل الصيف حيث يوفر بقاء الماء في (الحب) عند ملئه
في الليل من خفض درجة حرارته ويكون ماء باردا وهو ما يعرف بـ (ماء
بيوتي).
وتابع كنا في تلك الفترة نجهز محطة قطار المعقل بما بنحو (150) ألف
شربة ماء سنويا عندما كان القطار يفتقر إلى خزانات ماء الشرب، كما كانت
شركة نفط الجنوب تشتري كميات كبيرة من الحبب لتوفير الماء للعمال الذين
يشتغلون في مناطق بعيدة.
وزاد كذلك فأن الكثير من التجار الكويتيين يأتون لشراء الفخاريات من
محافظة البصرة لعدم توفرها لديهم كما أن أبناء الطائفة الصابئية يكثرون
من شراء الشربة التي تدخل ضمن عاداتهم في الزواج حيث يقوم كلا من
العريس والعروس بكسر شربة عند عقد القران.
وذكر استمر عملنا في بيع هذه المنتجات خلال الفترات السابقة، ففي
الحرب العراقية الإيرانية كان هنالك طلب من قبل وحدات الجيش العراقي
المرابطة على الحدود أو مراكز التدريب على شراء الحبب وكذلك خلال فترة
التسعينيات حيث الحصار الاقتصادي وانقطاع الكهرباء المستمر ساعد على
ازدهار تجارة الفخاريات.
وحول انواع الفخاريات يقول الحاج شنشول إن الفخاريات تصنف إلى أنواع
مختلفة كما إن استعمالاتها متعددة فمنها (الحب) ويستعمل في حفظ ماء
الشرب وتبريده، ويكون على أحجام مختلفة و(البواكة) وهي صغيرة الحجم
وتوضع تحت الحِب لخزن الماء المتساقط منه، و(التنكة) وتسمى في البصرة
بـ (الشربة) التي تستخدم لشرب الماء و(القوق) وهو خاص بالنواعير،
ويستعمل أيضا في الجدران والنوافذ حيث يخفى داخل الجدران والنوافذ لخزن
بعض الأشياء فيه.
وزاد، كذلك توجد (البستوكة) وتتميز البساتيق على سائر الفخاريات
الأخرى بان النصف الأعلى منها مطلي باللون الأزرق وكانت تستعمل في خزن
بعض المواد الغذائية بداخلها مثل ألطرشي أو الدبس والدمبك (الطبل)، أما
الجرة فقد أهملت صناعتها منذ عهد بعيد.
ويقول وليد عبد الواحد الذي يعمل في احد معامل إنتاج الفخاريات في
بغداد إن" هذه المنتوجات لازالت مطلوبة من قبل المواطنين سواء في
محافظة البصرة أو باقي محافظات العراق ويستخدمها الناس في العديد من
المناسبات.
وأضاف الكثير من المعامل في منطقة النهروان في بغداد مستمرة في
عملها بإنتاج مختلف ألأنواع من الفخار كالحب والبستوكة والشربة، ورغم
قلة انتاجها قياسا بالفترات السابقة لكنه يدل على إن هذه الصنعة لازالت
رائجة ومستمرة وما يميز هذه المنتوجات حفاظها على شكلها التقليدي دون
تغير منذ عشرات السنين.
وعن طريقة صنع الفخاريات قال يعتبر الطين الحري الخالي من الأملاح
المادة الرئيسية في صناعة الفخار حيث يبدأ العمل بعجن الطين بالأقدام
وبعد إن يتحول عجينة سهلة تجري عملية تقطيعه إلى كتل بحسب المادة التي
سيصنع منها ثم يقوم الاسطة بتشكيل عجينة الطين مستخدما آلة الجرخ
الدائر.
وأوضح تمر صناعة أي نوع من الفخار بعدة مراحل فبعد الانتهاء من
تشكيل الطوق الأول يتم تجفيف المنتوج عن طريق تعريضه إلى أشعة الشمس
لمدة ساعة تقريبا وهذه العملية يقوم بها احد العمال المختصين والذي
يطلق عليه (المداريجي)، ثم يعاد المنتوج ليضاف إليه الطوق الثاني، وبعد
إن يجف يتم إضافة الطوق الثالث.
وأضاف أن الغرض من عدم تشكيل أي نوع من هذه الفخاريات بصورة كاملة
للحفاظ عليها من الميلان أو الاعوجاج، إذ تكون طرية قبل الفخر لذلك يتم
تشكيلها على عدة مراحل وبعد الانتهاء من ذلك توضع في الكورة أو الفرن
وبترتيب خاص حيث يوضع الحب الكبير وفي داخله يوضع حب اصغر وثم توضع
شربة أو مدانة وذلك لاستيعاب اكبر قدر ممكن من الفخاريات.
وتابع تستوعب الكورة نحو 200 حب كبير تقريبا ويبقى المنتج فيها مدة
24 ساعة وبعد التأكد من نضوج الطين يتم إخراجها بطريقة بطيئة لكي لا
تتعرض إلى الكسر.
وأشار عبد الواحد إلى إن محافظة البصرة كان يوجد فيها خلال
سبعينيات القرن الماضي معملين لإنتاج الفخار أحدهما في منطقة الصنكر
والآخر في منطقة نهر جاسم غير أنهما توقفا عن العمل بعد فترة قصيرة
لعدم ملائمة تربة البصرة التي تكون نسبة الأملاح فيها مرتفعة لإنتاج
الفخار.
ويجد سعدون ناصر حسان, احد هواة جمع الآثار والصناعات التراثية في
محافظة البصرة أن "الكثير من الصناعات الشعبية باتت مهددة بالانقراض
بعد عزوف أصحاب هذه الصناعات عن إنتاجها وانفتاح السوق المحلية على
البضائع الأجنبية.
وأضاف احتفظ بنماذج مختلفة من الصناعات الشعبية كالأواني الفخارية
والمسابح والسجاد اليدوي والكراسي المصنعة من سعف النخيل وغيرها العديد
من هذه المنتجات التي تقتصر صناعتها على الأسواق المحلية فقط.
وأوضح أن سبب الاهتمام بهذه الصناعات يعود إلى كونها تمثل احد
الجوانب الاقتصادية في المجتمع العراقي كما أنها تعكس واقع الصناعة
المحلية التي كانت متداولة في تلك الفترة.
ودعا حسان إلى ضرورة أن تتبنى الجهات الحكومية إنشاء متحف وطني يضم
مختلف الصناعات الشعبية في عموم المحافظات العراقية للحفاظ عليها من
الاندثار والزوال. وتقع مدينة البصرة، مركز محافظة البصرة، على مسافة
590 كم جنوب العاصمة بغداد. |