جدلية المستقبل المنظور والمستقبل البعيد

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: ان المتحرك الحاضر بتكوناته وابداعاته يلد عادة المستقبل فمتى ما فهمنا هذا المتحرك تنبأنا بوليد اليوم القادم.

والوليد ايضا تنتابه الشيخوخة فلا يعود صالحا للزمن الذي يليه وهكذا تنشأ جدلية المستقبل كسنّة متداولة مع متقابلين الانسان والزمن.

والمستقبل نشأ اساسا من قراءات الانسان المتعددة واحترازاته بناء على تلك القراءات ومحاولته المستمرة  في تحسين اليوم الآتي وبذلك كان يسلّم كتاباته المهمة للأجيال القادمة بعده وهو يترك اوراقا فيها كثير من علامات الاستفهام واوراقا بيضاء اخرى فارغة ليسجل الآتون تجاربهم فيها ليثرون التجربة الانسانية على مر التاريخ.

وقد مر التفكير بالمستقبل بمراحل متعددة ابتدأ بالتفكير الخيالي ثم الغيبي ثم الديني ثم الفلسفي وبعده التفكير العلمي، وقد كانت لكل مرحلة نمط تفكيرها الخاص وظروفها وادوات انتاج معينة ترتبط بها وتحدّ بدرجات معينة سبل ترقيها الى نقطة اعلى وكان المنفذ الوحيد للتطلعات الانسانية هو التفكير الابداعي لدى الانسان الذي يفرزه الصراع فيخلق واقعا جديدا تتغير فيه الادوات والآليات وتبدا راهنية جديدة تتنامى باطراد الى ان تتحول الى نمطية ثقيلة.

وفي الزمن المعاصر تحول التفكير بالمستقبل الى علم قائم بذاته بكونه تحصل على  رصيد معرفي هائل وتراكم كبير كما وكيفا واخذ حجم المعلومات يتضاعف بصورة مستمرة خلال فترات قصيرة من الزمن بسبب التكنلوجيا الحديثة المتمثلة بالكمبيوتر والانترنيت والاقمار الصناعية التي اصبح لها الدور البارز في سرعة معالجة المعلومات وخزنها واسترجاعها.

وعلم المستقبل يعتمد اصلا وبصورة اساسية على العقل والخيال والحدس اي بمعنى ان الارضية التي يتفاعل بها التفكير بالمستقبل هي ارضية الوقائع والمعطيات كذلك الوعي الشديد بالزمن وادراك اهميته القصوى وينبع هذا التفكير من ان المشكلات التي تظهر في الراهن لها جذور ماضوية وذلك بكون المشكلات لا تنشأ في يوم وليلة انما جاءت تدريجيا وبصورة متخاتلة لايشر بها الانسان العادي.

والمستقبل يمكن تقسيمه الى خمسة اقسام وهذا التقسيم افتراضي يفعله الانسان بحسب المعالجات او الاستثمارات التي يريدها ويشهد على ذلك الخطط التي تتبناها الدول في التنمية، كأن يقال الخطة الخمسية او العشرية او خطة العام القادم او خطة السنتين، وبحسب الأكاديميين فان الخطط المستقبلية تتبع ما يسمى:

1ـ  المستقبل المباشر ويمتد من عام الى عامين انطلاقا من اللحظة الراهنة.

2ـ المستقبل القريب ويمتد من عام واحد الى خمسة اعوام  من اللحظة الراهنة.

3ـ المستقبل المتوسط من خمسة اعوام الى عشرين عاما من اللحظة الراهنة.

4ـ المستقبل البعيد من عشرين عاما الى خمسين عاما.

5ـ المستقبل غير المنظور ويمتد الى ما بعد الخمسين عاما.

ان الهيئات الامريكية الاساسية المتخصصة بالدراسات المستقبلية قد بلغ 386 هيئة ولم تقتصر العناية الامريكية بعلم المستقبل على ميدان واحد من ميادين المعرفة بل شمل الاهتمام جميع العلوم الاخرى كالسياسة والاجتماع والاقتصاد والادارة وغيرها من الامور الفنية. وقد سخرت لذلك قوى التكنلوجيا والبشرية والمخابراتية لدعم هذا الاختصاص.

ان الانهماك المتزايد بالدراسات يكشف حجم المحاولات الرامية الى استعمار المستقبل والسيطرة عليه. ويتبين لنا ان هناك توظيف سياسي ايضا للمستقبل وهذا التوظيف لا يتم على اساس تاملات او تخيلات وانما ينشأ على اساس واقع موجود ومحكوم بمجموعة من القيود واهم هذه القيود:

ا ـ قيود طبيعية تتمثل بمقدار الموارد المتاحة.

ب ـ قيود اجتماعية تتمثل بالبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية السائدة في ذلك المجتمع.

ج ـ قيود داخلية وخارجية بسبب علاقاته مع المجتمعات الأخرى.

د ـ القيود التي تمثلها السلطة وصناعة القرار.

كل هذه الاعتبارات توضع بان مسألة وعي المستقبل ليس كلام كهان او ضربا بالغيب، بل يمكن ادراج التفكير بالمستقبل كميدان حيوي اساسي في الوقت المعاصر في كل ارجاء العالم.ومن النقاط الاساسية التي تتبع عادة في التفكير بالمستقبل والتخطيط له:

1 ـ الاستعداد للمستقبل يتوقف على درجة القناعة في التخطيط للمستقبل بصورة مباشرة او غير مباشرة وعلى نوعية ونسبة الاستقرار وذلك لان الاضطرابات تؤدي الى شلل للخطط المستقبلية بكون المؤسسات تتطلب ان تكون مستقرة مع قيادة حازمة وقبول ديمقراطي للرأي.

2 ـ التشجيع على فتح مراكز بحوث متخصصة بالدراسات المستقبلية حكومية كانت ام غير حكومية التي من شانها رفد صانعو القرار السياسي يالدراسات المستقبلية للاستفادة منها ووضع التصورات الواقعية والممكنة للمستقبل.

3 ـ اختيار الوسائل المناسبة لكل مرحلة لتحقيق الاهداف النهائية وتجنب الاخطاء استنادا للمعلومات وقاعدتها العريضة المرنة فيما يخص البيئة الداخلية والخارجية والماضي والحاضر.

4 ـ معرفة الحدود الواقعية للامكانات لدى الدولة او الاقليم المعني بالخطط المستقبلية كذلك حدود امكاناتها.

وعلم المستقبل قد يشبه الى حد ما بطريق الالغام هذا بالنسبة الى الخطط العشوائية التي تقوم بها بعض الدول والتي تنبع اساسا من صانع القرار الكيفي الذي لا يستند على دراسات رصينة ومتخصصة وانما تصدر من روح استبدادية كيفية سرعان ما تظهر نتائجها السيئة ويمنى البلد بمشاكل وازمات بسبب الخطط تلك.

وهناك شواهد كثيرة على غرار تلك الخطط والمشاريع غير المدروسة والتي انفق فيها المال العام وراح هباء إضافة الى تشكيله عبء غير اعتيادي على الاقتصاد او المجتمع.

....................................................................

المصادر:

كيف نصنع المستقبل-مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8 كانون الثاني/2008 - 28/ذو الحجة/1428