التلفزيون العراقي في ذكرى تأسيسه الـ52 بين الاستقلالية والتبعية للحكومة

شبكة النبأ: تباينت رؤى عدد من الإعلاميين في الذكرى الثانية والخمسين لتأسيس التلفزيون العراقي التي تصادف الخامس من شهر كانون الثاني، بشأن مدى استقلالية قناة العراقية شبه الرسمية وحجم استفادتها من التجربة الطويلة لسلفها التلفزيون الرسمي، الذي يعد أول محطة تلفزيون في العالم العربي، والكيفية التي مارس فيها أدواره المختلفة خلال حقب سياسية متفاوتة ومتقاطعة.

فبينما فصل مسؤول التلفزيون الحالي بين الحقب السياسية المتفاوتة معتبرا أن ما يمكن الحديث عنه هو مقدار ممارسة السلطة العراقية لإدارة هذا الجهاز، وأبدى سعادته بما سماه "سعة أفق الحرية" التي يتعامل بها تلفزيونه حاليا، انتقد معنيون بالشأن الإعلامي أداء التلفزيون العراقي معتبرين أنه أصبح "ممثلا" للحكومة مع أن تمويله من المال العام.

وقال حسن قاسم مدير تلفزيون العراقية، شبه الرسمي، والذي يعد امتدادا للتلفزيون العراقي، أن تلفزيون العراق لم يشهد شيئا من الاستقرار والمهنية ولو بدرجة بسيطة على مدار تاريخه الطويل الذي قطعه في أطوار التأسيس. مبينا أن الأمر ينسحب على مجمل الإعلام العراقي.

وأضاف أن تأسيس التلفزيون تم على أسس غير مهنية، بقدر ما كانت مبنى الإذاعة والتلفزيون بمنطقة الصالحية وسط بغداد، يمثل بالدرجة الأولى أمل الضباط إلى سدة الحكم، لقراءة البيان رقم 1 من هذا المبنى من خلال الانقلابات التي بدأت منذ العام 1958 بعيد تأسيس التلفزيون.

وكان التلفزيون العراقي قد تأسس في العام 1956 عندما عرضت شركة (باي) منظومة تلفزيونية متكاملة في معرض لها أقامته في بغداد، وقد أعجب ملك العراق الشاب آنذاك فيصل الثاني بتلك المنظومة وقرر شراءها ليكون التلفزيون العراقي من أقدم التلفزيونات في الشرق الأوسط والأول في العالم العربي.

وقد بدأ البث فيه لساعتين تقدم خلالها الكثير من الأغاني والتمثيليات بشكل مباشر، حتى بدأ البث بالتطور والزيادة.

قاسم بيّن لوكالة (أصوات العراق) أن التلفزيون كان أداة بيد الحكام مثلما هو حال اغلب التلفزيونات العربية قبيل التحول الكبير الذي حصل في الإعلام العربي منتصف التسعينيات عندما ظهرت القنوات الفضائية، وهو ما افرد شيئا من الحرية وممارستها بعيدا عن فرضيات الدولة وسيطرتها.

وبين أن فترة التسعينيات التي شهدت نهوضا ملحوظا في أداء التلفزيون كانت فترة خمول وموت في تلفزيون العراق، وإذا ما قيس عمر التلفزيون العراقي فهو حصيلة السنوات الأربع الأخيرة التي انفك فيها عقد السلطة وتحرر فيها خطابه من نمطيات وسلوكيات الحكومة المفروضة.

وتابع موضحا، بل إن هناك صعوبات واجهت الإعلام والتلفزيون بوجه أدق حتى في فترة التأسيس الجديد، حيث كانت سلطة القرار بيد آخرين جاءوا وأسسوا شبكة الإعلام العراقي ولم تنتقل فيه السلطة إلى العراقيين إلا في أواسط العام 2005.

وخلص مدير تلفزيون العراقية إلى القول وبالتالي فإن سنتين من دعم التلفزيون بيد الإدارة العراقية من الصعب جدا أن تحصد ثمارا مرضية بدرجة عالية، لكن الفضائية العراقية اليوم تمثل حضورا واسعا ولها مشاهدات كبيرة وفق استطلاعات الرأي التي تقيمها مؤسسات ودوائر معنية.

يشار إلى أن شبكة الإعلام العراقية، التي يعد التلفزيون العراقي جزءا منها، قد تشكلت وفقا للقانون رقم 66 للعام 2004 الذي أصدرته سلطة الإدارة المدنية برئاسة الأمريكي بول بريمر، وقد سلمت إدارة الشبكة إلى الجانب العراقي في 5 آب أغسطس 2005 ليرأس العراقي حبيب الصدر إدارة  تلك الشبكة، بعد أن تولت شركتا هارس الأمريكية خدماتها اللوجستية وشركة (LBC) اللبنانية الإشراف والأداء الإعلامي.

وتضم الشبكة أربع قنوات فضائية إضافة إلى تلفزيون العراقية، وهي: العراقية2 المختصة باللغات غير العربية، والعراقية الرياضية، وقناة الفرقان التي تبث البرامج الدينية، والعراقية مباشر التي افتتحت مؤخرا.

هذا فضلا عن إذاعة جمهورية العراق، وإذاعتي شهرزاد والجيل، وكذلك صحيفة ومجلة شبه رسميتين، هما الصباح ومجلة الشبكة.

 وحول مساحات الحرية التي يتمتع بها التلفزيون، يقول قاسم، هناك إشكالية موجودة في التلفزيونات العربية والعراقية اليوم، هي التغاضي عن الأطراف الممثلة في النقد وعدم الحديث عنها إطلاقا.

وأضاف أن نسبة الحرية في خطاب التلفزيونات العربية والعراقية الأخرى تكاد تكون ضعيفة جدا فيما لو قورنت بتلفزيون العراقية الذي يمثل كل شرائح الدولة ولا ينحصر فيه الخطاب لجهة دون أخرى وطائفة عن سواها في ظل حراك سياسي قائم على أسس التعددية.

ويقول مدير تلفزيون العراقية إن  مشاهدة البرامج السياسية والنشرات الإخبارية والبرامج المنوعة يمكن أن تشكل قاعدة للحكم على مدى الحرية التي يمارسها الإعلام العراقي والعراقية، وهو ما ينعدم نظيره ربما في قنوات عربية عديدة تتبنى المواقف حد الازدواجية، كما في دعم مشروعية المقاومة الفلسطينية وعدم انتقاد سياسات الحكومة بالتعامل مع إسرائيل على سبيل الفرض.

 لكن عبد القادر الدليمي مدير معهد التدريب والتطوير الإعلامي انتقد أداء التلفزيون العراقي، والذي يمثله تلفزيون العراقية، معتبرا انه لا يمثل مستوى الطموح بالنسبة للشعب العراقي. بالرغم من اعترافه بالتحسن الملحوظ فيما وصفه بـ "أدائها الوطني".

وقال الدليمي لوكالة (أصوات العراق)، على الرغم من التقنيات الحديثة التي تمتلكها الفضائية العراقية إلا أن برامجها  سواء السياسية، أو الثقافية لا تلبي طموح واحتياجات المشاهد العراقي. مبينا أنها بدأت تتجه اتجاها لا يتناسب مع المنهج والتمويل فهي يجب أن تكون مستقلة لأن تمويلها من الدولة وليس الحكومة مما يفرض عليها التمثيل الشامل.

وأضاف مدير المعهد أن هناك تحسنا ملحوظا في أدائها الوطني لكنه ليس بكاف، سيما وان التلفزيون العراقي هو أول تلفزيون في الشرق الأوسط، لكن للأسف (العراقية) هي ليست  الرائدة الآن لعدم تلبيتها لكل طموحات الشعب. معربا عن أمله في أن تكون العراقية خلال عام 2008 "عراقية صرفة  لا ترفع جهة على حساب أخرى بل تمثل كل العراقيين.

وعن التقييم الفعلي لأداء التلفزيون عما كان عليه في السابق، قال الدليمي، لا توجد هناك دراما عراقية، لأن قناة (العراقية) لم تختط لنفسها دراما عراقية تلبي طموحات الشباب ولا الفئات الأخرى.

واعتبر أن ما موجود من قنوات باللغات التركمانية أو الكردية هو أمر غير مطلوب باعتبار أن لكل قومية من هذه القوميات الآن أصبح لها قنوات تمثلها ولا توجد حاجة لتكون هناك قنوات كردية أو تركمانية. ويعتقد أن من الضروري أن تكون هناك  قناة باللغة الانكليزية.

وأضاف، أن الجهد الذي يبذل في هذا الاتجاه مشكور، إلا أن هذه الأموال يجب أن توظف  من اجل تدريب وتطوير الكادر الصحفي للتلفزيون الذي لا يمتلك خبرة وطنية، ولا إعلامية، ولا مهنية من اجل خلق كادر إعلامي شبابي يخدم المسيرة الإعلامية.

وحول استقلالية تلفزيون العراقية عن سلطة الحكومة، ومدى انعكاس هذا التحرر على عمل التلفزيون، قال، (العراقية) عمرها لم تكن منفصلة عن الحكومة، وإنما هي أشبه بالناطق الرسمي للحكومة وهذا أمر لا نرغب به.

وأضاف، أن العراقية يجب أن تكون مستقلة، ولا ضير أن تنقل نشاطات الحكومة عندما يكون هناك نشاط لكن لا أن تلمع صورة فلان وفقا لما جاء بقانون شبكة الإعلام أو الأمر (61،62) من قانون بريمر.

بيد أن مدير تلفزيون العراقية يقول إنه لا يمكن الحديث عن استقلالية كاملة للقنوات الفضائية في العالم اجمع والعراق بوجه خاص، بل ربما هناك هاجس أمل للإعلاميين العراقيين في الوصول إلى مساحات أوسع منها. مبينا أن المؤسسات الممولة والحكومات  تساهم بجزء من الخطاب الإعلامي وطرح وجهة النظر بوصفها الممول.

ويخلص إلى أنه  في الغالب إن عنصر الإبداع مغيب مع الانتماء إلى مؤسسة دولة يسيطر فيها هاجس التقاعد على الأطراف العاملة وتخيم كلاسيكيات الدوائر الرسمية على سياقات العمل، وبالتالي فإن التخلص من الإرث السابق يبدو صعبا.

ويشير مدير تلفزيون العراقية إلى جوانب أخرى تعانيها مؤسسته بقوله، لا يغفل ما يمارس ضد الإعلام العراقي وتلفزيون العراقية من حملة عربية واسعة، فنحن حتى اللحظة لم نتمكن من حجز مساحة كافية في قمر النايل سات، ولا يسمح لنا باستخدام مساحة أكثر لتحسين الصورة مع أن أية قناة أخرى يمكن أن تحصل على اكبر مما موجود لدى العراقية. مبينا أنه لا سبب في ذلك يذكر سوى الوقوف أمام مشروع الإعلام العراقي الجديد.

ويضيف، نحن حتى اللحظة نبث عن طريق قمر العرب سات ومنه يتم التحويل إلى النايل سات وهي مهمة عسيرة نحصد ثمارها تشويها في شاشة العراقية مهما قابله من عمل جيد وجهد مضن.

وفي فضاء مفتوح للمشاهد العراقي، بعد أن كان التلفزيون الحكومي هو نافذته الوحيدة على العام قبل 2003، تباينت آراء عدد من المشاهدين بشأن أداء التلفزيون العراقي، ففيما اعتبره البعض بداية واعدة وهادفة، ذكر آخر انه لم يتطور عما كان عليه في مسيرته السابقة، ويضيف ثالث أن مساحة التمثيل الفعلي للمكونات في خطابه جيدة مع ما يشوبها من إخفاقات.

المواطنة أمينة سالم (ربة بيت) من سكان منطقة الجادرية جنوبي بغداد، اعتبرت تلفزيون العراقية اليوم مشروعا هادفا يخدم الأسرة العراقية لما فيه من برامج وأخبار تناسب ذائقة العائلة العراقية.

وقالت إن التلفزيون يأخذ على عاتقه –كما يبدو- عادات وتقاليد الفئات المتنوعة من الشعب العراقي ونحن نشاهده باستمرار، فهو مشروع جيد ويخدم الأسرة العراقية وفيه من البرامج ما يناسبنا كعائلة عراقية.

لكن جواد عبد الحي (طالب جامعي) من أهالي مدينة الصدر شرقي بغداد، قاطعها بالرأي معتبرا أن التلفزيون لم يتطور إطلاقا عن مسيرته السابقة من حيث الأداء. وقال، حينما أشاهد الشاشة التلفزيون العراقي لا أرى فيها أي اختلاف عن سالف عصورها مع تبدل الشخصيات.

وأضاف عبد الحي، ليس هناك ما يجبرني على مشاهدة تلك القناة مع تزايد أعداد القنوات الفضائية التي تقدم الأمثل والأفضل أداء وكيفا.

وقال، يبدو أن العاملين لم يتحرروا بعد من سلطة التلفزيون الواحد ولا يودون الاعتراف بتزايد أعداد القنوات الفضائية التي تتنافس فيما بينها لتقديم الأداء الجيد واجتذاب أعداد كبيرة من المشاهدين.

وفي السياق ذاته، قالت رؤى عبد الله (موظفة) من منطقة العامرية غربي بغداد، يبدو تمثيل الكثير من مكونات الشارع العراقي واضحة في اداء تلك القناة. واستدركت بالقول، لكن خلال مشاهداتي لأداء العديد من القنوات الفضائية وطبيعة ما تقدمه أرى أن تلفزيون العراقية يبدو الأقل تمييزا بينها في تعامله مع الطوائف الدينية.

من جهته اتفق إياد السعيدي مدير برامج قناة البغدادية الفضائية مع الدليمي بأن قناة العراقية "لا تتمتع" بالاستقلالية عن الحكومة وأنها تمثل ما سماه "لسان حال الحكومة".

وقال السعيدي لـ(أصوات العراق) إن الخطاب الإعلامي الحكومي استمر في التلفزيون العراقي حتى بعد سقوط النظام العراقي السابق منذ 2003 ولحد الآن، حيث كان المفترض أن تخلق خلال هذه السنوات الخمس خطاب رأي عام.

وأضاف أن، ما موجود في العراقية الآن خطاب حكومي وأبسط  مثال على هذا أن من يشاهد شريط أخبار القناة يرى فيها تهاني الوزراء والنواب في وقت لا تذكر تهاني المواطنين على الرغم من أن تمويل تلفزيون العراقية هو من المال العام.  مشيرا إلى أهمية تكوين خطاب إعلامي يمثل الرأي العام.

وعن مسيرة أداء التلفزيون العراقي بعد مرور 52 عاما على تأسيسه قال إن هناك مرحلتين مر  خلالهما التلفزيون العراقي، الأولى هي مرحلة الصيرورة التي خلقت كوادر فنية وهندسية منذ الستينيات من القرن المنصرم تمثلت بالعهد الملكي والذي كان يتسم بنوع من الحرية والديمقراطية.

وأضاف أن المرحلة الثانية هي مرحلة الحكومات المتتالية والتي امتدت من سبعينيات القرن المنصرم وحتى التسعينيات، والتي طورت الجوانب الفنية في التلفزيون من إضاءة، وهندسية، وتصوير إلا أنها  للأسف لم تخلق مراسلين ومحررين، لأن الخطاب كان يمثل الحكومة، واستمر هذا إلى ما بعد سقوط  النظام ولحد الآن.

وحول مسيرة تلفزيون العراقية وإمكانية تطورها قال، إن العراقية من الناحية الفنية والهندسية تطورت كثيرا حتى أنها تغلبت على القنوات الخاصة الموجودة في العراق وحتى على  بعض القنوات العربية المملوكة للحكومات. واستدرك، لكنها افتقرت للخطاب الإعلامي الذي يمثل هوية الرأي العام وهذه مشكلة كبرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7 كانون الثاني/2008 - 27/ذو الحجة/1428