الغدير المعاني والدلالات

برير السادة

 يحق لنا ان نسأل لماذ اختار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدير خم, لتنصيب عليا عليه السلام؟ فلماذا لم ينصبه بالبيت الحرام, او المدينه المنورة او غيرها من البقاع؟ وماهي الحاجة لغدير خم؟ والرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل يذكر عليا وناه خليفة من بعده منذ "وانذر عشيرتك الاقربين" فحديث الدار والمنزله والطائر المشوي, والكساء اليماني, والمباهلة, وضربات علي عليه السلام المتوالية على رؤوس المشركين والكافرين في كل غزوة, فلا يرجع حتى يفتح الله على يديه.

ان اختيار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للغدير عبارة اسلوب حضاري في صناعة الحدث, فقد اراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهذا اليوم ان يكون حاضرا في وجدان وذاكرة الامة, فالحدث لا يكون له تاثير اذا صنع في  مكان ممتلأ بالوقائع والاحداث التاريخية, بل سيكون اقرب للحالة العامة التي اعتاد عليها الناس, فهو لا يحمل من الدلالات بالمقدار المطلوب.

من هنا كان اختيار غدير خم لتنصيب الامام علي عليه السلام واعلان ولايته, اسلوب جديد في صناعة الحدث, وغرسة في الوجدان الاسلامي, بل وبلورته في ضمير وكيان الامة, فهي قد تنسى بعضا من الاحداث التي وقعت في المدينة المنورة او غيرها من الاماكن الاخرى لكونها مشغولة وممتلئة بالعديد من الاحداث, لكنها لن ولن تستيطع ان تنسى غدير خم, فكلما مر ذكر  الغدير انسابت معه مراسم تنصيب امير المؤمنين, وظهرت صور رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرفع يد عليا ويقول الا من كنت مولاه فهذا عليا مولاه اللهم والي من واله وعادي من عاداه...

فنحن امام منهج جديد, لصناعة الحدث تجسد في غدير خم, ومارافقه من احداث كلها تركت اثرا لا يمكن ان ينسى بسهولة بل ربما, ظل في وجدان الامة لسنوات مديده, فحرارة الرمال الملتهبه التي كانت تجبر المسلم على ان يضع ردائه تحت قدميه, وحرارة الشمس ... وغيرها من مؤثرات في الحدث تمثل نموذجا وطريقة في فن صناعة الاحداث وتاثيرها.

 كما ان الصفاء الروحي والذهني الذي سبق الحدث وهو اداء فريضة الحج قد هيئا النفوس والقلوب للامتثال لامر رسول الله, بل انه غسل القلوب من الحقد والحسد وكل ما من شانه ان يؤثر سلبا في تقبل هذا الامرو حتى راينا ان كبار المنقلبين على ولاية امير المؤمنين عليه السلام قد بايعوه امير عليهم.

ورغم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ملأ حياة المسلمين بذكر علي عليه السلام وانه خليفته مدة الرسالة التي امتدت 23 عام, فان حديث الغدير كان ضربه في صمييم الشك, وتمزيقا للتردد والحيرة في ولاية علي, فغدير خم قد قطع الشك باليقين بان ولي رسول الله وخليفته هو علي بن ابي طالب عليه السلام, فهو اعلان رسمي ووحي سماوي واضح لمجال للمراوغة فيه, فالانقلاب عليه انقلاب على السماء وتحريف لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

فغدير خم الذي مثل مفترق طرق المسلين, وتحديد مسار عودتهم الى اوطانهم, هو نفسه مفترق طرق الرجوع الى الله عز وجل, فهو مفترق طرق الحق والباطل والضلال والهدى, وهو ما كان يصدع به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من اول يوم في الدعو " لا يحبك يا علي الا مؤمن ولا يبغضك الا كافر او منافق". فالاجتماع على الحق لا يكون الا بولاية علي عليه السلام, فلا اعتصام بغير الولاية ولا هداية في سواها غير التخبط والضياع " ظلمات بعضها فوق بعض" " ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور" .

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1 كانون الثاني/2008 - 21/ذو الحجة/1428