آمنتُ بالغدير

فريد النمر

 آمنتُ أنّي طينةٌ تحْياكَا = فاعبَثْ بروحي وابعثِ الأدراكا
وأدرْ مَدارات اليقينِ بخافقي = في كُلّ ناحية تبُثّ بَهاكا
يا أنتَ يا نفَسَاً شحَذتُ نسيمَه = فتشكلّت رئتايَ نفحَ شذَاك
يا أنتَ يا قَدَرا تملّكَ مُهجتي = فاستسْلمتْ لُغتي إلى سِيمَاكا
فسكبتها للشاربينَ أَجنّةً = من بَاردٍ أرواهُ فيضُ رَجاكا
حَتى كأنّ البَدرَ طافَ مَلامِحي = حِينَ ارتعْشنَ على مَدارِ مَداكا
أيقنت إنّكَ في يقيني لهفَةٌ = ومذاقُ حِسّ أتقنتها سَماكا
فسمتْ وعشقكَ مَانِحي صفة الهَوَى = إذ رَقّ في فكْري رَقيقُ ثناكا
لتُضيئَني قلْباً لأنّكَ في دَمِي = عُشقٌ يخَامِرَني سَنيُّ سَناكا
وكأنهُ نهْبُ المجَرّةِ ضَوءُهُ = أفقٌٌ يمَدّ معَ الضيا الأفلاكا
ووددتُ لو أرويكَ شمسَ حكايةٍ = نَقَشَتْ سَبائِكَها فُصُولُ ذُرَاكا
تجْتاحُني شوقاً يكَوّنُ نطفَتي = كجنَائنٍ نَسَجتْ غُصُونَ وِلاكا
لتعيْدَني وَجْهاً يقاسمُ وجْهَتي = ريانُهَا بالنّورِ مِمّ حَباكا
تُغني السَنا بالرائعاتِ وشوطها = يثري زَمَاناً مترَفَا غَنََّاكا
فإذا المنى ينبوعُ فجْرٍ مُورقٍ = يهْدي الشموسَ ضحىً لدِفْءِ لقاكا
فتنصّتتْ لغةٌ تزَاحِمُ في فَمِي = عَطشا لبوحِكَ حَينَ رَفّ عُلاكا
وهفَتْ عُيُوني شرّدا بحدِيثها = يا ألفِ ليْلٍ_ دَهْشةً وَحِرَاكا
يسخوْ بهَا أنّى يَشاءُ , فخَاطري = مذْ أنتَ يغمُرني شَهيُّ حِماكا
أطفُو فيخلقني النهَارُ تَأملاً = ونعيمُ رُوحِيَ يَستقلُ صَداكا
وأتيتُ أستبقُ الحنينَ بصُورَةٍ = تمتدُّ بينَ مَشاعري بقوَاكا
مُذْ كوّنت خَلْقي نَدَاوَةُ طِينَتي = كانَ الرُذاذُ الحُرّ من مَرمَاكا
فتعَمْلقتْ أسْرابُ نورِكَ داخلي = صُبحاً بعطفِكَ لا يَشتّ فِكاكا
فلزمتُ جوّكَ في كُؤوسِ غِوَايتي = سِكْرَ الهيَامِ وقدْ لثمتُ ثَراكا
فعَرفتُ كيْفَ أذوقُ طَعْمَ سَوَانِحي = اسْتَطْعِمُ الأشياءَ في مَعناكا
وألملمُ الإنصافَ رغمَ تكرّري = في ألفِ عيدٍ طوّقتْهُ يَداكا
وأكادُ أنتزعُ الخيَالَ عَوَاطفا  = متجردا للهِ في أسْمَاكا
فوَريْفُ صُبحِكَ أسْتظلّ هَجيرَهُ = طرَفَا بذاتٍ ُنبّأتْ دَعواكا
أصحوْ فينعشني الهوَى في سِكره = إذ كدْتُّ أصبحُ زائغاً لولاكا
لأكونَ غرساً مَيّزتْهُ غِراسكَ الخَضرا وقدْ عَذبتْ بوهْجِ رُؤاكا
فتعدّقت ألقا نَخِيلُ مَسَافَتي = ولكمْ رَمَتْ بعدوقِها الأفاكا
أغفُو فتملِكُني المَآثرُ طفلَة = غَفَلاتُها المَعنَى الكَبيْرُ أراكَا
فإذا صَحَتْ أسمَعتُ عَذبَ لحُونِها = واللّحنُ لمْ يَعزفْ سِوى لألاكَا
أجَجتُ  للنجوى مَدَارجَ جَذوَةٍ = قد أشْعَلَتْ أحْفَادَهَا بذُرَاكا
فأخالُ أنّ جَبينَ عشقكَ مَطلعٌ  = مَا انفكّ يُودِعُني بعَصْفِ نَداك
يشتاقُ قلبُ الشوقِ مَسّ جَوانحي = عشقاً يَفِرّ وَما المُرَادُ سِوَاكا
يتفيَأُ الصلصَالَ وَقْدُ طمُوحِهِ = في منْسَكٍ قدْ فَسّرَ النّسَاكا
فإذا بهِ لحنُ الولادةِ نغمَةٌ = رَنّتْ بأقدَسِ بقعَةٍ بُشْرَاكا
وعلى (المبيْتِ) صَدا تَطَاوَلَ شأْوُهُ = بَينَ المَلائِكِ غبْطَةً لهناكا
فتلتْكَ آيً من شموخِ مُحمّدٍ = تُروَى ببَابِ الحَمْدِ مُذْ غَذّاكا
إذ أنْتَ مِن صِلصَالهُ الحَمَأ الذي = قَدَحَ الضياءَ وأطفَأ الإشْرَاكا
فتحزّبَتْ أمَمٌ وأخرَ تخيبَرَت = سحقوا الرفيف وَسمّموا الاشَوَاكا
فرَكبتَ للإخطارِ قلبَ مَلاحِمٍ = حتى تحَققَ بالكفاح مُناكا
وقدِ انتَهَى وَعيّ بكلّ عَظيمةٍ = دَحَرَتْ ثغورَ الكافرين يَداكا
فجَرتْ بنهْركَ للعقولِ رَوافدٌ = حَمَلتْ مَصَاحفُ طِهرها الامْلاكا
فتأنقتْ سِككُ اللحُونِ بنَشوَتي = تيهَا أتينَ يَصْلنَ عَزفَ غِناكا
هبني شَغُوفا أسْتفزّ مشاعري = وأطيلُ فيْكَ مَزاعِمِي استمْسَاكا
فهنا النَوارسُ من شِغافِ تلَذُذي = قد طُرْنَ زَهْوَ حَنَاجِرٍ تنْخاكا
هَذا غَديرُكَ وهوَ كُنهُ غِوَايَةٍ = يَهَبُ الشعورَ ويُرسلُ الإدراكا
هذي مياهُك لمْ تزلْ أنهارُها = تلِدُ النفوسَ  الشمّ عَزْمَ إباكا
تَجْري فينتفضُ المَدَى في حُلمِهَا = لمّا تَوَالَتْ شُرّعَا ذكراكا
فتسيلُ فَوقَ الأرْضِ إلفَ جَدَاولٍ = تهْدِي الضيَاءَ مَنَازلاً بهواكا
تجري فيَشتَعلُ الصَدَى في لَحظةٍ = لمْ ترتسمْ حتّى تلوتُ ثناكا
حتى إذا رَقَصَ الغَدِيرُ بمَائِهِ = غَنّاكَ للرُسل ِ الأمَينُ هُنَاكا
(بلّغْ) فانكَ قد بلغتَ إلى المَدى = مَا كِنتُ مَولى غير من والاكا
كالصُبح يَطلقهَا فمِنْ آياتُها = أرْضِي السَمَاءَ وقَرّبِ الأفلاكا
ف(اليومَ أكمَلّتُ_) الفرائضُ كلّها = كانَت ومَا فَتَأتْ نشيدُ علاكا
فهنا الإمَامةُ والمُروءَة تُصْطَفى = والرَّبّ بالحمدِ العَميمِ عَناكا
فتبادَلتْ سُمّارها أدوَارَها = وتفَاخَرتْ (بخٍ) إلى شَأواكا
وصداً أبا السِبْطينِ أنتَ إمامةٌ = عُصِمَتْ من الهَفَوَاتِ كلّ خطاكا
فبَغَتْ عَليكَ شَراذمٌ مَمسُوخَةٌ = بَعدَ الذّي أوضَحْتَ في نَجَوَاكا
لَو أنصَفتْ رئَةٌ قبيلَ ذعُورِهَا = لاسْتَأنفَتْ نعمَاكَ مِن أوْلاكا
لمْ يَبقَ عُذرٌ بَعدَ وضْحِ مَوَاهبٍ = إلا الخَسارةَ في قلِوبِ عِداكا
هذا الثرَى يَبِسٌ يَعيشُ جَفَافَه = مَا لمْ يَسِل في فيهِ مَاءُ وِلَاكا
وهِي القلوبُ برَينِها مَشفوعةٌ = حَتى تَؤبَ إلى الغَدِيرِ بذاكا
فثمارُ حبّكَ يَا عَليُ شَوَاطئٌ = تَطفُو حَقيقتُهَا كصبحِ سَناكا
تَمْتَدّ بَينَ الدّهِر طُهْراً بالذي = غَذّيتَهُ بالطِهْرِ فِي أبنَاكا
هَذيْ الدّلائلُ في الضّمِيرِ عَرَفتُهَا = غَرْسَ النُبُوّةِ مُذْ بَهَا نَاداكا
فغَرَفتُ ثَغرَ المُستَحيلِ يُجيبُهَا = بَرقَ الشِفاهِ وقدْ أطعنَ هَواكَ
أأبا تُرَابٍ أنتُ أقدَسُ تربَةٍ = بلغَتْ نهايَةُ فَضْلهَا إدراكا
آمنتُ أنّ الحَقّ أبلَغُ حِجّةٍ  = لا تَنثَني أبَدَاً, وصِدقِ جَِناكا

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 30 كانون الاول/2007 - 19/ذو الحجة/1428