واشنطن ومستقبل التحالف السوري الإيراني

شبكة النبأ: ليس سرا القول ان الفكرة الاساسية التي وقفت وراء دعوة ادارة بوش لعقد مؤتمر دولي في أنا بوليس لم تكن تستهدف التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين بقدر ما كانت تسعى لجمع الدول العربية المؤيدة لأمريكا تحت مظلة تلك العملية من اجل احتواء ايران أو لايجاد توازن على الاقل امام قوتها المتزايدة.

فعلى الرغم من ان الرئيس بوش يحبذ كثيرا ان يتذكره الناس كرئيس امريكي عمل على ايجاد حل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وهو في السنة الاخيرة من رئاسته، إلا ان اولويته وهدفه الاكثر الحاحا يبقى متمثلا في منع طهران من انتاج قنبلة ذرية.

وبدعوته السوريين، وادراج قضية مرتفعات الجولان في جدول اعمال تلك القمة (أنا بوليس)، اعرب بعض المسؤولين في واشنطن عن املهم بأن يكون ذلك بداية لعملية يمكن ان تنتهي بفصل دمشق عن طهران، وهو امر يمكن ان يساعد اسرائيل في تحييد التهديدات العسكرية التي تواجهها امام حماس وحزب الله.

وكتبَ بلال صعب من مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط مقالا جاء فيه: ما لم يُظهر بوش ورئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت استعدادا لاتخاذ نهج جديد مع دمشق، ستدفع الاجراءات الجزئية وانصاف الحلول سورية اكثر على الارجح نحو ايران، وتقنعها بالاستمرار بدورها كمعرقلة لجهود السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين أو بين الاسرائيليين واللبنانيين، غير ان التاريخ والسياسة السورية العملية يشيران الى ان التحالف السوري - الايراني سيتجاوز أنا بوليس وما بعدها.

ولا شك ان ابعاد سورية عن الدوران في فلك ايران هو سياسة صحيحة لأسباب واضحة برأي المسؤولين في واشنطن والعواصم العربية، لكن من المفيد ان نتساءل هنا لماذا فشلت المحاولات السابقة، ولماذا لن تؤدي المحاولة الراهنة الى نتائج مختلفة، في الثمانينيات حاول الامريكيون والعرب بقوة اقناع الرئيس حافظ الاسد بالابتعاد عن ايران الخميني.

ويضيف بلال، وكانت للأسد في ذلك الوقت اسباب وجيهة لفك تحالفه مع الايرانيين منها: تأمين جناح بلاده الشرقي مع العراق في حال اندلاع صراع مع اسرائيل، وضع حد لعملية تهميش سورية في السياسة العربية من خلال ترسيخ المحور المصري - الاردني- العراقي، النشاط والتدخل الايراني في لبنان من خلال حزب الله الذي كان يهدد مصالح حيوية لسورية في هذه الدولة وقرار الخميني اخيرا بوقف توريد النفط لسورية الذي كان له انعكاسات شديدة على الاقتصاد السوري.

لكن على الرغم من كل هذه الاسباب والجهود الكبيرة التي بذلها كل من العاهل الاردني الملك حسين، والعاهل السعودي الملك فهد والرئيس المصري مبارك في صيف 1987 للضغط على سورية كي تقطع اتصالاتها بإيران وتُصْلًح علاقاتها مع العراق، لم يتخل الاسد عن اصدقائه الايرانيين، فلقد كان مفكرا استراتيجيا ادرك ان اعادة تحالفه مع العراق لن تساعد الا قليلا في معالجة قضايا بلده الامنية وتعزيز مصالحها الاقليمية.

بالطبع، لم تكن سورية وايران متفقتين حول كل المسائل التي تهمهما، لكنهما كانتا متفقتين حول قضية مهمة جدا هي الانتشار الامريكي في الخليج الذي كان يهدد مصالح البلدين الاستراتيجية وكان هذا سببا كافيا بحد ذاته لترسيخ تآلفهما.

خريطة مختلفة

ويضيف الكاتب بلال، اليوم لا شك ان خريطة الشرق الاوسط الاستراتيجية مختلفة تماما، فحافظ الاسد رحل، وحل مكانه ابنه الرئيس بشار، غير ان الولايات المتحدة لا تزال حاضرة في الشرق الاوسط بل واصبحت اكثر انغماسا فيه باحتلالها العراق وتشجيعها الضعيف للديموقراطية. ومن الواضح ان كلا هذين الامرين يزعجان الزعماء العرب المؤيدين لأمريكا.

واليوم عادت سورية وايران لاعتبار السياسات والاعمال الامريكية والاسرائيلية في المنطقة تهديدا لأمنهما الوطني. فقد شاهدنا كيف يستهدف الامريكيون والاسرائيليون منشآتهما النووية (الضغط في الحالة مع ايران والغارة الاسرائيلية على منشأة نووية في الحالة مع سورية). ولا ريب ان هذا سببا كافيا يدفعهما لتعزيز تحالفهما.

غير ان التوصل لاتفاق سلام بين سورية واسرائيل لا يزال امرا ممكنا لكنه يتطلب تنازلات حقيقية من البلدين، اذ يتعين على اسرائيل الانسحاب الى حدود عام 1967 والى ابعد نقطة عن شاطئ بحيرة طبريا شمالا.

وعلى سورية تقديم ضمانات امنية معقولة لإسرائيل تبدأ بالاتفاق الذي تم التوصل اليه مع الرئيس حافظ الاسد في شبردستون بجنيف عام 2000 والذي ينص على وجود مناطق واسعة مجردة من السلاح على كلا جانبي الحدود، ولخشيتهم من ان يؤدي تخليهم عن الجولان الى تقويض امنهم، سيطلب الاسرائيليون من واشنطن (كما فعلوا عام 2000) الحصول على اتفاق امني بما قيمته 20 بليون دولار تقريبا، هذا ان لم يكن اكثر مما يعني ان دور واشنطن لن يقتصر على التوسط للتوصل لاتفاق سلام سوري - اسرائيلي بل وسيشمل ذلك التمويل ايضا.

في عام 2000 كان السوريون يعتقدون (ولا يزالون) ان الاسرائيليين ليسوا في موقف يمكنهم من فرض شروط عليهم لصنع السلام لأن الانسحاب من الجولان كان حقا مشروعا لهم بموجب قرار مجلس الامن رقم 242، وهذا يعني بالنسبة لهم ان السيادة على الارض ليست مسألة خاضعة للتفاوض.

ويضيف بلال، وعلى الرغم من ان هناك دائما هامشا للمناورة عندما يتعلق الامر بالتعاون أو التوصل لحلول وسط بشأن لبنان أو الفلسطينيين، الا ان السوريين لا يتساهلون بحق سورية في ان يكون لها علاقات طيبة مع ايران.

لذا، عندما يقول رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت اليوم ان سورية «تعرف ما يتعين عليها عمله» كي يتوصل البلدان للسلام يكون معنى هذا ان على سورية الابتعاد عن ايران وقطع روابطها مع حماس وحزب الله.

لكن اذا كان بمقدور سورية ان توافق على الطلب الثاني الا انها لا ترى سببا يدعوها للتساوم على الطلب الاول (الابتعاد عن ايران).

ويختتم الكاتب بالقول، بيد ان التحالف السوري - الايراني، الذي بدأ يقوى منذ الثورة الايرانية عام 1979، لم يكن يوما بلا مشكلات، ولا سيما عندما يتعلق الامر بعراق ما بعد الدكتاتور صدام  ولبنان ما بعد الانسحاب السوري، لكن مقدرة البلدين على الصمود امام النكسات الخطيرة، واهتمامهما بمراجعة علاقتهما دوريا، وعدم المساومة على المسائل التي تتصل بأمنهما الوطني يثبت ان العلاقة السورية الايرانية هي اكثر من مجرد زواج مصلحة، فقد تحولت الى تحالف مؤسساتي ناضج بالفعل لا يتأثر بالوعود الفارغة التي تقدمها واشنطن والآن موسكو.

لذا، اذا حل السلام اخيرا بين سورية واسرائيل، فانه سيعيد على الارجح تحديد طبيعة التحالف السوري - الايراني، ولن يؤدي الى انهياره، وهذا بالنهاية ليس بالامر السيء على أي حال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 30 كانون الاول/2007 - 19/ذو الحجة/1428