مجالس الصحوة.. الانتهازية والحلول

محمد الوادي

في العراق هكذا دائما هو الوضع السياسي ما ان تخرج من مشكلة حتى تجد مشاكل اخرى في نفس جوهر الحل الذي اخرجك من المشكلة الاولى. وهذا الوصف ينطبق تماما على " مجالس الصحوة " التي استجابت لنداء الانسانية و الوطنية العراقية، بعد ان دخلت هذه المجاميع قبل ذلك في سبات طويل ادى الى استيطان ارهابي القاعدة في مناطقهم وذبح وقتل الكثير من ابناء بلدهم من مذاهب وقوميات اخرى.

 وقد تكون الجرائم البشعه التي تم ارتكابها على الطريق الدولي المؤدي الى سوريا والاردن. شاهد حي على بشاعة هذه الجرائم وعلى حجم الكارثة التي ارتكبها البعض في سكوته وفي توفير قواعد احتضان لهولاء الاوباش المجرمين. ناهيك عن جرامئهم في بغداد وايضا في التجاوز على العتبات المقدسة وحتى الكنائس لم تسلم من ارهابهم.  بل ان اوباش الارهاب لم يسلم من شرهم حتى اهالي المناطق التي اتخذوها ملجأ لهم.

ان الحزب الاسلامي برئاسة طارق الهاشمي وهيئة علماء السنة برئاسة حارث الضاري هم اول من وقف بوجه مجالس الصحوة الوطنية والتي قادها  بطل المقاومة الحقيقي ضد الارهاب " الشهيد ابو ريشة ". ووصل التمادي الى حد وصف ابطال تلك الصحوة في الرمادي بانهم " مجرد قطاع طرق ولصوص "  !! وحقيقة الامر ان هولاء وغيرهم شعروا بان البساط تم سحبه من تحت اقدامهم المتحركة اصلا. وان ابطال الصحوة الاولى في الرمادي كشفوا زيف وطنية الكثيرين من اصحاب الابواق وتجار دماء الابرياء.

 ولم ينتهي رد فعلهم عند هذا الحد بل تلقفوا العملية من جانب اخر وذلك عندما قام طارق الهاشمي وهو يشغل منصب " النائب الثاني لرئيس الجمهورية " بتأسيس مجالس صحوة وسط بغداد العاصمة تتكون من اعضاء الحزب الاسلامي اضافة الى جهات اخرى معروفة التوجه والنهج من قبل كل العراقيين. وفعلا تم ذلك في مناطق مثل الاعظمية وجزء من الغزالية وايضا العامرية.  وتشكلت افواج تعمل بامرة الهاشمي في سابقة " رسمية " خطيرة اذا جاز التعبير. فالنائب الثاني لرئيس الجمهورية يقود افواج  مسلحة خاصة به !! وفي اكثر مناطق العراق حساسية في العاصمة بغداد. حيث تجمع كل الطوائف والقوميات العراقية بشكل مختلط وايضا بنسب معروفة جيدا من قبل الهاشمي نفسه قبل غيره. وقد تكون الانتخابات الاخيرة وقبلها التصويت على الدستور شاهد حي وناطق على ذلك.

والمنطق ان تكون هذه الشواهد رداعا لكل من يحاول الالتفاف على الواقع. طالما قد تخلى عن الدافع والحس الوطني  والعراقي في تعامله مع الامور الصعبة في عراق اليوم. من يسمع  اليوم بعض الحناجر التي تطالب بضم " الصحوات الخاصة بالحزب الاسلامي  خاصة في بغداد " الى اجهزة الشرطة والجيش، ترجع به الذاكرة الى ايام قليلة مضت حينما كان نفس هولاء ونفس هذه الحناجر ترفض ضم  منظمات مسلحة الى  وزارتي الدفاع والداخلية رغم ان  انها قاتلت نظام الصنم السابق  اكثر من عشرين عام  !!

 وهنا يبرز حجم الانتهازية الكبيرة التي يتم فيها استغلال " بعض " الجهود الوطنية لابناء مجالس الصحوة لتسخيرها من جوانب اخرى تخدم اجندة شخصية وحزبية وطائفية ضيقة. سوف لم ولن تنجح وايضا سوف لم ولن تساعد في بناء عراق دستوري جديد يتساوى فيه الجميع حسب المواطنة العراقية وليس حسب العنصرية والحزبية والمحسوبية و الطائفية المقيته التي مورست في العراق خلال اكثر من ثمانية عقود و اوصلت البلد الى الكوارث. 

من جانب اخر يبدو ان الدور او الخطط الرسمية غائبة لحد الان وغير واضحة المعالم بخصوص هذه المشكلة الخطيرة والتي تعتبر بحق قنبلة مؤقته اخرى في عراق اليوم، اذا لم يحسن ويحسم التعامل معها فانها ستقود الى مواجهات واستفزازات كثيرة بين فئات الشعب العراقي المختلفة خاصة اذا علمنا ان في بغداد وحدها اكثر من 75000 الف مسلح ينتمي الى هذه المجالس التي اصبحت ليس لها اول او اخر، بل كأنها سلسلة تحيط بالعراقيين والعاصمة بغداد ولايعرف احد التوجه الحقيقي لدوافع جميع هولاء الاشخاص. ورغم اشارة وزير الدفاع العراقي قبل ايام و الذي رفض تكوين مقرات الى هذه المجالس.

 لكن حتى هذا التصريح يفتقد الى الكثير من الوضوح والحسم. لذلك على الحكومة العراقية ان تكون واضحة في التعامل مع هكذا مجاميع مسلحة خارج سلطة الدولة. واكثرهم وخاصة في بغداد يتعامل  وياخذ اوامره من  الجانب الامريكي " الذي  كان يسميه  حتى الامس القريب بالمحتل "!! وهذه مفارقة اخرى تضاف الى مفارقات هذه المجاميع.  ان بعض مجالس الصحوة مشكوك في ولائها وتوجهاتها، بل ان الكثير من المجرمين بحق الشعب العراقي هم قادة او اعضاء في بعض هذه المجالس المشبوهه خاصة في العاصمة بغداد. وفي كل الاحوال يجب على الحكومة العراقية ان تاخذ دورها في فرز مثل هولاء كما عليها ان تضع برامج معينة للاستفادة من بعض الذين تحتاجهم في وزارتي الدفاع والداخلية  وتوفير فرص عمل مدنية للباقين منهم.

 اما الاستمرار بهذا الشكل الغريب وغير الاسب فانه سيقود البلد الى كارثه ليس بعيدة. خاصة مع ارتفاع اصوات المزايدات الفارغة  حول مجالس الصحوة  والتي بدانا نسمعها هذه الايام من هذا الشخص او ذاك من الذين كانوا انفسهم يصفون هذه المجالس " بالحرامية وقطاع الطرق " لان بعض مجالس الصحوة الوطنية مثل الرمادي خارج حدود سيطرتهم الطائفية المقيته. لكن الان وبعد تأسيس مجالسهم الخاصة بهم خاصة في بعض احياء بغداد اصبحوا هولاء " التوابع " ابطالا شجعان ورموز للوطنية والقومية العراقية الباسلة !! وهذه هي بعض من الشعارات العنترية  الكاذبه التي سلمت بغداد الى القوات الاجنبية ودخلت الحفر الحقيرة. وايضا هذه هي الانتهازية التاريخية في العراق والتي حكمت البلد ظلما وزورآ طيلة عقود طويلة من الاقصاء والتفرد والبطش بالاخر.

  وكل هذه الاسباب المهمة وغيرها يجب ان تكون حافز قوي للحكومة العراقية لسحب البساط من تحت اقدام هولاء الانتهازيين وايضا حافز كبير للبحث عن حلول سريعة وعاجلة لهذه المشاكل الحقيقية قبل ان تستفحل اكثر وتاخذ مديات اخرى. لااحد يعلم بحجم  وقوة ردود الافعال حولها.  

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29 كانون الاول/2007 - 17/ذو الحجة/1428