الشرق الأوسط  الجديد هل يتشكل باقامة نظام أمني اقليمي وبشراكة أمريكا وإيران؟

شبكة النبأ: ان محاولات احتواء ايران حاليا ليست فكرة جديدة لأمريكا إلا ان المكاسب التي تتوقعها واشنطن منها جديدة، فمنذ ظهور الجمهورية الاسلامية استنبطت الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة في امريكا سياسات ومبادئ ومشاريع متنوعة لوقف اندفاع النظام الديني، غير ان احتواء ايران يبقى هدفا صعبا ان لم يكن مستحيلا بحكم الإمتدادات الجغرافية والسياسية والدينية المشتركة بين ايران ودول المنطقة، ولذلك يرى العديد من الخبراء والمحللين ضرورة قيام تفاهمات على مستوى عالي مع ايران بهدف التعاون المشترك لإرساء وضع سياسي وأمني مستقر في المنطقة والشرق الأوسط عموما.

في مقال كتبه مع زميله راي تاكيه بمجلة «فورين افيرز» الفصلية، يقول والي ناصر استاذ السياسة الدولية، وعضو مجلس العلاقات الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، أن إدارة بوش تريد احتواء إيران من خلال حشد تأييد الدول العربية السنية، وأن هذا الاحتواء أصبح يُشكل جوهر سياستها في المنطقة لتحقيق الأهداف التالية: إضفاء الاستقرار على العراق، نزع مخالب حزب الله وعودة للبدء من جديد بعملية السلام العربي - الإسرائيلي.

غير أن والي يعتبر هذه الاستراتيجية غير صحيحة ولا عملية، وأنها ستؤدي على الأرجح إلى المزيد من الاضطراب في منطقة تفتقر إلى الاستقرار أصلاً. مستطردا بالقول: منذ حوالي سنة، بدأت واشنطن ترى في احتواء ايران هدفاً رئيسياً لسياستها في الشرق الأوسط. فهي تعتبر طهران مسؤولة، ليس فقط عن زيادة العنف في العراق وافغانستان بل عن محن لبنان وتمرد حماس وهي ترى ايضا ان توازن القوة في المنطقة آخذ في التحول لمصلحة ايران وحلفائها الاسلاميين مما يفرض بالتالي العمل لكبح نفوذ ايران المتنامي فيها على مستوى الامن الاقليمي.

هذا الاتجاه الجديد في السياسة الامريكية عبر عنه نائب الرئيس ديك تشيني من على متن حاملة الطائرات الامريكية جون. سي ستينيس في الخليج عندما اعلن في مايو الماضي قائلا سوف نقف بجانب اصدقائنا في مواجهة التطرف والتهديدات الاستراتيجية وسنواصل مساعدتنا لاولئك الذين يعانون تلك الاعمال والتهديدات وسوف نقف مع الاخرين لمنع ايران من امتلاك اسلحة نووية ومن ثم الهيمنة على المنطقة.

كما اعربت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس عن وجهة نظر مماثلة بالقول تشكل ايران بمفردها اهم تحد استراتيجي للولايات المتحدة ولنوع الشرق الاوسط الذي نريده.

وفي غضون ذلك لا يزال برنامج ايران النووي المتسارع يشكل على الرغم من تقرير الاستخبارات الامريكية الاخير الذي اشار الى توقفه منذ اربع سنوات هاجسا لواشنطن وبعض بلدان المجتمع الدولي.

لذا تأمل واشنطن كبح - او تقليص ان امكن ـ نفوذ طهران الاقليمي المتزايد بنفس الطريقة التي احبطت بها سابقا مخططات الاتحاد السوفيتي التوسعية ايام الحرب الباردة وذلك من خلال استعراض قوتها وممارسة ضغط مباشر على النظام الايراني واقامة تحالف واسع القاعدة ضده.

والواقع ان واشنطن تمارس هذه السياسة منذ وقت غير بعيد فقد امنت لنفسها وجودا بحريا قويا في الخليج وهي تستخدم عبارات وكلمات قاسية وخطيرة تثير فيها شبح الحرب كما خصصت في نفس الوقت مبلغ 75 مليون دولار لدعم برنامج الديموقراطية في ايران وتغيير النظام.

وتمكنت واشنطن في الاشهر الاخيرة من حشد التأييد لسلسلة من قرارات الامم المناهضة لبرنامج ايران النووي ونجحت في فرض عقوبات مالية قاسية غير رسمية ادت لابعاد ايران عن اسواق المال الدولية.

وكانت واشنطن قد اعتبرت رسميا حرس ايران الثوري منظمة تعمل على نشر اسلحة الدمار الشامل كما اعتبرت جيش المقدس مؤيدا للارهاب مما سمح لوزارة المالية الامريكية باستهداف الموجودات المالية لهاتين المجموعتين ومضايقة موظفيهم في العراق.

بل تعمل واشنطن الان للحصول على تأييد ما تعتبرهم اليوم حكومات معتدلة في الشرق الاوسط معظمهم انظمة عربية سلطوية كانت تعتبرهم مرة مسؤولين عن مشكلات المنطقة.

من الواضح اذن ان هدف واشنطن الان القضاء على نفوذ ايران في العالم العربي وازالة مكاسبها التي حققتها حتى الان وحرمانها من تأييد حلفائها اي رسم خط عملي يمتد من لبنان الى عمان لفصل ايران عن جيرانها العرب.

وفي هذا الاطار حصلت ادارة بوش على تأييد حكومات بعض الدول العربية للتصدي للسياسات الايرانية في العراق لبنان والاراضي الفلسطينية المحتلة وهي تحاول اليوم تعزيز القدرة العسكرية لدول الخليج العربية بتقديم صفقة اسلحة كبرى بقيمة 20 بليون دولار للمملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى وذلك لتحقيق هدف رئيسي هو تمكين هذه البلدان من تعزيز دفاعاتها ومن ثم تأمين الردع ضد التوسع او العدوان الايراني وفقا لما يقوله نيكولاس بيرنز وكيل وزارة الخارجية الامريكية كما تأمل ادارة بوش باحياء عملية السلام الفلسطيني - الاسرائيلي من خلال سلسلة من المؤتمرات الدولية والاقليمية بهدف تركيز طاقات حكومات المنطقة على التهديد الذي تثيره ايران.

ويضيف الكاتبان، علي اي حال، ان احتواء ايران ليس فكرة جديدة بالطبع الا ان المكاسب التي تتوقعها واشنطن منها جديدة، فمنذ ظهور الجمهورية الاسلامية، استنبطت الادارات الجمهورية والديمقراطية في امريكا سياسات ومبادئ ومشاريع متنوعة لوقف اندفاع النظام الديني، غير ان احتواء ايران يبقى بنظر ادارة بوش الحل الامثل لمشاكل الشرق الاوسط المتعددة.

اذ سوف تعمل الدول العربية السنية بموجبه للمساعدة في اقامة حكومة فاعلة في العراق، وذلك لخشية هذه الدول من انهيار الدولة هناك مما سيؤدي عندئذ لتعزيز شبح النفوذ الشيعي في المنطقة كما سيقنع شبح النفوذ الشيعي في المنطقة كلا من المملكة العربية السعودية ومصر لتقديم مساعدة ايجابية في عملية نزع مخالب حزب الله.

تباين وخلاف

ويستطرد المقال، بالطبع تثير ايران مشكلات خطيرة امام الولايات المتحدة، فهي تسعى للحصول علي القدرة النووية، وتتدخل بشكل سلبي في العراق، وتعارض بقوة عملية السلام الفلسطيني الاسرائيلي.

الا ان المسألة الاكبر تتمثل في اعتقاد ادارة بوش بان ايران لا يمكن ان تكون لاعبا بناء يعمل لاضفاء الاستقرار في الشرق الاوسط، وان سلوكها غير الطيب لا يمكن ان يتغير بالاساليب الدبلوماسية.

غير ان ايران لا تسعى في الواقع لاثارة الفوضى لكي تحقق بعض ما تريد من اهداف، وهي ليست قوة توسعية بطموحات لا يمكن كتبها، والتصدي لها بل هي قوة متنامية تسعى لكي تصبح دولة محورية اساسية في منطقتها.

ومن الاخطاء الاخرى التي وقعت فيها واشنطن افتراضها ان بالامكان التعامل مع ايران بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع الاتحاد السوفييتي وان نموذج الحرب الباردة يمكن تطبيقه في الشرق الاوسط ايضا، ولنتأمل الصورة التالية: لقد ضغطت اسرائيل والحكومات العربية على واشنطن لمواجهة طموحات ايران النووية، ومنذ حرب العام الماضي بين اسرائيل ولبنان، ثمة قلق من العلاقة المتزايدة قوة بين طهران وحزب الله لذا، ردت تلك الحكومات على ذلك بالوقوف وراء حكومة فؤاد السنيورة في بيروت وهي تحاول فك الترابط بين الحكومتين السورية والايرانية، كما تعمل واشنطن في الوقت نفسه على تعزيز وجودها العسكري في الخليج، وتستخدم عملية زيادة عدد جنودها في العراق لتخريب مكاسب ايران هناك، الا ان نفس تلك الحكومات العربية المستاءة من نفوذ طهران تعارض حكومة العراق الشيعية المؤيدة لإيران وامريكا ايضا، وتفضل خصومها السنة مما يجعل واشنطن في حيرة من امرها في كيفية العمل مع هذه الحكومة العراقية من جهة وإقامة تحالف اقليمي مع الدول العربية السنية من جهة أخرى، هنا تتساءل: كيف يمكن ان يتم الاحتواء إذن؟

كما تفشل استراتيجية إدارة بوش في تقدير تنوع وجهات نظر الدول العربية صحيح ان الانظمة العربية تشعر بالقلق حيال إيران، إلا أن درجات هذا القلق متفاوتة بالطبع فبينما تنتقد المملكة العربية السعودية والبحرين التوسع الإيراني وتشعران بالقلق من تدخل طهران في شؤونها الداخلية، يتمثل قلق مصر والأردن الاكبر في تأثير نفوذ إيران الجديد على مواقفهما ومكانتهما في المنطقة.

ويستطرد المقال، ان الخطر بالنسبة لهما لا يتعلق بالأراضي أو الاستقرار الداخلي بل في تأثير إيران على القضية الفلسطينية بل وحتى داخل منطقة الخليج ليس هناك إجماع في المواقف المناهضة لإيران.

فعلى عكس البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية على سبيل المثال، لا تعاني قطر والإمارات العربية المتحدة من مشكلة الاقليات الشيعية وتتمتعان بعلاقات اقتصادية واسعة مع طهران منذ أواسط التسعينيات وهما تخشيان فقط من عواقب تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة.

لذا، سوف يعمل حتى حلفاء امريكا في الشرق الأوسط على تقييم قدراتهم وتشكيل تحالفاتهم وتأمين مصالحهم من خلال الإدارك بأنهم هم، ايضا معرضون لتأثير النفوذ الإيراني، ومن هنا يمكن القول ان استراتيجية الاحتواء الامريكية التي تفترض ان بالامكان الاعتماد على اقامة تضامن عربي واسع امام ايران هي استراتيجية ليست غير صحيحة نظريا فحسب بل ولا يمكن تطبيقها عملياً، ايضا. فمنذ حوالى نصف قرن كان العالم العربي يرى في قوة العراق العسكرية حصناً له في منطقة الخليج أمام ايران. لكن بعد تفكيك هذه القوة في عام 2003 اصبحت الولايات المتحدة الان هي القوة الوحيدة في الخليج التي تستطيع احتواء ايران عسكريا.

عملية السلام العربي- الإسرائيلي

ويضيف المقال، يمثل اعتماد واشنطن على إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط باعتبارها محور استراتيجيتها لاحتواء إيران، مشكلة ايضا، اذ يفترض مسؤولو ادارة بوش ان استئناف الدبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها سوف يهدئ الشارع العربي ويحشد الحكومات العربية وراء الولايات المتحدة ويمهد الطريق أمام قيام جبهة عربية- إسرائيلية متحدة ضد إيران.

غير أن هذا الامل لا ينتبه للحقيقة التي تبين ان السياستين الفلسطينية والإسرائيلية لا تتيحان تقديم التنازلات الضرورية لتحقيق تقدم حقيقي على طريق السلام، اذ يعاني كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس من ضعف شديد في موقفيهما لايستطيعان معه الضغط على ناخبيهما من اجل القبول بتقديم التنازلات المؤلمة التي يتطلبها إحلال السلام بين الطرفين. ومن الواضح على أي حال ان آمال الزعماء العرب تتجاوز بكثير آمال الإسرائيليين والأمريكيين فبينما يطالب العرب صراحة ببدء مفاوضات الوضع النهائي تتحدث وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس فقط حول تأمين الزخم للتحرك نحو السلام.

بل وحتى لو تمت العودة بنجاح لعملية السلام، إلا إن الاعتقاد بأن الدول العربية ترى في بروز إيران مشكلة أكبر من الصراع العربي- الإسرائيلي المستمر منذ عقود هو اعتقاد في غير محله بالتأكيد.

فبعد سنوات طويلة من العداء، لا تزال الجماهير العربية وصناع الرأي العام العربي يرون في إسرائيل الخطر الأكبر، ومن المؤكد أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يدرك هذا جيداً، فقد دأب على التحدث حول المسألة الفلسطينية بحماس لأنه يريد الحصول على المناصرين له لدى الشعب العربي، وذلك لإدراكه أن هذا الشعب لا يشارك حكوماته على نحو مطلق في نفورها من إيران.

وما من شك في أن نجاد تمكن من خلال خطاباته اللاهبة وشجبه إسرائيل وتبنيه قضية العرب أن يحصل على تأييد لا بأس به على مستوى الشارع، بل ويمكن القول إن طهران تتمتع بشعبية مهمة في الشرق الأوسط اليوم بسبب ما تقدمه من مساعدة لحماس وحزب الله.

وبينما تفترض واشنطن أن مقترحاتها بشأن عملية السلام العربي-الإسرائيلي ستجعل مشاعر القلق تتجه نحو إيران، تعتقد طهران أن الجهود الأمريكية الراهنة لن تلبي مطالب العرب.

والواقع أن أية قراءة متأنية للمزاج العام السائد في المنطقة سوف تبين أن النظرة الإيرانية هذه هي الأصح.

فالقضية الفلسطينية لن تحدد بمفردها توازن القوة في الشرق الأوسط لأن من سيحدده هو مصير الدول المنهارة في أفغانستان، العراق ولبنان التي وجد فيها النفوذ الإيراني مجالاً رحباً للتوسع، صحيح أن القضية الفلسطينية تبقى مهمة من ناحية أمن إسرائيل واستقرار المشرق وصورة وهيبة الولايات المتحدة، وهذا عدا عن أنها تلعب أيضاً دوراً فى الخلافات والمنافسات الإقليمية، إلا إنها ليست السبب الأساسي لهذه الخلافات، وهي لن تحدد نتائجها أيضا.

لكن بالرغم من قلقها من تنامي قوة إيران، فشلت واشنطن في تقدير أن مركز الجذب في الشرق الأوسط انتقل فعلا من المشرق إلى الخليج، وهذا يعني أن تأمين السلام والاستقرار فيه سيؤدي على الأرجح لإحلال السلام والاستقرار أيضا في المشرق وليس العكس.

ويبدو أن إدارة بوش تفتقر على نحو مثير لفهم تاريخ الشرق الأوسط حتى الحديث عنه، فآخر مرة حشدت فيها أمريكا العالم العربي لاحتواء إيران في الثمانينيات انتهت ببروز ثقافة سياسية سنية أسفرت بالنهاية عن ظهور القاعدة، وربما تواجه أمريكا هذه المرة نتائج سيئة أيضا.

نظام جديد

ويستطرد المقال، يمكن القول ان الشرق الأوسط منطقة منقسمة باستمرار على نفسها. ففي الستينيات دخلت الأنظمة العربية الراديكالية في منافسات شديدة مع الدول العربية الملكية التقليدية.

وفي السبعينيات رفض الاصوليون الاسلاميون النظام العلماني وسعوا لوضع المنطقة على طريق الحكم الديني وساند معظم العالم العربي في الثمانينيات صدام حسين في سعيه لاسقاط نظام ايران الديني.

واليوم يبدو الشرق الأوسط أكثر انقساما من قبل لكن هذه المرة على أسس طائفية وفئوية بين السُنة والشيعة.

ومن الواضح ان وقوف واشنطن بجانب بعض الاطراف المتنازعة في المنطقة ادى إلى تفاقم حدة التوتر، واتساع دائرة الانقسام الراهن والشقاق. ولو تجاوزنا الصراع العربي -الإسرائيلي لتبين لنا ان الولايات المتحدة لم تظهر سوى اهتمام محدود جدا في التوسط لتسوية الخلافات العربية أو جمع المتخاصمين معا.

وفي هذا الاطار لنتأمل ما فعلته واشنطن، فقد وقفت بجانب الممالك العربية المحافظة ضد الجمهوريات العربية الاشتراكية، وتغاضت عن أعمال القمع الوحشي التي ارتكبتها الحكومات العلمانية بحق المعارضة الاصولية.

كما دعت آلة الحرب العراقية لمواجهة ثورة الخميني الاسلامية. وهي تخطب الان ود الانظمة العربية السنية لحشدها ضد ايران وحلفائها الشيعة الثائرين.

لكن علينا ان نلاحظ هنا انه في كل مرة تعلق فيها الولايات المتحدة بنزاعات الشرق الأوسط يصبح هدفها المتمثل باحلال الاستقرار في المنطقة أبعد منالا.

ويضيف المقال، لذا، بدلا من التركيز على استعادة توازن القوة السابق في الشرق الأوسط، يتعين على الولايات المتحدة العمل من اجل الوصول الى تكامل اقليمي واطار عمل جديد يكون في مصلحة كل القوى المعنية بالمنطقة مما يدفعها للمشاركة في تأمين الاستقرار.

ان ادارة الرئيس بوش على صواب عندما تشعر ان ايران المشاكسة تثير تحديات خطيرة لمصالح الولايات المتحدة. غير ان احتواء ايران من خلال نشر الجنود واقامة التحالفات المناهضة لها ليسا ببساطة استراتيجية ممكنة أو يمكن الدفاع عنها. فايران ليست بالرغم من كل الأوصاف الشائعة عنها تلك القوة الاسطورية المصممة على قلب النظام الاقليمي بالقوة العسكرية الاسلامية بل هي دولة تتحين الفرص على نحو غير معقول في سعيها لتأكيد هيمنتها في محيطها المباشر. ومن هنا يتعين على واشنطن ان توفر وضعا تشعر فيه ايران انها يمكن ان تحقق مكاسبا كثيرة اذا قلصت طموحاتها وانصاعت للمعايير الدولية.

صحيح ان الحوار والتوصل لتسويات ومبادلات تجارية بين ايران والولايات المتحدة يتطلب الكثير من الجهد والمشقة، لكنه يبقى وسيلة مفيدة ومقنعة.

وفي هذا السياق يمكن ان يدفع اعتراف حكومة الولايات المتحدة بان لايران مصالح مشروعة في المنطقة وفي العراق كلتا الحكومتين الايرانية والامريكية للادراك اخيرا بأن اهدافهما متماثلة فهما تريدان المحافظة على وحدة اراضي العراق ومنع امتداد الحرب الاهلية فيه لمناطق اخرى في الشرق الاوسط،

ولا يمكن ان يؤدي استئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين واشنطن وطهران مع التعاون في العراق الى وضع ترتيب ما يخضع برنامج ايران النووي في النهاية لالتزاماتها في معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية.

وثمة احتمال كبير لان تكبح ايران طموحاتها النووية اذا ما تمتعت بعلاقات امنية وتجارية ملائمة مع الولايات المتحدة وأحست بالارتياح في المنطقة.

ويمكن من جهة اخرى ان تتجاوز المملكة العربية السعودية وايران منافستهما في العراق ومن ثم تضغطان على حلفائهما فيه ليتبنوا ميثاقا وطنيا جديدا يعترف بمصالح السنة والاقليات الاخرى في هذا البلد.

غير ان شيئا من كل هذا لن يحدث دون تشجيع ومشاركة امريكية ايجابية اذ ما من شك في ان دول الخليج سوف تطلب ضمانا اذا كان عليها ان تعهد بدفاعاتها لنظام اقليمي جديد كما لن تجد ايران التي تبقى الولايات المتحدة منافسها الاول في المنطقة سببا يذكر للمشاركة في مثل هذا النظام الاقليمي دون ضمانات وشروط معينة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29 كانون الاول/2007 - 17/ذو الحجة/1428