
شبكة النبأ: فيما يشبه حلما كبيرا
تتمناه الأمم المتفرقة اصبح منذ الدقيقة الاولى بعد منتصف ليلة الخميس/
الجمعة الماضي، اصبح بإمكان مواطني تسع دول شيوعية سابقة، التنقل بين
دول القارة الاوروبية بدون جوازات سفرهم، بعد انضمام دولهم رسمياً الى
اتفاقية "شنغن"، والتي تكفل حرية التنقل والحركة بين الدول الموقعة
عليها، والتي ارتفع عددها إلى 24 دولة.
الدول التسع الجديدة التي انضمت إلى الاتفاقية، والتي تقع إلى الشرق
مما كان يعرف بـ"الجدار الحديدي"، خلال فترة الحرب الباردة، هي بولندا،
والمجر، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، واستونيا، ولاتفيا،
وليتوانيا، ومالطا، وهي الدول التي انضمت إلى عضوية الاتحاد الأوروبي
في العام 2004.
وفيما تعزز هذه الخطوة آمال العاملين في قطاع السياحة بتدفق المزيد
من السياح القادمين من خارج دول الاتحاد الأوروبي، دون الحاجة إلى
التوقف بين الحدود لفحص جوازات سفرهم، فإنها تعزز أيضاً المخاوف من
تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وهي المشكلة التي تعاني منها معظم الدول
الأوروبية.
وتعني هذه الخطوة أن ما يصل إلى 400 مليون أوروبي أصبح بإمكانهم
التنقل براً أو بحراً بين 24 دولة، من البرتغال إلى بولندا، ومن
أيسلاند إلى استونيا، دون التوقف في أي نقاط للتفتيش على الحدود بين
دول القارة الأوروبية.
وفي تصريحات للصحفيين بالعاصمة الأستونية تالين، قال رئيس المفوضية
الأوروبية، خوسيه مانويل باروسو: سنعيش ونتنقل في منطقة تضم 42 دولة من
دون حدود داخلية، هذا إنجاز تاريخي فريد، مضيفاً قوله: معاً نرفع هذه
القيود عن الحدود، من أجل مزيد من السلام والحرية والوحدة في أوروبا.
واعتبر باروسو أن إزالة الحدود الداخلية في الاتحاد الأوروبي تشكل
فرصة للذين يقيمون في أوروبا، ويتنقلون ويعملون فيها، معرباً عن أمله
في أن تسهم هذه الخطوة في زيادة التبادل التجاري والسياحي بين دول
القارة، وفقاً لما نقلت أسوشيتد برس.
وانطلقت منتصف الليلة الماضية الألعاب النارية في مختلف مراكز
الحدود بين النمسا وسلوفاكيا، وبين ألمانيا وجمهورية التشيك، حيث تجمع
عدد كبير من الأشخاص رغم موجة البارد القارس للاحتفال بالحدث، كما
أطلقت في سماء المنطقة الحدودية التي تربط ألمانيا مع بولندا، مع
احتفال البلدين بانهيار البوابات الحدودية بينهما.
وقام رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، ومستشار النمسا، ألفريد
غوسينباور، بتفكيك نقطة تفتيش واقعة على الحدود بين البلدين، في خطوة
رمزية لإعلان انضمام الدول التسع إلى نطاق المجموعة التي تسمح
لمواطنيها بالتنقل عبر حدودها بتأشيرة واحدة، ودون الحاجة للخضوع
لإجراءات الرقابة والتحقيق.
كما دخلت النمسا والمجر حقبة جديدة مع بدء تطبيق اتفاق "شنغن"
الخميس الماضي، وتمثل ذلك بصورة رمزية في إزالة نقاط تحصيل الرسوم على
الحدود، قبل عدة ساعات من توسعة الاتفاقية الأوروبية التي تنهي العمل
بجوازات السفر رسمياً منتصف الليلة الماضية.
وفي وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، دخل الاتحاد الأوروبي
منعطفاً تاريخياًً مع توقيع قادته معاهدة جديدة، تهدف إلى إعادة هيكلة
بنيته وتطوير مؤسساته وطرق اتخاذ القرار فيه، وذلك رغم الانتقادات
الكبيرة التي تعرضت لها الاتفاقية بحجة تأثيرها على استقلالية قرار
الدول الأعضاء.
وستقوم هذا المعاهدة، التي وقعها ممثلون عن 27 دولة أوروبية، مقام
الدستور المشترك الذي كان موضع بحث عام 2005، قبل سقوطه باختبار
التصويت الشعبي إثر رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين له.
ورغم أن الاتفاقية ستظل بحاجة إلى مصادقة مجالس النواب في الدول
الأعضاء قبل أن تدخل حيز التنفيذ، إلا أنها لن تختبر شعبياً إلا في
دولة واحدة، هي أيرلندا، التي يفرض دستورها تنظيم استفتاء شعبي قبل
إقرار هذا النوع من المعاهدات.
خطوة اخيرة لرفع "الستار الحديدي"
وينظر الى توسيع منطقة شنجن بالاتحاد الاوروبي التي تسمح بالسفر دون
حاجة الى جوازات سفر على انها الخطوة الاخيرة لرفع الستار الحديدي
القديم الذي كان يقسم بين الغرب والكتلة السوفيتية سابقا.
وبعد منتصف ليل الخميس الماضي تم تمديد منطقة شنجن لتشمل بولندا
وسلوفاكيا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفينيا ومالطا ولاتفيا وليتوانيا
واستونيا.
وبالإضافة الى الدول الاعضاء حاليا في منطقة شنجن وعددها 15 دولة
تنشأ منطقة تمثل ثلث مساحة الولايات المتحدة وتسمح بالتنقل بدون جواز
سفر في منطقة تمتد 4000 كيلومتر من استونيا الى البرتغال.
في بلدة فرانكفورت اون اودر الالمانية الواقعة على الحدود البولندية
وهي من أهم الحدود سياسيا في اوروبا بسبب حرب سابقة احتفل نحو 2000 شخص
بترديد النشيد الوطني للاتحاد الاوروبي وهو "أنشودة السعادة" للموسيقار
الالماني لودفيك فان بيتهوفن وباطلاق الالعاب النارية.
وقالت الطالبة البولندية ميكالينا التي تبلغ من العمر 23 عاما، انه
شيء جيد. لم تعد توجد حدود وبالتالي توجد مساواة. يمكن للناس الاتصال
ببعضهم الان والسفر من مكان الى اخر بدون أي قيود.
وقال المتقاعد كولومام بريكوب، كان يوجد هنا جنود يحملون اسلحة الية
وكانت توجد كتل خرسانية لم يكن من الممكن حتى لدبابة ان تجتازها. لم
يكن بامكان حتى فأر التسلل.
ويتوقع ان يؤدي هذا الاجراء بتوسيع منطقة شنجن التي تحمل اسم قرية
في لوكسمبورج وقع فيها اول اتفاق بشأن التنقل بدون جواز سفر في عام
1985 الى دعم التجارة والسياحة.
ويخشى البعض في غرب اوروبا من زيادة معدل الجريمة أو ان يصبح
الاتحاد الاوروبي أقل أمنا في مواجهة الهجرة غير الشرعية.
وفي النمسا استأجرت قرية دويتشكريتز القريبة من المجر شركة أمن خاصة
لحراسة شوارعها. وأقر مستشار النمسا الفريد جوزنباور بأنه توجد بواعث
قلق لكنه قلل من شأنها.
وقال يوم الخميس الماضي وهو يزيل نقطة حدود عند بترزالكا مع رئيس
الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، ما هي شنجن .. انها ليست الجريمة ولا
الشكوك ولا الخوف. انها فضاء كبير من الامن والاستقرار.
وخارج الاتحاد الاوروبي يخشى البعض في اوكرانيا وروسيا البيضاء
وروسيا من "قلعة أوروبا" التي ستجعل السفر أكثر صعوبة وان كان
المسؤولون الاوروبيون يقولون ان الوضع لن يكون على هذا النحو.
وذهب الاف الاشخاص من دول مثل لاتفيا وليتوانيا وبولندا للعمل في
بريطانيا وايرلندا اللتين فتحتا اسواقهما للعمال من الدول الجديدة
الاعضاء في الاتحاد الاوروبي. لكن بقيت بريطانيا وايرلندا خارج منطقة
شنجن.
وطلبت قبرص التي انضمت الى الاتحاد الاوروبي في عام 2004 تأخير
انضمامها لمدة عام قبل ان تفتح حدودها. كما لم تف رومانيا وبلغاريا
اللتان انضمتا للاتحاد الاوروبي هذا العام بالمعايير الامنية بعد.
انتعاش السياحة
من ناحيتهم، رحب العاملون في قطاع السياحة في دول الاتحاد الأوروبي
بالتوسعة، معبرين عن أملهم أن تسفر عن زيادة نصيب أوروبا من حجم
السياحة العالمية الذي سجل معدلا للنمو بلغ 4.2 بالمائة وهو أقل من
المعدل العالمي الذي يبلغ 5.6 بالمئة.
ورغم أن الخطوة لا تفيد مواطني الاتحاد الأوروبي أو حتى القادمين من
الولايات المتحدة أو اليابان، الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة دخول للتنقل
بين دول القارة، إلا أنها ستكون مفيدة لمواطني دول العالم الثالث.
وهو ما دفع لوجي كابريني، الممثل الإقليمي لمنظمة السياحة العالمية
في أوروبا، إلى القول إن اتباع سياسة تسمح بمنح تأشيرات دخول وتسهيل
تنقل القادمين من الدول الصاعدة اقتصاديا كالصين والهند وروسيا، أمر
مطروح للنقاش. بحسب بي بي سي.
أما على صعيد الدول، فسوف تفيد توسعة نطاق "شنجن" دولا مثل استونيا
التي تستقبل أعدادا كبيرة من السياح من بينهم مواطنو دول ليست أعضاء في
الاتحاد الأوروبي كروسيا مثلا.
يذكر أن الإحصاءات تشير إلى أن معدلات السفر خلال الأشهر التسعة
الأولى من عام 2007 ارتفعت بنسبة 20 في المئة لتصل إلى سبعة ملايين
سائح توجه الكثير منهم لزيارة مصر وتركيا والتي تسمح لهم بالزيارة دون
الحصول على تأشيرة دخول.
ويقول تارمو موتسو، رئيس مركز تنمية السياحة في استونيا إن بلدنا
أقرب إلى سانت بطرسبورج الروسية، ويمكن لمواطني هذا الإقليم الروسي
زيارتنا دون أي مشاكل الآن.
ورغم كل هذا التفاؤل، هناك مشاعر من الترقب لتأثير تلك الخطوة على
الأوضاع في الدول الجديدة المنضمة لمجموعة دول شنجن.
فقد عبر مسؤولو بعض شركات السياحة عن مخاوفهم من إمكانية انخفاض
السياح القادمين إلى دول شنجن بسبب ارتفاع قيمة الحصول على التأشيرة
ناهيك عن العملية المعقدة للحصول عليها.
ويقول ميودراج شيريسا رئيس مجموعة 484، وهي منظمة تتعامل مع
اللاجئين والتأشيرات في صربيا: الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة شنجن مثل
الحصن حيث ينتقون بعناية من يحصل على تلك التأشيرة الاستثنائية للدخول
إليها. بحسب بي بي سي.
مخاوف أمنية
وعلى الجانب الآخر، أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصف النمساويين
لا يرحبون بإلغاء الحدود بين النمسا وجيرانها من النرويج وسلوفاكيا
وجمهورية التشيك.
لكن المستشار النمساوي دافع عن التوسعة، قائلا إنها سوف تجعل أوروبا
أكثر أمنا واستقرارا، وهو ما يعود بالفائدة المباشرة على النمسا في
نهاية الأمر.
يذكر أن المفوضية الأوروبية تقول أنها انفقت مليار يورو (720 مليون
دولار) على تعزيز الأمن على الحدود الجديدة لدول الاتحاد والتي تتضمن
تمرير دوريات على حدود بولندا وسلوفاكيا.
وقال بعض المتشككين إن تقليل الرقابة على الحدود سوف يسهل حركة
المجرمين داخل أوروبا، وهو ما قد يصعد مخاوف السياح على أمنهم خلال
السفر داخل أوروبا.
كما أن التوسعة ستجعل الدول الجديدة المنضمة إلى مجموعة "شنجن" على
الخطوك الأمامية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب والجريمة المنظمة
في دول المجموعة.
وبعيدا عن هذا التشاؤم، تبقى الكثير من الأصوات المعبرة عن تفاؤلها
من تلك الخطوة. فعندما تم توسعة الاتحاد الأوروبي في عام 2004 بانضمام
مزيد من الدول من شرق ووسط أوروبا (من بينها الدول التسع التي انضمت
إلى شنجن)، ارتفع عدد السياح إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 4.2 في المئة
مع زيادة أعداد السائحين إلى وسط وشرق أوروبا بنسبة 11 في المئة.
وكانت حرية تنقل الأشخاص من أهداف معاهدة روما منذ 1957 إلى جانب
حرية تنقل البضائع والخدمات ورءوس الأموال، الإ أنها لم تتقرر إلى في
عام 1985 في بلدة شنجن الواقعة في لوكسمبورج من عدد من الدول وصل فيما
بعد إلى خمس عشر دولة. |