العراقيون احتفلون بالعيد: التضخم وغلاء الاسعار يطفأ الفرحة بالأمان النسبي

شبكة النبأ: عيد الضحى لهذا العام هو أول عيد يمر على العراقيين، وهم يشعرون بالأمان النسبي، خاصة بعد الانتشار الكثيف للأجهزة الأمنية العراقية ومضاعفة أعداد دورياتها الجوالة والثابتة تساندها القوات الأميركية التي انتشرت وبشكل مكثف على الطرق الخارجية فيما تستمر طائراتها الحربية والهليكوبتر بالتحليق في أجواء بغداد ومحيطها فيما تكفلت الفرق الشعبية وقوات الصحوة بمهمة حماية الأسواق العامة وساحات الألعاب والحدائق التي يقصدها المواطنون.

وغلف الشعور بالامان موجات البرد والتضخم الاقتصادي وغلاء الاسعار التي لفحت وجوه العراقيين فاصبح عند البعض العيد خافتا، والشوارع ساكنة الا بالذين خرجوا لالقاء تحية العيد على احبائهم واقربائهم واصدقائهم.

في بغداد العوز المادي يحول بين الناس وفرحة العيد

العيد لمعظم العائلات البغدادية ما هو إلا ملبس جديد، وزيارة للأهل والأقارب، وآلاف الدنانير تنفق على الولائم وذبح الأضاحي لمن فقد حبيبا خلال العام المنصرم.

ورغم اختلاف هذه الطقوس في تفاصيلها، فهنالك عامل واحد يجمعها... ألا وهو القدرة المالية للمرء، حيثما اراد أن يحتفل بالعيد على هدي المناسبة واستطاعة ذات اليد. وقد يستغني عن طقس منها أو طقسين، لكن لا يمكنك الاستغناء عنها جميعا مرة واحدة.

الحاج ( أبو أحمد) من مدينة الشعلة، غربي بغداد، قال لـ (أصوات العراق) " يبدو ان غلاء الاسعار وتدني مستوى المعيشة للفرد العراقي عوامل مهمة في تحويل العيد من فرحة الى غصة ."

ويضيف"كنا لا نطيق اربعة ايام العيد لصعوبة الايفاء  بمتطلباته، فما بالك اذ صار ستة ايام بعد ان اقرت الحكومة تمديد عطلة العيد ليومين اضافيين، انها ايام للتباعد في العراق بدلا من التواصل والاتصال بين افراد العائلة"، مشيرا الى انه لم يشتر ملابسا لاحد من ابنائه الخمسة كما لم يستطيع ان يجمع مبلغا من المال لشراء خروفا يذبحه لذكرى والده الذي توفى قبل ستة اشهر.

وجرت العادة ان يذبح المسلمون خروفا او اكثر في عيد الاضحى لتوزيعه على الفقراء من الناس عند وفاة احد افراد العائلة في ذلك العام او عند ما يريد الشخص التضحية عن النفس للاحياء من الناس.

اما سمير محمد ناجي ( موظف) يقول " كنا نعرف ان العيد اصلا للاطفال والاموات ، للاطفال من خلال شراء الملابس الجديدة واصطحابهم الى الاماكن الترفيهية ، والاموات لنحر الذبائح لهم ، والذهاب اليهم للتواصل معهم وقراءة سور من القرآن على مقابرهم، فماذا نشتري للاطفال اذا كان سعر القميص 25 الف دينار (21 دولارا امريكيا)، وسعر الخروف بــ 200 الف دينار (167 دولارا)  ، وانا راتبي 170 الف دينار (142 دولارا) ؟."

ويشير ناجي الى ان العيد اصبح الان من المناسبات التي "تذهب بماء وجوهنا" ، بدلا من استمتاعنا بها ، اذ "ما عليك ان اردت الايفاء بمتطلباته الا ان تقترض مبلغا من المال، وسوف يكون وبالا عليك فيما بعد."

وقد تقصد العائلات محدودة الدخل اسواقا للالبسة المستعملة تننشر في اماكن من بغداد وبعض المدن العراقية الاخرى وتسمى باسواق (البالات)  لتدخل البهجة على اطفالها بشراء هدية العيد.

ام تحسين ربة بيت تقول" الحمد لله  الذي اوجد لنا البدائل ، فملابس البالات( المستعملة) تفي بالغرض ، اما الذهاب الى مناطق الترفيه فقد انقذنا منها اعتقاد الاطفال بان المسلحين قد يستهدفوا اماكن الترويح والتجمعات العامة في العيد."

وتضيف المرأة التي بدت في خريف العمر أن "اكثر ما احرجني انا وزوجي عدم قدرتنا على زيارة قبور احبائنا وبيدنا خروفا نذبحه."

ولم تترك لعنة العوز المادي اثرها على اهلها بل تعدتهم لتشمل اصحاب المحال التجارية الذي عانوا من قصر ذات يد زبائنهم وقلة الاقبال على بضاعتهم.

السيد جاسم، صاحب محل تجاري في البياع، قال لــ (أصوات العراق) "لم تكن مبيعاتنا بالمستوى المطلوب ، نعم الاسعار غالية ، والناس لا تملك مدخرات بحيث تشتري خارج حدود ميزانيتها الاعتيادية."

واوضح " ان بعض العائلات يكمن همها الان في التزود بالنفط والغاز للتدفئة والطبخ ولتشغيل مولدات الكهرباء ناهيك عن توفير المأكل والمشرب ما يرهق كاهل معيل واحد لعائلة من خمسة انفار او اكثر"، مشيرا الى انه احيانا يبيع بضاعته من دون ربح لبعض الاصدقاء والمعارف، واحيانا اخرى يبيع بالآجل لضعف حال الناس.

وربما حال العوز عند بعض الناس دون لقائهم باحبائهم وفارق بين الاصدقاء والاقارب.

صادق ابراهيم، معلم، يقول "اكاد استحي حينما اتصل باخوتي لالقي عليهم التهنئة بمناسبة العيد عن طريق الهاتف اذ لايمكنني ان استقبلهم في بيتي وانا لا املك ما اقدمه لهم ولعوائلهم عند زيارتهم لي ."

واستدرك " اني اسكن في بيت مستأجر ما اثقل كاهلي بالتزامات مالية بعد ان هجرت بيتي خوفا من القتل او الخطف قبل اشهر."

وتبقى القدرة المالية لدى الناس عنصرا من عناصر اضافة البهجة لاي مناسبة وليست المناسبة بحد ذاتها من تخلق البهجة.

اسعد خضير، صحفي، يقول " لا تقل لي أن هناك اماكن جميلة للتنزه والاستمتاع ،وهناك اجراءات امنية مشددة للحفاظ على ارواح الناس،  ما عليك الا ان تحسن مستواي الاقتصادي وانا اخلق الاماكن والاجواء واشيع في نفوس عائلتي الفرحة والابتهاج"

واضاف" قد يكون سوء الاوضاع الامنية العام الفائت ارحم من هذه الايام التي تشهد تحسنا امنيا مشوبا بالحذر ، فاذا كنا نقنع عائلاتنا فيما مضى بالمكوث في البيت  بسبب الوضع الامني السىء، فماذا نفعل الان غير ان نكذب عليهم ونختلق الاشاعات للحيلولة دون متطلباتهم المشروعة للخروج الى اماكن الترويح والترفيه."

وتابع " ولا اعرف ما معنى هذا الصمت من الحكومة وعدم المبادرة في اعطاء العائلات العراقية سواء من الموظفين او المتقاعدين او غيرهم مبلغا من المال يسد  متطلبات العيد."

وقال متندرا" يبدو ان الوضع بشكل عام يلائم استعدادات الحكومة للعنف ومكوث الناس في بيوتهم ، وليس هناك استعدادات جادة لما بعد العنف ."

ويبدو ان بعضا ممن يعيش عيشة الكفاف اوجد لنفسه في العيد متسعا من الراحه والبهجة صنعها لنفسه من دون ان يدفع فلسا واحدا اذ يقول شاكر محمود وهو طالب جامعي في بداية العقد الثاني من العمر"ساكتفي من اصدقائي بالاتصال الهاتفي وساشبع شهوتي للمسرح والسينما بمتابعة التلفاز والقنوات الفضائية وساوفر على نفسي زحمة الشوارع والتدافع مع الناس بالمكوث في البيت."

ويتنهد محمود بحسرة قائلا " ليس من بهجة حقيقية الا بمشاركة الناس ابتهاجهم في الاماكن العامة وصالات السينما، بيد ان ضعف الحال حرمنا من ان نفرح معهم."

غلاء الأسعار يطال أضاحي العيد في واسط

كعادته كل عام يستغرق (عامر ناجي) وقتاً طويلاً قبل شراء أضحية العيد ويظل يتردد على سوق بيع المواشي في أطراف مدينة الكوت حتى خلال أيام العيد عله يجد خروفا بسعر مناسب وبمواصفات خالية من العيوب كما تقتضيها شروط الأضحية، ورغم غلاء الأسعار فانه عازم على الشراء حتى وان اضطر إلى الاستدانة من الغير. 

ويقول ناجي لوكالة ( أصوات العراق ) "وجدت الأسعار مرتفعة كثيراً .. ما كان بحوزتي من مبلغ وجدته  غير كاف  لشراء أضحية واحدة.. "

واستدرك "مستلزمات العيد ومتطلباته كثيرة لكن الأهم بالنسبة لي هو شراء الأضاحي فهذا أمر لابد منه خصوصاً أن هذه الأضحية هي الثانية لوالدي والأولى لوالدتي."

وذكر انه اشترى خروفا بمبلغ 192 ألف دينار بعد أن استعان بصديق له ساعده ببعض المال وفي خبرته بالمساومة مع باعة الماشية في السوق الذين رفعوا الأسعار كثيرا مقارنة بالعام الماضي.

ويقول بدر علوان، أحد باعة المواشي "سوق الماشية لا تختلف عن أية سوق أخرى فالأسعار عرضة للصعود والنزول تبعاً للعرض والطلب."

وأضاف " أسعار المواشي بدأت بالارتفاع منذ حوالي شهر من الآن لكنها قبل العيد بأيام قلائل تأخذ بالصعود أكثر."

وأوضح أن "الخروف الذي كان يباع بسعر مائة ألف دينار قبل شهر صار الآن يباع مابين (150-170) ألف دينار."

وبين أن "الأضحية التي يراد ذبحها لابد أن تكون  سالمة من الأمراض وخالية من العاهات ولابد أن يكون قرن الخروف سالما غير مصدع أو مكسور كما لابد أن تكون الآذان سالمة."

 وغير ناجي الكثير من يعاني ارتفاع الأسعار، فقد تجمع في سوق الماشية عشرات المواطنين الراغبين بشراء الاضاحي، وعادة ما تكثر المساومات في الاسعار وتستمر بين البائع والمشتري وقتا طويلا.

وتقول أم ماجد " ذهبت لعلوة بيع المواشي لشراء أضحية لزوجي المتوفي  فوجدت الأسعار مرتفعة كثيراً ..  عرضوا خروفاً بسعر 280 ألف دينار، لكنني استعنت بأحد المعارف فاشتراه لي بسعر 245 ألف دينار."

 وأضافت " البعض يحاول استغلالك إذا كنت تجهل الأسعار وتجهل مواصفات الأضحية ذاتها .. إذا لم تكن لديك دراية بذلك فما عليك إلا الاستعانة  بالآخرين."

واعتبر أبو فرج، وهو تاجر أغنام، أن "ارتفاع أسعار الماشية مرتبط بموضوع تهريب الأغنام بالذات لذلك نجد أسعارها ارتفعت كثيراً."

وقال " أن انفتاح الحدود وعدم وجود رقابة على المنافذ الحدودية كان السبب المباشر الذي شجع المهربين في ممارسة عملياتهم بتصدير أعداد هائلة من أجود الأغنام والماشية العراقية إلى دول الجوار."

 وأضاف " بدأت أسواق الماشية في بغداد والمحافظات تفقد رصيدها من هذه الثروة بينما تصاعدت أسعارها بشكل كبير .. كما تصاعدت أسعار الأعلاف مع قلة المستورد كل ذلك أدى إلى ارتفاع أسعار الماشية "

وتوقع أبو فرج أن تشهد أسعار المواشي هبوطاً حادا بعد العيد مباشرة فالإقبال على الأضاحي كان السبب المباشر بزيادة الأسعار لكنه بعد العيد يكون هناك ركود كبير."

الحزن يخيم على مدينة العمارة رغم بشائر العيد

لم تمح بشائر العيد، غمائم الحزن والأسى التي كانت بادية على وجه عبد الحسين راضي، وما يرسخ الإحساس بأن هذا الرجل الخمسيني قد ضل الطريق إلى العيد، ملابسه السوداء ولحيته الكثة التي تركها دون تشذيب أو عناية،

قال عبد الحسين راضي وكلماته تقطر حزنا وأسى " كنت على مرمى أمتار من الموت، ونجوت بأعجوبة من التفجير، فأنا اعمل سائق تاكسي ومن يومها لم اخرج إلى العمل من هول الصدمة."

ويضيف لوكالة (أصوات العراق) "قتل جاري الذي يعمل شرطي مرور، وهو وحيد والدته التي أصيبت بالعمى عند سماع مقتله."

 وتساءل بمرارة " كيف أنسى منظر بائع اللبن وهو يحتضن ابنه وهما ملتصقان بسقف المحل من شدة الانفجار.؟ ومجيد بائع الشاي الذي كان يمطرني بنكاته التي لاتنتهي وأنا أحتسي شايه كل صباح."

وراح يغمغم ..وكيف؟ ... وكيف؟ ..وكيف؟ وغادرني وهو لايملك السيطرة على دموعه، دون وداع.

وانفجرت ، الأربعاء الماضي، سيارتان ملغمتان (وسط مدينة العمارة)، تسبب الانفجار بمقتل وإصابة أكثر من 200 شخص اغلبهم من المدنيين.

ورأى محمد عبد النبي أن "هذا العيد يختلف عن الأعياد التي مرت، فأن شوارع مدينة العمارة الرئيسة التي كانت تضج بالحركة والحيوية والألوان في الأعياد السابقة أكثرها مقفلة الآن، ولاتزال اللافتات السوداء معلقة على اغلب شوارع المدينة وبيوتها، وليس ثمة احد من أهالي المدينة لايشعر بالفجيعة، لأن جميع الذين قضوا هم من أهل المدينة."

وتتمتع مدينة العمارة بنسيج اجتماعي خاص، حيث أن معظم ساكنيها يعرف بعظمهم البعض ، بسبب صغر المدينة وعراقة ساكنيها، فضلا عن كونها لم تخرج عن تقاليد الريف الموسومة بالتضامن والترابط والبساطة. 

وعبر محمد عبد الرضا  عن شيء من التفاؤل  قائلا" أتمنى أن يكون هذا العيد نافذة يطل من خلالها أبناء العمارة على فسحة فرح تنسيهم لوعة الفاجعة التي حصلت."

وأستدرك "لكن أنا.. أشعر بان أيام العيد ستكون بلا طعم، وليس فيها مايدعو إلى الفرح، سوى دعواتنا إلى الشهداء الذين سقطوا مضرجين بدمائهم، بالرحمة والغفران."

شارع دجلة الذي وقع فيه الانفجار هو من أهم الشوارع وأكبرها  في مدينة العمارة، وهو قلبها التجاري الذي تنتشر على جانبيه المحلات التجارية والأسواق والمطاعم والمقاهي والحدائق المخصصة للعب الأطفال، وبعد غلقه بسبب الانفجار، تكون المدينة قد فقدت مصدر بهجتها وحيويتها. 

  أم علي ربة بيت وأم لثلاثة أطفال قالت "لاتزال علائم الحزن والترقب والقلق منتشرة بين العوائل، مما يدفعهم لعدم إرسال أطفالهم إلى المتنزهات والى مدينة الألعاب."

 وعبرت أم علي عن مخاوفها مضيفة " على الرغم من الإجراءات الأمنية التي اتخذت في المدينة، إلا أن الخوف والريبة لم يزلا يسيطران علينا، وأن احتمال تسلل سيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة ليس بعيدا عن أذهاننا."

 وأتفق قيس محمد صاحب محل الأنيق  لبيع الملابس مع من سبقه، إذ كان يجلس وحيدا في محله الذي خلا من الزبائن تماما قائلا أن "هذا العيد هو أسوء عيد مر بنا، فكما ترى أن الحزن مخيم على الجميع والشوارع الرئيسية مقفلة وحركة البيع  قليلة جدا."

وأوضح" كان عيد الفطر مختلفا، إذ كنت ترى الابتسامة على وجوه المتبضعين، والأسواق مزدحمة وحركة البيع مستمرة على طول اليوم، بحيث نفذت البضاعة عندنا لعدة مرات."

أما الإعلامي عدي المختار فيرى العيد في هذه السنة مطرزا بالحزن والألم لفقد الأحبة والأصدقاء الذين راحوا ضحية العمل "الإرهابي"  مضيفا  أن" العيد في هذه الظروف ليس له طعم ولا رائحة أو لون، سوى لون السواد."

وتساءل "كيف نحس بحلاوة العيد وقد ودعنا قبل أيام أكثر من 200 من أصدقائنا وأحبائنا بين قتيل وجريح، بنزوة قاتل مأجور"

ورأى نصير البحار،( إذاعي)  أن "العيد الكبير هو باستتباب الأمن والسلام  في محافظتنا العزيزة ميسان وفي كل عراقنا الغالي، وأن دموع الحزن التي ذرفناها على أصدقاءنا وأهلنا من شهداء التفجيرات الإرهابية طغت على ابتسامات الفرح التي كنا ننتظرها في هذا العيد." مضيفا "ولكن الشهداء مثواهم الجنة، ومن قام بهذا العمل مثواهم النار."

وتقع مدينة العمارة، مركز محافظة ميسان، على مسافة 390 كم إلى الجنوب من العاصمة بغداد. وكانت المدينة

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23 كانون الاول/2007 - 12/ذو الحجة/1428