بعد فشل اقرار الدستور المشترك: الاتحاد الاوروبي يسعى لاتفاقية بديلة 

شبكة النبأ: بعد ان ذهبت محاولات اقرار دستور شامل لأوربا ادراج الرياح خلال العامين الماضيين توصل القادة الأوربيون المجتمعون في العاصمة البرتغالية، لشبونة، إلى صياغة معاهدة جديدة تهدف إلى إعادة هيكلة بنية الاتحاد الأوروبي وتطوير مؤسساته وطرق أخذ القرار فيه، وذلك رغم الانتقادات الكبيرة التي تعرضت لها الاتفاقية بحجة تأثيرها على استقلالية قرار الدول الأعضاء. 

وتشمل التعديلات تمديد الولاية الدورية على رأس الاتحاد للدول الأعضاء من ستة أشهر إلى سنتين ونصف ودمج منصبي رئاسة مفوضية الشؤون الخارجية الذي يشغله حالياً خافيير سولانا ومنسقة العلاقات الدولية، الذي تشغله بينيتا فيريرو فالدنر.

بالمقابل، تعتبر بعض الجمعيات البريطانية المعارضة للاتفاقية أن مضمونها سيقود إلى تفويض الاتحاد الأوروبي بالحصول على صلاحيات واسعة تضعف قدرة لندن على نقض أي من القوانين الاتحادية، كما ستؤدي إلى تعديل القواعد البريطانية المتعلقة بالدفاع والأمن والهجرة والسياسة الخارجية.

وقال الرئيس البرتغالي، خوسيه سقراطيس، كما نقلت الـ CNN ،الاتفاقية لا تحد أو تقلص الهويات الوطنية ولا المصالح الوطنية العليا، بل تقدم إطار عمل قانوني متعدد الأوجه يمكن لجميع الأطراف الاستفادة من إيجابياته.

وستقوم هذا المعاهدة، التي وقعها ممثلون عن 27 دولة أوروبية، مقام الدستور المشترك الذي كان موضع بحث عام 2005، قبل سقوطه باختبار التصويت الشعبي إثر رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين له.

ورغم أن الاتفاقية ستظل بحاجة إلى مصادقة مجالس النواب في الدول الأعضاء قبل أن تدخل حيز التنفيذ، إلا أنها لن تختبر شعبياً إلا في دولة واحدة، هي أيرلندا، التي يفرض دستورها تنظيم استفتاء شعبي قبل إقرار هذا النوع من المعاهدات.

ويثير هذا الأمر حفيظة العديد من المراقبين في القارة العجوز، وخاصة في الدول التي تربطها علاقات شديدة الحساسية بالاتحاد، مثل بريطانيا، حيث تعالت أصوات المعترضين على تمرير اتفاقية بهذا الحجم دون اعتماد آلية الاستفتاء.

وبموجب الاتفاقية الجديدة، سيتم توسيع دور البرلمان الأوروبي، كما ستتغير معايير التصويت، وسيتم اعتماد شرعة جديدة للحقوق الأساسية.

وكانت قادة الاتحاد الأوروبي قد توصلوا في يونيو/حزيران الماضي، وبعد يومين من المحادثات الماراثونية، إلى اتفاق حول التوجهات الأساسية لمعاهدة جديدة للاتحاد.

ووافق الأعضاء الـ27، بما فيهم بولندا - التي عارضت بقوة بنودا تتعلق بحقوق التصويت التي اتفق على تأجيل النظر فيها حتى عام 2014-على العمل في سّن المعاهدة التي وصفتها المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي ترأست المحادثات آنذاك بأنها خطوة مهمة في تقدم الاتحاد الأوروبي.

وكانت ميركل جعلت مسألة التوصل لاتفاق حول الدستور أحد أولويات رئاسة بلادها للدورة الحالية للاتحاد، أما بريطانيا فقد حددت خطوطا حمر في المعاهدة، مشددة بأن أي معاهدة يجب ألا تمثل الدستور السابق، متحفظة في الوقت نفسه على حقها إزاء بنود تتعلق بسياسات الشؤون الداخلية والعدل.

دول اوربا الكبرى ترحب

واعلنت الدول الاعضاء، باستثناء ايرلندا التي ستنظم استفتاء، انها ستصادق على المعاهدة في البرلمان خوفا من رفضها في حال عرضها للاستفتاء، كما حدث للدستور الاوروبي الذي رفض في 2005 في استفتاءين اجريا في فرنسا وهولندا. وتم توقيع المعاهدة التي تحمل اسم «معاهدة لشبونة» في احتفال رسمي في دير جيرونيموس الاثري الذي يعود الى القرن السادس عشر في العاصمة البرتغالية لشبونة. ومثل رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون الذي اضطر الى البقاء في لندن، وزير خارجيته ديفيد ميليباند، ولكن من المقرر ان يصل براون الى لشبونة لتناول الغداء مع نظرائه والتوقيع بدوره على المعاهدة.

ومن جانبه حيا رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروسو «الشجاعة السياسية» للقادة الاوروبيين ودعاهم الى التحلي بالتصميم ذاته اثناء فترة التصديق على المعاهدة. واضاف: الآن حان وقت التقدم، على اوروبا رفع العديد من التحديات الداخلية والخارجية، وموطنونا يريدون نتائج. وأشاد باروسو بالدور الذي لعبته ألمانيا في طريق التوصل إلى المعاهدة التي جاءت بعد سنوات من الخلاف.

وكان رئيس الوزراء البلجيكي جاي فيرهوفشتات ووزير خارجيته كارل دي جوشت أول الموقعين على الوثيقة في كنيسة هيرونيموس بلشبونة.

وقالت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل إن أوروبا تدخل مرحلة جديدة بتوقيعها على معاهدة إصلاح الاتحاد الاوروبي الجديدة. وشددت على ضرورة توفير الشروط المطلوبة حتى يتم التصديق على المعاهدة في جميع دول الاتحاد، وقالت: «هذا يوم هام لاوروبا»، مشيرة إلى أن الاتحاد الاوروبي سيمثل في المستقبل كوحدة واحدة، وكانت ميركل قد أعلنت في البرلمان الالماني عزمها الانتهاء من مسألة تصديق بلادها على المعاهدة بحلول مايو (آيار) المقبل. وغادر المشاركون البرتغال متوجهين الى بروكسل حيث يلتقون في آخر قمة لهم هذا العام.

ويعتبر قادة الدول الاوروبية أن هذه المعاهدة ضرورية لتسيير أمور الاتحاد كون القواعد التي تحكمه وضعت عند تأسيسه عندما كان يضم 6 دول، وهي مدونة في معاهدة روما في عام 1957 وعدلت للمرة الاخيرة عندما أصبح عدد الأعضاء 15 .

وأدمجت هذه المعاهدة مناصب مفوض الشؤون الخارجية والممثل الاعلى في منصب رئيس الشؤون الخارجية الذي يرأس اجتماعات وزراء خارجية الدول الاعضاء ويعمل نائبا لرئيس المفوضية.

لكن التغييرات الضخمة التي أدخلتها معاهدة لشبونة لن تدخل حيز التنفيذ قبل تصديق البرلمانات الوطنية عليها أو من قبل الناخبين في كافة دول الكتلة، ولأن رفض دولة واحدة للمعاهدة يعني تبديد سنوات من المناقشة فان مستقبل المعاهدة غير مؤكد بعد.

فرئيس الوزراء البريطاني جوردن براون الذي غالبا ما توصف بلاده بأنها اشد الدول تشككا في الاتحاد استبعد إجراء استفتاء بشأن المعاهدة معللا ذلك بأنه لن يكون لها تأثير كبير على حياة المواطن العادي.

ويأمل مسؤولو بروكسل في انتهاء عملية تصديق كافة الدول على المعاهدة في عام 2008 أو على الاقل قبل انتخابات البرلمان الاوروبي وتعيين مجلس تنفيذي اوروبي في ربيع عام 2009. وعملية التصديق تمر بسلاسة نسبية في الدول الموالية لاوروبا الموحدة مثل المانيا وايطاليا وفي عدد كبير من الدول الـ 12 التي انضمت إلى الاتحاد الاوروبي في عام 2004. وفي هذه الحالات فان تصويتا في البرلمان سيكون كافيا. وحتى بولندا التي برزت في ظل حكومة يارسلو كاتشينسكي كأكبر خصم للمعاهدة تعهدت بان تكون أول من يصدق عليها.

لكن ثمة عقبة كبرى محتملة تمثلها ايرلندا البلد الوحيد الذي يحتم فيه القانون إجراء استفتاء على المعاهدة. وكان الايرلنديون قد رفضوا في عام 2001 معاهدة نيس التي أدمجتها معاهدة لشبونة.

ويعتبر كثيرون بان ايرلندا استفادت كثيرا من عضويتها في الاتحاد الاوروبي ولذلك فلا يمكنها أن تضع عقبة أخرى كبيرة على أعماله، لكن مع ظهور دلائل على أن الاقتصاد الايرلندي الذي شهد توسعا على مدى طويل وبدأ في التباطؤ، فان ثمة خبراء يشكون من أن الناخبين ربما يستغلون الاستفتاء للتعبير عن احتجاجهم على حكومتهم.

وشكل القادة الاوروبيون "لجنة تفكير" حول مستقبل الاتحاد بعد ازمته الدستورية لكن الاراء تتباين بين دول مثل فرنسا تطالب بمناقشة قضية الحدود انطلاقا من رفضها انضمام تركيا واخرى ترفض هذا الامر.

وسيترأس هذه المجموعة التي تضم عشرة اعضاء رئيس الوزراء الاسباني السابق فيليبي غونزاليس يعاونه نائبان للرئيس: رئيسة لاتفيا السابقة فايرا فيكي فريبيرغا ورئيس مجموعة "نوكيا" الفنلندية للاتصالات السمعية البصرية يورما اوليلا. بحسب فرانس برس.

وبذلك يتخلى غونزاليس (65 عاما) عن تقاعده بعدما ترأس الحكومة الاسبانية من 1982 الى 1996 وواكب بلاده نحو انضمامها الى الاتحاد الاوروبي عام 1986.

ووصف وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس الحدث بانه "نبأ مهم" مشيدا بافساح المجال لشخصية "اوروبية مقنعة" ان تساعد اوروبا في مواجهة "التحديات الكبرى في القرن الحادي والعشرين".

وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي طرح فكرة تشكيل هذه اللجنة في تموز/يوليو آملا ان تبحث قضية انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي التي يعارضها.

واعتبارا من الاسبوع المقبل سيتم فتح فصلين جديدين في المفاوضات مع انقرة التي بدأت في تشرين الاول/اكتوبر 2005.

ويعتبر ساركوزي ان قضية حدود الاتحاد الاوروبي ينبغي ان يتناولها "حكماء". وصرح امام الصحافيين في بروكسل ان "قضية الحدود ستطرح بالضرورة" في اطار عمل هذه اللجنة التي ستبدأ نشاطها في ايلول/سبتمبر 2008 على ان ترفع خلاصاتها غير الملزمة في حزيران/يونيو 2010.

واضاف "هل على اوروبا ان تتوسع الى ما لا نهاية وفي حال توسعت فما تداعيات ذلك؟ انها قضية لمجموعة الحكماء هذا امر مؤكد.

وعلق الوزير التشيكي للشؤون الاوروبية الكسندر فوندرا الجمعة "لدينا تحفظات كثيرة على المشروع الاصلي نخشى ان يكون وسيلة لوقف عملية التوسيع لهذا السبب ركزنا على القضايا التي لا تتطرق الى ذلك".

بدوره قال رئيس الوزراء الفنلندي ماتي فانهانن وضعنا شروطا على المهمة مؤكدا ان هذه المجموعة لن تكون وسيلة لعرقلة انضمام تركيا الى الاتحاد.

حتى ان رئيس الوزراء البلجيكي غي فيرهوفشتاد لمح الى ان اللجنة ستستخدم في السياسة الفرنسية المحلية حيث يعارض الرأي العام انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي. واضاف "من شأن هذه المجموعة ان تنشط الية اتخاذ القرارات في السياسة الفرنسية".

قادة أوروبا يفشلون في إعلان موقف موحد من كوسوفو

من جهة اخرى أدت تحفظات بعض الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، وخاصة قبرص، الى عرقلة محاولات اعلان موقف موحد بشأن اقليم كوسوفو الذي يطالب بالاستقلال عن صربيا، وذلك خلال قمة قادة الدول الأعضاء في المجموعة الاوروبية الموحدة  في بروكسل. بحسب رويترز.

واكتفى قادة اوروبا بالتأكيد على استعدادهم لدعم الاستقرار في كوسوفو، وإرسال بعثة من رجال شرطة وخبراء مدنيين، لمساعدة سكان الإقليم على تأهيل الأجهزة القضائية والشرطة، وهي خطوة جرى الاستعداد لها جيدا من جانب الاوروبيين في انتظار طلب دولي من جانب الامم المتحدة للقيام بهذا الدور.

وقالت مسودة البيان الختامي: إن الزعماء سيؤكدون أن الوضع القانوني الحالي في كوسوفو لا يمكن أن يستمر، ويشكل حالة فريدة. ويتضمن البيان في الوقت نفسه فقرة تدعو صربيا الى تسريع الخطى للالتحاق بالركب الأوروبي، وقال: عندما تفي بلغراد بكافة التزاماتها، فسترى الدول الأعضاء في المنظومة ترحب بعضويتها.

وقال رئيس البرلمان الأوروبي هانز بوترينغ، إن الاتحاد يجب أن يتحرك بصوت واحد، فاستقلال كوسوفو وضمانات الأمن يجب أن تحترم جدولا زمنيا محددا يأخذ بعين الاعتبار الانتخابات الرئاسية التي ستجري في صربيا في 20 من يناير (كانون الثاني) المقبل، مضيفا ان الحزم في المبادئ يجب أن يترافق مع الليونة في الإجراءات.

وختم كلامه بالقول: إن مستقبل كل من صربيا وإقليم كوسوفو هو الالتحاق، بشكل أو آخر، بالركب الأوروبي، مشيرا الى ان هذه الآفاق المطروحة يجب أن تسهل العمل الحالي، ولكن هناك الكثير من المشاكل يجب العمل على حلها أولاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 19 كانون الاول/2007 - 8/ذو الحجة/1428