اصدارات جديدة: مجلة الثقافة العالمية

الطاقة النووية... نعمة ام نقمة؟

شبكة النبأ: عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في دولة الكويت صدر العدد 145 من شهرية الثقافة العالمية وهو اخر الاعداد لهذه السنة الحالية...

احتوى العدد الجديد على العديد من البحوث والمقالات القيمة .. اضافة الى ملف العدد الذي حمل عنوان ( الطاقة النووية نعمة ام نقمة؟)

 نقرأ  لنيكولا جورني( بحث في اصول الحرب )نشر العالم الأثتروبولوجي بيير كلاستر سنة 1977 مقالاً في مجلة حر libre سوف يصبح فيما بعد من مرجعيات المهنة. لقد رسم فيه الصورة لمجتمع بدائي نذر نفسه للحرب إلى درجة الهوس مضيفاً أن العنف يمثل في عالم (الهمج) الوسيلة الأساسية للحفاظ على عشائر صغيرة ومستقلة يربطها بالرغم من ذلك الميول نفسه: غياب الملك أو الزعيم أو الرئيس.

لقد كان نصا قصيراً بعض الشيء لكن مميزاً وواضحاً لأنه سلط الضوء على مظهر من المظاهر طالما أهمله إثنولوجيو القرن العشرين ألا وهو الممارسات الحربية إلى حد ما أو على الأقل العنيفة والتي كان ينسبها مستكشفو إفريقيا وأوقيانيا قرنا قبل ذلك إلى مضيفيهم (أكلة لحوم البشر).

يجب ألا ننسى أن عدداً لا يستهان به من الغزوات الغربية قد تمت تحت ذريعة محاربة هذه العادة السيئة لدى أبناء أفريقيا وأمريكا والأنسولهند[1] والمتمثلة في مهاجمة بعضهم البعض. وفي القرن السادس عشر عندما أقر البابا أخيراً بأنه لا يجب استعباد الهنود الأمريكيين، فإن غزاة العالم الجديد قد استلهموا حيلة لمراوغة هذا القرار: ألا وهي تذرعهم بأن المتوحشين لا يفتأون يتحاربون فيما بينهم ويلحقون الأذى ببعضهم البعض، كل هذا ليتمكنوا من القبض على ضحاياهم لوضعهم تحت حمايتهم، وعلى المنوال نفسه فإن غزو أفريقيا ثلاثة قرون بعد ذلك قد تم أساساً تحت ذريعة القضاء على الحروب الزنجية التي كان يشنها الملوك الأفارقة الصغار فيما بينهم، وفي الوقت ذاته تم غزو أوقيانيا. وأغلب هذه الغزوات تمت تحت حجة القضاء على عادة محلية جد متفشية ألا وهي أكل اللحم البشري أثناء الحرب (أكل لحم الأعداء). هذه العادة التي لم يكن استفحالها إذاك لدى الماوري ليشكل موضع أدنى شك.

إن هذه الصورة العنيفة بالطبع للمجتمعات المحلية لم تكن تلك التي ألفاها العلماء الأنثروبولوجيون الأوائل، لأنه في الوقت الذي كانوا يقومون فيه بالانتشار كان الاستعمار قد رزأ بثقله على جل هذه المجتمعات.

ونقرأ لمحرري مجلة ode magazine ( عالمك في العام 2015)

هذه توجهات عشر في طريقها إلى الظهور، ومن الممكن أن تغير عالمك خلال السنوات  القادمة. إنه لمن الصعب أن تستشرف المستقبل في عالم سريع التغير. فمعظم التنبؤات هي مجرد إسقاطات خطية لواقع هذه الأيام. تعدُ تنبؤات الغد بمزيد من التقنية ومزيد من السرعة، وحجم أكبر من البنايات – مما هو موجود الآن.

إلا أن التاريخ يؤكد بشكل تقريبي أن التغيير ليس خطياً أبداً. ولم يكن من الممكن تخيل أكثر الاختراقات المعرفية أهمية قبل جيل واحد من حدوثها. ومع ذلك، عندما تم فحصها بعديا من منظور تاريخي، كانت هذه التغييرات عقلانية بشكل واضح، وكانت هناك حاجة لها، وكانت اللحظة مواتية. كما كانت هناك دائماً تلك القلة من النفوس الشجاعة التي كانت تتحدث منذ البدء عن الأوقات الجديدة القادمة. وعادة ما يأتي التغيير الحقيقي متنكراً - فهو التيار التحتي غير المرئي الذي يحدد اتجاه الموجة. ومع ذلك، فمن الممكن قراءة المؤشرات في كل مايحيط بنا ، بعض الأشياء الصغيرة هذه الأيام ستكبر وتصبح مؤثرة في المستقبل. الأخبار السارة هي أن القدرة المبدعة – قدرتك أنت، عوضاً من الإسقاطات الخطية للخبراء – ستقوم بصناعة المستقبل. وكما تقول الملصقة التي توضع على مخفف الصدمة للسيارات: (أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تساعد في إبداعه). وهكذا، إليك عشر تطورات جديدة هي في طريقها إلى التحقيق بالفعل والتي يمكن أن تعيد تشكيل العالم، عالمك أنت. والأمر منوك بك.

 ونقرأ لغاري بيسانو (تجارة العلم)

استقطبت صناعة التقنية الحيوية منذ نشوئها قبل ثلاثين عاماً وحتى الآن استثمارات تجاوزت 300 مليار دولار. كان الدافع وراء الكثير من هذه الاستثمارات هو أن التقنية الحيوية ستغير وجه الرعاية الصحية. وكان المأمول منذ البداية ان هذا الفرع الجديد من العلوم – الموظف في الأشكال الجديدة من المشاريع التجارية الاستحداثية التي كانت تسهم بصورة كبيرة في تقدم العلوم الأساسية – سيطلق ثورة في العلاج بالعقاقير، ولأنها لم تكن تعاني من أعباء التقنيات والأشكال التنظيمية التقليدية الخاصة بعمالقة شركات الصيدلة القائمة فإن هذه المشاريع التي تتميز بالمرونة والتركيز وتضع العلم في صلب عملها سترفع الحواجز الفاصلة بين العلوم الأساسية والعلوم التطبيقية وستولد جملة من العقاقير الجديدة: هذه العقاقير ستولد أرباحاً كبيرة وسيحصل المستثمرون على عوائد مجزية.

حتى الآن، لا يزال ذلك الوعد قائماً بصورة جلية، من الناحية المالية، لا تزال التقنية الحيوية قطاعاً ناشئاً، وعلى الرغم من النجاح التجاري لشركات مثل (أمجين) و(جينينتيك) والنمو اللافت في إيرادات الصناعة عموماً فإن معظم شركات التقنية الحيوية لا تحقق أرباحاً. ولا يوجد أيضاً ما يدل على أنها تحقق إنتاجية في عمليات بحوث وتطوير العقاقير تفوق كثيراً ما تحققه الشركات الضخمة الأكثر تضرراً في صناعة الصيدلة.

هذا الأداء المخيب يثير التساؤل التالي: هل بمقدور المؤسسات التي يحفزها دافع الربحية وإرضاء حملة أسهمها أن تنجح في إجراء البحوث العلمية الأساسية جاعلة منها نشاطها الأساسي؟ لقد كان الخلاف على أشده في السنوات الثلاثين الماضية حول مدى أن انخراط المشاريع في البحوث الأساسية – التي كانت لفترة طويلة بيد الجامعات ومؤسسات الأبحاث غير الربحية – يحد من الاكتشافات ويعيق بالتالي التقدم العلمي. لكن سؤالاً آخر لقي تجاهلاً واسعاً، بقي مطروحاً: هل يمكن أن يتحول العلم إلى تجارة رائجة؟

وكتب ميشيل كيني ومارك(عوالم متباعدة التمويل والاستثمار في الصناعات الإبداعية)

تمثل الشبكة الدولية للاقتصاد الجديد، سواء المالي أو الثقافي، إطاراً لتأمين المرونة اللازمة لعمليات الإنتاج، والترويج، والانتشار، والاستهلاك، هذه الورقة تتصدى لدراسة البنيات التمويلية والاستثمارية في الصناعات السينمائية والتلفزيونية والموسيقية في جمهورية الصين الشعبية وبلدان قارة أمريكا اللاتينية. ففي كل من هاتين المنطقتين المتباعدتين تتطلع الحكومة إلى إنشاء ورعاية قطاعات متطورة للصناعات الإبداعية بهدف الاهتمام بإمكانية تصدير ما تنتجه من هذه الصناعات، في مقابل ذلك، يتزايد تطلع المشتغلين في إنتاج وتطوير وتوزيع هذه الصناعات بصورة مطردة نحو الأسواق العالمية المربحة، وبخاصة أسواق المجتمعات القريبة منها ثقافياً وألسنيا. وعلى أية حال، بينما يمكن للسياسات الحكومية أن تشكل عاملاً مساعداً في عملية التنمية وتسهيل الصادرات، فإنها في الوقت عينه تمارس تأثيراً أقوى حين تلتقي من خلالها المعطيات المالية والمعطيات الإبداعية لتعمل معاً في ميادين الإنتاج والتوزيع والتسويق، مما يمكنها من تحديد حالات النجاح أو الفشل.

المنطقتان اللتان تتمحور هذه الدراسة حولهما، الصين وأمريكا اللاتينية، أساساً مأهولتان من قبل تجمعات بشرية هائلة العدد وتتوفر فيهما أسواق محلية ضخمة (يقدر عدد سكان أمريكا اللاتينية بنحو 460 مليون نسمة والصين بحوالي 1.4 مليار نسمة) وبسبب هذا (العدد الهائل للسكان في هاتين المنطقتين) أصبحتا لاعبين من المستوى المتوسط في الاقتصاد الثقافي العالمي. ويعزز هذا الموقع الوسطي التراث الغني للمجتمعات في الصين وبلدان أمريكا اللاتينية، والتوزع الكبير لمواطني المنطقتين عبر العالم، والدعم الثابت لهذه المجتمعات من قبل حكوماتها. لكن مع ذلك، لا تزالان تعانيان الكثير من المشاكل الهيكلية التي تتخفى خلف هذه المزايا الملموسة، وتمارس تأثيراتها في تشكيل عنصر (القيمة) داخل اقتصاد بلدان المنطقتين.

 وكتبت روزالند سي (الجسد، المصير، وعلم سيئ)

هناك علامات تنذر بسوء، على أن نسخة جديدة من (الحتمية البيولوجية) قد عادت للوجود، تدعي أن النساء لسن بمؤهلات للإنجاز، سواء بسبب صفات خلقية طبيعية أو سيكولوجية، الأساطير عن الفوارق بين الجنسين (تثبت) الآن وجوب حصر عمل النساء بالوظائف التي تستغل قدراتهن الخاصة التي تتعلق بالعلاقات بين الناس، وأن دماغ المرأة ليس مصمماً لمراكز قيادية، وأن النساء (يخترن بابتهاج) الوظائف متدنية المردود المالي.

كما نسمع بأنه حتى عند حصولهن على وظائف جيدة، فإن النساء الأذكى يرفضن تلك الوظائف من أجل دفء الحياة البيتية التقليدية. وقد احتضنت وسائل الإعلام هذه السردية باهتمام كبير، كما أن هناك تخوفاً حقيقياً من أن هذه الأفكار قد بدأت بالتسرب للقوانين وللسياسة العامة أيضاً.

محدودية دماغ المرأة يقع في خط المواجهة في معركة الأفكار هذه.

إحدى النظريات الجديدة الشائعة هي أن بنية دماغ النساء تجعلهن غير مناسبات للمراكز القيادية، في مقالة بعنوان (الفارق الجوهري) نشرت بوصفها المقالة الرئيسية في 8 سبتمبر 2003، على غلاف مجلة نيوزويك، يدعي عالم النفس بارون كوهين أن دماغ الرجل هو (دماغ تنظيمي) بينما دماغ المرأة هو (دماغ عاطفي).

ما ميزات دماغ الذكر؟ تشمل إتقان الصيد واقتفاء الأثر، التجارة، الوصول إلى السلطة، والاحتفاظ بها، تحمل العزلة، استخدام العدوانية، وأخذ الأدوار القيادية، وميزات دماغ المرأة؟ نجد هنا تكوين الصداقات، الأمومة، الثرثرة ونشر الإشاعات، واستقراء الشريك.

إنه لمن المثير للانتباه كيف أن جميع الأدوار القيادية في المجتمع تتطلب دماغاً ذكورياً، في حين أن دماغ الأنثى يتلاءم مع ميدان الشؤون المنزلية، من الواضح أن كل هؤلاء النسوة المحاميات، والصحفيات والمحاسبات، وموظفات بنوك الاستثمار في الأمكنة الخطأ، ولا يتوقع من هؤلاء النساء العاطفيات أن يتعاطفن مع مشاعر الأقرباء فقط، بل إن مشاعر أي شخص تقدم شعور التعاطف عند المرأة (الطبيعية) بناء على رأي بارون – كوهين. يقول في وصفه لهذه الآلية: (تصور كيف أنك لا ترى ألم جين فقط، بل تشعر أيضاً وبصفة أتوماتيكية بالاهتمام بها، وتجفل وتشعر برغبة في أن تذهب اليها، وتساعد في التخفيف من ألمها) فهل تستطيع أي امرأة، وهي مشغولة بالكامل بتقديم الرعاية لكل شخص، أن تقود الآخرين؟ ليس من المحتمل، بصعوبة لديها من الوقت والطاقة ما يكفي لارتداء ملابسها في الصباح، كما أنها تشكل مرشحاً رئيسياً للاكتئاب ولاستنفاد القدرة على العمل، ولماذا يجب على أي فرد أن يدعم تشريعات تساند حق النساء في الحصول على وظائف جيدة في حين أن أدمغتهن تؤهلهن فقط لرعاية الأطفال وغيرهم، وتجعل منهن غير قادرات على القيادة؟

 وكتب دونالد دبليو وايت (رسم خريطة الأفول...تاريخ القوة الأمريكية)

عند استعراضه الزمني للصعود، والازدهار، والانحطاط للقوى في العالم كما خبرها في القرن الخامس قبل الميلاد، أعلن المؤرخ اليوناني هيرودوتس أنه سيروي عن المدن الصغيرة وعن المدن الكبيرة، لأن المدن (التي كانت عظيمة ذات مرة أصبحت صغيرة الآن؛ وتلك التي كانت صغيرة أصبحت كبيرة في الزمن الذي أعيشه الآن) ومن خلال حكمه (بأن الازدهار الإنساني لن يستقر في مكان واحد لمدة طويلة) وضع هيرودوتس نموذجاً يحتذى به لدراسة العصور التاريخية اللاحقة. لقد احتلت الولايات المتحدة موقعاً متفوقاً خلال القرن العشرين، وتبعت في ذلك إمبراطورية الإسكندر الأكبر الهيلينية في القرن الرابع قبل الميلاد، والإمبراطورية الرومانية في القرن الأول الميلادي، والإمبراطوريات الصينية والمغولية في القرن الثالث عشر، والإمبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر. ولقد سجل المؤرخون انحطاط وسقوط الإمبراطوريات في الماضي، لكن حكاية دور الولايات المتحدة في العالم لا يزال قيد الكتابة.

قليلة هي الأمور التي تستحق الاهتمام في هذه المرحلة من تاريخ العالم أكثر من صعود أو هبوط قوة الولايات المتحدة. ففي النهاية، وعلى مدى الجزء الأكبر من القرن الماضي، عندما صعدت الولايات المتحدة إلى قمة الثروة والقوة وسط أمم العالم، امتد نفوذ الولايات المتحدة عبر العالم من خلال القدوة والمحاكاة للجمهورية الديموقراطية، ومن خلال التبادل التجاري، والعملة، والائتمان المالي عبر البحار، والمساعدات الإنسانية، والقوة العسكرية، ويدور الرهان الآن حول نوع العالم الذي يريده الأمريكيون ونوع العالم القادم – هل سيكون عالماً كالذي استبصره المفكرون، تصطف فيه الولايات المتحدة في مقدمة جبهة صراع الحضارات ونضال التحديث ضد القبلية، أو أنه سيكون عالماً يسوده الحوار المتبادل بين الحضارات بدلاً من العمل أحادي الجانب.

 وكتب ارني هيلير (المحاكاة.. شريك جديد للتجربة والنظرية)

منذ تنبأ علماء المختبر بمنحنى انصهار جديد للهيدروجين مما أسفر عن احتمال وجود سائل مفرط جديد، أي: سائل كمي عند حوالي 400 جيجا بسكال، ويبين لنا هذا الشكل تحول الهيدروجين من مادة صلبة جزيئية إلى سائل كمي الذي تمت محاكاته باستخدام كود الديناميكا الجزيئية الأولى.

حتى قبل افتتاح مختبر لورانس ليفرمور في سبتمبر 1952 كان مؤسساه إي أو لورانس وإدوارد تيلر يدركان حاجتهما إلى حاسوب، فطلبا شراء واحد من باكورة إنتاج الحواسب طراز (يونيفاك) وكان هذا الحاسوب مجهزاً بـ 5.600 صمام مفرغ، ويمتلك قدرة حسابية تثير الإعجاب بالنسبة إلى عصره، رغم أنها تقل كثيراً عن القدرات التي تملكها الآلة الحاسبة التي تباع بـ5 دولارات أمريكية في يومنا هذا، وسرعان ما أثبتت الحواسب الآلية للعاملين في مختبر ليفرمور قدرتها لا على القيام بالحسابات المعقدة فحسب، بل على محاكاة العمليات الفيزيائية أيضاً.

ثبتت قدرات الحاسوب على التنبؤ على نحو بارع في العام 1957 عندما استقبل المختبر مكالمة عاجلة من البنتاغون. كان مختبر ليفرمور يمتلك الحاسوب الأمريكي الوحيد القادر على حساب مدار القمر الصناعي الروسي سبوتنيك 1. وقد تمكن الباحثون من التنبؤ بدقة بإطلاق القمر الصناعي إلى الغلاف الجوي في أوائل شهر ديسمبر من ذلك العام. وفي النهاية أظهروا كيف أن المحاكاة الحاسوبية يمكن أن تمنح الإنسان بصيرة نافذة بشأن مجموعة كبيرة من المشكلات الفيزيائية.

في ملف العدد نقرأ كير ليبر(عصر التفوق النووي الأمريكي)

لحوالي نصف قرن وقعت أقوى قوتين نوويتين في مأزق عسكري يعرف باسم (حتمية التدمير المتبادل) فمع بدايات الستينيات من القرن العشرين نمت الترسانة النووية لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى درجة من الضخامة والتقدم لدرجة أن أياً من الدولتين لم تكن تستطيع أن تدمر كلياً القوة الانتقامية للآخر بالبدء في الهجوم، حتى ولو بهجوم مفاجئ، لذلك كان بدء حرب نووية بمنزلة الإقدام على الانتحار.

وقد اعتقد الباحثون والمحللون السياسيون في أثناء الحرب الباردة أن (حتمية التدمير المتبادل) جعلت العالم مستقراً وآمناً نسبياً لأنها أوجدت حذراً كبيراً في السياسة الدولية، ولم تشجع على استخدام التهديد النووي في حل النزاعات، وحجمت سلوك القوى العظمى بشكل عام (للإيضاح: آخر مأزق نووي حاد، وهو أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962، حدث في فجر عصر حتمية التدمير المتبادل). ويدعي المتفائلون أنه بسبب المأزق النووي انتهى عصر الحروب المتعمدة بين القوى العظمى، وعلى الرغم من ذلك فإن منتقدي (حتمية التدمير المتبادل) يدعون أنها لم تمنع حروب القوى العظمى وإنما منعت انهيار قوة ونفوذ الاتحاد السوفيتي التوسعي والاستبدادي لدرجة خطيرة، ومن هذا المنظور فإن (حتمية التدمير المتبادل) قد أطالت من عمر إمبراطورية شريرة.

قد يبدو هذا الجدال الآن كتاريخ قديم، ولكنه في الواقع أكثر اتصالاً بالحاضر من أي وقت مضى لأن عصر (حتمية التدمير المتبادل) يقترب من نهايته، فاليوم وللمرة الأولى خلال خمسين عاماً تقريباً تقف الولايات المتحدة على مشارف تحقيق التفوق النووي، فمن المحتمل في القريب العاجل أن يصبح في إمكان الولايات المتحدة أن تدمر الترسانات النووية بعيدة المدى لروسيا والصين بتوجيه الضربة الأولى، وهذا التحول الدرامي في توازن القوى النووي ينجم عن سلسلة من التطويرات في المنظومات النووية للولايات المتحدة والهبوط شديد الانحدار للترسانة الروسية والسرعة المتثاقلة في تحديث القوة النووية الصينية. ولو لم تتغير سياسات واشنطن أو تتخذ موسكو وبكين خطوات لزيادة حجم واستعداد قواتهما فسوف تعيش روسيا والصين – وبقية العالم – في ظل تفوق نووي أمريكي لسنوات طويلة قادمة.

ونقرأ لريتشارد ستون(تشيرنوبيل.. آثار لا تنمحي)

قبل عشرين عاماً ، أتت الحياة في بريبيات إلى نهاية مروعة، فقبل فجر السادس والعشرين من شهر إبريل سنة 1986، وإلى الجنوب بأقل من ميلين مما كانت آنذاك مدينة يسكنها خمسون ألف نسمة انفجر المفاعل النووي رقم (4) في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، وتوفي ثلاثون شخصاً في الانفجار والحريق أو تعرضوا للإشعاع القاتل، واشتعل المبنى الضخم المدمر لمدة عشرة أيام ملوثاً عشرات الآلاف من الأميال المربعة في شمال أوكرانيا وجنوب بيلاروسيا ومنطقة بريانسك الروسية، لقد كان هذا أسوا حادث نووي عرفه العالم على الإطلاق، فالغبار الذري ذو النشاط الإشعاعي الذي يبلغ أربعمائة مثل النشاط الإشعاعي الذي انبعث في هيروشيما أبعد ثلث مليون إنسان عن بيوتهم، وأطلق وباء من سرطان الغدة الدرقية بين الأطفال، وعلى مدى السنين وصلت الخسائر الاقتصادية وتكاليف العلاج الصحي والتطهير والتعويضات ونقص الانتاجية إلى مليارات من الدولارات، وحيث جاءت كارثة تشيرنوبيل (أو تشورنوبيل كما تعرف ا لآن في أوكرانيا المستقلة) دليلاً على إهمال الحكومة وعلى تكتمها في بداية الأمر، فقد أسرعت من تفكك الاتحاد السوفيتي.

ونقرأ لماكس شولتز(الطاقة النووية هي المستقبل)

في ساعات الصباح الباكر من يوم 28 مارس 1979، تعطلت المضخة التي تقوم بتزويد ماء التبريد للوحدة رقم 2 في المحطة النووية لتوليد الكهرباء في ثري مايل آيلاند بشكل مفاجئ، وكان المفاعل ذو القدرة التي تساوي 880 ميغاواط، الذي يقع على جزيرة في نهر ساساكويهانا على مبعدة 10 أميال من مدينة هاريسبيرغ عاصمة ولاية بنسلفانيا، يعمل قريباً من طاقته القصوى.

وعندما تعطلت مضخة التبريد، توقف كل من التوربين والمفاعل بشكل أوتوماتيكي، كما هما مبرمجان للعمل. لكن محطة للطاقة النووية برمتها لا تتوقف عملياتها بالسهولة نفسها التي يقلب المرء بها مفتاحاً كهربائياً. فالأجزاء الأخرى من المحطة التي تدور بكامل قدرتها في حاجة لأن تتباطأ تدريجياً، أيضاً، من خلال عملية مبرمجة بدقة. وتعتمد عملية التوقف الآمن لمحطة نووية بشكل جزئي على الأتمتة – وهي عملية تتكون من سلسلة من الحواسيب المحكمة والمعقدة، والمضخات، والصمامات، ومن المراقبة والموازنة الميكانيكية – وجزئياً على إشراف الإنسان.

وفي الوقت الذي توقف فيه المفاعل والتوربين في الوحدة رقم (2) عن العمل، بدأ الضغط في الجزء النووي من المحطة بالارتفاع على نحو مفرط، وفي مثل هكذا حالات، هنالك صمام يجب أن يفتح بسرعة، مطلقاً مادة التبريد، وبذلك يخفف من الضغط، في هذه الحالة، قام الصمام بذلك، لكنه أخفق في أن ينغلق عندما انخفض الضغط لقد كان عالقاً.

وكتب برايس سميث(النووي ليس الحل)

هل بإمكان الطاقة النووية حقاً المساعدة في إنقاذ العالم مما يعده البعض أنه أسوأ كارثة بيئية تواجه الإنسانية؟ التاريخ يقول أن هناك حاجة لشيئين: الحذر من البيانات المشيحانية المخلصة للصناعة النووية، والتحليل الدقيق.

إن الحقائق الفنية واضحة بدرجة معقولة، ففي الولايات المتحدة، يعد المصدر الأكبر لغاز ثاني أوكسيد الكربون CO2، وأهم غازات البيت الزجاجي، هو قطاع الطاقة الكهربائية، ويتبعه مباشرة قطاع النقل. معاً، كان هذان القطاعات مسؤولين عن 72 في المائة من ابتعاثات غازات الدفيئة في العام 2004. أما الفحم، وهو أقذر أنواع الوقود الأحفوري، فهو يقوم بتزويد الولايات المتحدة بخمسين في المائة من حاجتها للكهرباء. وبالمقارنة، تنفث الطاقة النووية مستويات أدنى بكثير من غاز أوكسيد الكربون، حتى بعد أخذ عملية استخراج اليورانيوم من المناجم، وتخصيبه وتصنيعه كوقود بعين الاعتبار.

من الوهلة الأولى، يبدو أن هذه الحقائق تدعم المشجعين للطاقة النووية، لكن النقص في مصادر منخفضة لغاز ثاني أوكسيد الكربون أو من دونه كلياً ليست المشكلة التي تواجهها في مجابهة الاحترار العالمي. إن البضاعة النادرة هي المال، ما الذي سيعطي أفضل النتائج لكل دولار يصرف من أجل الاحترار العالمي؟ سؤال آخر ذو علاقة بالموضوع: ما المشاكل الأخرى التي يمكن أن نخلقها في عملية تخفيض ابتعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون؟ إن على أي مصدر للطاقة أن ينجح في اختبارات الأمان، والجدارة بأن يعول عليه، والتكلفة. إضافة إلى ذلك، هنالك مشاكل فريدة من نوعها مرتبطة بالطاقة النووية مثل: احتمال انتشار الأسلحة النووية الذي ينبع من حقيقة أن تطوير واستعمال الطاقة النووية يخلق النتيجة الجانبية المزدوجة وهي البلوتونيوم (في الوقود النووي المستنفد) والمعرفة النووية العملية، وفضلاً عن ذلك، سيتطلب توسيع الطاقة النووية زيادة ضخمة في القدرة العالمية على تخصيب اليورانيوم – وهي التكنولوجيا نفسها التي تقوم الولايات المتحدة ودول أخرى بمحاولة يائسة لمنع إيران من الحصول عليها. ومع أن وقود مفاعلات الطاقة التجارية لا يمكن استعماله في صناعة قنبلة نووية، إلا أن محطات التخصيب التجارية يمكن إعادة تشكيلها بحيث تنتج يورانيوم يصلح لصناعة أسلحة.

عند أخذ هذه الأمور مجتمعة، التكلفة، وانتشار الأسلحة، ومخاطر الحوادث تجعل من الوعد بالطاقة النووية، وكأنها مصدر (سحري) للطاقة، يتبخر من أول جولة، كما قال ذات مرة ألفين واينبرج أول مدير لمختبر أوك ريدج الوطني. ما مدى الخطورة التي ستصبح عليها هذه المجازفات إذا ما منحت الطاقة النووية حياة ثانية؟

ويختتم تشارلز بوتيت هذا الملف ببحثه المعنون(إنها مرعبة.. إنها مكلفة.. ولكنها قد تنقذ الأرض..مخاطر العودة إلى الطاقة النووية)

يتعرض كالفن نولت، للإشعاعات الضارة في يوم يقضيه تحت أشعة الشمس أكثر مما سيتعرض له في عام بقرب محطة توليد ثري مايل آيلاند، حيث تتصاعد الأبخرة من برجي تبريد المفاعل الوحيد الذي لا يزال في الخدمة هناك، شهد ذلك الموقع في العام 1979 أسوأ كارثة نووية في تاريخ الولايات المتحدة، وقد توقف بناء المحطات النووية من ذلك الحين.

هل هي عودة إلى الذرة ثانية؟ ربما تشغل الولايات المتحدة 103 مفاعلات نووية، أي ربع المفاعلات الموجودة في العالم، رغم أن هذا الرقم لا يتضمن أكثر المحطات النووية الأمريكية شهرة، وهي محطة (سبرينغ فيلد) حيث تعمل الشخصية الكاريكاتورية هومر سيمبسون كمراقب سلامة (إنها مناجم ذهب) حسب رأي البروفسور جيمس تولينكو من جامعة فلوريدا، المتخصص في الوقود النووي والذي كان إلى وقت قريب رئيس الجمعية النووية الأمريكية، بالمقارنة مع تكاليف البناء الكبيرة التي تصرف في الكثير من محطات التوليد، لا تحتاج المحطات النووية سوى تكاليف التشغيل، وتعمل ليل نهار دون توقف وتولد الكهرباء أرخص من محطات الغاز والفحم الحجري، حسب رأي جيمس تولينكو.


[1] - هو الأسم الذي أطلق على الأرخيبل الموجود جنوب شرق آسيا والذي يضم الجزر الأندونيسية والفلبين وكذا شبه جزيرة مالاكا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18 كانون الاول/2007 - 7/ذو الحجة/1428