اليتيم العراقي: أمنيات مؤجلة وواقع مثخن بالجراح

شبكة النبأ:  ربما من المعقول ان نضم الصوت الى السيدة عبير الجلبي في ان زيادة اعداد دور الأيتام التي ترعاها الدولة حالة غير صحية وليست ثقافية لان ثقافة الشعب العراقي تتفاعل مع الكفالة الاجتماعية وهي خصيصة ايجابية كانت على الدوام تبرز كسمة من سمات المجتمع العراقي وليس من اللائق ان يتخلى عنها ببساطة، وقرار الحكومة بمنع القطاع الخاص عن ممارسة هذا الدور الجميل انما هو ارتجاع وتنازل عن صفة اخلاقية اجتماعية اصيلة.

وحالة الأيتام في العراق يكون من الضروري عرضها امام الرأي العام العراقي ليقف على الحقيقة المروعة التي يحياها الأيتام وخصوصا بعد الفضيحة الكبيرة في مؤسسة الحنان والتي كان الامريكيون طرفا في كشفها أمام الصحافة.

 و.. (حليمة) الطفلة ذات التسع سنوات ما كان بوسعها شئ إلا أن تبكي بكاءً شديدا عندما سؤلت عن أحوالها المعيشية وظروفها الصحية وهي تقضي سنتها الرابعة في دار عام للأيتام.

قتل والدا (حليمة) في إحدى المفخخات التي استهدفت سوقا شعبية في ضاحية بغداد الجديدة، شرقي العاصمة، وانتقلت على اثر ذلك إلى دار للأيتام ترعاه الحكومة ولكنها ما زالت تتوق إلى حضن والدتها وحنان أبيها.

تقول (حليمة).. كنت وعائلتي المكونة من أربعة أشخاص نروم شراء بعض الحاجيات من إحدى الأسواق الشعبية في بغداد الجديدة عندما انفجرت سيارة مفخخة كان يقودها انتحاري.. لم أزل أذكر كيف تحول الناس الذين كانوا يتبضعون إلى جثث متفحمة من اثر الانفجار.

وتابعت حليمة والدموع تذرف من عينيها: تم نقلي إلى المستشفى وعولجت؛ إلا أنهم أخبروني أن أبي وأمي قتلا وأن أخي الصغير نجا وقد تبنته فيما بعد إحدى العائلات مما حدا بأقاربي إلى جلبي إلى هذه الدار.

وتمضي حليمة بالقول: مشكلتنا في الدار الآن أننا لا نتلقى تعليما مدرسيا بشكل أصولي فحبذا لو بادرت الحكومة إلى فتح مدارس خاصة لنا للحيلولة دون ذهاب مستقبلنا أدراج الرياح.

وتحض الأعراف الاجتماعية والدينية في المجتمع العراقي على رعاية اليتيم وتكفله لما له من آثار ايجابية على البنية الصحيحة للمجتمع ما يدفع العائلات إلى تبني الأيتام من الأقارب.

أبو أحمد، من أهالي مدينة بغداد، يقول  لوكالة (أصوات العراق) إنه يرعى الآن خمسة أطفال أيتام وهم أبناء أخيه الذي اختُطف عام 2004 ولم يعرفوا مصيره حتى الآن، مضيفا أن عاداتهم الاجتماعية لا تسمح لهم بالتخلي عن أطفال أقاربهم مهما كانت الظروف.

وحول مستوى معيشتهم، أوضح أبو أحمد: اضطررت إلى جلبهم للعيش مع أطفالي وعائلتي وأنا الآن أعيل عائلتين وجل ما أخشاه أن تساهم الظروف المعيشية الصعبة على إجبارهم على سلوك طريق الجريمة والانحراف.

ومع استمرار دوامة العنف في البلاد تتزايد أعداد الأيتام يوما بعد يوم، الأمر الذي أدى بالعديد إلى المطالبة بإيجاد إستراتيجية طويلة الأمد لاستيعاب هذه المشكلة.

وتصف نادرة عايف حبيب عضو لجنة الأسرة والطفولة في البرلمان ملف الأيتام في العراق بأنه من الملفات الحساسة التي تحتاج إلى حكمة في المعالجة.

وتقول حبيب: أن أعداد الأيتام في العراق تزايدت بسبب الحروب المتواصلة التي تعرض لها الشعب العراقي، مشيرة إلى أن إحصائيات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي تقول إن هناك من ثلاثة إلى أربعة ملايين يتيم في العراق.

وتشير النائبة إلى أهمية تفعيل مشاريع القروض الصغيرة التي توزع على الفقراء والمحتاجين بما فيهم الأيتام الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة لأن ذلك سيساهم في توفير أجواء ملائمة للعمل والعيش الكريم.

وترعى الدولة 469 يتيما موزعين على 15 دارا عامة للأيتام وهو رقم ضئيل إذا ما قورن بعدد الضحايا الذين يسقطون يوميا في بلد مزقه العنف مثل العراق.

وتذكر عبير الجلبي مديرة قسم في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن رعاية اليتيم يجب ألا تقع على جانب الحكومة فقط  وتعتقد  أن  تزايد عدد دور الأيتام ليست حالة صحية وحضارية، بل هي عودة إلى الوراء، وهذا ما يعمل به في اغلب دول العالم، وسجلاتنا تشير إلى وجود 469  يتيما موزعين على 15 دارا في بغداد والمحافظات.

وتضيف الجلبي: لابد من إتباع آلية أخرى تساهم بكفالة اليتيم من خلال أسرته وليس من خلال دور رعاية اليتيم إذ أن ذلك سيكفل رعاية لليتيم في كنف أسرته ويعود بالأثر الايجابي عليه.

وتضاف إلى زيادة أعداد الأيتام معضلة أخرى تتمثل بصدور قرار حكومي يمنع افتتاح دور خاصة لرعاية الأيتام ويغلق القائم منها.

وتشير ميسون الدملوجي عضو لجنة مؤسسات المجتمع المدني في البرلمان إلى إرباك تسبب به قرار إغلاق دور الأيتام الخاصة قائلة: ثمة مشاكل ما زالت دور الأيتام تعاني منها، في مقدمتها قرار الحكومة الأخير بإغلاق دور الأيتام التابعة للقطاع الخاص، فبدلا من أن تسعى الحكومة إلى إيجاد سبل النجاح لهذه الدور وتذليل العقبات التي تواجه عملها قامت بإغلاقها، ما سبب إرباكا لدور الدولة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهذا ما لحق أضرارا بمئات الأيتام.

ولا تقتصر الصعوبات التي يعاني منها قطاع رعاية الأيتام في العراق على قلة أعداد دور الإيواء الخاصة بهم بل يتعدى ذلك إلى ضعف الرعاية التي يتلقاها نزلائها، ففي شهر حزيران يونيو الماضي داهمت قوات أمريكية عراقية مشتركة مؤسسة الحنان لرعاية الأيتام في بغداد وهي مؤسسة حكومية وعثرت على عدد من الأيتام العراقيين تظهر عليهم آثار المجاعة والمرض والإهمال.

وتؤكد الدملوجي على وجود تقاعس من جانب المسؤولين عن رعاية الأيتام في المؤسسات الحكومية، مضيفة: ثمة مشكلة أخرى لازال هذا القطاع يعاني منها وهي فضيحة دار الحنان لرعاية الأيتام والصور المأساوية التي اكتشفها الجيش الأمريكي آنذاك.. حيث وعدت الحكومة بإجراء تحقيق فوري وكشف ملابسات القضية ومحاسبة المقصرين؛ إلا أننا لم نلحظ للآن أي نتائج لذلك الوعد.

ولم تتوان يد القدر من خطف البراعم رغم معاناتهم بسبب اليتم إذ فقدت إحدى دور اليتم في بغداد اثنين من الأطفال بسبب مرض الكوليرا الذي ضرب بعض أنحاء العراق أواخر صيف هذا العام وراح ضحيته 40 فردا من عموم البلاد طبقا لإحصائيات وزارة الصحة العراقية.

وتوضح الدملوجي: ذهب وفد وزارة البيئة إلى دار الحنان ووجد أن الماء غير الصالح للشرب المستخدم في هذه الدار هو السبب وراء حالات الوفاة التي حدثت في الدار.

وتستدرك الدملوجي قائلة: الخوف من أن تتحول هذه الجيوش من الأيتام التي تعاني من الفقر والحرمان إلى سلاح قد يوجه ضدنا في لحظة طالما أننا لم نهتم بمشاكله وقضاياه.

ويحذر علماء الاجتماع ومختصو الصحة النفسية من عواقب وخيمة على المجتمع إذا لم تمتد يد الرعاية والحنان إلى الأيتام وهي حاليا بحسب احد أساتذة العلوم النفسية.. شريحة واسعة من المجتمع العراقي.

ويرى الدكتور عبود جواد كاظم وهو احد المختصين في العلوم النفسية: ينشأ اليتيم وهو مليء بالعقد النفسية التي فرضها عليه المجتمع وغالبا ما نلاحظه يميل إلى الانزواء عن المجتمع وبالتالي ظهور بوادر سلبية على شخصيته.

وحذر أستاذ العلوم النفسية من عدم تقديم العون والمساعدة للأيتام.. مبينا أن ذلك سيكون سببا لانحرافهم وهم ليس لديهم أي مستقبل لا بل أن قسما منهم لا يستطيع أن يكون حياته فيلجأ إلى التشرد والسرقة والجريمة لكسب لقمة العيش.

ودعا الدكتور كاظم إلى رصد المبالغ اللازمة لفتح دور الأيتام والاهتمام بأوضاع الأيتام المشردين وتوفير ملاجئ صحية لهم فيها الأساليب الحديثة للتربية والتدريس.. فضلا عن تشجيع المتفوقين بمنحهم بعض الزمالات الدراسية ليصبحوا قدوة للآخرين.

ويختتم الأخصائي النفسي حديثه بالقول، ضمانات اليوم تقلل من ويلات الغد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18 كانون الاول/2007 - 7/ذو الحجة/1428