الانتحاريات في العراق: الجزء الغير مكتمل من القصة المرعبة

شبكة النبأ: امرأة ترتدي عباءة.. منظر لا يثير الشك أو الريبة في شتى مدن العراق، العباءة رداء اعتادت النساء على ارتدائه منذ حقب طويلة هنا، فهو يستر البدن كله من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، دون أن يكون متوقعا أن يتحول هذا الرداء إلى درع يختبئ خلفه انتحاري يسعى لتحقيق اكبر خسائر بشرية ممكنة في الأرواح ودون مراعاة لأي فئة من البشر.

أحدث عملية قامت بها انتحارية، كانت قبل اسبوعين فقط، وبالتحديد في شهر تشرين الاول الماضي. كانت عملية نفذتها امرأة ترتدي حزاما ناسفا تحت عباءتها، وسط قضاء المقدادية الى الشرق من العاصمة بغداد، العملية أسفرت عن مقتل (43) شخصا، لكن الهلع الذي أثارته عملية مثل هذه، كان بالغا إلى حد ان كل من كانت ترتدي عباءة في المدينة، كانت في أعين الكثيرين، انتحارية محتملة.

لم يكن تفجير المقدادية هو الأول من نوعه في المنطقة، ففي نيسان ابريل الماضي، تقدمت امرأة ترتدي حزاما ناسفا تحت عباءتها وسط متطوعين للجيش والشرطة في المقدادية نفسها، فقتلت خمسة وأصابت العشرات بجروح خطيرة.

البداية

بدأت قصة الانتحاريات في العراق، مع إعلان أبو مصعب الزرقاوي (زعيم تنظيم القاعدة في العراق) عن تجنيد امرأة انتحارية لتنفيذ عملية انتحارية في بلدة تلعفر القريبة من الحدود السورية في ايلول سبتمبر 2005، إذ ان هذه العملية رسخت لهذا النوع من العمليات التي تنفذها لأول مرة، نساء يبحثن عن اكبر عدد من الناس لتحويلهم إلى أشلاء. حينها، قال الزرقاوي في موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت "اللهم تقبّل أختنا بين الشهداء"!!. فقد دافعت عن "عقيدتها وشرفها"!!.

 حتى الآن، لا يعرف شيء يذكر حول أول امرأة أصبحت مفجرة انتحارية لتنظيم القاعدة في العراق، باستثناء أنها كانت ترتدي زي القرويين في اطراف الموصل. وبهذا تمكنت من إخفاء جنسها بما يكفي لكي تتمكن من السير داخل حشد من المجندين الجدد في الجيش، من دون أن ينتبه أحد، وتتحول الى اشلاء مع خمسة من الرجال الذين وقفوا في طابور للتطوع في اجهزة الامن. لتفتح فصلاً جديداً من فصول العنف المسلح في العراق، والذي كان يستثني النساء من "الجهاد"، بفتوى الزرقاوي نفسه.

اسباب ومغريات

يقول الناطق باسم وزارة الدفاع العراقية محمد العسكري، لوكالة (أصوات العراق) عن ظاهرة الانتحاريات، إن من أهم الأسباب التي تشجع على ضم النساء إلى النشاط الإرهابي، هو أنهن لا يثرن الشبهات حين يتجولن ميدانياً، ويضيف العسكري، استخدام النساء لتنفيذ عمليات إرهابية يحظى عادة بتغطية إعلامية واسعة النطاق، رغم إننا لو بحثنا عن العمليات الانتحارية التي تقوم بها نساء، لوجدناها لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

بعد شهرين من تفجير تلعفر، شن مهاجمو أبو مصعب الزرقاي، عمليات انتحارية داخل ثلاث فنادق في العاصمة الأردنية عمان، تسببت في مقتل 60 شخصا، ونشرت الرعب في الكثير من العواصم العربية القريبة من العراق.

الجديد في الأمر، هو إن انتحارية عراقية كانت ضمن منفذي العمليات، فشلت في تفجير نفسها، وسرعان ما وقعت بأيدي أجهزة الأمن الأردنية. كانت تلك ساجدة الريشاوي التي بث التلفزيون الأردني اعترافاتها، مشيرا إلى إنها زوجة أحد انتحاريي تفجيرات الفنادق بعمان، وشقيقة ثامر الريشاوي الذي يوصف بأنه أمير الأنبار في تنظيم أبو مصعب الزرقاوي، وساعده الأيمن، الذي قتل في الفلوجة في وقت سابق من عمليات التفجير.

وحول الطريقة التي يتم إقناع النساء بها من اجل تنفيذ العمليات الانتحارية، يقول محمد العسكري، إن الجماعات المسلحة تعمد أحيانا إلى استغلال بعض الفئات العراقية ممن تعرضوا إلى فقدان احد أفراد عائلتهم، أو ممن يعانون من العوز المادي، وربما بعض المشاكل النفسية. لكن في الغالب هم يدخلون من باب الدين أكثر من أي شيء آخر، وهو ما يكون له أبعادا كبيرة على أي إنسان كان، مهما كان مبدأه أو مذهبه أو دينه. لذلك يظهرون لهم صورة مغايرة لما يجري على ارض الواقع، ويبالغون في إظهار الاضطهاد ويحاولون إقناعهم انه لا سبيل لتغيير الوضع إلا بالقتال في سبيل عودة الأمور إلى ما كانت عليه، لذلك معظم التحقيقات التي جرت لنساء أو رجال لجأوا الى العنف المسلح، أثبتت إنهم يخضعون لدوافع يكون الدين فيها مدخلا للسياسة، أي انها دينية – سياسية. هؤلاء يكونون أدوات طيعة بأيدي أناس يستثمرونهم من اجل مكاسب سياسية ليس الا، لكنهم يدركون هذه الحقيقة بعد فوات الأوان، بعد أن يلقى القبض عليهم، أو ينفذوا عملية انتحارية.

ويتابع العسكري، تنظيم القاعدة يعاني من انحسار تأثيره على الشارع العراقي الآن، واستخدامه للنساء لا يتعدى كونه إعمالا دعائية تساعد على جلب المزيد من المسلحين، صحيح إن عملية تجنيد النساء ليس سهلا بالنسبة لهم، لأن المرأة بطبيعتها اقل تقبلا للمخاطر من الرجل، لكن العمليات التي تنفذها نساء انتحاريات تكون لها قيمة إعلامية أكثر من قيمتها الميدانية، القاعدة تريد أن تقول ان النساء تقاتل والرجال غافلون عن الحرب.

بعد تنفيذ الانتحارية البلجيكية موريل ديغوك، نشر موقع إنترنت له صلة بالزرقاوي، رسالة موقعة منه وجه في نهايتها سؤالاً، ألم يعد هناك رجال بحيث أصبح علينا تجنيد النساء؟ أليس من العار على أبناء أمتي أن تطلب أخواتنا القيام بعمليات انتحارية بينما ينشغل الرجال بالحياة؟.

يقول العسكري، الانتحارية ديغوك التي أثار بها الزرقاوي مسلحين جدد توجهوا للعراق، كانت قصتها تحمل الكثير من الغرابة، كانت قد تحولت إلى الإسلام عن طريق زواجها من رجل بلجيكي من أصل مغربي، كان يتبع تعاليم السلفيين المتطرفين. وغيرت اسمها الى (مريم)، وسافرت الى العراق أواخر عام 2005 لتنفذ عملية انتحارية، حيث فجرت حزامها الناسف عند عبور دورية أميركية بالقرب منها في مدينة بعقوبة الواقعة إلى شمال بغداد، لكنها قتلت نفسها من دون قتل أي أميركي. وبعد ديغوك، أردت القوات الأميركية زوجها قتيلاً بإطلاق النار عليه بعد وقت قصير من مقتلها.

العدوى قادمة من المغرب العربي

وتستمر قصة الانتحاريات في العراق، وتدخل دول المغرب العربي الى قائمة الدول التي تلقي القبض على متشددين يقومون بتدريب نساء من بلجيكا وفرنسا للقيام بعمليات انتحارية في العراق، وسرعان ما القي القبض على 18 شخصا بعد وقت قصير من عملية مريم البلجيكية، وهم يحاولون تكوين تنظيم أطلقوا عليه اسم (القاعدة في بلاد المغرب) يشكل خلايا نائمة لأبي مصعب الزرقاوي، تكون على أهبة الاستعداد في دولة مجاورة للعراق، وتضم عددا من النساء اللواتي يسعين الى تنفيذ عمليات انتحارية.

 احد المتهمين الرئيسين في تلك المجموعة، وهو محمد الرحا، قال انه عرض الفكرة على أبو بصير الجزائري الذي كان محارباً قديماً في افغانستان ومرشدا للمجموعة، فرحب بالفكرة. وأضاف انه أخبر الانتحاريات في المجموعة، بضرورة ان يبايعن أميراً يتولى ارشادهن، بعد تلقي الموافقة على ذلك من أسامة بن لادن نفسه.

وتظل الصورة عن الانتحاريات في العراق، غير مكتملة، ليس هناك طريقة لمعرفة دوافع الانتحارية بعد ان تكون قد تحولت الى اشلاء. لكن العسكري يواصل حديثه "في الحادي عشر من شهر حزيران يونيو 2007، ألقت الشرطة القبض على اربع نساء انتحاريات كن يلبسن أحزمة ناسفة، اثنتان منهن كانتا تريدان مهاجمة مبنى محكمة في الإسكندرية جنوب بغداد، والاثنتين الأخريين كانتا تحاولان مهاجمة احدى نقاط التفتيش التابعة للجيش العراقي جنوب بغداد، إلا إن النساء الاربعة كن مترددات في تنفيذ العمليات الانتحارية، ما ولد الشكوك حولهن وسهل من عملية الاعتقال، المعتقلات الأربعة اعترفن فيما بعد، بأنهن يعملن لحساب الجيش الاسلامي في العراق."

ويضيف العسكري، في الثالث من شهر آب 2007، اعتقلت القوات الأميركية أفراد شبكة تابعة لتنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» كانت تتولى تدريب انتحاريات لتنفيذ عمليات ضد الجيش الأميركي وقوات الأمن العراقية والمدنيين العراقيين.

تنظيم ما يسمى "دولة العراق الاسلامية" هو الآخر كان له دور في تكوين خلايا انتحارية نسائية، فقد اعلن في بيان له على شبكة الانترنيت تشكيل كتيبة من الانتحاريات هي الاولى من نوعها، جاء فيه إن "ثلة من المؤمنات بالله تعالى من امهات وزوجات وبنات الشهداء في دولة العراق الاسلامية، شكلن كتيبة الخنساء الاستشهادية، وأعلن الجهاد في سبيل الله " ودعا البيان الى الانضمام إليهن لمحاربة "الشر الصليبي."

اليمني رشاد محمد سعيد، المعروف بـ"أبو الفداء"، والذي قضى فترة زمنية قرب بن لادن في مسكنه بأفغانستان قبيل أحداث سبتمبر 2001، يقول في موقع الكتروني، أن النساء أصبحن مقاتلات في تنظيم القاعدة، موضحا إن النساء رافد أساسي في عمل تنظيم القاعدة، وكان بعضهن يتلقين أدبيات عسكرية للدفاع عن النفس، ولكن لم يشتركن في القتال مباشرة، وإنما كنا شريكات في الإدارة والعمل على أجهزة إلكتروينة مثلا.

لكن في العراق، لم تكتفي الانتحاريات بالعمل على اجهزة الكومبيوتر، بل اصبحن طوال السنوات الماضية، جزء من قصة العنف الذي شهدته مدن البلاد، وتحول الى قصة لا يعرف احد متى ابتدأت بالتحديد، ولا متى ستنتهي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17 كانون الاول/2007 - 6/ذو الحجة/1428