أمريكا وإيران: النزول من أعلى الشجرة

أحمد جويد/ مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

 التركيز الإعلامي والسياسي في المحافل الدولية بخصوص الملف النووي الإيراني والتلويح بشن هجوم عسكري أمريكي على إيران لتغير نظام الحكم فيها أو هجوم إسرائيلي على المفاعل النووي الإيراني على غرار ما تم تنفيذه في العام 1981م من هجوم على المفاعل العراقي، وما قابلته إيران لتلك التهديدات من تحرك سياسي وتهديد عسكري لمصالح الولايات المتحدة في العالم بصورة عامة وفي منطقة الخليج بصورة خاصة، وصل إلى الحد الذي يبدو للكثيرين بأن هناك حرباً وشيكة الحدوث بين الولايات المتحدة من جهة وإيران ومن تتحالف معهم من جهة أخرى.

إلا أن الأمر ليس بالصورة التي يحاول الإعلاميون والسياسيون رسمها للمتلقي، وذلك لأن جميع الأطراف تدرك جيداً ما قد تجر إليه تلك الحرب من نتائج وخيمة حتى لو خرج أحد أطرافها منتصرا في النهاية، وهذا يعني إن جميع الأطراف المعنية بها لديها أهداف أخرى خفية غير تلك التي تصرح بها لوسائل الإعلام.

فما يجري على الساحة السياسية الدولية من تسارع للأحداث وخاصة في منطقة الشرق الأوسط يخضع لعوامل عديدة تجعل من الدول المتصارعة تفكر مليا في التراجع عن مواقفها المتشنجة والمتصلبة إزاء العديد من القضايا التي تعتبرها مبدئية ولا يمكن التنازل عنها، وخير دليل على ذلك هو قبول ايران بالتفاوض مع الجانب الامريكي وجهاً لوجه كبادرة حسن نية عن طريق الملف العراقي ومايقابله من تقرير لوكالة الاستخبارات الامريكية من أن البرنامج النووي الايراني لا يشكل خطراً في الوقت الراهن وانه يعاني من مشاكل فنية وتقنية كثيرة،  الامر الذي وجد ترحيبا من الجانب الايراني وشكل مفاجأة كبيرة لدول أخرى كبريطانيا والترويكا الاوربية ودول الخليج، الامر الذي يكشف بدوره عن تراجع الولايات المتحدة عن مواقفها السابقة بالتلويح بضربة عسكرية ضد ايران، وكل تلك التقلبات هي نتيجة لعدة عوامل منها:

1- العامل الاقتصادي، وهو أهم العوامل التي تمنع تلك الدول وجميع دول العالم والمنطقة من عدم تصعيد الأزمات والمواقف والوصول بها إلى حالة الصدام المسلح، فالولايات المتحدة على سبيل المثال تعتبر منطقة الصراع من المناطق الحيوية والمهمة في العالم والتي من الممكن أن تعرض الاقتصاد العالمي إلى هزة كبيرة في حال نشوب صراع بالحجم الذي يهدد به الطرفان، وأما الدول المنتجة للنفط في جغرافية الصراع وأعني الخليجية منها فمن الممكن إن حرب بحجم ما تهدد بها الولايات المتحدة ورد بحجم الذي تتوعد به إيران (11 ألف صاروخ بالدقيقة الأولى للحرب) يمكن أن تتكرس في جغرافيا الخليج وتستنزف جل مواردها –إن لم تكن كلها- باعتبارها مناطق المصالح الأمريكية في المنطقة.

2- العامل السياسي، وهو العامل الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول، ولكن بالنسبة إلى أنظمة الحكم وليس للشعوب، إذ إن القيادة الإيرانية ترفع شعار الحفاظ على الثورة الإسلامية ونظام الحكم الإسلامي القائم في إيران منذ عام 1979م بعد الإطاحة بنظام شاه إيران، وهي ترى في بقاء هذا النظام السبيل الوحيد الذي يحافظ على مصالح إيران القومية وحمايتها والدفاع عنها، وقد تخلف الحرب ردة فعل قوية من قبل الشعب الإيراني ضد النهج المتشدد الداعي إلى رفع شعار العداء للأمريكان والغرب، خصوصا إذا ما علمنا إن هناك تيار سياسي قوي في إيران يعارض ما تقوم به الحكومة الإيرانية الحالية من تصعيد للازمة مع الولايات المتحدة.

 أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي ترى من هذا النزاع طريقا للتنافس على زعامة البيت الأبيض بين الجمهوريين والديمقراطيين، فما تعاني منه إدارة البيت الأبيض من دخولها العراق واستمرار البقاء فيه أصبح مصدر إزعاج لها في الداخل الأمريكي، ومن غير المعقول أن تكرر الإدارة الأمريكية تجربتها في العراق مرة أخرى.

3- العامل الاستراتيجي، وهذا العامل يهم الأمريكان أكثر من غيرهم، فقد يفقدهم نشوب حرب عالمية أو شبه عالمية –في حال بقاء دول عظمى على الحياد دون الدخول فيها- الكثير من النفوذ في الشرق الأوسط، ويفتح المجال إلى الحركات المتطرفة للتحرك بسهولة للسيطرة على مناطق واسعة من دول المنطقة، إضافة الى ان دول أخرى في المنطقة لها علاقات وثيقة بالامريكان(الدول الخليجية) لا ترحب بأية زعزعة للوضع الامني في المنطقة، كما وإن دول مثل تركيا قد تستغل تلك الحرب لتوجيه ضربة قوية ضد الأكراد في المنطقة مقابل السماح للامريكان في استخدام اراضيهم وأجوائهم أو على الاقل ضمان بقائهم على الحياد.

أما أثر هذا العامل بالنسبة إلى إيران فإنها سوف تعرض حلفائها إلى ردة فعل قوية قد تقضي عليهم، وبخاصة من قبل إسرائيل التي قد تتدخل لضرب سوريا وحزب الله وتحريض القوى المعارضة لهم في الداخل على الإطاحة بهم والقضاء عليهم.

على أية حال فمواقف السياسة الدولية لا تعترف بالثواب أمام المصالح، إذ تبقى المتغيرات هي التي تحدد مستقبل السياسة والعلاقات الدولية وفقاً لمصالح الدول، لأن أطراف الصراع تدرك تماماً نتائج وإفرازات العمل العسكري والعواقب الوخيمة التي يخلفها استخدام القوة على الجميع سواء كانوا منهزمين أو منتصرين، وعلى هذا الاساس يجب أن تعمل ألاطراف المتصارعة وفق المقتضيات التالية:

1- أن تعمل كل من الولايات المتحدة وايران على احترام الشرعية الدولية طبقاً للاتفاقيات والمواثيق الدولية في الحد من انتشار الاسلحة النووية في المنطقة والعالم وعدم جر الخلاف الحاصل بينهما الى صراع مسلح.

2- أن يكون عمل الولايات المتحدة للحد من انتشار الاسلحة النووية مع المجتمع الدولي وليس بصورة منفردة، وأن يشمل ذلك العمل جميع الدول التي تمتلك أو تريد امتلاك اسلحة نووية في المنطقة وليس على دولة دون أخرى.

3- أن يعمل الطرفان على فتح جميع الملفات المتعلقة بينهما في المنطقة وحل الخلافات عبر الحوار والطرق السلمية مستثمرين الملف العراقي الذي يجمعهما بين فترة وأخرى في بغداد.

4- أن تعمل إيران على استغلال دعوة الدول الخليجية لها وتوسيع نفوذها الاقتصادي في منطقة الخليج والاعلان عن طبيعة برنامجها النووي كبادرة حسن نية لبدء صفحة جديدة من العلاقات القائمة على اساس تبادل المصالح وحسن الجوار.

5- أن تتمسك الدول الخليجية وبخاصة دولة الامارات العربية المتحدة بالحلول السلمية لإنهاء مشاكلها المتعلقة مع إيران وأن لا تعول كثيراً على صفقة صواريخ (الباتريوث) التي وعدتها بها الولايات المتحدة. 

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17 كانون الاول/2007 - 6/ذو الحجة/1428