هموم عراقية تنتج انماط سلوكية جديدة

شبكة النبأ: تمثل الهموم اعباء يومية على المواطن العراقي حيث تتنوع وتتراكم بتزايد التعقيدات الامنية التي خلقت نسيجا متشابكا من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وانتجت انماطا وقيما اخلاقية وسلوكية جديدة تعكس ذلك الواقع العراقي المعقد. هذه اطلالة على بعض تلك الهموم والمشكلات.

عراقي فجع بوحيده يلاحق قتلته منذ عامين

يقول ابو فؤاد وباصرار ملفت للنظر انه سيواصل مسيرة البحث عن افراد عصابة خطفت ولده الوحيد منذ عامين وشوهت جثته قبل ان ترميها في احد شوارع وسط بغداد وذلك للاقتصاص منهم.

ويؤكد الاب المفجوع (52 عاما) لوكالة فرانس برس حاملا صورة ولده فؤاد، لن اترك الجناة يفرون بفعلتهم حتى ولو قضيت كل حياتي بحثا عنهم.

وعثر بعد بحث مضن على جثة ولده مدفونة في مقبرة في النجف (160 كلم جنوب بغداد) بعد مضي عام واربعة اشهر على خطفه. ويروي قصة اختفاء ابنه الذي كان في العشرين من العمر قائلا: اتصل احدهم بفؤاد قرابة منتصف تشرين الاول/اكتوبر 2005 وكان لاعب كرة قدم في احدى الفرق الشعبية فخرج ولم يعد حتى الليل. بدأنا نتصل بهاتفه الجوال لساعات لكنه كان مغلقا.

ويتابع ابو فؤاد الذي يعمل موظفا في احد المراكز الصحية ويسكن حي الامين الشعبي ذي الغالبية الشيعية جنوب شرق بغداد، فتنشنا في كل مكان وسالنا الاصدقاء والاقارب دون جدوى. ويضيف، سجلت اخبارا في مركز للشرطة وطلبت من القاضي كشف اخر مكالمة تلقاها ابني واصدر امرا بذلك فحصلت على الرقم الذي اتصل بجواله وتبين ان المتصل من سكان حي الطالبية (شمال بغداد).

ويقول، قمت بمتابعته لفترة وخطفته بمساعدة اقاربي وجلبته الى منزلي واجريت اتصالا بعائلته فحضر والداه وعمه واظهرت لهم الأدلة على تورطه في خطف ولدي  بحيث اعطوني كل التفاصيل حول ضابط برتبة نقيب في الشرطة.

ويتابع الرجل الذي بدت عليه ملامح التعب والوهن من كثرة التنقل بين مراكز الشرطة والمحاكم، اتضح بعدها ان ثلاثة اشقاء هم ضابطان وشرطي مع اثنين من اقاربهم احدهم يعمل في وزارة التجارة يشكلون جميعا عصابة للخطف والقتل.

ولم تتوضح الدوافع وراء خطف الشاب وقتله بهذه الطريقة المرعبة خصوصا وان العصابة لم تطلب اي فدية كما ان اعمال العنف الطائفي اندلعت اواخر شباط/فبراير 2006 اي قبل الحادث باربعة اشهر.

ويؤكد ابو فؤاد، اتصلت بشيخ عشيرة الضابط واوضحت الادلة المتوفرة واتفقنا على موعد لنتقابل لكن الشيخ لم يأت وارسل وسطاء يطلبون بان اقبل مبلغا من المال لأنهي المسالة (...) اطلقت سراح الشاب كونه اوصلني الى جزء من الحقيقة. ويشير الى اصدار اوامر قضائية للقبض عليهم لكنها لم تنفذ طيلة اكثر من عام.

ويضيف، اذا لم يقتص القانون منهم فسوف آخذ حقي بيدي لكن يجب ان اعرف سبب قتلهم شاب صغير لا يعرف في حياته سوى كرة القدم (...) ارسل هؤلاء احد الاشخاص ليهددني بالقتل اذا لم اتنازل عن الدعوى ورفضت ذلك لانهم مجرمون يجب ان يعاقبوا.

ويجيب ردا على سؤال حول رفض الوساطات ان الجريمة بشعة جدا وعملية قتل ولدي كانت شنيعة وقد تشوهت جثته من شدة الحروق وقطعوا اوصاله.

ويؤكد ابو فؤاد، جاءتني مجموعة من شيوخ العشائر تعرض مبلغا كبيرا من المال مقابل التنازل مؤكدة ان العصابة قامت بقتله ورميه في 14 تشرين الاول/اكتوبر 2005 على طريق القناة قرب زيونة (وسط بغداد) اي بعد يوم من خطفه.

واضاف، توجهت الى مركز الشرطة في زيونة حيث ابلغوني ان نقيبا يدعى فراس وهو احد الجناة  قام  بالاخبار عن جثة محترقة مرمية على شارع القناة (...) واكدوا ان الجثة كانت مشوهة ولم يميزوها في البداية فيما اذا كانت لذكر او انثى.

ويتابع بأسى، اعطوني الرقم الخاص لقبره في النجف فاقمت مراسم العزاء (...) واكتشفت بعد ذلك ان النقيب الاخر يعمل في احد مراكز النجدة وصدر أمر باعتقاله (...) لكنه تمكن من الهرب في اليوم ذاته.

ويوضح الرجل، ان الشرطي قتل في احد الانفجارات فيما لايزال الاخرون طلقاء واجمع معلومات عنهم للعثور عليهم.

التسوق علاج لكابوس التفجيرات!!

"علمت ان كل شيء سيكون على ما يرام حين رأيت عصام بائع العطور وطلب مني 80 دولارا ثمنا لزجاجة من عطر (جادور)".

وتضيف مراسلة رويترز، ظننت انني سأجده ميتا. تحطمت اللوحة الخشبية التي تحمل اسم متجره وتهشم الزجاج الأمامي للمتجر جراء انفجار وقع مؤخرا وكان الأسوأ في بغداد فيما يزيد عن شهرين.

ولكنه كان جالسا في مكانه المعتاد يحتسي الشاي ويتابع عُماله وهم يعيدون رفا لمكانه ويضعون لوحا جديدا من الزجاج. ونجت زجاجات العطر التي يبيعها من الانفجار بشكل ما وهو يساوم كما اعتاد دائما. وقال، أهم شيء اننا لا زلنا على قيد الحياة. اعتدنا ذلك.

سأعود للانفجار بعد لحظة لأحكي لكم عن مشد للصدر ونظارة شمسية ذهبية الإطار تحمل العلامة التجارية لكريستيان ديور. ولكن دعوني أولا أتحدث عن ابو هاني من الكرادة. حيث قال.

مثل كثير من سكان بغداد كانت الأشهر الأخيرة بالنسبة لي أشبه بالاستيقاظ ببطء من كابوس. أعمال العنف التي حولت مدينتنا الى حصن بدأت تخف أخيرا.

لاحظت أشياء صغيرة.. عُمال يزرعون أزهارا في الشوارع وينصبون أراجيح جديدة في حدائق الاطفال. وطيلة أشهر أرَقني ليلا التفكير فيما اذا كان علي أن أُغادر البلاد ولكني بدأت أفكر أن كان باستطاعتي بالفعل ان أُربي ابني هاني (سبع سنوات) هنا.

وعقب انتهاء شهر رمضان ذهبت بأسرتي لتناول وجبة من اللحوم المشوية (كباب) في أول زيارة لمطعم منذ نحو عام. وشعر هاني بفرحة غامرة وفي كل عطلة يُلح علي للخروج من المنزل.

وسمح له مدرسوه باللعب في فناء المدرسة لمدة ساعة أو نحو ذلك كل يوم وهو ما تحاشوه قبل عام خوفا من رصاصة أو قذيفة مورتر طائشة.

وتضيف المراسلة، ثم نجيء لحي الكرادة وهي منطقة تسوّق بوسط بغداد تُباع فيها ملابس مستوردة عالية الجودة ويعرف العاملون في متاجرها مقاسي.

وبدأت أنا وواحدة من أعز صديقاتي وتعمل ايضا في رويترز، التجول في المتاجر بعد انتهاء ساعات العمل.

بعد نوبة عمل نغطي خلالها أنباء أعمال العنف قد يعيد لك بعض العطر أو قميص أو زجاجة طلاء أظافر الاحساس بآدميتك. بل وبدأنا حتى التخلص من الخوف من ان انفجارا قد يمزق أجسادنا ونحن في طريق العودة من المتجر.

في المكتب في الخامس من ديسمبر كانون الاول قررنا ان نتوجة بعد انتهاء نوبة العمل لشراء ملابس بمناسبة العطلات. ولكن لم يكن هناك وقت كاف فعدت الى المنزل.

اتصلت بي زميلتي هاتفيا قائلة، آسيل انفجرت سيارة ملغومة في الكرادة. هل يمكنك تصور ذلك؟ .. ماذا اذا كنا هناك؟ ..أسفر الانفجار عن سقوط 15 قتيلا وتجدد الكابوس.

ذهبت الى المكتب في صباح اليوم التالي ينتابني احساس بالمرارة. وعند مناقشة من سيتوجه لحي الكرادة لتغطية آثار الهجوم قررت ان عليَ ان أرى ما حدث بنفسي.

وتوجهت سيرا على الاقدام الى نقطة التفتيش المؤدية الى المنطقة واستقللت سيارة أُجرة الى صف المتاجر المفضل لدي في نفس المكان الذي انفجرت فيه السيارة. توقعت ان أجد الشارع خاليا ولكنني استهنت برفاقي أهل بغداد.

كان الزجاج المهشم يغطي الشارع وتناثرت الملابس الانيقة وتماثيل العرض على الرصيف ولكن المتاجر فتحت ابوابها وتوافد عليها المتسوقون.

كان العمال يكنسون الزجاج وينفض اصحاب المتاجر الانقاض من على أرفف الملابس.لقد تجاوز حي الكرادة ومدينتي بغداد المحنة.لذا تصرفت بعفوية. قمت بالتسوق فعطلة العيد تحل قريبا وأنا وهاني نحتاج ملابس جديدة.

قالت أم فضل وهي تجرب حذاء برفقة ابنتيها في متجر على بعد 100 متر من موقع الانفجار، كان مجرد انفجار. بدت مرتبكة كأنما يقلقها ان الموت أثناء شراء حذاء هو أسخف شيء في العالم. ووصف ابو مصطفى صاحب المتجر الذي اشتري منه ملابسي الداخلية اللحظات التي أعقبت الانفجار. قائلا، ركضت امرأة وابنتاها الى داخل المتجر وهن يبكين خوفا ولكن خلفها مباشرة دخلت امرأة أخرى وأشارت الى مشد صدر في نافذة العرض تريد ان تشتريه وكأن شيئا لم يحدث!. وفي متجر عصام قررت ان 80 دولارا سعر باهظ لزجاجة عطر.

ولكنه عرض علي نظارة ذات إطار ذهبي من تصميم ديور مقابل 20 دولارا فقط. النظارة مُقلدة على الأرجح ولكنها رائعة.

سواء وقع انفجار ام لم يقع هل يمكن لاي شخص ان يقاومها؟.. دفعت له الثمن وغادرت المتجر واضعة إياها على رأسي.

عراقي يبحث عن مأوى لأولاده الأربعة المعوقين

يواجه ابو حيدر مصاعب شتى في معيشته فضلا عن الفقر المدقع على غرار الاف العائلات العراقية لكن العبء يبدو اكثر ثقلا عليه كونه يعيل اربعة اولاد معوقين تخلى معظمهم عن الدراسة بينما تواصل الفتاة الدراسة معتمدة على امها في تحركاتها. بحسب فرانس برس.

ويعيش ابو حيدر مع عائلته المكونة من ستة افراد في مدرسة قديمة في اقدم ازقة بغداد المعروف بسوق حنون وينتظر من يساعده في اعالة اولاده الاربعة المصابين بشلل دماغي نتيجة حوادث متفرقة.

ويقول باسم مهجر، اواجه الان مشكلة عدم توفر سكن متواضع لافراد اسرتي. فهم مقعدون جميعا ولا يستطيعون الحركة وارغمتني ظروفي على السكن في هذه المدرسة القديمة حيث اعمل حارسا.

ويضيف، لا اعرف ما سيكون مصير اولادي مستقبلا فهم يحتاجون الى الرعاية والاعتناء. واعتقد انهم سيصبحون على الرصيف اذا تعرضت لحادث ما.

وفي غرفة مهترئة يجلس الابن الاكبر حيدر (21 عاما) مع شقيقته زينب (7 اعوام) وشقيقه عباس (14 عاما) وجميعهم مصابون بشلل تام. في حين يعاني شقيقهم الرابع حسين من تشوه خلقي في قلبه.

ويتابع ابو حيدر، لا يستطيع اولادي الخروج من الغرفة اثناء دوام المدرسة وينتظرون خروج الطلبة لكي يخرجوا زحفا للتعرض لاشعة الشمس.

ويقول حيدر بنبرة حزينة، اصبحت كبيرا واجد نفسي محرجا امام عائلتي لانني صرت عبئا ثقيلا عليهم وخصوصا والدتي التي تساعدني في الذهاب الى الحمام او لحاجة اخرى.

وقد اصيب حيدر عام 1991 اثناء غارة جوية عراقية على كركوك بشظايا ادت الى كسر حوضه واعوجاج في عظامه واصبح مقعدا بعد فشل عمليات جراحية خضع لها.

وحيدر بحاجة الى عملية جراحية معقدة خارج العراق لا تستطيع العائلة تحمل نفقاتها. كما ان شقيقته زينب بحاجة الى عملية هي الاخرى بعد ان سقطت من مكان مرتفع ما ادى الى اصابتها بشلل تام.

وتواظب زينب على الدراسة بحيث تقوم امها بنقلها صباحا الى مقعدها في الصف والعودة بها ظهرا الى الغرفة التي تفيض رائحة العفونة منها بسبب البرد والرطوبة.

وتقول زينب وهي تجلس في احدى زوايا الغرفة قبالة جهاز تلفزيون قديم جدا، ارى زميلاتي يتحركن داخل الصف ويخرجن في وقت الاستراحة لكنني ابقى مكاني (...) اتالم كثيرا عندما اشاهدهن يلعبن بينما انا لا استطيع ذلك.

وتضيف الفتاة صاحبة الجسد النحيل المتعب، اشاهد احيانا افلام الرسوم المتحركة الامر الذي يخفف معاناتي اليومية لكنني لا اعرف من سيهتم بي مستقبلا فقد حل التعب بوالدي ووالدتي لاننا جميعا معوقون.

ويقول الأب، معاناتي لقيت تفهما لدى احد المسؤولين الذي اوعز بتخصيص قطعة ارض سكنية لاولادي لكن الامر اصطدم برفض موظفة في بلدية الكرادة (وسط بغداد) ذلك بحجة انني لست مضطهدا سياسيا. ويضيف، قدمت لي محافظة بغداد سند القطعة السكنية الذي ما يزال بدون فائدة.

ويعتمد ابو حيدر على مرتبه الشهري كحارس للمدرسة ويبلغ نحو 150 دولارا من اجل توفير مستلزمات عائلته.

ويتابع، لم اتمكن من شراء كرسي متحرك لإبني البكر لكي يستطيع ان يخرج الى الشارع لمشاهدة الناس والتحدث اليهم.

يشار الى ان المدرسة الواقعة في منطقة قنبر علي تعتبر من اقدم مناطق العاصمة في ناحية الرصافة (شرق دجلة) وتعرف بمنازلها الصغيرة المكتظة في ازقة لا تتجاوز المسافة الفاصلة بين جهاتها المتقابلة اكثر من متر ونصف المتر.

ويعود تاريخ منطقة قنبر علي التي اطلقت عليها هذه التسمية نسبة الى مسجد يحمل الاسم ذاته الى العهد العثماني وتقع بين حي الفضل امتدادا حتى الروضة الكيلانية (مسجد الامام عبد القادر الكيلاني) في وسط بغداد.

لكن عوامل الزمن تراكمت على ابنيتها حتى اصبحت واحدة من افقر مناطق بغداد واكثرها بؤسا. ومن ازقتها المعروفة زقاق الباشا وشارع سلطان حمودة وشوارع تقع بين الكفاح والخلفاء او الجمهورية.

كما تعتمد العائلة على راتب من الرعاية الاجتماعية فضلا عن مساعدة اهل الخير. وكانت اللجنة الطبية الدولية التابعة لوزارة الصحة اوصت بسفر الاولاد الاربعة الى الخارج لتلقي العلاج بعد ان تاكدت من حالتهم الصحية.

ويقول ابو حيدر ان، ما يفاقم معاناتي بقاء قرار اللجنة ارسال اولادي الى الخارج لاجراء عمليات تقويم لعظامهم دون تنفيذ. قمت بمراجعة الوزارة من دون جدوى ولا املك سوى الاستسلام الى رحمة الله وعباده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 16 كانون الاول/2007 - 5/ذو الحجة/1428