زلزال القاعدة في الجزائر: ضربة رمزية لمشروع المصالحة

شبكة النبأ: بعد انحسار نفوذ القاعدة في العراق والهزائم التي تكبدتها يبدو ان القاعدة كتنظيم هلامي غامض اخذ يبحث  عن اماكن جديدة لكنها قديمة حيث تحوي بؤر ارهاب قادر على التجدد في اي وقت مثل افغاستان والجزائر. وتمثل التفجيرات الارهابية الاخيرة للقاعدة في الجزائر تعبيرا عن عمق تواجد هذه البؤر فيها. حيث كانت تهدف الى تحقيق بعد رمزي متماثل مع الموعد التاريخي لاحداث سبتمبر، كما كانت تهدف الى ضرب مشروع المصالحة والسلم في الجزائر.

فقد قال المحامي عامر رخايلة وهو يقف امام واجهة المجلس الدستوري المنهارة بفعل انفجار سيارة مفخخة في العاصمة الجزائرية ان ما حصل "كان اشبه بالزلزال".

والتصقت اشلاء بشرية بالبوابة الالية المقامة عند مدخل موقف سيارات بناية المجلس الدستوري واصيبت البوابة بالتواءات عدة بسبب قوة الانفجار الذي سمع دويه حتى كيلومترات عدة.

وانهارت اسقف المكاتب وتحطم الزجاج المزدوج للنوافذ.

وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة دشن قبل فترة قصيرة مقر المجلس الدستوري الذي هو عبارة عن بناية تقليدية الهندسة.

كذلك اصيب مقر القضاة المقابل له ومقر المجلس الاسلامي الاعلى وعدة فيلات مجاورة باضرار كبيرة فتخلعت الاطر المعدنية للنوافذ واندثرت على الطرق.

وما زال حطام حافلتين جاثما على الطريق بعد ساعات من صدمهما بسيارة مفخخة.

واندفعت السيارة المفخخة المتوجهة الى مدخل المجلس الدستوري باتجاه الحافلتين بقوة قبل ان تنفجر ما ادى الى مقتل العديد من الطلبة في الانفجار.

وقال كمال (20 سنة) صاحب محل تجاري مجاور "رايت رجال الاغاثة يخرجون من المجلس الدستوري حاملين اكياسا تحتوي على اشلاء بشرية". وتسبب الانفجار بحفرة في الارض يبلغ قطرها عدة امتار.

وبعد عشر دقائق انفجرت السيارة المفخخة الثانية امام مقر المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة وبرنامج الامم المتحدة للتنمية المجاور له في حي حيدرة السكني الفخم. وسقط عشرة قتلى بين موظفي الامم المتحدة الجزائريين على ما افاد مصدر دولي.

واسفر الاعتداء بسيارة مفخخة كان يقودها انتحاري استهدف البناية هذه التي تقع في حي ثري يخضع لتدابير امنية مشددة على مرتفعات العاصمة الجزائرية عن سقوط اكثر من 15 قتيلا وعشرات الجرحى.

واعلن احد اعوان الحماية المدنية في مقر المفوضية الدولية حيث ينشط العشرات من رجال الانقاذ لانتشال الجرحى العالقين تحت الانقاض "ما زال العديد من الاجانب تحت الانقاض". 

وروى شاهد جريح اصيب في وجهه وراسه ينزف دما "كنت افتح الاذاعة لمعرفة ما حصل في بن عكنون (الاول) عندما هزني انفجار هائل".

وجاء الاعتداءان اللذان لم تتبناهما اي جهة حتى الان بعد هدوء ساد البلاد شهرين. واسفرا عن سقوط ما لا يقل عن 62 قتيلا وعشرات الجرحى حسب حصيلة موقتة افادتها مصادر استشفائية.

وقال كمال لمراسل وكالة فرانس برس ان "الارهابيين جعلوا من الحادي عشر موعدا رمزيا من الان فصاعدا لن اخرج من منزلي في الحادي عشر من كل شهر". وهو يشير بذلك الى اعتداءات الحادي عشر من ابريل/نيسان ضد قصر الحكومة ومركزي شرطة في ضاحية العاصمة واعتداء الحادي عشر من حزيران/يونيو على ثكنة الاخضرية شرق العاصمة.

وتسري شائعات في العاصمة منذ اشهر تفيد ان المتطرفين الاسلاميين الجزائريين يريدون تنفيذ اعتداء مثير في 11 من كل شهر احتفالا باعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.

قاعدة اسلامية واحدة في المغرب العربي

يسعى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الذي تبنى اعتداءي الثلاثاء في الجزائر العاصمة لتوحيد المجموعات الاسلامية المسلحة في تونس والجزائر والمغرب وفي منطقة الساحل.

واستهدف الاعتداءان المتزامنان بالسيارة المفخخة مقري المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة وبرنامج الامم المتحدة الانمائي في حي حيدرة ومقر المحكمة الدستورية في بن عكنون واسفرا عن سقوط ثلاثين قتيلا بحسب حصيلة رسمية وما لا يقل عن 72 قتيلا وعشرات الجرحى بحسب مصادر طبية.

وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي يقوده عبد الملك دروغدال الملقب ابو مصعب عبد الودود الذي يرى في الاردني ابو مصعب الزرقاوي الذي قتله الجيش الاميركي في العراق مثلا اعلى.

وتحت تاثير تنظيم القاعدة بدأت عمليات انتحارية تنفذ في الجزائر في حين ان المجموعات المسلحة لم تلجأ الى هذا النوع من الاعتداءات من قبل.

وتبنى تنظيم القاعدة على التوالي العمليتين الانتحاريتين على قصر الحكومة بوسط العاصمة ومركز للشرطة في ضاحيتها الشرقية (11 نيسان/ابريل 30 قتيلا).

كما اعلن مسؤوليته عن الاعتداء في 11 ايلول/سبتمبر على ثكنة عسكرية في الاخضرية (شرق عشرة قتلى) والعمليتين الانتحاريتين على موكب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في باتنة (شرق 6 ايلول/سبتمبر 22 قتيلا) وعلى ثكنة لخفر السواحل في دليس (شرق 8 ايلول/سبتمبر 30 قتيلا).

ويرى خبراء جزائريون في مكافحة الارهاب ان تنظيم القاعدة بدل طريقة عمله فشكل وحدات من الانتحاريين جند افرادها بين شبان الاحياء الفقيرة في المدن الكبرى حيث ما زال الاسلاميون ناشطين.

وفاجأ هذا التبدل السلطات الجزائرية التي يصعب عليها ايجاد وسيلة فاعلة للتصدي للعمليات وهذا ما اكده زرهوني الثلاثاء اذ دعا السكان الى التيقظ.

والجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية كانت فصيلا منشقا عن الجماعة الاسلامية المسلحة واحدة اعنف مجموعات الحركة المسلحة الاسلامية الجزائرية.

وحرص عبد الملك دروغدال على التخلص من "الامراء" الذين ارادوا تسليم السلاح للافادة من "العفو" الذي اعلنه الرئيس بوتفليقة في اطار سياسة المصالحة الوطنية المطبقة منذ شباط/فبراير 2006 فعمل على تصفيتهم تدريجيا سواء سياسا او جسديا.

وقد انضم خصم دروغدال مؤسس الجماعة السلفية حسان حطاب اخيرا الى هذه السياسية مسلما نفسه للسلطات.

القاعدة تحتفظ بقدرة عملانية كاملة في الجزائر

ورأى خبراء في الارهاب ردا على اسئلة وكالة فرانس برس ان الاعتداءين اللذين نفذا في الجزائر العاصمة الثلاثاء يؤكدان ان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي يحتفظ بقدرة عملانية كاملة في الجزائر.

وقال اريك دينيسيه مدير مركز الابحاث الفرنسي حول الاستخبارات "وردت مؤشرات منذ ثلاثة او اربعة اسابيع تنذر باحتمال وقوع اعتداءات في الجزائر".

وشدد مصدر مقرب من اجهزة مكافحة الارهاب الفرنسية طالبا عدم كشف اسمه على نقاط التشابه بين هذين الاعتداءين واعتدائي 11 نيسان/ابريل اللذين استهدفا قصر الحكومة ومركزا للشرطة في ضاحية العاصمة واسفرا عن سقوط ثلاثين قتيلا. واشار خصوصا الى التاريخ (الحادي عشر من الشهر في اشارة الى اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001) والتوقيت (منتصف قبل الظهر) والوسيلة (سيارات مفخخة). وكان تنظيم القاعدة تبنى اعتداءات 11 نيسان/ابريل.

وبعدما كان التنظيم يستهدف رموز الدولة الجزائرية احيانا (مراكز شرطة وثكنات ومبان حكومية) واجانب احيانا اخرى (اصابة فرنسيين اثنين وايطالي في 21 ايلول/سبتمبر في شرق العاصمة) اشار المصدر القريب من اجهزة مكافحة الارهاب الفرنسية الى ان الاعتداءين الاخيرين كانا موجهين ضد الهدفين معا. وتابع المصدر ان التنظيم "احتفظ بقدراته العملانية كاملة بالرغم من النكسات الكبرى التي اصيب بها اخيرا".

وخسر التنظيم في تشرين الاول/اكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر عددا من مخططيه الاستراتيجيين من دعاة تصعيد العمليات الارهابية في المدن واستخدام الانتحاريين على نطاق واسع.

وعبر اريك دينيسيه عن الرأي ذاته معتبرا ان اعتداءي الثلاثاء "يؤكدان استراتيجية (التنظيم) الجديدة القائمة على تنفيذ الاعتداءات في المدن بعد الخسائر الفادحة التي مني بها في الغابات معقله التقليدي".

وقال لوي كابريولي المسؤول السابق لشؤون مكافحة الارهاب في اجهزة مكافحة التجسس الفرنسية ان هذه الاعتداءات تشكل "ردا على العمليات التي نفذها الجيش الجزائري بنجاح لتطويق الغابات" التي ينشط فيها التنظيم.

واوضح ان "الوضع في هذه الغابات يزداد صعوبة بسبب مشكلات لوجستية مثل نقل الاسلحة والذخائر والمؤن وتامين وسائل النقل".

وختم كابريولي ان "القاعدة تثبت بهذه الطريقة عزمها المتواصل على تحدي الدولة الجزائرية في قلب عاصمتها خصوصا وان تدبير الاعتداءات بالسيارة المفخخة اقل تعقيد من تدبير عمليات ضخمة ضد الجيش الجزائري انطلاقا من الغابات".

واعلنت صحيفة الوطن الجزائرية نقلا عن مصادر طبية سقوط 72 قتيلا على الاقل في الاعتداءين فيما اشارت آخر حصيلة رسمية الى مقتل 26 شخصا.

صعوبة في مواجهة استراتيجية التفجيرات الانتحارية

وتجد الحكومة الجزائرية صعوبة في مواجهة استراتيجية التفجيرات الانتحارية التي تعتمدها القاعدة من دون ان تعيد النظر بالمصالحة الوطنية وذلك غداة تفجيري العاصمة الداميين.

وعزا وزير الداخلية يزيد زرهوني في تصريح اذاعي الاربعاء تفجيري الثلاثاء الى "انخفاض التأهب الذي استفادت منه المجموعات المسلحة" معتبرا ان "زرع قنبلة هو العمل الارهابي الاسهل تنفيذا والاصعب مواجهة".

وعلى الرغم من تعزيز حواجز الشرطة والدرك وزيادة عدد المخبرين في الاحياء ذات الحضور الاسلامي فان السلطات لم تنجح في منع الانتحاريين من التسلل الى المدن الكبرى.

ومنذ الحادي عشر من نيسان/ابريل نجحت هذه المجموعات الاسلامية المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي (الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية سابقا) والتي اعتمدت مؤخرا استراتيجية الهجمات الانتحارية في تنفيذ هجمات ضخمة اهمها استهداف القصر الحكومي في العاصمة وثكنتي الاخضرية ودلس (الساحل الشرقي) والموكب الرئاسي في باتنة (شرق).

ولم تزعزع هذه العمليات قناعة السلطات لجهة اعتبار هذه الاعتداءات "خبطات اعلامية" بشكل رئيسي لا تهدد سياسة المصالحة الوطنية التي اقرها الرئيس عبد العزيز بو تفليقة.

وكان الرئيس الجزائري قال غداة اعتداء باتنة ان "هذه السياسة لا رجوع عنها". وعاد رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم اثر التفجيرين الثلاثاء ليؤكد على هذا التوجه.

ومن جهتها اعتبرت صحيفة المجاهد ان "لا شيء سيحول الجزائر عن مسار السلام".

واكدت الصحيفة ان الاعتداءات الاخيرة لا تؤشر الى ان المجموعات المسلحة "استعادت قوتها" مؤكدة ان هذه المجموعات خسرت عددا من قادتها خلال الاسابيع الماضية في مواجهات مع الجيش.

ويرفض الاسلاميون المسلحون المشاركة في سياسة المصالحة الوطنية التي يعتبرونها "فخا" نصبته لهم السلطات لمنع قيام "الدولة الاسلامية" التي تمثل هدفهم النهائي.

ويشكك في جدوى هذه السياسة ايضا غلاة معارضي الاسلاميين الذين يعتبرونها "تسوية مع الارهاب الظلامي" سوف تنقلب على الديموقراطيين.

ودانت جميع الاحزاب السياسية الجزائرية هذين الاعتداءين بشدة.

ووصفها حزب العمال (يساري) ب"الدنئية" في حين اعتبرها التجمع الوطني الديموقراطي (اكثرية) وجبهة التحرير الوطني (اكثرية) "مجرمة صنيعة مرتزقة اعداء للامة".

واعاد بلخادم في تصريح تلفزيوني مساء الثلاثاء التذكير بان "سياسة اليد الممدودة" لا تزال سارية مع الاسلاميين الذين يوافقون على تسليم انفسهم مقابل حصولهم على العفو مشددا في الوقت عينه على ان قوى الامن "ستضرب بقوة اكبر" الاسلاميين الرافضين اللحاق بركب قطار المصالحة الوطنية.

وكتب رئيس تحرير صحيفة "ليبرتيه" منير بوجمعة "انتهى اوان اليد الحديدية التي تلبس كفا مخمليا". وهذه الدعوة الى التشدد في مواجهة الاسلاميين اجمعت عليها كل الصحف الجزائرية الصادرة الاربعاء.

من ناحيته اعلن وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي الاربعاء في تصريح ادلى به لاذاعة "اوروبا 1" الاربعاء ان تصاعد وتيرة العنف في الجزائر لا يهدد بالعودة الى "الحرب الاهلية".

واضاف ان الوضع اليوم هو ان "الشعب الجزائري موحد بالكامل ضد الارهاب".

واشار الى انه "لا يمكن ان تكون هذه حرب اهلية" منددا ب"المتلاعبين الذين يستخدمون في آن معا الافكار الخاطئة والمخدرات ايضا" لتجنيد الانتحاريين.

من جهته دعا علي بلحاج احد مؤسسي الجبهة الاسلامية للانقاذ الى "حل سياسي" للازمة الراهنة.

واضاف هذا القيادي المعارض انه "يجب الجلوس الى الطاولة وبحث مطالب الحركات الاسلامية. لن يكون هناك سلام من دون حل سياسي. القمع لن يؤدي الا الى تعقيد الامور.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15 كانون الاول/2007 - 4/ذو الحجة/1428