أي الأطراف تحكم في العراق؟

عباس النوري

 لقد اختلطت الأمور على البعض، والبعض الآخر خلط الأوراق بسبب جهل أو لحقد دفين.

عندما يتحدث البعض عن أن السلطة بيد الشيعة، أو بالأحرى المسمى بالإسلام السياسي كمصطلح جديد، حقٌ يراد به باطل، فهم أما لا يعلمون الحقيقة أو يتجاهلونها … وعليهم مراجعة دقيقة لكي لا يصيبوا قوما بجهالة فيصبحوا على ما فعلوا نادمين. 

بعد التغيير، وبعد سقوط الصنم أستبدل كناية الجيش المحرر للشعب العراقي من الدكتاتورية وظلمها لقوات محتلة بقانون دولي. ولذلك ثم قوانين دولية تحمل المحتل مسؤوليات كثيرة من أهمها حماية شعب البلد المحتل وضمان أبسط مستلزمات الحياة. لكن المحتل أخفق كثيراً، وأستبدل الاسم لكنية مستحدثة القوات المتعددة الجنسيات، والأسباب وإن كانت تعود لتخطيط أزلام النظام البائد وتحقيق مقولة قائد الضرورة لا يترك العراق إلا خراباً… وأسباب أخرى تداخلت أيضاً منها تخوف البلدان الإقليمية من تصدير التجربة العراقية كما تخوفوا بالأمس من تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية.

 والقاعدة وجدت العراق ساحة مناسبة لمحاربة الأمريكان بعد خسارتها الفادحة في أفغانستان. والأفكار التي تؤيد نظرية المؤامرة – وأعقبتها مقولة وزيرة الخارجية الأمريكية بتعميم فكرة الفوضى الخلاقة. والحديث حول الاستراتيجية الأمريكية لشرق أوسط جديد عبوراً من على  جسر النجاح في العراق ليكون طريقاًً نحو تحقيق المراحل الأولية لتلك الستراتيجية.

والوضع السياسي العراقي الذي جعل من عامل انعدام الثقة بين جميع الأطراف التي رأت بأن الوقت ملائم للكسب السياسي وملء الفراغ الهائل بعد حل جميع القوى الأمنية. وسذاجة برا يمر في اعتماده على خبراء مجمل أفكارهم نظرية بعيدة عن واقع الإنسان العراقي. مع أنه من الممكن القول بأن برا يمر معذوراً لحدٍ ما، لأنه لم يصادف سياسيين قادة بمعنى الكلمة لكي يتقبل أفكارهم، بل وجد أكثرهم يعانوا من نقص في الشخصية الوطنية الحقيقية…والذي توضح له عن قرب أن أكثر هؤلاء يتبعون أجنده غير عراقية.

وهناك عراقيل أخرى كثيرة، وأهمها المحاصصة الطائفية التي ثبتها برا يمر ومن وقف معه، وكل ما جرى على الشعب العراقي من قتل وتهجير وسلب ونهب للثروات…كانت نتيجة ما تقدم ولم يكن هناك طرف واحد فقط الذي يتحمل جميع التبعات.

بعد أن خرج العراقيون متحدين كل المخاطر ليعلنوا للعالم أجمع أنهم شعب يريد السلام ويحترم القانون لذلك شارك في التصويت لمرات عديدة متحدياً الموت…فقدم للعالم دستوراً من أفضل الدساتير بكل ما فيه من بنود وفقرات…شمل الجميع ويريد ضمان الحقوق المدنية الطبيعية والمكتسبة. لكن مازال الدستور بحاجة لترتيب وإضافة بعض الفقرات وتحوير أخريات. المهم أفرز السلطات الثلاثة، وحدد الصلاحيات، وجعل سلطة القضاء مستقلة عن تدخل السلطات الثلاثة. وهنا الموضوع الذي أود الإشارة إليه:-

المجتمعات العراقية لها خصوصيات تختلف أحياناً كثيرة عن بعضها ومستوى التقارب بينها قليل، لكن يجمعهم وطن واحد أسمه العراق رسمت خارطته من قبل الاستعمار البريطاني دون تستشار تلك المجتمعات في تحديد حدودها قبولهم له أو رفضهم. فضم العرب بأنواعهم والكرد في دولة أسمها العراق. وقد يتجاهل البعض بأن حتى العرب لهم انتماءات متنوعة فمنهم القريبين للجزيرة العربية ومنهم القريبين لدولة فارس وآخرين قريبين لبلاد الشام وتركيا. وكل مجموعة متأثرة أصلاً بتلك المجتمعات وتلك التأثيرات والمؤثرات تشكل نواة ثقافتهم وأعرافهم وعاداتهم وطرق تصرفاتهم.

أمريكا كانت تواجه مشكلة كبيرة قبل التغيير وبعده مباشرةً حين وظفت حاكماً مدنياً لإدارة البلد المهجور والمدمر أصلاً ودمر أكثر بعد الهجوم العسكري الأمريكي. الإنسان العراقي دمر ذاته وسلبت شخصيته عبر فترات زمنية، وجرد من أكثر القيم خلال فترة حكم الطاغية…فالعراك كان بين من يثق بهم أمريكا لكي يستلموا الحكم، والمحادثات الجانبية بين كل طرف والأمريكان أوجد هاجس أن القيادات العراقية الجديدة لا تطالب إلا لغاياتها الخاصة دون شعور.

اعتماد الأمريكان خلال الخميون عاماً الماضية على الفكر الإسلامي التابع للمذهب السني أوصلهم لنتيجة خلق القاعدة ومنظمات إرهابية أخرى وفكر تفكيري جعلهم يتخوفون من ما قيل عن صراع الحضارات أمراً لابد منه…وكأن المواجهة سوف تكون بين الفكر الليبرالي الديمقراطي الغربي والفكر الإسلامي الذي هم ساندوه وأقاموا حضارته الحديثة. مع أن جميع جهود الدول العربية وبعض الدول الإسلامية صبت في اتجاه واحد محدد هو أن الثورة الإسلامية الإيرانية ستٌصدر ثورتها لدول كثيرة وهي التي تجابه الصراع الغربي الإسلامي… أو تهيأ له الأجواء…لكن قائمة الدول التي تدعم الإرهاب التي وضعتها الإدارة  الأمريكية لم تخلوا من دول خارج المحور الإسلامي الإيراني أو أن صح القول ( الإسلامي الشيعي).  لذلك توخوا من الأحزاب الإسلامية الشيعية في العراق الجديد خير عوناً على الأقل لتقويض فكرة صراع إسلامي شيعي مقابل الديمقراطية الليبرالية الغربية.

الحديث القائم اليوم بين بعض الأوساط عن حكم الإسلام السياسي في العراق، الغرض والمعنى والقصد توجيه ضربه للأحزاب الإسلامية الشيعية…وما السبب من وراء ذلك؟ فيمكن مراجعة ما ذكر آنفاً ولو أنني لم أكون موفقاً للتفصيل جميع الجزئيات…لكنني ذكرت أن هناك ثم أسباب تاريخية وثقافية وتخوف وانعدام الثقة. لكن الخطأ الفادح حين توجيه الانتقادات اللاذعة للأحزاب الإسلامية الشيعية على أساس أنها تدير دف الحكم في العراق هو غير صحيح ولا له من الواقع شيء. حيث يحملون تلك الأحزاب ثقل ومسؤولية هي غير موجدة في واقع الحال، وعند النظر في تشكيلة مجلس الحكم، والجمعية العراقية المؤقتة، والحكومة الانتقالية والحكومة المؤقتة وأخيرا الحكومة المنتخبة…فليس هناك غير حقيقة واضحة أن كل الطيف العراقي ممثل. وأن الرئاسات الثلاثة متكونة أيضا من العرب السنة والشيعة و الكرد وتمثيل الأديان والطوائف الأخرى. وآخر ما توصلت إليه العقول العراقية الفذة المجلس السياسي الأعلى. حيث ثبتت قواعد المحاصصة لما لا نهاية له، هذه الجرثومة التي سوف تجلب الويلات تلو الويلات على الشعب العراقي.

المفروض من الناقدين أن يكونوا منصفين بعض الشيء، وأن يتحدثوا بقرب الحقيقة وليس تلوين الحقائق وتلويثها لغاية معينة أو عن عدم إدراك ونتيجة جهل مقصود.

العراقي يريد أن يعيش بسلام…بالأمس كان يتمنى بأن يأتي الشيطان ويخلصه من حكم مستبد كان سبباً في حروب داخلية وخارجية والتي أدت لزهق ملايين من الأبرياء وهدر ثروات كبيرة يصعب تعويضها…وخسرتها أجيال لم تلد بعد. واليوم وبعد أكثر من أربعة أعوام من القتل والتهجير والسلب والنهب وكثرة الفساد، لم يرى بصيص نور ينظر إليه…لم تحقق له أبسط أمنياته، بل وفقد أكثر ضروريات الحياة ما هو السبب ومن يقف وراء كل تلك المآسي… نعم مازال أعوان وأيتام النظام البائد يعبثون في أرض العراق فساداً، لكن هناك سياسة طفيلية وأشباه رجال يتسابقون من أجل مصالحهم…وهناك من يتحول لصف العدو الحقيقي للشعب العراق من دون أن يدري أو عن كره وحقد دفين لا يفصح عنه.

هل ننتقد من أجل البناء وهو نتاج حرصنا على العراق وشعبه، أم أننا ننتقد لكي نهدم أو لنقف حجرة عثرة في طريق العملية السياسية. ولكي لا نقف في صف العدو الحقيقي علينا أولاً التعرف على العدو ما هو من هو ماذا يريد أي لغة إعلامية يستخدم كيف يوجه سمومه… من أين ينطلق وإلى من يوجه ضربته.

الحكومة مؤلفة من وزراء عينوا من قبل كتل وأحزاب فازت في الانتخابات، لكن رئيس الوزراء من حزب إسلامي شيعي (حزب الدعوة الإسلامي) مع أن هذا العنوان فيه خلافات ولديه انشقاقات. الحكومة سلطة تنفيذية…وهذا يعني أن ما يقره البرلمان تنفذه الحكومة…ولا يمكن للحكومة أن تنفذ أمراً ما لم يصادق عليه ويتفق عليه الرئاسات الثلاثة…شرط أن لا يخالف الدستور… أليست هذه الآلية الصحيحة والمنصوص عليها في الدستور. فلماذا هذه السموم التي توجه لجهة معينة وشخص معين. وبما أن العراق تحت وصايا المحتل الأمريكي فمن غير المعقول أن يصادق على أمرٍ مهم ليس فيه مصلحة أمريكية أو على الأقل بشرط أن لا تتضارب والمصالح الأمريكية وإستراتيجيتها في المنطقة.

والسؤال الملح الذي يفرض نفسه…هل من قادة العراق السياسيين وأصحاب العقول والحل والربط…مستعدين للتضحية بعلاقة حميمة مع أقوى دولة في العالم بل القطب الأوحد…لكن السؤال المقابل هل العراقي مستعد للتضحية باستقلاله لكي يحصل على مزايا فريدة من نوعها في المنطقة…قد يحلم بها الآخرون  أو لا يروه في أحلامهم…أو نظراً لما توصلت إليه الدول الخليجية حين آثرت رفاهيتها على معتقداتها…وتاريخها وثقافتها وما تحمله من آثار على سلامتها وسلامة شعوبها وتطورها المنقطع النظير… أيهما يريد العراقي.

أتصور العدو الحقيقي والأخطر هو الجهل…والجهل المتعمد وليس الجهل بالأمور الحتمية. اللاوعي والتراوح في ذات المكان يؤدي لخلق مشاكل ولا يوجد حلول، لكن التراجع للعهود العصور المظلمة يؤدي لكوارث…فيجب أن يكون هناك خيار واضح وليس التلاعب بالعواطف والمشاعر وشراء الذمم وبيع الشعب لمن يشتريه. القائد العراقي القوي والذكي والشجاع هو ذلك الذي يواجه الشعب بكل الحقائق ويضع الخيارات له…أما أتباع سياسة الترويض وسحب الرأي العام لشبهات الحقائق وتربية جيل مطيع لأحزاب فقدت مصداقيتها حين تحولت من أحزاب معارضة لأحزاب حاكمة…هذا لا يجدي نفعاً ولا دفعاً لعجلة العملية السياسية.

كل الأطراف التي تحكم عليها نزع الثوب المزيف، واستبداله بالثوب الأبيض الناصع الذي إذا مسه لون ظهر وإن دخل صاحبه مستنقع تلوث فَكَرَهَ ثُوَبهُ ونفسه. على جميع الأطراف اتخاذ موقف تاريخي معين…أما أن يكونوا وطنيون وليس كما يزعمون…ويحددوا المسار…وسيغفر لهم الشعب كل ما سلف…وإما يتلونون بألوان زائفة زائلة لا محال وسيلعنهم الشعب والتاريخ بعد فضحهم.

 لنا خيارٌ من أمرين أما العداء الكامل والواضح لأمريكا وقتاله قتال ضروس…أما الموت وأما النصر…مع أن المعادلة العسكرية غير متكافئة وتقول الموت حتماً لكن الكرامة تحفظ…فلرب فئة قليلة غلبت فئة كبيرة …وأما التعامل مع أمريكا على أساس الحليف الاستراتيجي الأكبر…وتحويل المقولة من شيطان أكبر إلى صديق أكبر.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15 كانون الاول/2007 - 4/ذو الحجة/1428