
شبكة النبأ: يلاحظ المتابع للشأن
الداخلي الأمريكي اشتداد حدة المنافسة بين المتنافسين الديمقراطيين
والجمهوريين على حد سواء لنيل ترشيح حزبهما لخوض الانتخابات الرئاسية
القادمة المقررة في نوفمبر من العام القادم (2008). نظرًا لتعدد
القضايا الداخلية والخارجية التي بدأت تسيطر على الحملات الانتخابية
للمتنافسين، وذلك في الوقت الذي أخفقت فيه الإدارة الحالية في العديد
من الملفات ولاسيما الملف العراقي وبالخصوص جانب الأزمة الانسانية
المروعة المتمثلة بنزوح ملايين العراقيين لدول الجوار او الى مناطق
اكثر امنا داخل العراق وبقائهم دون اية مصادر عيش او خدمات او سكن.
وفي ضوء اهمية هذه الأزمة ، ومع قرب موعد الانتخابات واشتداد
المنافسة بدأت مراكز الأبحاث في طرح بدائل وحلول للخروج من الموقف
المتأزم الذي تمر به السياسة الأمريكية حالياً على كافة الأصعدة.
مركز الدراسات الإستراتجية والدولية
وتحديات أمريكا لعام 2008
في هذا الإطار، أصدر مركز الدراسات الإستراتجية والدولية (Center
for Strategic and International Studies (CSIS) تقريره المعنون بـ
"التوقع العالمي لتحديات الأمن العليا لعام 2008" " Global Forecast
the top security challenges of 2008 "، الذي ضم العديد من المقالات؛
التي هدفت لبحث التحديات الاقتصادية والعسكرية والسياسية. التي تواجه
الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة، والتي بدأت تحتل أولويات
المنافسة الانتخابية حاليا، فبعضها ذو بعد قومي أمريكي، في حين يرتبط
عدد أخر منها بالعديد من التطورات العالمية. بحسب تقرير لموقع تقرير
واشنطن.
ونختار من هذا التقرير مقالة كتبها "جون ألترمان" " Jon B. Alterman"
ـ مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ـ
المعنونة بـ " الآثار المترتبة على أزمة اللاجئين العراقيين"
"Implications of the Iraqi Refugee Crisis".
معضلة اللاجئين العراقيين
تهدد اللامبالاة التي تتعامل بها واشنطن مع الأزمة الإنسانية
الناجمة عن الحرب الأمريكية في العراق بتقويض الأمن والسلم في منطقة
الشرق الأوسط لسنوات بل لعقود قادمة، فقد نزح ما يقرب من أربعة ملايين
عراقي عن ديارهم، والذي يعد الأكبر من نوعه منذ عام 1948 على خلفية
نزوح الفلسطينيين عن ديارهم غداة قيام إسرائيل بالعديد من الممارسات
المسلحة ضدهم، بل وفي العالم بأسره طيلة الستين عاما المنصرمة.
وتداعيات تلك الأزمة ستلقي بظلالها على المجتمع الدولي لفترة طويلة.
وهو ما أكدت عليه "إليزابيث فيريث" "Elizabeth Ferris" ـ باحثة بارزة
ومديرة مشروع النازحين الداخليين في معهد ''بروكينجز'' ""The Brookings
Institution ـ في مقالتها المعنونة بـ "اللاجئين العراقيين مشكلتنا أم
مشكلة السويد" " "Iraqi Refugees: Our Problem or Sweden's?" في
"واشنطن بوست" "Washington Post ".
ينطلق "ألترمان" في مقالته من أن ملايين اللاجئين العراقيين
النازحين إلى دول الجوار يمثلون تهديدا أمنيا كامنا بمنطقة الشرق
الأوسط، على عكس ما كانت تتوقع الإدارة الأمريكية الحالية قبيل حربها
في العراق، من أن تدفق اللاجئين العراقيين سيكون هائل ومفاجئ وخلال
فترة زمنية قصيرة، وذلك استنادا إلى خبرة هجرة الملايين من الأكراد إلى
تركيا وإيران عام 1991؛ لتفادي غضب الدكتاتور السابق "صدام حسين".
ولكن مشكلة اللاجئين العراقيين حاليا (بعد الحرب الأمريكية في
العراق)، تختلف عن سابقتها، فاللاجئين العراقيين يتدفقون ببطء وليس
بصورة مفاجئة مثلما حدث في عام 1991، ويعشون في العواصم العربية كدمشق
وعمان وليس في مخيمات ومعسكرات مفتوحة. وليسوا فلاحين أو عمال يعيشون
على مصادر ودخول منخفضة، بل أنهم عمال من أصحاب الياقات البيضاء،
ويتمتعون بدرجة عالية من التعليم والتدريب، ولكن لم تتوفر لهم فرص
العمل المناسب بالعراق. هذا، ويرفض غالبية اللاجئين العراقيين العودة
إلى وطنهم، الذي لا يثير حفيظة الكاتب. ويمكن إرجاع هذا الرفض إلى
الأوضاع الأمنية المتدهورة في العراق، فحسب الكاتب العراق اليوم لا
مكان فيه لطبيب أو أستاذي جامعي.
ومن الملاحظ أن الهجرة من العراق اليوم أضحت على أسس طائفية، فنصف
المهاجرين العراقيين من السنة العرب، الذي يمثلون اقل من خُمس
العراقيين، والذين كانوا العمود الفقري لحكم الدكتاتور صدام.
وفي الخارج يواجه اللاجئين العراقيين العديد من التحديات حيث نسبة
قليلة منهم مسموح لهم بالعمل في مناطق نزوحهم، بالإضافة إلى صعوبة ذهاب
أطفالهم إلى المدارس. وفي الكثير من الأحيان غياب العناية والخدمات
الصحية، وإذا توافرت فإنها تكون بأسعار مرتفعة.
اللاجئين العراقيين بسوريا
نزح إلى سوريا ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ عراقي والذي يمثل ما يقرب
من 8% من سكان سوريا، وأغلبهم يرتكزون في دمشق والمناطق الحضرية
المحيطة بها. ورغم نزوح هذا العدد الكبير من العراقيين إلى سوريا إلا
أنهم يبقون على أعمالهم التجارية في بغداد في حين يعشون بأمان بدمشق؛
وذلك لتدهور الوضع الاقتصادي السوري لغياب المعونات الخارجية ولقلة
الاحتياطي من الموارد النفطية التي هي في طريقها إلى النضوب، بالإضافة
إلى غياب الاستثمارات الأجنبية نظرا لتجمد وتصلب البيروقراطية الحكومية
التي لا تتطور.
وتدعم هذا التحليل "فيريث" "Elizabeth Ferris" في مقالتها السابق
الإشارة إليها حيث تري أن العراقيون يفضلون النزوح إلى سوريا؛ لأن هذه
الأخيرة تفتح لهم أبوابها خلافاً للدول المجاورة الأخرى، التي فرضت
قيوداً شديدة على إجراءات منح التأشيرات، أو أنها تُسيِّر دوريات
للمراقبة بالقرب من الحدود. وبالإضافة إلى ذلك هناك أيضاً عوامل
اقتصادية وثقافية، فضلاً عن الروابط العائلية التي تدفع العراقيين إلى
التوجه بأعداد كبيرة إلى سوريا تحديداً.
هذا وقد تحف رحلات اللاجئين العراقيين لسوريا مخاطر جمة، حسب
"فيريث"، حيث أشارت أنهم قد يضطرون لمواجهة جماعات إجرامية في طريقهم
إلى سوريا. وتشير إلى دراسة أعدها "معهد بروكبنجز" حول وضعية اللاجئين
العراقيين التي توصلت إلى أن العراقيين الذين يتوجهون إلى سوريا هم أقل
فقراً من اللاجئين في مناطق أخرى من العالم، بحيث يعتمدون على مدخراتهم
وما يملكونه من مقتنيات لتدبير أمورهم. لذا فإنهم بدلاً من البقاء في
المخيمات يؤجرون شققاً في سوريا، وهو الذي أدي إلى ارتفاع سعر العقارات
في سوريا خلال فترات النزوح العراقي، وإن كانت ظروفهم تبقى صعبة
إجمالاً.
لكن مع نفاد مدخراتهم وإنفاقهم لما جلبوه معهم من مال فإن وضعهم قد
يصبح بالغ الهشاشة، لاسيما في ظل عجز سوريا عن تحمل الأعباء المالية
الثقيلة.
والجماعات اليائسة والمهشمة (التي لا تستطيع على العيش في ظل تلك
الظروف)، حسب "ألترمان"، تكون أكثر توجها إلى ممارسة أعمال غير قانونية
كالبغاء وارتكاب العديد من الجرائم الأخرى؛ ولذا بدأت السلطات السورية
تعبر عن رغبتها في إيقاف الهجرة العراقية إليها، والدفع بهؤلاء مرة
ثانية إلى العراق، ولكن هذا سيستدعي، حسب الكاتب، تغيير في
الأيديولوجية القومية الحاكمة في سوريا حاليا، التي تفترض دخول
اللاجئين إلى الأراضي السورية بدون جوازات سفر باعتبارهم جزء من الأمة
العربية.
اللاجئين العراقيين بالأردن
مشكلة اللاجئين العراقيين بالأردن تعد أكثر ترويعا منها في سوريا،
حيث هناك ما يقرب من 750 ألف عراقي كاللاجئين في الأردن، والذي تمثل
10% من عدد سكان الأردن. وبالإضافة إليهم هناك 60% من السكان من أصل
فلسطيني، وبالتالي يصبح الهاشميين الذين يحكمون حاليا أقلية صغيرة في
بلدهم. ويذكر أن الأردن كانت أكثر تجانسا من سوريا ولكن تدفق مئات
الآلاف من الشيعة العرب إلى الأردن قوض من فرص التجانس. حيث الأردنيين
ينظرون بعين الريبة للاجئين الشيعة.
المشكلة في الأردن لا تتعلق بإدارة تدفق العراقيين إليها فقط ولكن
يضاف إليها المشاكل على حدودها الغربية. وعدم الاستقرار في الأراضي
الفلسطينية انتقل إلى أغلبية الجالية الفلسطينية بالأردن. وبذلك أصبحت
الأردن أمام عدد من التحديات الأمنية على حدودها الشرقية والغربية.
اللاجئين العراقيين بدول أخرى
وهناك عدد من الدول التي تضم هي الأخرى عدداً من اللاجئين
العراقيين، فمصر تضم ما يقرب من 100 ألف لاجئ عراقي، وإن كان بصورة غير
مباشرة. ولكن عدد اللاجئين العراقيين بمصر ليس له التأثير قوي مقارنة
بعدد سكانها الذي تقدره المقالة بما يقرب من 80 مليون نسمة على عكس
الدول الأخرى التي تضم نسبة عالية من اللاجئين العراقيين. وتطرقت
المقالة إلى صعوبة اندماج واستيعاب اللاجئين العراقيين بلبنان لكون ذلك
سيكون له كبير الأثر على التوازن الطائفي الهش هناك.
هذا، وتضم دولا أخرى نسب قليلة من اللاجئين العراقيين، فعلى سبيل
المثال تضم الولايات المتحدة التي تستقبل سنويا ما يقرب من 70 ألف
لاجئ، نسبة قليلة من اللاجئين العراقيين وذلك للاعتبارات الأمنية التي
أصبحت في المقدمة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
صعوبة الاستيعاب
ولكن المشكلة من وجه نظر الكاتب تكمن في عدم الاعتراف بحجم تلك
المشكلة على المدى الطويل، حيث أن مشكلة اللاجئين العراقيين ليست
إنسانية فقط، ولكنها ذات أبعاد استراتيجيه فمئات الآلاف من اللاجئين
العراقيين غير مستوعبين في مجتمعاتهم الجديدة (المناطق التي نزحوا
إليها)، كما أن نسبة كبير منهم تُظهر عدم رضائها عن أوضاعها المعيشية
والسياسية والاقتصادية؛ وهو ما يدفعهم إلى القيام بأعمال تهدد
الاستقرار والأمن في مجتمعاتهم الجديدة. فضلا عن, أنهم في الكثير من
الأحيان قد يكونوا وقود الجماعات والتنظيمات الإرهابية لتنفيذ علمياتها
الإرهابية في المجتمعات التي هاجروا (نزحوا) إليها. واستيعاب هؤلاء
اللاجئين له العديد من التحديات. ولاسيما في الدول التي تفتقد إلى
الموارد وتلك التي يستشري فيها الفساد والمحسوبية.
الحاجة إلى التعاون الدولي
ويختتم الكاتب تحليله بأن المال والوقت ليسا كافيين لحل لتلك
المشكلة, إذ أنها مشكلة معقدة ومتشابك تحتاج إلى العمل متعدد الأطراف
بعيدا عن النهج الأمريكي ذو رغبة في العمل المنفرد بعيدا عن المنظمات
الدولية.
وفي هذا الصدد، تري "فيريث" أن المناقشات الدائرة حالياً في واشنطن
حول بلورة إستراتيجية لخروج القوات الأميركية من العراق تستثني الإشارة
إلى المسؤولية الأميركية تجاه المواطنين العراقيين العاديين، وتجاه
الملايين الذين فقدوا أسرهم وبيوتهم وأمنهم وممتلكاتهم ومصدر رزقهم.
ولا يعني ذلك أنه على الولايات المتحدة التحرك بمفردها لحل مشاكل
اللاجئون العراقيون، بل يتعين عليها التعاون مع المنظمات الدولية
كمفوضية اللاجئين العليا التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الدولية
للهجرة اللتين تعملان معاً لمد يد العون إلى النازحين داخل العراق.
وفي هذا السياق يتعين على الولايات المتحدة أن تخص نفسها بحصة الأسد
في تقديم الدعم المالي لتلك المنظمات الدولية، وتمويل المنظمات غير
الحكومية التي تسهر على مساعدة العراقيين الذين لم يضطروا بعد إلى
مغادرة ديارهم. كما يتعين على واشنطن أن توفر الدعم اللازم للمفوضية
العليا للاجئين حتى تتمكن الأخيرة من تخفيف العبء على الدول المضيفة
مثل سوريا والأردن. والأكثر من ذلك يفترض بالولايات المتحدة أن تسمح
لعدد أكبر من اللاجئين العراقيين الدخول إلى أراضيها في تحرك رمزي
لمساندة الحكومتين السورية والأردنية.
ويضاف إلى الحاجة إلى التعاون الدولي، حسب ألترمان، الحاجة إلى
ضرورة استيعاب هؤلاء اللاجئين خارج منطقة الشرق الأوسط, فضلا عن
التعاون الاستخباراتي، وكل هذا يحتاج إلى قيادة دولية حكيمة، ولكن
الولايات المتحدة لم تقم بما يؤهلها لقيادة العالم. لهذا فإن خاتمة
التقرير التي كتبها "أرميتاج" و"ناي" ركزت بصورة أساسية على ما يجب على
الولايات المتحدة الأمريكية القيام به من أجل استعادة مكانتها على
الساحة الدولية. |