عودة المفخخات لبغداد: صحوة موت ام اثبات وجود للإرهاب

شبكة النبأ: لا تزال رائحة الدم عالقة في الهواء والشارع مليء بتماثيل عرض الملابس المحطمة المتناثرة لكن رد فعل مئات من الأسر العراقية لأعنف هجوم تشهده بغداد  منذ قرابة شهرين هو..الذهاب الى التسوق.

قالت أم فضل وهي امرأة في مقتبل العمر كانت تجرب أحذية مع ابنتيها في متجر على بعد مئة متر من مكان السيارة الملغومة التي قتلت الأربعاء الماضي  15 وجرحت 35 شخصا، كان هذا مجرد انفجار. لا لست خائفة.. الاوضاع تحسنت.

وبعد يوم من وقوع الانفجار في حي الكرادة وهو من أرقى أحياء بغداد أخذ أصحاب المتاجر يزيلون الزجاج المحطم متعهدين بالحفاظ على التقدم الذي تحقق خلال الاشهر القليلة الماضية في اتجاه عودة الحياة الطبيعية الى العاصمة العراقية. كانت متاجرهم مكتظة كما كانت من قبل.

وقال أبو هبة (51 عاما) وهو صاحب متجر لبيع العطور، هذا التفجير لن يؤثر علينا على الاطلاق. لطالما استهدف حي الكرادة لانه يرمز الى الاستقرار في بغداد. مثل هذه الهجمات هي النزع الاخير لثور يحتضر.

وشهد العراق تراجعا ملموسا في اعمال العنف خلال الأشهر القليلة الماضية لكن جماعة دولة العراق الاسلامية السنية التابعة للقاعدة  أمرت باستئناف حملة التفجيرات ضد قوات الامن العراقية في رسالة بثت في موقع للاسلاميين على شبكة الانترنت. وقالت القوات الامريكية انها تتوقع ان يحاول المسلحون توجيه ضربات واسعة النطاق. بحسب رويترز.

وقتل 23 شخصا على الاقل في انفجار أربع سيارات ملغومة الاربعاء الماضي  في انحاء العراق من بينها السيارة التي انفجرت في حي الكرادة بينما كان وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس الذي وصل الى العراق مجتمعا مع قادة العراق في المنطقة الخضراء المحصنة.

وبعد سنوات من العنف الطائفي الذي حول بغداد الى قلعة مليئة بالتحصينات الخرسانية والذي دفع مئات الالاف من سكان بغداد الى ترك منازلهم عادت العاصمة العراقية في الاشهر القليلة الماضية تتنفس من جديد.

وكان حي الكرادة من بين الاحياء القليلة التي جسدت هذا التقدم وظهرت في شوارعه من جديد الشابات العراقيات وهن يتسوقن ويبتعن الملابس المستوردة من الشارع الرئيسي.

وقال عدد من الناس ان تفجير الاربعاء فجر من جديد الخوف المعتاد من ان تتحول اي رحلة تسوق الى رحلة قاتلة.

وقال زيد (22 عاما) الذي يعمل في متجر لبيع ملابس الاطفال، صديق لي قتل في الانفجار وآخر بترت ساقه. انا متأكد من ان هجوم الأمس سيؤثر على ثقة الناس ويقلل المبيعات في المتاجر.

لكن مالك متجر لملابس النساء دمرت اضاءته في الانفجار قال انه دهش للعدد الكبير من الزبائن الذين جاءوا في اليوم التالي.

وقال، خفت انه بعد فترة طويلة بدون تفجيرات ارهابية ان يجيء رد فعل الناس على هذا أكثر قوة. لكن كما ترى انها نعمة ان يكون لديك هذا العدد الكبير من الزبائن في صباح الخميس. الحياة يمكن ان تستمر لان الناس يعرفون ان ذلك كان عملا يائسا.

بداية تدهور.. أم إثبات وجود؟ 

العميد قاسم عطا كبير المتحدثين باسم قيادة عمليات بغداد قال لوكالة (أصوات العراق) إن الانفجارات التي يقوم بها المسلحون هنا وهناك وبين الحين والاخر والتي تستهدف المدنيين في الاسواق والاماكن العامة لاتشكل ظاهرة، ويفسر عودة المفخخات بأنها  محاولة من الإرهابيين لاثبات وجودهم.

مقابل ذلك ابدى العديد من المواطنين مخاوف من أن الامن لم يستتب في بغداد تماما  لأن الجماعات المسلحة مازالت تقوم ببعض أعمال العنف ضد المدنيين .

الكاسب مازن حسين علو (44عاما من اهالي الكرادة) يقول،  نتوقع التفجيرات في أي لحظة ، لاننا نعتقد بأن الاوضاع الامنية في بغداد لم تتحسن تماما لأن الجماعات المسلحة والانتحاريين مايزالون يتربصون الفرص لقتل اكبر عدد من المدنيين  في محاولة لتقويض الامن.

وأضاف علو، حي الكرادة هو الاكثر استهدافا من قبل الانتحاريين كونه مركزا تجاريا ذو اغلبية شيعية ويقع في قلب العاصمة، وهناك كما يقول حذر بين أهالي المنطقة .

العميد عطا يكشف بأن السيارة المفخخة التي فجرت في الكرادة، لم تأت من خارج المنطقة ، أي انها فخخت في المنطقة، ويعلل ذلك بأن الانتحاري  ليس بأمكانه أن يتجاوز نقاط التفتيش واجهزة الكشف عن المتفجرات. ويشير الى أن العمليات ضد الجماعات المسلحة مستمرة ، وعند السؤال عن الوقت قال، نحتاج الى أشهر حتى نطهر بغداد من الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.

نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب عبد الكريم السامرائي يقول، هناك تحسن ، ولكن الأمن لم يستتب. وفي حديثه لـ (أصوات العراق )  يربط السامرائي  تحسن الأمن بالوضع السياسي، ان استباب الامن في عموم العراق يحتاج الى وقت، ولابد أن يسبقه استقرار سياسي واستقرار اقتصادي.  ويحيل السامرائي استمرار الانتحاريين الى وجود البطالة لانها تشكل مشكلة كبيرة، فبعض العاطلين يحاولون الانضمام للجماعات المسلحة للحصول على المال لقاء تفيذ عملية مسلحة ضد المدنيين او ضد الموظفين والمسؤولين.

ومن جانب آخر اوضح السامرائي بأن استباب الامن  يحتاج الى تجهيز وتدريب قوات الامن العراقية لتمكينها من مسك الارض وأخذ المبادرة ، ولتكون لها القدرة على محاربة الجماعات المسلحة .

من جانب آخر رفض النائب عباس البياتي عضو لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب وعضو الائتلاف العراقي الموحد أن تكون عودة المفخخات دليلا عن تدهور الوضع الأمني بعد التحسن النسبي وقال بأن الاعمال المسلحة المتفرقة هي محاولة من قبل التنظيمات المسلحة ،وخصوصا تنظيم القاعدة ، لاثبات وجودها بعد ان طوردت من قبل مجالس الصحوة ورجال العشائر وقوات الامن ، وبعد ان فقدت حاضناتها وملاذاتها الآمنة.

وأضاف البياتي، أن الاجهزة الامنية العراقية بدأت تأخذ زمام الامور, بعد ان انتزعت المبادرة من التنظيمات الارهابية.  هذه التنظيمات تحاول ان تثبت للرأي العام انها موجودة، وان ما يقال عن القضاء عليها غير صحيح.

أهالي الكرادة يروون مشاهد من الأربعاء الدامي 

لم يكن محمد عمران ذا الثلاثين عاما، يدرك أن السيارة البيضاء التي توقفت بالقرب من بسطيته (بضاعة مفروشة على الرصيف) الصغيرة للملابس المستعملة في حي الكرادة، ستحول المشهد إلى مجزرة تتطاير فيها أشلاء العائدين قبيل الغروب إلى منازلهم في إطراف المدينة.

انتحاري، أو امرأة ركنت سيارة الدايو سلو البيضاء، ثم فجرتها بعد أن ابتعدت إلى مكان آمن. لا فرق، ففي الحالتين كان على صديقه أن يبحث عنه وسط الأنقاض المتطايرة دون جدوى، كنت اجلس معه قبل لحظات من الانفجار، ولكني حين رجعت لم اعثر حتى على ما تبقى منه. هذا ما يقوله الشاب أنمار، لوكالة (أصوات العراق) وهو منشغل بتجميع شظايا الزجاج من أمام محل العطارة الذي يعمل فيه.

ويضيف، كان انفجارا مروعا، احترقت جميع المكاتب في العمارة، لكن الحمد لله لم يتضرر احد من الذين كانوا يرتادون المكاتب أو العيادات الطبية هنا. الانفجار حصل في الجهة المقابلة لنا، والبسطيات التي كانت موجودة هناك مسحت من الأرض، كان البعض منهم أصدقاء لنا نتردد عليهم يوميا لكن لم نعثر لهم على أثر، محمد كان آخر من رأيته منهم.

الشهود الذين وصفوا تفاصيل الحادث تعددت رواياتهم، لكنهم اجمعوا على أن سيارة بيضاء من نوع (دايو سلو) هي التي سببت الحادث المروع. أحمد، صاحب بسطة السيجاير، قال إن امرأة، نزلت من السيارة بعد أن ركنتها بالقرب من البسطات مقابل الحسينية (حسينية عبد الرسول علي) وانفجرت السيارة بعد ذلك بدقائق.  لكن المدرس إبراهيم، يقول إن انتحاريا كان داخل السيارة هو الذي فجر نفسه. ويضيف، أنا كنت على الطرف الآخر من الشارع، ورأيت السيارة حين توقفت، ولم ينزل منها احد." وهذا أيضا ما أكده علي أيوب، المنتسب في شرطة الكرادة، الانتحاري هو الذي فجر نفسه، وقد أخرجنا أوصاله من السيارة، وكان رجلا.

علي الذي يعمل في دورية بالقرب من بسطيات الباعة التي احترقت وقتل أصحابها، يتابع حديثه قائلا "كانت الأشلاء مبعثرة لدرجة يصعب معها التمييز، أنا بنفسي حملت بعض الأشلاء والأيادي المقطعة، وضعنا ما تبقى من أجساد الضحايا في صناديق وأرسلناها في إحدى سيارات الحمل إلى المستشفى."

أهالي الكرادة الذين تجمعوا في مكان الانفجار ساعة وقوعه، قالوا إن الشرطة منعتهم من الاقتراب من مكان الانفجار خوفا من أن تكون هناك سيارة أخرى معدة للتفجير بانتظارهم. لكن أحدهم، وهو سامي عباس، قال انه تسلل إلى موقع الانفجار للمساعدة في إخلاء الجرحى، ويضيف واصفا المشهد "كان بعض رجال الشرطة يحملون مصابيح يدوية للبحث عن بقايا الأشلاء." ويواصل "كان مشهدا مروعا، أطفال كثيرون ذهبوا ضحية ذلك الانفجار، وأنا بيدي حملت أكثر من خمس جثث في سيارة حمل."

احد الشهود الذين منعتهم الشرطة من الدخول، كان يروي بشيء من الانفعال "إحدى النساء قطعت رجلها وجاءت تزحف من وسط الدخان، ساعدناها في الخروج من مكان الانفجار، ولكن سيارات الإسعاف كانت متأخرة، البعض من المصابين كانوا لا يعرفون ماذا يفعلون من هول المشهد."

الجرافات التي كانت تقوم بنقل السيارات المحترقة من مكان الحادث، كانت تكشف حجم الرعب الذي سببه الانفجار، يقول احد الشهود بشيء من الحزن، هناك سيارة (كوستر) كانت تقل عددا من المسافرين احترقت بمن فيها. ويضيف، سائقها رعد نعرفه جيدا، توقف بسيارته كي يترجل منها احد الراكبين، وفجأة حصل الانفجار. ويتابع قائلا، هناك سيارات أخرى احترقت، وبعضها تعرضت لأضرار وأصيب من بداخلها.

لكن (أم عباس) تحمّل الجيش الأمريكي مسؤولية ما حدث، وتشرح فكرتها، وجود الأمريكيين في المكان وتطويقهم المنطقة وحركتهم المفاجئة، حدثت قبل الانفجار بوقت قصير. وتواصل، كنا نتوجس خيفة كلما مر الأمريكيون من هنا أو دخلوا أحياءنا، ونعرف حينها أن هناك حادثا سيحصل.

مواطنون آخرون قللوا من صحة هذا الرأي، معتبرين أن التأهب الأمني مهما كان مشددا، لابد أن يصاحبه بعض الفتور. ويقول  علوان التميمي (متقاعد)، إن اعتماد الحكومة على حالة التهب الأمني المتواصل لا يكون مجديا دائما، ومنفذو العمليات الانتحارية يتحينون أي فرصة أو فتور في التفتيش أو الإجراءات الأمنية، لينقضوا علينا بسياراتهم التي لا ترحم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 9 كانون الاول/2007 - 28/ذوالقعدة/1428