لاحظ المهتمون بالسياسة والاقتصاد والاعلام، ان تغيرا لافتا للنظر
قد طرأ على توجهات الاعلام الحكومي في الاسابيع القليلة الماضية. فقد
استحدثت نشرة اخبار اقتصادية يتلى على الناس خلالها عن منجزات الحكومة
في الحقول الاقتصادية.
وقد استبشرت شخصيا لهذا التوجه، فهو بالفعل ما تحتاجه حكومة البلاد
لوضع المواطنين امام صورة ما يجري في كافة مجالات الحياة. ولتتيح لهم
التعرف عن قرب على انجازات كثيرة قد تحققت، وعلى الكثير منها التي في
طريقها الى الانجاز، وان الجانب الامني ليس الا واحدا منها. وقد نالت
خطة فرض القانون حيزا هاما من السياسة الاعلامية الجديدة التي يتابعها
المواطنون يوما بيوم بشغف بالغ مما تطلب من مسؤوليها ضمان المصداقية في
بث وتناقل اخبارها.
ومن خلال متابعتي لهذه النشرة وللاسف، لم اسمع عن فرص عمل جديدة تم
استحداثها، او انجاز مصنعا حديثا باشر بانتاج سلعا جديدة تم
تداولها،اومصنعا واحدا معطلا اعيد تاهيله بكامل طاقته وايديه
العاملة.ان الاخبار الايجابية تعزز الروح الوطنية وتعمق الشعور
بالمسؤولية تجاه الوطن، وترسخ حب المواطنين لسلطة هيئت لهم العمل
والكسب الحلال، وسهلت فرص تكوين العائلة وانجاب الاطفال رموز النمو
والابداع والامل.!
لكني على العكس سمعت اخبارا عن غلق مجمع البتروكيماويات في البصرة،
الذي يدفع باكثر من اربعة الاف عامل الى البطالة، ويرمي عشرات الالاف
من افراد عوائلهم الى العوز والفاقة والحرمان. ولو حدث هذا في عهد صدام
لوجهنا له اللعنة وشجبنا قراره بالتاكيد.
في اخر نشرة اقتصادية ليوم الاثنين 4/12/2007 خرج مقدم الاخبار
بحزمة من الاخبار كان احدها عن اقامة جسر لعبور السابلة في منطقة
ريفية. كان عرض الجسر مترا ونصف المتر وطوله عدة امتار. وحول اهمية
الجسر لكلا المنطقتين التي يربط بينهما جسر المشاة، تحدث مندوب قناة
العراقية مع مواطنين من سكنتها عن اهميته لتطوير الحياة وتسهيل انتقال
المواطنين والسلع من والى الجانبين. كما عرضت القناة لقطات عن حفارة
ميكانيكية تقوم بتعريض قناة مائية سبق للنشرة الاقتصادية ان عرضتها عدة
مرات قبل ذلك. ليس هذا ما ينتظره ملايين العاطلين عن العمل من حكومة
العراق الجديد.
ورد في النشرة شيئا عن قضية الطاقة الكهربائية وكيف انها ستتحسن
خلال الايام القادمة في بغداد بعد اضافة كذا ميغا واط الى الشبكة
اعتمادا على تصريح لوزير الكهرباء. واستمر في نفس الموضوع وصورة وزير
الكهرباء على الشاشة، مبينا ان الوزير( سيوقع)عقدا لبناء محطة للطاقة
الكهربائية بطاقة 550 ميكا واط، بعد ان تمت موافقة رئيس الوزراء على
المضي قدما بالمشروع الذي ستنجزه شركة صينية بكلفة حوالي مليار دولار.
واضاف ان الوزير في طريقه الى الصين لتوقيع العقد فيماعلمت! في
اليوم التالي ان الوزير في بغداد وانه قد تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة من
قبل مجهولين. ان المواطن الذى شبع حد التخمة من مثل هذه الاخبار في
الماضي،لن يكون مستعدا ابدا لتصديقها قبل ان يرى ان التيار الكهربائي
قد انار اضواء بيته وشغل ثلاجته ومكيفات الهواء فيه.
و بنفس نشرة الاخبارذكر ان محطة الطاقة الكهربائية في الزبيدية
متوقفة عن العمل، بسبب النقص في الموارد المائية في نهر دجلة الذي
تعتمد عليه المحطة. لنتصور شحة في ماء دجلة الخير، فهل لقناة العراقية
اقل احباطا من هذا الخبر المشؤوم ؟
وعرض في النشرة ايضا السيد احمد الجلبي وهو يزور محطة الطاقة
الكهربائية في اليوسفية، برفقة وفود من رؤساء العشائر والاهالي ومجموعة
كبيرة من الموظفين المرافقين له حيث تحدث عن اهمية المحطة لمستقبل
امدادات التيار الكهربائي الى بغداد، وعن اهمية المباشرة لاعادة العمل
فيها، لاستكمال انشائها بعد ان هجرتها الشركة المنفذة من دون توضيح
الاسباب.
لكن مقدم البرنامج قال شيئا اخر، حيث ذكر ان 60%من اعمال المحطة قد
انجز وستكون جاهزة للعمل في الشهور التالية. وكان واضحا جدا من مشهد
الاتربة المتجمعة على الاجهزة وحولها، والمواد المبعثرة في كل مكان، ان
محطة الطاقة في اليوسفية هي ليست الا انقاض محطة هجرها ليس المقاول
فحسب بل الوزارة المسؤولة. ويعكس المشهد الصورة الحقيقية لعدم الشعور
بالمسؤولية لدى مسؤولي الدولة، والغياب الكامل لنظام المتابعة بدء من
الحكومة المركزية ونزولا الى اصغر وحدة ادارية.
خلال الستين شهرا الماضية منذ الاحتلال ولحد الان استمعنا الى مثل
هذه الاخبار! كثيرا، في وقت كانت امدادات الطاقة تتناقص بدل ان تزيد او
تتحسن. وثبت فيما بعد(بعد هروب الوزيرين) ان الوزيرين السابقين اللذان
تناوبا على وزارة الكهرباء مطاردان من قبل القضاء بسبب الاختلاس
والفساد المالي.
وثبت في ما بعد ان كل الاعلانات حول الاتفاقيات التي وقعت مع الدول
المختلفة لتشييد محطات للطاقة الكهربائية لا اساس لها من الصحة.
وكان على وزير الكهرباء المحترم(راجين له السلامة مما تعرض اليه)
ان يعمد لاعادة تشغيل المحطات العاطلة في الزبيدية واليوسفية والدوره
والتاجي وغيرها، قبل ان يفكر في التعاقد على بناء محطات جديدة، التي قد
تنتهي الى ماانتهت اليه شقيقاتها الاخريات. والعالم يعرف ان العقود
الجديدة تضمن عمولة مجزية للمفاوضين حولها،وهو ما كان وراء تقاعس وزراء
( الفساد الكهربائي) السابقين سراق النور والدفئ من بيوت العراقيين
الطيبين. |