صناعة المستقبل والتخطيط

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ:  لايكفي ان تكون للسياسي يدان نظيفتان بل يجب ان تكون له عينان صافيتان ايضا.. ويقول في هذا المعنى فديركو ماريو مدير اليونسكو السابق في كتابه عالم جديد: يجب ان نستعد للزمن الطويل وان نمد انظارنا الى امام لأبعد مدى ممكن، ويجب ان نتوقع الاتجاهات وان نحتاط للتطورات من اجل التوافق معها او التحول عنها فلا يمكن ان نقبل ان يلومنا اطفالنا باننا كنا قباطنة سيئين واننا لم نكن على مستوى تحديات الزمن فقذفنا السفينة على صخور دلت عليها كثير من الوقائع.

نتطلع كل يوم حولنا فنجد اهل هذا الحاضر يقرضون باسنانهم الجسور التي توصل الى المستقبل دون مهادنة فالعالم يُصرف وكأنه بلا غد، ويُهدر وكأنه بلا رقيب والاقتصاد قد اغنى القلة وهو مستمر على افقار الجميع وقارات باكملها لا تزال تعيش دون اهتمام بالمستقبل فالعولمة اذن هي عولمة البؤس وغسل الاموال الاجرامية والجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية والاوبئة وتدهور البيئة.

الاجيال المتلاحقة لا تزال ترث وتورث ويلات الحروب ولا شئ سواها فهو عالم مجنون ومتقاتل ومندفع في تنافس مريع وموغل في ثقافة الابادة وازالة القيم وتسخيف مبادئ الانسان الصالح وواجباته تجاه العالم الذي يعيش فيه.

يقول البحارة القدماء في بعض حكمهم ( ليست هناك ريح مؤاتية للبحارة الذين لا يعرفون الى اين هم ذاهبون.).

يقول ماريون من الافراد الاكثر فقرا في العالم، يتعين عليهم ان يتقاسموا الواحد بالمائة من الدخل العالمي في حين ان العشرين بالمائة الاكثر غنى تخرج حصتهم بنحو الـ85 من دخل العالم!.

ولائحة البؤس الرسمية لا نهاية لها فنحو مليار يعانون المجاعة وملياران يعانون سوء التغذية ومليار فرد لا يحصلون على خدمات صحية ومليار ونصف لا يعرفون المياه الصالحة و 80 بالمائة من سكان الارض لا صلة لهم بوسائل الاتصالات الاساسية

لاعلاقة لأحد بالمستقبل انه ليس هما من هموم الحاضر وهناك مائة مليون طفل على الاقل يعيشون في الشوارع في الوقت الحاضر، تدفع بهم الهجرة من الارياف الى المدن او تشردهم او شردهم التفكك الاسري الناتج من سوء الحال المعيشي وعلى نحو فاحش.

وعندما نلفظ كلمة اطفال الشوارع فاننا نعني بذلك ان هناك جيل كامل يقع فريسة عصابات المخدرات والبغاء واعمال الشر.، فلا مؤسسات مستقبلية في العالم العربي فعندما ترى ميتما او مدرسة مجانة او راعيا لطلاب محتاجين تدرك ان صناعة المستقبل لا تزال تحبو بينما المشكلة نفسها من عمر الدهر.

ان الرعاية مهما بلغت من القوة ليست في مستوى ان تكون برنامجا منظما للمستقبل فان الرعاية هي نوع من المدارات لحالة اجل ما تفعله لها انها تحافظ عليها كمسكن ليس الا اي انها تبقي الحال كما هو عليه في انتظار حكم الزمن والذي لا يحكم بغير التفاقم والانفلات الى ما هو اعم للحالة ذاتها.

فانعدام التخطيط انتج وينتج حالات كارثية تعاني الشعوب منها كثيرا وتكون من اساسيات تخلفها وانحدارها ونزولها في اليوم القادم، فالتخطيط عندنا في العالم العربي عموما لا ينظر باكثر من سنة او سنتين لجدوى المشروع وغالبا ما يستعمل للدعايات السياسية ومن ثم يكتسب درجة البتات عندما يخضع للاستعمال فتبرأ عندذاك الذمة وبعدها يتم انهياره ليبدأ المشروع ذاته من جديد وهكذا يتوالى الهدر المستمر لطاقات البشر والمواد والجهد الانساني فلم يكن هناك مشروع نظر اليه على انه مشروع قرن او قرنين من الزمان اخذ في اعتباره تكاثر السكان ومجيء مواليد واتساع مدن وتطور زراعي وتطور صناعي واتساع سياحي وسعة من الخدمات والمواصلات وتناقص الموارد واستهلاك طاقة وانبثاق مدن اخرى وارياف ملحقة وكوارث محتملة وانهيارات وتصدع وبيئة،زيادة في المتدربين من طلاب الجامعات والمعاهد، المدارس الجديدة المستشفيات الضرورية مخازن الحبوب المخازن المبردة الاسواق الجديدة المراسي البحرية الطرق والقطارات المستقبلية التي سوف تضخها صناعة العالم، كل هذه الاشياء مهملة في العين العربية على الخصوص، حتى في ابسط شارع يجري فتحه نتيجة ازمة معينة فان هذا الشارع يجري العمل فيه باعتباره حلا مؤقتا ريثما تفرج الحال بقوة مجهولة او بقوة سحرية تلقائية دون تدخل البشر!!.

فالمصانع البائسة مقاربة للمدن قد يجري ازاحتها في المستقبل خطوة او خطوتين فهي ايضا مؤقتة تتعامل مع الواقع اول باول اي بمعنى انها تفقد الطابع الستراتيجي في كينونتها، المساحات المائية الطبيعية لاتنظر على انها قطاعات سياحية فهي مجرد مساحات مائية لصيادي الاسماك الصغيرة وعمال الملح واذا جرى تسييحها فان التسييح لا يتعدى ضفة من الضفاف قد يرتادها السيكيرون المحلييون وليس سوى ذلك.

ولعل النموذج الاكثر قراءة انما هو النموذج العراقي ففيه تختزل العقلية الواقعية للعربي المتخلف عن المستقبل، فنظرة على المتحقق في الاعمار والتنمية والخدمات تنبئ هذه النظرة بفكرة مريعة للاهدار والفساد وانعدام التخطيط حتى على مستوى الأشهر وليس القرون كما اسلفنا فكل شئ وعلى ردائته فهو تحت الثقافة نفسها، ثقافة المؤقت الآني او كحل غير دائمي لأزمة تحتاج الى حل وقد انطلقت هذه الثقافة حتى في بعض الجوانب السياسية باسم التوافق ومدارات الاحزاب المؤثرة ريثما يتم العبور الى مرحلة اخرى ويحلها الحلال وبهذا اخذ الدستور يفقد بعض اوراقة بصورة متوالية رغم انه حجة جدلية يحاجج بها من يريد باطلا .

اننا بحاجة الى مشروع استراتيجي في المستقبلية، في الجانب السياسي والاقتصادي والتربوي والاجتماعي وان يكون هذا المشروع معيارا وثابتا تقاس عليه جميع الفعاليات المتنوعة ويكون على غرار السيطرة النوعية لايتم اي مشروع كان الا بالمرور على غربيل المستقبلية وان يستوفي شروطها واسسها ومعايرها وعلى تنوع مستويات تلك الفعاليات كبيرة او صغيرة وترتبط جميع المقاولات بل جميع المقاولين ايضا بهذه المستقبلية، فالمقاول لا يمكن ان يحصل على صفته الا من خلال المستقبلية فعند ذاك نكون قد مشينا في الطريق الصحيح وان نحن بواقع الحال متخلفون ومتخلفون بدرجة كبيرة، لكن ذلك باي حال لا يمنع من البداية، فأهل الكهف رغم نومهم الطويل استيقضوا اخيرا، وكانوا حجة وعبرة.

المصادر:

سمير عطا الله: مختارات من الفكر والثقافة

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6 كانون الاول/2007 - 25/ذوالقعدة/1428