حق التعليم وكفالة اليتيم

في اتفاقية حقوق الطفل والتشريعات العراقية النافذة

القاضي سالم روضان الموسوي

 المقدمة

الإنسان هو محور الكون الذي تدور حوله كل الأشياء والمسخرة له في كل ألازمان والأمكنة وجعل الإنسان آية من آيات الله العظمى الذي خلقه في أحسن صورة الآية 4 من سورة التين ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)) وكرمه الله تعالى واصطفاه من بين سائر الكائنات سورة الإسراء الآية 70 ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)) وجعل الإنسان خليفة الله في الأرض سورة البقرة الاية30 ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)) ووردت في الشرائع السماوية الكثير من الأحكام والفرائض الشرعية التي توجب على الإنسان الالتزام بها والتقيد بمفاهيمها لانطوائها على منافع ومصالح جمة له ولسواه من مثله ومثل غيره من الكائنات، حتى ختم الله عز وجل الرسالات السماوية بأكمل رسالة جمعت كل شيء ووضعت حكماً لكل شيء غير زمانية او مكانية خالد خلود الدهر يعمل بها الإنسان في حياته ويسأل عنها عند يوم حسابه وهذه الرسالة هي الرسالة المحمدية الإسلامية الجامعة المانعة وفيها وردت أحكام وفرائض لم يصل إليها العقل البشري لحد الآن من تصور لأحكامها وانه وعلى الرغم من مرور أكثر من ألف وأربعمائة عام على نزولها إلا أن عقل الإنسان لم يصل إلى جزء بسيط مما ورد فيها من قيم ومبادئ، وجل ما وصل إليه هي تلك المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية التي لا تعدو عن كونها ترجمة لما ورد في الشريعة الإسلامية من أحكام سواء تجاه الإنسان وكرامته وحقوقه أو تجاه الأرض والبيئة ومنع الاعتداءات والعدوان وسواها.

 وحيث إن هدف هذه الاتفاقيات هو الإنسان وكرامته مثلما ورد في الشريعة الإسلامية التي جعلت التكليف والحساب والعمل مرتبط بإنسانيته وتمام وكمال عقله وعلمه. وجميع هذه الاتفاقيات كانت قاصرة عن الوصول الى الكمال الذي ينشده الإنسان في ضمان حقوقه من الاعتداء والخرق من قبل أبناء جنسه سواء كانوا حكاما او محكومين ولسعة حجم الحاجات الإنسانية للفرد انبثق التخصص والتجزئة لضمان الحقوق لهؤلاء الأفراد حيث تم إصدار العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق النساء والأطفال وأسرى الحرب وسواها، ومن بين هذه الاتفاقيات اتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 44/22 المؤرخ في 20/تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 وتاريخ بدء نفاذها في 2/أيلول/سبتمبر/ 1990 وكذلك البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية، و البروتوكول الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة المعتمدين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25/أيار/2000 بموجب قرارها المرقم 263/45، وهذه الاتفاقيات قد تم المصادقة عليها من قبل العراق إلا أن بعض هذه الحقوق، والتي اكدت عليها هذه الاتفاقيات، لم تراعى بشكل ينسجم وأهداف هذه الصكوك الدولية مما دعت الحاجة الى التركيز عليها والدعوة الى معالجتها تشريعيا من اجل خلق طفولة هانئة لأطفالنا الذين عانوا من ويلات الحرب والتيتم والإرهاب.

 لذلك سأركز في هذه الدراسة الميسرة على ثلاث مباحث الاول يتعلق بحق التعليم للطفل والثاني بكفالة فاقد الرعاية الاسرية وخصوصا اليتيم، كما سأتولى في المبحث الثالث النتائج والمقترحات التي أرى من الضروري العمل على اصدار التشريعات اللازمة لمعالجة النقص التشريعي في المنظومة التشريعية العراقية، و أتنمى أن أكون قد لامست وجع الحقيقة في التشخيص والطرح في المعالجة.

المبحث الأول

حق التعليم

اهتم الإسلام بالعلم حينما جعل العلم فريضة على كل مسلم وأشير إلى ذلك في العديد من آيات القران الكريم ما جاء في سورة العلق الآية 1 ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)) وفي سورة النساء الآية 113 ((لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما)) بالإضافة إلى أن القران الكريم (يذكر العقل في مقام التعظيم والتنبيه و وجوب العمل به والرجوع إليه).

 وفي الأحاديث النبوية الشريفة ووصايا ألائمة وفقهاء وعلماء الإسلام الكثير من الدلالات الصريحة والضمنية على إن طلب العلم أمر إلزامي حتى يرتقي الإنسان بذاته من شهواتها الحيوانية إلى رؤى العقلانية الملائكية، ونظراً لقصور الإنسان عن الوصول إلى كمالات الخالق عز وجل استمر هذا الإنسان الضعيف بالعمل الحثيث على أن يبني لذاته حماية من خلال الاتفاق على بعض المبادئ التي اتسمت بالعمومية والشمولية المكانية فأخرجت على أوصاف اتفاقيات أو عهود أو صكوك او مواثيق دولية وضمت هذه الصكوك مبادئ كثيرة ومنها حق التعليم وجعله أمر إلزامي واذكر منها على سبيل المثال ما جاء في بعض هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق باعتباره دولة طرف فيها و كما يلي:-

1. المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 217/أ (د-3) في 15/12/1948. والتي تنص على ما يلي ((لكل شخص حق التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجاناً، على الأقل في مرحلته الابتدائية والأساسية.......)) المصادق عليه من قبل العراق.

2. المواد 19،18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها المرقم 2200/أ في كانون الأول /ديسمبر عام 1966 والذي دخل حيز التنفيذ في 23/3/1976.

3. المواد (28،17،4،3) من اتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 24/25 في 20/11/1989 والنافذة اعتباراً من 2/9/1990 والمصادق عليها من قبل العراق.

4. المواد (15،13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصادق عليه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 2200/أ (د-21) في 16/2/1966 والذي دخل حيز التنفيذ في 3/1/1976.

وترى من خلال ما تقدم الاهتمام الذي توليه الشريعة الإسلامية السمحاء والمواثيق الدولية تجاه حق التعليم وجعله بمنزلة الحق الملزم لكل فرد وعلى كل مؤسسة اجتماعية او شعبية او حكومية أن تساهم في توفيره إلى الناس كافة، ولم يغفل الدستور العراقي النافذ هذا الحق إذ أشار إليه في نص المادة (34) من الدستور التي تنص على ما يلي:ـ

 ((أولاً:ـ التعليم عاملٌ أساس لتقدم المجتمع وحقٌ تكفله الدولة، وهو إلزاميٌ في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الأمية.

ثانياً:ـ التعليم المجاني حقٌ لكل العراقيين في مختلف مراحله.

ثالثاً:ـ تشجع الدولة البحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الإنسانية، وترعى التفوق والإبداع والابتكار ومختلف مظاهر النبوغ)).

وبعد العرض المذكور نلاحظ إن العراق مثل سائر دول العالم الثالث التي يقع ضمن توصيفها، يعاني من ألأمية وفي تقارير الأمم المتحدة حول معدل ألأمية يشير إلى إن نسبة الأمية في العراق تمثل نسبة 6,59% من مجموع السكان منها 1,44% تمثل نسبة الذكور الأميين و 6,75% نسبة الإناث الأميات. وهذه النسبة توضح بان أكثر من نصف المجتمع يعاني من الأمية والجهل مما يعدم إمكانية النهوض بالعراق والارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة وهذه الأمية تعني عدم القراءة والكتابة التي تشير إلى أن أكثر من نصف المجتمع لم يدخل المدرسة ولم يتعلم القراءة والكتابة، وقد تكون لمثلهم من الذين يلمون إلمام بسيط بالقراءة والكتابة ولم تتمكن من تحديد النسبة لعدم توفر الإحصائيات الدقيقة، وهذا الأمر يجب أن يقف عنده كل مهتم بالتنمية الاجتماعية، حيث نرى إن العراق في الوقت الحاضر قد دخل في دوامة العنف والجريمة المنظمة والإرهاب وسيادة الفوضى وتسلط الأميين والجهلاء على المقدرات، مما اضعف كيان المجتمع واوهن جهد الدولة ويعلم الجميع إن فئة الأميين هي الفئة الأكثر استهدافاً للاستقطاب للقيام بالعمليات الإجرامية والإرهابية، ومن خلال تجربة الأعوام الثلاث الماضية شاهدنا إن لمعظم المجرمين العتاة والسفاحين والقتلة هم من الأشخاص الذين لم يحصلوا على تعليم أو إن تعليمهم بقدر ضئيل جداً.

لذا علينا ان نلحظ هذا الأمر ونعالجه بشكل جدي حتى نتمكن من خلق مجتمع متعلم يعرف كل فرد حقوقه والتزاماته ويساهم في القضاء على العنف والإرهاب، إذ أن السلاح والقوة وحدها لا تكفي لمعالجة هذه الأزمات الاجتماعية في البلد. وبما إن التعليم يبدأ من المراحل الأولى لحياة البشر لذا وانسجاماً مع أحكام الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية ومبادئ الدستور أن نجعل التعليم الابتدائي إلزاميا على كل فرد بلغ السادسة من العمر وأصبح في سن الدخول إلى التعليم الابتدائي، وبما أن مجرد النص على إن التعليم إلزامي لا يكفي لوحده ما لم يقترن بإجراءات أخرى تعتمد على مبدأ الثواب والعقاب، وبما إن الطفل في هذه السن المبكرة غير قادر على رعاية شؤونه وإدراك مصلحته، أرى أن يكون رب الأسرة سواء كان الأب او إلام حيث إن المسؤولية مشتركة، هو محل الإلزام ومسؤول تجاه الدولة في حال عدم تسجيل أبنائه في المدرسة أو عدم إعادتهم إلى الدراسة عند تركهم لها.

المبحث الثاني

كفالة الطفل اليتيم

الطفل اليتيم ورد ذكره في اتفاقية حقوق الطفل في المادة (20) الفقرة (1) عندما عرفته بالطفل المحروم من بيئته العائلية بصفة مؤقتة او دائمة ثم خصصت في الفقرة (1) من المادة المذكورة مفهوم الرعاية البديلة التي من بين أنواعها كفالة اليتيم وعلى وفق ما أشارت إليه أحكام الفقه الإسلامي ثم بينت الفقرة (3) من ذات المادة الى كفالة اليتيم على وفق أحكام الشريعة الإسلامية وذلك تمييزا لها عن مفهوم التبني الذي لم تقره الشريعة الإسلامية على وفق الاسباب التي أوردها فقها المسلمين بينما في الشرائع ومذاهب الأمم الاخرى التبني مباح، اما القانون العراقي فقد تعامل مع اليتيم الا انه لم يحدد تعريف لليتيم وإنما وردت أوصاف ومفردات لكلمة اليتيم أو الأيتام في العديد من التشريعات العراقية ومنها ما يلي:-

1. الفقرة (11) من الجدول الملحق نظام رسوم المحاكم الشرعية لسنة 1919 الصادر في 11/4/1919

2. القانون الوقتي للمرافعات الشرعية لسنة 1920

3. القانون الاساسي العراقي لعام 1925 والذي يعتبر اول دستور للعراق

4. قانون طائفة الارمن الارثوذكس الصادر 5/16/1931

5. نظام ادارة الميتم الاسلامي ببغداد رقم (8) لسنة 1932

6. تعليمات التفتيش العدلي الصادرة في 12/3/1933

7. قانون التبليغات القانونية للعسكرين رقم (22) لسنة 1934

8. قانون تحرير التركات وادارة اموال القاصرين والغائبين والمحجوزين رقم (27) لسنة 1934

9. القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951

10. قانون ميزانية الاوقاف للسنة 1942 المالية رقم (32) لسنة 1942

11. قانون ميزانية الاوقاف العامة لسنة 1944 المالية رقم (17) لسنة 1944

12. قانون المؤسسات الاجتماعية رقم 42 لسنة 1958

13. قانون التبليغات القانونية للعسكريين رقم 106 في 8/29/1960

14. قانون الضمان الاجتماعي رقم (140) لسنة 1964

15. نظام رعاية الاحداث رقم 52 الصادر في 6/4/1964

16. نظام وزارة العمل و الشؤون الاجتماعية رقم (39) لسنة 1967

17. نظام التعديل الاول لنظام المعاهد الخيرية للادارات المحلية رقم 12 لسنة 1961

18. نظام التشكيلات الادارية للحكم الذاتي في منطقة كردستان رقم 4 قي 1/13/1975

19. تعليمات دور الحضانة الايوائية عدد (4) لسنة 1978

20. تعليمات صندوق الزكاة رقم 1 لسنة 1988

21. القبول في قرية عائلة العراق تعليمات رقم 3 لستة 2001

22. تعليمات تخصيص مصروف جيب يومي للايتام رقم 15 لسنة 2002

فهذه البيبلوغرافيا البسيطة لبعض التشريعات في المنظومة القانونية العراقية حول تناولها لمفردة اليتيم او الأيتام لم تحدد تعريف صريح ومحدد لليتيم وإنما ورد على العموم، تاركه أمر توصيفه إلى القواعد العامة، ففي نص الفقرة (و) من المادة (2) من التعليمات المالية رقم (2) لسنة 1970 لتعديل التعليمات المالية عدد 4 لسنة 1962 ورد توصيف لليتيم بأنه القاصر فاقد الأب وعلى وفق ما يلي (لا تعفى من الضريبة العرصة التي يملكها شخص قاصر بسبب عدم إكماله سن الرشد المعين قانونا إلا إذا كان القاصر يتيما فاقدا أباه وفقير الحال فعندئذ يحق له التمتع بالإعفاء عن عرصة واحدة حتى بلوغه سن الرشد) وهذا التوصيف حدد ان اليتيم هو قاصر وهذا يحيله الى التعريف الوارد في قانون رعاية القاصرين كما تضمن ان اليتيم هو فاقد الأب ولا يعتبر يتيما من فقد أمه كما انه قد حدد نهاية اليتم ببلوغ سن الرشد، لكن ورد في قانون الضمان الاجتماعي توصيف اخر لليتيم اذ اعتبر القانون اليتيم الذي يكون من عيال المتوفى المستحق للراتب التقاعدي هو من فقد الأبوين وليس من فقد احدهم اذ لم يعتبره من الأحفاد الأيتام وعلى وفق نص الفقرة (ج) من المادة (39) من قانون الضمان الاجتماعي رقم (140) لسنة 1964 التي تنص على أن (الحفيد (اليتيم) لأبوين دون الخامسة عشرة من العمر إذا كان الشخص المضمون أو المتقاعد يعيله عند وفاته)، بينما حدد اليتيم بالذي لايتجاوز الثامنة عشر من العمر على وفق ماورد في نص المادة (2) من تعليمات القبول في قرية عائلة العراق رقم 3 لسنة 2001 ونصها ما يلي (يقبل في القرية الايتام من الذين تتراوح أعمارهم من اليوم الأول وحتى اكمال الثامنة عشرة من العمر).

 وفي نظام ادارة الميتم الاسلامي ببغداد رقم (8) لسنة 1932 حدد عمر اليتيم بسن الخامسة عشر ومن يتجاوز ذلك كان يطرد من الميتم بمعنى ان حد اليتم عند الخامس عشر على خلاف ما ورد في التشريعات الأخرى التي أشرت إليها كما ان هذا النظام قد اعتبر اليتيم أيضا من فقد أبويه وعلى وفق ما ورد في نص المادة (4) من النظام (يشترط لقبول (اليتيم) ان لا يكون له من يقدر على اعاشته ممن يكلف بها شرعا ويرجح عند المزاحمة فاقد الابوين على من فقد اباه فقط) بالاضافة الا ان اليتيم يكون ايضا فاقد الابوين وليس الاب فقط اذ ذكرت الفقرة (2) من المادة (8) من نظام رعاية الأحداث رقم 52 لسنة 1964 (فاقد الابوين او احدهما وليس له معيل شرعي قادر على اعالته بشهادة مصدقة من الجهة المختصة) وحدد سن نهاية اليتم بثمانية عشر عام على وفق ما ورد في نص الفقرة (1) من المادة (9) من النظام المذكور، وهذه الاوصاف لليتيم وان تباينت بين ان يكون فاقد الاب او الابوين وكذلك فيما يتعلق بسن انتهاء اليتم فانها لا تخرج عن كون كل يتيم هو قاصر وتراعى شؤونه تبعا لرعاية القاصرين في ظل القوانين النافذة وورد تعربف القاصر وعلى وفق ما عرفته المادة (3) قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 المعدل (1 ـ الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد وهو تمام الثامنة عشر 2ـ الجنين 3ـ المحجور الذي تقرر المحكمة انه ناقص الأهلية أو فاقدها 4ـ الغائب أو المفقود) ولابد من الاشارة الى ان سن الرشد بأنه (ثمانية عشر سنة كاملة تحتسب من تاريخ تمام ولادته حياً) على وفق احكام المادة (105) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل وان ابتداء شخصية اليتيم مثلما يتم تحديد شخصية الإنسان التي تسمى الشخصية الطبيعية اعتبرت ذلك ابتداء الشخصية الطبيعية للإنسان وتنتهي بموته على وفق أحكام المادة (45) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل.

 وهذا الامر لم يقتصر على المنظومة القانونية العراقية وانما وجدت أن بعض القوانين العربية سارت على نفس النهج الذي سار عليه القانون العراقي من عدم تحديد تعريف معين ومحدد لليتيم وفي المملكة الأردنية الهاشمية يوجد قانون يسمى قانون الأيتام رقم 69 لسنة 1953 المعدل وعلى الرغم من انه يحمل عنوان قانون الايتام الا انه لم يحدد تعريف لليتيم وانما ذكره على اعتباره قاصر لان هذا القانون وجد لتحرير تركة المتوفى عند وجود وريث لم يكمل الثامنة عشر من عمره، وهذا يقودنا الى السؤال عن الطفل او القاصر او الحدث الذي يفقد رعاية الاب لفقدانه وفي العراق وباقي الدول التي عانت من الحروب يكثر فيها القاصرين فاقدي الأب لا لوفاتهم بل لفقدانهم وعدم معرفة مصيرهم، ما هو مركزه القانوني تجاه تعريف اليتيم لذا فان النظرة إليه يجب أن تكون جدية لمعالجة أوضاعهم لأنهم يختلفون عن مجهول النسب او اللقيط، الذين نظمت أحوالهم في القوانين النافذة أو على مستوى الشريعة الإسلامية.

وهذا التوسع في بيان التعريف هو للوصول الى معنى محدد يمكن التعامل معه في ضمان حق الطفل اليتيم على وفق ما اشارت اليه اتفاقية حقوق الطفل في نص الفقرة (2) من المادة (20) التي جاء فيها (تضمن الدول الاطراف، وفقا لقوانينها الوطنية، رعاية بديلة لمثل هذا الطفل) وعبارة لمثل هذا الطفل يقصد بها الاطفال الذين فقدوا الرعاية الاسرية ومن بينهم الطفل اليتيم، الا ان المشرع العراقي افرد العديد من الاحكام القانونية لليتيم على الرغم من ادماجه بوصف القاصر ومنها ما يلي:ـ

1. الأحكام القانونية في الأحوال الشخصية المتعلقة في الزواج،النفقة، والوصية الواجبة

2. الأحكام القانونية في رعاية أموال اليتيم المتعلقة بإدارة أموال اليتيم، المراقبة والمحاسبة للأولياء والأوصياء، إعادة أموال اليتيم، ضم اليتيم (كفالة اليتيم)

3. الأحكام القانونية العقارية، المتعلقة بعدم جواز إزالة شيوع العقار الذي يكون احد الورثة الذين أل إليهم إرثا قاصر على وفق أحكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 1041 في 17/8/ 1982، والقرار 1497 في 19/11/1982 إزالة شيوع الدار المسكونة من قبل ورثة المتوفى القاصرين أو زوجة المتوفى أو كليهما، وهذا الامتياز لم يشمل به أي قاصر آخر سوى اليتيم ومن تطبيقات القضاء العراقي احد القرارات القضائية الحديثة قصر هذا الامتياز على القاصرين الأيتام من أولاد المتوفى ولا يسري على أحفاده على اعتبار إن الأحفاد لا يرثون من جدهم،لذلك نرى ان القانون لم يتمكن من مسايرة المتطلبات التي أوجبتها اتفاقية حقوق الطفل لضمان رعاية متكاملة للطفل كما لابد من الالتفات الى أمر خطير جدا أغفله المشرع العراقي يتعلق بموضوع المتاجرة بالاطفال التي لم يحدد القانون مقدار العقوبة التي تطبق على الذي يتاجر بالاطفال سواء كانوا ايتام ام غير ايتام والتي نظمها البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الاطفال واستغلال الاطفال في البغاء وفي المواد الاباحية المعتمد من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة في 25/ايار/2000 بموجب قرارها المرقم 263/45، مع ان قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 قد أعطى الاختصاص في حكم هذه الجرائم للقانون العراقي والنظر فيها للقضاء العراقي وذلك بمقتضى حكم المادة 13 من قانون العقوبات العراقي المعدل، إلا أن نصوص القانون المذكور في هذا المجال لم تتضمن عقوبة محددة لهذه الجريمة وهو نقص تشريعي خطير اذا يذكر القانون جريمة باعتبارها من اختصاصه ثم يغفل معاقبتها.

المبحث الثالث

النتائج والمقترحات

من خلال العرض المبسط لموضوع اتفاقية حقوق الطفل وتعلقها بضمان حقق التعليم وكفالة الطفل اليتيم وعدم جعله بضاعة يتم التجارة فيها فان التشريعات العراقية لازالت قاصرة عن بلوغ ما نصبوا اليه من تكامل تشريعي يلبي كافة متطلبات العيش الرغيد للاطفال في العراق في ظل الظروف التي يعاني منها من قتل وتشريد وارهاب وتيتم وانعدام الرعاية الاسرية اما لفقدان الاب او الام او لفقدان الامن والاستقرار التي بمجملها انعكست سلبا على الاوضاع السائدة في العراق ومن خلال تجربة الأعوام الابع الماضية شاهدنا إن لمعظم المجرمين العتاة والسفاحين والقتلة هم من الأشخاص الذين لم يحصلوا على تعليم أو إن تعليمهم بقدر ضئيل جداً وزلغرض معالجة هذه الاوضاع الشاذة والسعي للنهوض بواقع الطفولة اتقدم ببعض المقترحاتن التي تستوجب التدخل التشريعي وكما يلي:ـ

1. جعل الأب والأم ملزمة بتسجيل الطفل في المدرسة عند بلوغه سن السادسة ومتوفر على الشروط الصحية والعقلية.

2. في حال تسجيل الطفل واستمراره بالدراسة يمنح الأب مخصصات تقدر بمبالغ تسمى في القانون عن كل طفل يتم تسجيله في الدراسة ومستمراً فيها مع بعض الضوابط المتعلقة بسنين الرسوب وسواها.

3. في حال عدم التزام الأب أو الأم الموظفة في تسجيل الأبناء المشار إليهم أعلاه تحجب عنهم تلك المخصصات بالإضافة إلى إخطارهم بأنهم سيتعرضون إلى عقوبات أخرى في حالة استمرار عدم تسجيلهم أو استمرارهم في الدوام المدرسي.

4. حرمان الأم أو الأب الذين لم يسجلوا أولادهم على وفق ما ذكر أعلاه من بعض المزايا الممنوحة لهم مثل الأخذ بها بنظر الاعتبار عند المفاضلة في التعيين أو القبول في الوظائف العامة أو الدراسات العليا أو التأسيس والدخول في المنظمات او حتى حرمان الأم والأب من حق الولاية والحصانة على الأطفال أو أي إجراءات أخرى بعد أن يتم التداول فيها مع أهل الاختصاص من علماء الاجتماع والتربية والدين والقانون والاقتصاد وسواهم.

5. منح كافل اليتيم الامتياز بالإعفاءات الضريبية التي تحدد بنسبة معينة من أرباح ذلك الكفيل مثلما معمول به في مجال الأوقاف، إذ يعفى من يساهم في بناء مسجد أو جامع من ضريبة الدخل بمقدار مساهمته في البناء وعلى الرغم من حسنات ذلك الأمر، فان الإعفاء تجاه تشجيع الناس على كفالة الأيتام هو أعظم عند الله لأنه يتعلق ببناء إنسان كرمه الله وخلقه بأحسن تقويم بدلالة قوله تعالى ((لقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا)) وهذا الإنسان سيكون بدوره النواة لتكوين الأسرة والمجتمع الراقي الذي ننشده.

6. تخصيص أرض مجانية لمن يرغب في بناء ميتم مع منحه امتياز الإعفاء الضريبي وإعفائه من كل قيود الاستيراد والمتعلقة باستيراد المواد اللازمة لبناء الميتم.

7. إعفاء من يتكفل يتيماً من كل قيد للسفر او أداء المناسك الدينية واستثنائه منها وتقديمه على سواه عند التزاحم.

8. اعطاء نسبة من الزمالات الدراسية لمن كان يتيماً وحصل على تعليمه في كنف كافل اليتيم مع أولاد هذا الكفيل بالتساوي من اجل تشجيع الأسر على قبول اليتيم معهم.

9. تخصيص راتب شهري للطفل اليتيم حتى وان كان في كنف أسرة تكفله وترعاه من اجل تشجيع العمل على تقديم رعاية أفضل.

10. منح كافل اليتيم وأسرته راتب يقابل رعايته للطفل اليتيم حتى وان كان موسراً، على أن يكون بناء على طلب الكفيل.

11. إعطاء بعض الامتيازات السياسية لكافل اليتيم بتخصيص عدد من كراسي مجالس البلدية او المحافظات لكفلاء الايتام يتنافسون عليها استثناء من الضوابط وذلك لبيان التعظيم لكافل اليتيم في الدنيا مثلما عظم شأنه عند الله.

12. منح اليتيم مع اولاد كافله مجانية التعليم والتأمين الصحي وكذلك تعهد الدولة بدفع نفقات الدراسة في المدارس الخاصة ذات القدرة والامكانية في التعليم.

13. إعفاء أموال اليتيم من الضرائب والرسوم عندما يديرها كافل اليتيم تأسياً بأحكام الشريعة الإسلامية التي أعفت مال اليتيم من الزكاة.

14. فتح باب مساهمة الموسرين والراغبين في باب دعم دور الأيتام الحكومية من خلال تقديم الهبات والمنح المادية او المساهمة التطوعية في العمل في هذه المؤسسات وإعفاء المساهم من الضرائب بنسبة ما يقدم من مساهمة.

15. تخصيص ميزانية كافية في الموازنة العامة تحت باب رعاية الأيتام تشتمل على تخصيص رواتبهم ونفقاتهم ونفقات من يرعاهم وأعمار دور الأيتام وإنشاء البديل منها وسواها استثناء من دور الدولة الأخرى وذلك لخصوصية اليتيم عند الله وعند البشر.

16. تحديد عقوبة لفعل التجارة بالاطفال بموجب نص قانوني يجرم الفعل ويحدد عقوبته بما يتلائم وجسامة الجريمة.

وهذه الأفكار هي خطوة أولى سيتم اغنائها من قبل الآخرين عند التصدي إلى الموضوع بجدية لأننا بحاجة إلى مثل هذه الإجراءات التي الزم العراق نفسه بإتمامها على وفق التصديقات التي أجراها على الاتفاقيات الدولية وعلى وفق ما أشير إليه في أعلاه والتي أصبحت جزء من القانون الوطني الملزم للدولة والأفراد وعلى وفق نص الفقرة (ب) من البند (أولا) من المادة (الثانية) من قانون النشر في الجريدة الرسمية رقم 78 لسنة 1977 وهذه دعوة لكل من يهمه امر العراق وابنائه وسلامته للعمل من اجل إنضاج الفكرة ومؤسسات المجتمع المدني يجب أن تأخذ زمام المبادرة لتحقيق هذه الغاية.

 كما إن المسؤولية القانونية والأخلاقية تلزم أجهزة الدولة وسلطاتها بمعالجة الظواهر الاجتماعية من جذورها وليس معالجة العوارض الوقتية الزائلة وارى إن مكافحة الأمية سينعكس بالإيجاب للقضاء على الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية السائدة في المجتمع العراقي. كما أتمنى أن أكون قد ساهمت ولو بومضة بسيطة في الدعوة إلى الاهتمام باليتيم أكراما لأنفسنا قبل أن نكرم اليتيم لان ثواب من يكفل اليتيم عند الله اكبر وأعظم من كل تكريم دنيوي كما أتمنى أن يكون هذا الجهد المتواضع محتسباً عند الله ولا ادعي أني أكملت العمل بأحسن وجه، ولكن حسبي إني اجتهدت وعند الله الأجر والثواب وهو ولي التوفيق.

.............................

الهوامش

عباس محمود العقاد – التفكير فريضة إسلامية ص 5 منشورات المكتبة العصرية

 اليونسكو – الكتاب الإحصائي السنوي 1999

 الوقائع العراقية - رقم العدد:1893 | تاريخ:6/30/1970 -

 الوقائع العراقية - رقم العدد:1015 | تاريخ:10/10/1964

 الوقائع العراقية - رقم العدد:3883 | تاريخ:6/18/2001

 الوقائع العراقية - رقم العدد:1094 | تاريخ:2/29/1932

 الوقائع العراقية - رقم العدد:1057 | تاريخ:12/31/1964

 الوقائع العراقية - رقم العدد:2772 | تاريخ: 5/5/1980

 الوقائع العراقية - رقم العدد:3015 | تاريخ:9/8/1951

 الجريدة الرسمية الاردنية رقم 1154 / 1953-08-16

 قرار رئاسة محكمة استئناف بغداد- الرصافة الاتحادية/الهيئة التمييزية في 24/1/2007 المنشور في موقع مركز القضاء العراقي للتوثيق والدراسات

 http://www.iraqijudicature.org/qanoun2/brosearch.html

الذي ينص على ما يلي (لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه غير صحيح ومخالف للقانون, ذلك أن محكمة البداءة قضت برد الدعوى بسبب أنها وجدت الدار المراد إزالة شيوعها (306/170 بتاويين) مشغولة جزء منها بالقاصرين (ا) و(ف) و(ر) أولاد (ع) استناداً للقرارين (1041) و(1497) لسنة 1982 دون أن تلاحظ أن الدار تعود لمورث المتداعين (ح) (حسب سند العقار المبرز) وإن القاصرين المذكورين هم أحفاده أولاد إبنه المتوفى قبله حسب القسام الشرعي المرقم (70/2005) وتاريخ 7/2/2005 وإن القرار (1497) لسنة 1982عدل نص الفقرة أولاً من القرار (1041) لسنة 1982 وأصبح منطوق الفقرة المذكورة أنه ((لا يحق للورثة الراشدين إزالة شيوع دار السكن الموروثة إذا كانت مشغولة بأحد من أولاد المتوفى القاصرين...)) بعد أن كان النص قبل التعديل ((لا يجوز إزالة !

 شيوع دار السكن الموروثة إذا كانت مشغولة بأحد من ورثة المتوفى القاصرين أو الزوجة أو كليهما...)) وإن الفرق واضح بين تعبير (أولاد المتوفى) وتعبير (ورثة المتوفى) لذلك فإن المنع المنصوص عليه بالقرار (1497) لسنة 1982 يسري على الورثة الراشدين عندما تكون دار السكن مشغولة بأولاد المتوفى وليس بأحفاده ولما كان القاصرون المشار إليهم ليسوا إنما هم أحفاده فإنهم غير مشمولين بالقرار وكان يقتضي الاستمرار بالدعوى والفصل فيها وفق القانون, وبما أن الحكم المميز قضى برد الدعوى لذا قرر نقضه وإعادة الدعوى لمحكمتها للسير فيها وفق الأصول على أن يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق في 6/محرم/1428هـ الموافق 25/1/2007م.

القاضي جليل عباس علي ـ استغلال الأطفال تجارة قذرة المنشور في جريدة الصباح

............................

المصادر

1. عباس محمود العقاد – التفكير فريضة إسلامية منشورات المكتبة العصرية

2. القاضي جليل عباس علي ـ استغلال الأطفال تجارة قذرة

3. منظمة اليونسكو – الكتاب الإحصائي السنوي 1999

4. الوقائع العراقية

5. الجريدة الرسمية الأردنية رقم 1154 / 1953-08-16

6. القانون المدني

7. قانون العقوبات

8. قانون رعاية القاصرين

9. قانون رعاية الأحداث

10. موقع مركز القضاء العراقي للتوثيق والدراسات

 http://www.iraqijudicature.org/qanoun2/brosearch.html

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 5 كلنون الاول/2007 - 24/ذوالقعدة/1428